الدكتور يسري الشرقاوي يكتب: على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
يحاول الكثير من الدول رسم خطط واستراتيجيات ومحاولات متعدّدة ومتنوعة للوصول إلى حلول لمواجهة التحديات الاقتصادية المختلفة والمتنوعة والمتعدّدة، إلا أن التجارب التى تمّت مراجعتها خلال السنوات الماضية تؤكد أنه لا يمكن بناء أى اقتصاد أو إحراز تقدّم نوعى وتحقيق معدلات توزيع لنواتج التنمية دون أن يتم العمل على رفع مستويات الوعى الجمعى والتثقيف الاقتصادى لدى جموع المواطنين، وهذا يُعد واحداً من أهم التحديات الكبرى التى تواجه الدول والحكومات، لأنه ببساطة يقع تحت الأهداف طويلة الأجل، التى يصعب تحقيقها بسهولة فى ظل تردٍّ تعليمى أو إعلامى مع ارتفاع الزيادة السكانية ومشكلاتها كماً ونوعاً، وتزداد هذه المهمة فى ظل غياب دولة القانون وصعوبة تطبيقه وضعف ثقافة القانون وإيمان المواطنين بمدى أهمية وتأثير ثقافة القانون فى الجانب الاقتصادى، وبكل بساطة لتحقيق ذلك لا بد أن يكون هناك برنامج منبثق من تطبيقات داخل المناهج التعليمية فى التعليم الأولى والأساسى تتبنّى بناء الأيديولوجية الاقتصادية وشرح موضوعات مهمة مثل أهمية الإنتاج الصناعى والزراعى وثقافة التصدير والتجارة الدولية والادخار وأهمية وضرورة الاقتصاد الرسمى.
الإصلاح التشريعى الشامل
فى كل دول العالم المتقدم تشعر بمنتهى الوضوح والبساطة بأن الإصلاح التشريعى الثابت الذى يتمتّع بالوضوح والشفافية على النطاقين النظرى والعملى، والقادم من تلبية احتياجات المجتمع والمبنى على حوار مجتمعى معالجاً لكل الأمور والقضايا، ويتماشى مع المتغيرات الدولية واحتياجات التجار والمستثمرين والمتعاملين والمستوردين والمصدّرين، والمستهلكين، هو بمثابة القاعدة الراسخة وخط وحصن الأمان ونقطة انطلاقة قوية لتحقيق بناء اقتصادى، فلا يمكن أن يتحرّك استثمار بينى، ويتوجّه إلى دول لا توجد لديها قوانين ولوائح تنفيذية وقرارات تتمتّع بالوضوح والشفافية، سواء فى النص أو التطبيق، كما أن تعدّد جهات الولاية القضائية وتضارُب جهات الاختصاص وضعف الشبكة المعلوماتية فى التوظيف الأمثل فى تطبيق القوانين، وفى القضايا الاقتصادية المختلفة، وكذا تعدّد دوائر الفض فى النزاعات، سواء لجان التظلمات والمحاكم الاقتصادية ومصالح وهيئات مساعدة، مثل مصلحة الخبراء، كل هذا من المفترض أن يكون متكاملاً مؤهلاً مجهزاً، ليُحقق عدالة ناجزة للمجتمع الاقتصادى بشكلٍ عام، لكن فى حقيقة الأمر، قد يسبب ذلك إرباكاً وارتباكاً وتداخلاً فى الكثير من الملفات والقضايا.
هذا المشهد الصعب فى بعض الدول، والذى يحدث اضطراباً وتداخلاً بين قوانين الهيئات الاقتصادية المختلفة، وبين القرارات الوزارية، وبين المتعاملين والمحامين، وعدم إلمام الجميع بالقوانين والقرارات يسهم بشكل مباشر فى إحداث خلل فى البناء الاقتصادى، لذا ننصح دوماً بضرورة الاهتمام بالإصلاح التشريعى المتكامل، الذى يصب فى مصلحة القطاعات الاقتصادية والاستثمارية، ويعمل على تحقيق الإنجاز الاقتصادى المستهدف.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الثقافة الاقتصادية التحديات الاقتصادية التنمية
إقرأ أيضاً:
يتعافى المرء بأصدقائه
عادةً ما نردد المثل الذى يقول «الصديق وقت الضيق»، والذى يعرّف الصديق بأنه الكيان الذى تلجأ له وقت الشدة. ونعتقد أننا أدركنا هذه القيمة منذ فترة قريبة، إذ يتعافى المرء وقت الضيق بأحبته وأصدقائه وعائلته، يتعافى بالضحكات التى لا تتوقف حتى يدمع، والحكايات التى لا تنتهي، والدفء المحيط بهم حتى فى أكثر الليالى برودة، يتعافى بالأيدى التى تمسك به إذا وقع، والكتف الذى يحتضنه عند الحاجة. نحن نتعافى بالحب، ونتعافى بالدعم، ونتعافى بالصحبة والأصدقاء.
فالصديق هو الشخص الذى تثق به وتشترك معه فى مستوى عميق من التفاهم والتواصل، وللصديق الجيد صفات تؤكد وجوده، ومنها أن يكون جديرا بالثقة، ومتسما بالوفاء، فيُظهر لصديقه دعما قويا ومستمرا. ومن أكثر الصفات التى يتميز بها الصديق الحقيقي، أن يكون متعاطفا، كما يجب على الصديق الحقيقى ألا يحكم على الآخرين، فالأصدقاء دائما متسامحون ويقبلون اختيارات أصدقائهم. ومن الصفات أيضا، أن يكون الشخص مستمعا جيدا، وأن يكون داعما لأصدقائه فى أوقاتهم الجيدة أو العصيبة، فالأصدقاء الحقيقيون يجعلون مشاكلك مشاكلهم.
وليس كل من يتعرف عليه الإنسان يعد صديقا، فقد تقابل فى حياتك كثيرا من الأشخاص يمكن عدهم زملاء عمل أو دراسة، ولكن يظل الصديق هو الأقرب، وهو محل الثقة، وهو الشخص الذى يمكن الاعتماد عليه فى جميع المواقف. وتظهر الصداقة الحقيقية فى الشدائد والمحن، ويظهر الصديق الحقيقى فى هذه الأوقات العصيبة يعاون صديقه ويؤازره ولا يتخلى عنه، وقد يكون لدى الفرد دائرة كبيرة من الأصدقاء فى المدرسة أو الكلية أو العمل، لكنه يعلم أنه لا يمكن الاعتماد إلا على شخص واحد أو شخصين فقط، يشاركانه صداقة حقيقية، فوجود صديق حقيقى يجعل الحياة أسهل بحيث يتمكن الفرد من أن يكون على طبيعته تماما دون خوف من حكم الطرف الآخر عليه، فهو يتقبله، ويجعله يشعر بالحب والقبول، ومتى لم تجد هذا الشخص فمن الأفضل لك أن تبتعد.
وهذا ما ذهب إليه جبران خليل جبران عندما قال: «يتعافى المرء بأصدقائه» عندما يرزقك الله بأصدقاء تربطهم عشرة ممتدة لسنوات بها جميل الذكريات والسهر والسمر، وأجمل اللحظات والضحكات وصدق المشاعر والإخاء والوفاء مع كل لقاء يجمعكم تشعر معهم بسعادة غامرة تنسيك أتعاب الحياة وآلامها التى لا يخلو منها أحد، وعلى النقيض فهناك أصدقاء أو «تظنهم أصدقاء» تقتلهم الغيرة من نجاحاتك، لذا هم يختفون من الساحة، بل ويطعنوك فى ظهرك بالقول وبالفعل، لذلك فالصديق هو الذى يفرحه فرحك ويسره نجاحك، يشاركك أحوال الحياة كافة.
وفى النهاية، يتعافى المرء بالبعد عن «اللت والعجن والقيل والقال والأصل والفصل، والهرى والرغى والكانى والماني، والسين والجيم وقالوا وعادوا، وشالوا وحطوا، والحكاية والرواية».
أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب–جامعة المنصورة
[email protected]