يحاول الكثير من الدول رسم خطط واستراتيجيات ومحاولات متعدّدة ومتنوعة للوصول إلى حلول لمواجهة التحديات الاقتصادية المختلفة والمتنوعة والمتعدّدة، إلا أن التجارب التى تمّت مراجعتها خلال السنوات الماضية تؤكد أنه لا يمكن بناء أى اقتصاد أو إحراز تقدّم نوعى وتحقيق معدلات توزيع لنواتج التنمية دون أن يتم العمل على رفع مستويات الوعى الجمعى والتثقيف الاقتصادى لدى جموع المواطنين، وهذا يُعد واحداً من أهم التحديات الكبرى التى تواجه الدول والحكومات، لأنه ببساطة يقع تحت الأهداف طويلة الأجل، التى يصعب تحقيقها بسهولة فى ظل تردٍّ تعليمى أو إعلامى مع ارتفاع الزيادة السكانية ومشكلاتها كماً ونوعاً، وتزداد هذه المهمة فى ظل غياب دولة القانون وصعوبة تطبيقه وضعف ثقافة القانون وإيمان المواطنين بمدى أهمية وتأثير ثقافة القانون فى الجانب الاقتصادى، وبكل بساطة لتحقيق ذلك لا بد أن يكون هناك برنامج منبثق من تطبيقات داخل المناهج التعليمية فى التعليم الأولى والأساسى تتبنّى بناء الأيديولوجية الاقتصادية وشرح موضوعات مهمة مثل أهمية الإنتاج الصناعى والزراعى وثقافة التصدير والتجارة الدولية والادخار وأهمية وضرورة الاقتصاد الرسمى.

. إلخ، مع ضرورة أن توازى ذلك منظومة إعلامية تحمل أهدافاً واضحة للموضوعات الاقتصادية نفسها، بما فيها خريطة «الدراما»، التى يمكن أن تعالج مثل هذه القضايا، والتى تُرسّخ ثقافة عامة يدخل فيها منطق الفكر القانونى والاقتصادى، الأمر الذى ينعكس على تهيئة المناخ العام، ليُصبح محفّزاً جاذباً للاستثمار، ومحقّقاً عوائد اقتصادية مضاعفة ومرسّخاً لأهمية التعامل عبر القنوات الرسمية ومدى جدوى أن يكون الاقتصاد مسجلاً، ودور ذلك فى تحقيق العدالة الاجتماعية التى يبحث عنها الناس.

الإصلاح التشريعى الشامل

فى كل دول العالم المتقدم تشعر بمنتهى الوضوح والبساطة بأن الإصلاح التشريعى الثابت الذى يتمتّع بالوضوح والشفافية على النطاقين النظرى والعملى، والقادم من تلبية احتياجات المجتمع والمبنى على حوار مجتمعى معالجاً لكل الأمور والقضايا، ويتماشى مع المتغيرات الدولية واحتياجات التجار والمستثمرين والمتعاملين والمستوردين والمصدّرين، والمستهلكين، هو بمثابة القاعدة الراسخة وخط وحصن الأمان ونقطة انطلاقة قوية لتحقيق بناء اقتصادى، فلا يمكن أن يتحرّك استثمار بينى، ويتوجّه إلى دول لا توجد لديها قوانين ولوائح تنفيذية وقرارات تتمتّع بالوضوح والشفافية، سواء فى النص أو التطبيق، كما أن تعدّد جهات الولاية القضائية وتضارُب جهات الاختصاص وضعف الشبكة المعلوماتية فى التوظيف الأمثل فى تطبيق القوانين، وفى القضايا الاقتصادية المختلفة، وكذا تعدّد دوائر الفض فى النزاعات، سواء لجان التظلمات والمحاكم الاقتصادية ومصالح وهيئات مساعدة، مثل مصلحة الخبراء، كل هذا من المفترض أن يكون متكاملاً مؤهلاً مجهزاً، ليُحقق عدالة ناجزة للمجتمع الاقتصادى بشكلٍ عام، لكن فى حقيقة الأمر، قد يسبب ذلك إرباكاً وارتباكاً وتداخلاً فى الكثير من الملفات والقضايا.

هذا المشهد الصعب فى بعض الدول، والذى يحدث اضطراباً وتداخلاً بين قوانين الهيئات الاقتصادية المختلفة، وبين القرارات الوزارية، وبين المتعاملين والمحامين، وعدم إلمام الجميع بالقوانين والقرارات يسهم بشكل مباشر فى إحداث خلل فى البناء الاقتصادى، لذا ننصح دوماً بضرورة الاهتمام بالإصلاح التشريعى المتكامل، الذى يصب فى مصلحة القطاعات الاقتصادية والاستثمارية، ويعمل على تحقيق الإنجاز الاقتصادى المستهدف.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الثقافة الاقتصادية التحديات الاقتصادية التنمية

إقرأ أيضاً:

مفهوم الفكر الواقعى المعاصر

يمكننا إن جاز لنا أن نقدم تعريفا للفكر الواقعى المعاصر بأنه المعايشة للواقع بكل متغيراته ومستجداته معايشة حقيقية عن طريق فهمه فهما صحيحا وتعمقه تعمقا دقيقا واحتوائه بكل ما فيه على ما فيه، لا فهما سحطيا هامشيا، لماذا ؟!.
بغية الانطلاق إلى الأمام، أصحابه استشعروا الخطر الذى يداهمهم، أدركوا أن ثم ثورة علمية تعتمد على المنهجية التجريبة التى قوامها خطوات البحث العلمى المنظم، الذى يحدد الظاهرة محل الدراسة ثم تصنيف هذه الظواهر، وجمع المعلومات عنها، وفرض الفروض والتحقق من صحة الفروض إلى أن نصل إلى القانون العام الذى تبنى عليه دعائم النظرية العلمية التى تثرى واقعنا المعيش.
فالمفكر المعاصر هو الذى يسعى سعيا حثيثا إلى إثبات شخصيته البحثية على كافة المستويات.
المفكر الواقعى نصير الواقعية الحقة هو الذى يكون مهموما بقضايا مجتمعه يمد يده إلى تراث أجداده، ويغوص فى بطون هذا التراث ليوظفه لخدمة واقعه الذى يحياه.
المفكر الواقعى هو الذى لا يتقوقع حول النص ويقول قال فلان، وقال فلان، لا، يقول ها أنا ذا، هذا هو رأيى أقوله فى هذه القضية، قد أخطأ مرات عديدة، وأصحح خطأى مسترشدا مستنيرا بما تعلمته من أساتذتى دونما تقمص وتقليد أعمى لهذا الأستاذ.
المفكر الواقعى هو الذى ينبغى عليه أن يكون متسلحا بأدواته المعرفية التى تقيه من الوقوع فى الزلل والخطأ.
المفكر الواقعى هو الذى يبحث وينقب عن كل ما يفيد حياته ومجتمعه.
إن نهضة الأمة أى أمة لا تكون عن طريق التقليد الأعمى والتبعية، إن نهضة الأمم تبنى وتقوم على عقول مفكريها.
إن النهضة الشاملة والتنمية المستدامة التى هى حديث العصر، لا تتحقق إلا من خلال النظرة المستقبلية واستشراف المستقبل.
وهذا ما يتم الآن فى بلدنا الحبيب مصر ووطننا العربى، الانفتاح على ثقافات الغرب، ليس الغرب وحسب بل كل الثقافات من أجل ماذا؟!، من أجل إتاحة الفرص لبناء دولة مدنية عصرية تواكب التقدم التقنى والعلمى والذكاء الاصطناعى، دونما إفراط بمعنى انغماس كلى فى مادية مسرفة وأنانية مفرطة، ولا تفريط فى قيمنا ومقدراتنا.
وإنما عن طريق وسط عدل محمود لا يحيد ولا يميد عن بغيته وهدفه وهو فك رموز هذه الشفيرة، كيف نحقق المعاصرة دون إهدار لأصالتنا.

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
 

مقالات مشابهة

  • مفهوم الفكر الواقعى المعاصر
  • الدكتور منجي على بدر يكتب: نتائج قمة «منتدى الصين»
  • محمد مغربي يكتب.. وداعا للدروس الخصوصية
  • الإمارات والصين.. مرحلة جديدة من نمو وازدهار العلاقات الاقتصادية
  • الفلاح المصرى عصب مصر
  • فقه المصالح!
  • الصراع في بحر الصيني الجنوبي يدخل مرحلة جديدة.. ماذا يحدث؟
  • عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي (9)
  • عادل حمودة يكتب: لعبة الأمم فى الصومال.. آبى أحمد من رجل دولة إلى مهرج فى البلاط
  • د.حماد عبدالله يكتب: المصلحة العليا للوطن "أولًا" !!