لجريدة عمان:
2024-11-22@01:18:25 GMT

شهادات الغزيين على تحولات الأرض الزراعية

تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT

في أحضان قطاع غزة تتسرب الحكايات من بين الجدران، كل منزل يحمل قصة، وكل نافذة تطل على حلم مؤجل.

الأطفال الذين كانوا يلعبون بالكرة في الشوارع، أصبحوا يجلسون على أعتاب البيوت الخاوية على عروشها، يتأملون العالم من بعيد، ويحلمون بمستقبل قد يكون أكثر إشراقًا.

الأمهات اللواتي كن يتبادلن الأحاديث والضحكات أثناء تحضير الطعام، أصبحن يتشاركن الهموم والقلق على مائدة الغداء الخاوية.

وفي الأفق، ترتسم صورة المدينة التي كانت يومًا تعج بالحياة، حيث كان السوق يفيض بالخضار والفاكهة، وكان البائعون ينادون على بضاعتهم بصوت عالٍ ومرح.

الآن، تلك الأصوات قد خفتت، والألوان أصبحت باهته، والحياة تسير بوتيرة أبطأ، وكأن الزمن قد توقف للحظة، ينتظر شروق شمس جديدة تعيد الدفء إلى القلوب والأمل إلى العيون.

يقف المزارع مصعب الكرنز، بعينيه التي تعكس خبرة السنين والأيام، ينظر إلى حقوله التي كانت يومًا ما تموج بالخضرة والحياة، والآن لا تبقى منها سوى الذكريات.

يتحدث بنبرة ملؤها الحنين والأسى، قائلاً لـ«عُمان» خلال حديثه: «كانت هذه الأرض تعطي بلا حدود، الطماطم والخيار والبطيخ، كل شيء كان هنا».

ويضيف: «الخضراوات والفواكه أصبحت كالكنوز النادرة ولا تكفي جميع الناس، الأسعار تحلق في السماء، والفلفل وصل سعره إلى 70 دولارًا، بعد أن كان سعرة دولار واحد».

وتابع: «الناس هنا، باتوا بلا رواتب، ولا يجدون محلات صرافة لقبض ما تبقى من أموالهم».

ويشير وقد امتلأت عيناه بالدموع: «لقد جرفت الجرافات الإسرائيلية كل شيء، الأراضي التي كانت تنبض بالحياة، الآن مجرد صحراء قاحلة، لا محاصيل، لا إنتاج، والمياه والكهرباء أصبحتا من الأحلام».

تتجسد في كلماته صورة الحياة اليومية في غزة، حيث تتشابك أزمات المياه والغذاء، وتتعانق الأمل والألم في رقصة البقاء على قيد الحياة في القطاع المكلوم.

وفي كل زاوية من زوايا هذه المدينة الصامدة، تجد قصة إنسان تحتضنها الجدران، وحلم ينتظر الفجر ليولد من جديد.

وفي زاوية أخرى من المدينة يقف محمد عبدالعال متأملًا ما آلت إليه الأحوال، يروي بنبرة تختلط فيها الأسى بالأمل، «كانت الأرض هنا تعطي بلا حدود، حماماتنا الزراعية كانت مصدر فخرنا، والشمس كانت حليفتنا في كل موسم».

ويكمل: «كنا نزرع ونحصد، ثم نصدر الخضراوات والفاكهة إلى خارج حدودنا، تلك الأراضي التي كانت تروى بعرق الجبين والماء العذب».

الأسواق خاوية والأسعار خيالية

يتنهد الرجل بعمق ويواصل حديثه: «لكن الحرب لم ترحم، فقد أخذت منا الكثير، واليوم نعاني من نقص المياه والغذاء والكهرباء».

ويؤكد: «الأراضي الزراعية التي كانت تنبض بالحياة، أصبحت جرداء بفعل الاحتلال الإسرائيلي، والمعدات التي كانت تساعدنا في الزراعة، كالحمامات الزراعية والشمسية، أصبحت ذكرى من الماضي حيث جرفت بفعل الآلة الحربية الإسرائيلية».

ويشير إلى الأسواق، حيث كانت الألوان تتراقص بين الأخضر والأحمر والأصفر، ويقول: «اليوم، الأسواق خاوية، والأسعار تكاد تكون خيالية. كيلو الطماطم الذي كان بدولارين، أصبح الآن بخمسين دولارًا، نحن نمر بمجاعة لا ترحم».

ويضيف: «تحول قطاع غزة من مصدرين للخيرات كالفواكه والخضراوات، إلى مستوردين للضروريات، وكل ذلك بسبب الحرب التي أغلقت المعابر وحرمتنا من أبسط مقومات الحياة».

وفي عينيه بريق أمل خافت، يختتم حديثه، «لكننا شعب لا ييأس، وسنعيد بناء ما تهدم، وسنزرع مرة أخرى، وستعود الحياة إلى أرضنا، فالأمل لا يموت في قلوبنا، وإن طال الليل، فلا بد للفجر أن ينشق».

وعلى الجانب الآخر من سوق الخضراوات يقف رجل عجوز يتأمل الأرفف الخالية، ويحكي بصوت مبحوح، «كان هذا المكان يومًا مليئًا بالخيرات، الخيار والفلفل كانا يملآن المحلات، والأسعار في متناول الجميع، كنا نفخر بأننا نغذي العالم بمحاصيلنا».

ويستطرد قائلا: «لكن الآن، الحرب قد حولت الخصوبة إلى قحط، والوفرة إلى ندرة، نبحث عن خيار أو فلفل، ولكن كل ما نجده هو الغلاء الفاحش، الأسعار التي كانت في متناول اليد، أصبحت الآن كالسراب».

ينظر حوله بعينين تبحثان عن أمل ضائع، ويقول: «لقد انقلبت الأمور رأسًا على عقب، من مصدرين للخضرة إلى مستوردين لها، الأسواق التي كانت تعج بالخضراوات والفاكهة، أصبحت الآن صامتة، تنتظر الإنعاش الذي لا يأتي».

يتوقف للحظة، يجمع أفكاره، ويضيف بصوت يحمل وقع الحزم، «سنجد طريقة لنعيد الحياة إلى أسواقنا، سنزرع مرة أخرى، وسنحصد مرة أخرى، وسنعود لنكون مصدر الخير للعالم، فالأمل ينبت في الأرض الخصبة، وقلوبنا لا تزال خصبة بالإيمان والعزيمة».

وبينما تتصاعد مخاوف الجوع وسوء التغذية، يُطلق العاملون الإنسانيون في الأمم المتحدة نداءً عاجلاً للتحذير من أن الأنشطة الزراعية في غزة، لا تزال متوقفه بسبب الحرب.

تقلص الإنتاج المحلي

من جهة أخرى، تُشير الأمم المتحدة إلى أن الخضراوات المحلية المتاحة في شمال غزة محدودة وتُباع «بأسعار مرتفعة»، محذرة من أن النقص في البذور والأسمدة وغيرها من المدخلات الضرورية للإنتاج الزراعي والحيواني يُعيق بشكل كبير استعادة الإنتاج الغذائي المحلي.

كما يُشير المكتب إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية قد تسببت في أضرار جسيمة في رفح وأدت إلى المزيد من النزوح هذا الأسبوع من شرق خان يونس، حيث كان يتركز الإنتاج الزراعي بشكل كبير قبل النزاع.

وبالإضافة إلى الأضرار الأخيرة التي لحقت الدفيئات البلاستيكية الزراعية، وأصبحت الأراضي الزراعية في غزة مهجورة.

ويُحذر مكتب الأمم المتحدة من أن «تفويت الموسم الزراعي القادم قد يُدمر بشكل كبير سبل العيش للسكان»، ويُشير التقرير الأخير للأمم المتحدة حول مستويات الجوع في غزة إلى أن 96% من السكان - أي ما يقرب من 2.15 مليون نسمة - يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی کانت فی غزة

إقرأ أيضاً:

إفساد الوثائقيات بالموسيقى والأغاني الحزاينية !!

هذه المرحلة مرحلة توثيق شهادات الضحايا صوت وصورة وليس أفضل من توثيق الشهادات والذاكرة لا تزال مزدحمة بالتفاصيل خاصة عند كبار السن.

أتمنى أن تبادر جهة ذات إمكانيات مادية وفنية بأعمال الارشفة ، مع مراعاة أن تكون الوثائقيات خالية من أية موسيقى وأغاني تحزين.

للأسف دمج شهادات الضحايا بالألحان والحزاينيات يفسدها ويطمس المحتوى.
ليس هدف الوثائقيات استدرار الدموع ولكن هدفها حفظ الحقوق بجميع أشكالها للعدالة وللتاريخ والمستقبل.

#كمال_حامد ????

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها خلال حكم ترامب الثاني المرتقب؟
  • المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان.. ويدرس تحولات القطاع المصرفي
  • قيصر الحدود يرحب باستخدام الأرض التي منحتها تكساس لتنفيذ خطط الترحيل
  • برغم فداحة المأساة البرهان يفيض حكمة وذكاء
  • معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالانت في عزلة دبلوماسية؟ ومستعدة لاعتقالهما!
  • إفساد الوثائقيات بالموسيقى والأغاني الحزاينية !!
  • في اليوم العالمي للطفل.. غزة أصبحت مقبرة للأطفال.. ولبنان بات رعبهم الصامت.. والسودان مثالا لحرمانهم
  • أخنوش: ما يتعرض له المغرب من حملات هو ضريبة صحوته الصناعية التي أصبحت تزعج البعض
  • محمد الشيخي: التشكيلة التي بدأ بها هيرفي رينارد اليوم كانت خاطئة
  • طلب البعثة الاممية التي قدمه حمدوك كانت تصاغ وتُكتب من داخل منزل السفير الانجليزي في الخرطوم!!!