العودة إلى الروتين.. بإنتظار الردّ الإيراني
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
عادت جبهة جنوب لبنان الى المرحلة التي سبقت حادث مجدل شمس مع ما تبعها من احداث أدت إلى إغتيال المسؤول العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي في حركة "حماس" إسماعيل هنية، اذ وبعد إعلان الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله إنتهاء الحدث والإكتفاء المبدئي بما حصل لإقفال ملف إغتيال شكر، عادت مخاطر إندلاع حرب واسعة إلى مستوى متدن، وعادت العمليات الى سابق عهدها، وجبهة الإسناد الى حراكها المعتاد.
تراجع التصعيد الذي ظهر بعد خطاب نصرالله قبل يومين لا يمكن أن يكون عنصراً حاسماً في قراءة المشهد في المستقبل القريب، خصوصاً أن الردود التي تنتظرها تل ابيب لم تنتهِ بعد، بل لا يزال هناك أقله ردان، الردّ اليمني والردّ الإيراني. وفي الوقت الذي يتوقع خبراء ومتابعون أن يكون الرد من اليمن أقرب واسرع بعد فشل الجولة المقبلة من المفاوضات، فإن الردّ الإيراني سيحمل معه إمكانية رفع وتيرة التصعيد مجدداً، ليس في لبنان فقط بل في المنطقة ككل، خصوصاً أنه لا يزال مجهولاً كيف ستردّ طهران، وما هي الأهداف التي ستصيبها والمدى الزمني الذي سيأخذه الردّ وما اذا كان سيكون هناك ردّ على الردّ.
واذا كان "حزب الله" لديه اعتبارات مرتبطة بالداخل اللبناني، ويستطيع كمنظمة غير نظامية أن يتحمل عملية الإستنزاف، فإن إيران لا يمكنها التسامح بسيادتها بإعتبارها دولة اقليمية لديها نفوذ واسع، كما ان لديها الكثير من تراكم القوة الذي لن تخاطر بخسارته فقط لأن الردّ أن يحمل معه مخاطر التدحرج إلى حرب مفتوحة او شاملة مع إسرائيل، علماً أن ما حصل بعد ردّ "حزب الله" أكد أن اسرائيل ليست متحمسة للحرب الإقليمية كما تحاول أن توحي كما ان واشنطن لا تزال تمتلك قدرة كبيرة على فرملة أي ردة فعل إسرائيلية خارجة عن المألوف لتجنب الإنفجار الإقليمي.
هنا يبرز السؤال المحوري، ماذا بعد الردّ الإيراني؟ هل تستطيع اسرائيل إبتلاع الردّ الذي سيكون اقوى من ردّ ايران السابق الذي تلا إستهداف سفارتها في دمشق؟ على اعتبار أن تجاوز اسرائيل للرد وعدم قيامها بأي خطوة مقابلة يعني إنكسار الردع بين الطرفين لصالح طهران وفي لحظة بالغة الحساسية تخوض فيها تل ابيب معركة تصفها بالوجودية. كذلك فإن الرد المضاد من قبل اسرائيل وارد وبشدة ولا يشبه ردها على "حزب الله" بل سيكون هناك محاولة لإستهداف الاراضي الإيرانية، لا بل استهداف مراكز حيوية فيها، الامر الذي يفتح الباب امام سيناريوهات مختلفة وصعبة للغاية، منها اسقاط الطائرات الاسرائيلية ومنها اصابة الغارات لاهدافها وفي الحالتين سيكون الواقع الإقليمي امام احتمالات تدهور كبيرة غير مسبوقة.
من الواضح أن الردّ الإيراني قد يكون آخر الردود لأنه الأكثر فاعلية في الضغط على الولايات المتحدة الاميركية لتضغط بدورها على تل ابيب للوصول الى وقف إطلاق نار في قطاع غزة، وعليه سيستمر الإستقرار الحالي ضمن المستوى المعهود من الإشتباكات والمعارك في جنوب لبنان بإنتظار ردّ إيران أو خطوة اسرائيلية تصعيدية جديدة في حال وجدت تل ابيب ان ردّ "حزب الله" عليها والردود المتتالية يمكن تحملها والإستمرار بسياسة الضرب تحت الحزام. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله تل ابیب
إقرأ أيضاً:
انحسار النفوذ الإيراني في المنطقة وتداعياته
منذ اغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، توالت إشارات الاستفهام والتساؤلات حول مدى جديّة المواقف الإيرانية، سواء بالرد على انتهاك سيادتها، أو بمواصلة دعمها لأذرعها في لبنان وسوريا والعراق. كما ضَعُفت وتيرة الحديث عن الوضع في قطاع غزة الذي ما زال يشهد أبشع مجازر إبادة جماعية عرفتها البشرية منذ عقود طويلة. وقد برز ذلك التراجع في تصريحات المسؤولين الإيرانيين في مناسبات عديدة.
بالمقابل تزايد الحديث عن البرنامج النووي الإيراني، وإمكانية التوصل إلى اتفاق جديد مع الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
واليوم ما شهدته الساحة السورية من تطورات دراماتيكية، لاحظنا هذا التراجع الكبير لإيران عن مواقفها السابقة في دعمها للرئيس المخلوع الأسد، وفي تراجعها أيضاً عن وصف القيادة السورية الجديدة من عصابات إرهابية مسلحة، إلى إمكانية التعامل معها مستقبلاً، وكان خطابها أشبه بمواقف الدول الغربية؛ بتأكيد حرصها على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، والاستعداد لإعادة فتح سفارتها بدمشق، ولم يكن تصريح وزير خارجيتها عراقجي، إلا محط تنازل كبير ومثير للدهشة عندما قال مؤخراً، في خضم هذه الأحداث «لا يمكن التنبؤ بمصير الرئيس السوري بشار الأسد»، وكأن هذا يحمل في طياته عبارة صريحة ورسالة إلى الولايات المتحدة تحمل في مضامينها تخلي إيران التام عن مؤازرتها، بل تبنيها لرمز النظام المخلوع.
وما سحب المستشارين الإيرانيين وكبار قادة الحرس الثوري والعسكريين مع عائلاتهم من سوريا – قبل بدء هذه الأحداث وفي تلك الظروف التي يعاني منها النظام في مواجهة معضلة انهياره الوشيك – إلا دليل أقوى على مدى هذا التراجع الإيراني في دعم الحليف السوري.
ولعل هذا يقود إلى العودة بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، في معرض مراجعة المواقف الإيرانية من حزب الله والمقاومة في غزة، التي كانت عرضة – كما بدا واتضح لاحقاً – للمساومة عليها مقابل ضمان مصالح إيران مع الولايات المتحدة؛ حينما صرح رئيسها الجديد آنذاك من على منصة الأمم المتحدة بأنهم والأميركيين إخوة ولا خلاف بينهم، وبأن كل شيء قابل للنقاش.
ومن ناحية أخرى، لم يكن الرد الإيراني على الرد الإسرائيلي في تلك الآونة، إلا ردا خجولا لا يرتقي إلى سلة المواقف السابقة النارية، التي اعتبرت آنذاك تهديدا باتساع الحرب، لتشمل دول المنطقة برمتها.
إن هذا التراجع الايراني الذي شهدته الأيام السابقة في عدم دعم ومؤازرة الأسد الحليف الأول لهم؛ كان أحد عوامل السقوط المدوي لنظامه، وبسط قوات المعارضة السورية المسلحة سيطرتها على البلاد في غضون أحد عشر يوماً. وقبل ذلك، تَركْ حزب الله فريسةً لقوات الاحتلال الإسرائيلي الغازية، تحت مسمى الإبقاء على قواعد الاشتباك التقليدية – مع تعديلات طفيفة – من دون اللجوء لاستخدام ترسانة الأسلحة، خاصة الصواريخ الدقيقة التي طالما تحدث عنها حزب الله؛ ما مكّن دولة الكيان من تصفية قياداته، وإخضاعه لاتفاق أقل ما يُقال عنه أنه لم يكن في صالح لبنان، أو حزب الله أو ما كان يسمى «محور المقاومة».
هذا التراجع لا تفسير له ، سوى إعادة تموضع للسياسة الإيرانية في مواجهة استحقاقات جديدة مع قدوم الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، واستِعار الحملة الغربية لإنهاء النفوذ الإيراني وأذرعه من المنطقة، أكثر من كونه مجرد «تقليم أظافر إيران».
وهذا بدوره يمثل انحسارا، بل هزيمة لسياسة إيران في المنطقة، وانكفاء مشروعها بكل مقدراتها العسكرية التي كانت تمتلكها، وإسقاطاً لهيمنتها على المنطقة، وإدخال «محور الممانعة» في غياهب المجهول، مع تعاظم الدور الإسرائيلي في لبنان، واحتلال آخر لأراضٍ سورية جديدة، وتدمير القدرات العسكرية للجيش السوري بعد هروب أزلام وقيادات النظام، وتفكيك وحدة الساحات، وتزايد مجازر الإبادة في قطاع غزة، وظهور بوادر استيطان حقيقية إسرائيلية في الضفة الغربية وشمال غزة، تمهيداً لمشروع الضم المنتظر، وتعاظم اعتداءات المستوطنين على السكان الفلسطينيين ومصادرة أملاكهم هناك، واستمرار نتنياهو بفرض شروط جديدة على المقاومة بشأن صفقة تبادل الأسرى، والعمل على تعطيلها بهدف مواصلة حربه الإجرامية على قطاع غزة.
التردد في دعم المقاومة بكل أطيافها، دعما حقيقيا قد أفضى إلى إضعاف المقاومة،
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ما حدث هو تراجع إيراني حقا؟ أم أن هناك قراءة لا موضوعية، بل خاطئة لموقف إيران وسياستها؟
إن تذبذب المواقف الإيرانية منذ السابع من أكتوبر 2023 وبدء معركة طوفان الأقصى، التي شكلت انعطافة استراتيجية أظهر إمكانية هزيمة المشروع الصهيوني بكل أشكاله وصوره، هذا التذبذب، بل التردد في دعم المقاومة بكل أطيافها، دعما حقيقيا قد أفضى إلى إضعاف المقاومة، وأدى إلى هذه النتائج التي كانت ستشكل تفاصيل المشهد الجيوسياسي الجديد للشرق الأوسط لصالح المقاومة، وليس لصالح مشروع نتنياهو- ترامب القادم من خلال خريطة «الازدهار» التي سبق أن عرضها نتنياهو. والسؤال أيضا، هل هُزمتْ إيران أخيراً في هذا الصراع في المنطقة؟
أم أن هناك خلطا للأوراق والمطلوب إعادة ترتيبها من جديد؟ وهل كانت القراءة الإيرانية للأحداث قراءةً خاطئة؟ وهل كان تقديرها للأطراف كافة، سواءً في «محور المقاومة»، أو من جهة فصائل المعارضة السورية المسلحة ضعيفاً وغير دقيق؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستأتي ربما من دمشق أو من غزة، ولربما الأيام المقبلة سيكشف عن حقائق مهولة حيال المواقف الإيرانية الأخيرة، والتي أدت إلى هذه النهايات الصادمة وغير المتوقعة.
ختاما، إذا كان نتنياهو وقادة الكيان قد حققوا إنجازات، أو ما سموها انتصارات في ساحة لبنان وسوريا، من خلال انحسار النفوذ الإيراني وإضعاف أذرعه في المنطقة، فإن هزيمتهم ما زالت معلّقة على أنقاض غزة، وفي رمالها وأمام شعبها الشهيد الحي الصامد.
القدس العربي