الجزيرة:
2025-02-22@08:24:55 GMT

عملية الأربعين.. خيبة أمل كبرى رغم النجاح العملياتي

تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT

عملية الأربعين.. خيبة أمل كبرى رغم النجاح العملياتي

شنّ حزب الله "عمليّة الأربعين" الانتقامية ضد الكيان الصهيوني، بعد 27 يومًا كاملة من اغتيال القائد العسكري الأعلى رتبة في الحزب (فؤاد شُكر)، عاش خلالها الكيان حالة انتظاريّة ذات تأثيرات سلبية عليه فاقت أثر العملية نفسها، ورغم تحقيق حزب الله نجاحًا عملياتيًا ملموسًا على عدة صعد يفصّلها هذا المقال.

إلا أن أثر العملية وحجمها لم يكن متناسبًا مع حجم الجريمة الإسرائيلية باغتيال قيادي تاريخي ويحمل الرتبة العسكرية الأولى لحزب الله، وسط معركة مستمرة منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، إضافة إلى سياقها المرتبط بحرب الإبادة في قطاع غزّة، وارتباطها بمجريات العملية التفاوضية القاسية التي تقودها المقاومة الفلسطينية، مما أرخى بظلال سلبية على جبهة غزة، سواء على مستوى أمد المعركة وزخمها الدامي، أو مسار المفاوضات، ومن المرجح أن يطال الأثر السلبي قواعد الاشتباك وموازين الردع في المعركة برمّتها.

نجاح عسكري

استهدفت العملية قاعدة غليلوت العسكرية في ضواحي تل أبيب بعدد غير معروف من المسيّرات كهجوم رئيسي، وكانت مصحوبة بثلاثمئة وأربعين صاروخ كاتيوشا كهجوم ثانوي استهدف إغراق منظومات الدفاع الجوي المعادية لإتاحة المجال لعبور المسيّرات. وقد مثّلت العملية نجاحًا عسكريًا واستخباراتيًا لحزب الله، خاصة في ظل التيقظ الإسرائيلي العالي المستوى، وذلك على ثلاثة أصعدة:

اولاً: العمى الاستخباري

كشفت العملية عن حالة من العمى الاستخباري للمحتل، رغم قدراته الاستخبارية العالية، ويده الطولى في العمل الأمني، سواء كان ذلك على صعيد تقدير حجم ضربة حزب الله، أو الهدف المنشود استهدافه، أو توقيتها، أو حتى القدرة على الكشف الدقيق عن حركة المقاتلين، وأماكن تذخير إطلاق الصواريخ والمسيرات.

ثانيًا: سلب القدرة على الإنذار المبكر

أن تعبر عشرات المسيرات، وتتجاوز كافة الدفاعات الجوية، وأن تصل إلى عمق الكيان، وتقصف ضواحي تل أبيب في ظل استنفار لم يسبق له مثيل في الجبهة الشمالية، لهو سلب كبير لقدرة المحتل على الإنذار المبكر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القاعدة المستهدفة تتبع لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، والتي تسند لها مهمة الإنذار المبكر، كأمّ المهام المسندة إليها.

فشل الضربة الاستباقية

رغم أن إسرائيل علمت بتحرك مقاتلي حزب الله، وظنّت أنها استوثقت من قدرتها على إجهاض أي عمل عسكري عدائي، ورغم تجهيز عالي المستوى لقدراتها النارية وسلاح الجو، وتحريك مائة طائرة مقاتلة خلال أقل من ساعة، فإنها لم تستطع إجهاض العملية، ولا تحييد المقاتلين، ولا الحد من قدرة حزب الله على تحقيق هدفه من العملية، وتبين بعدما انجلى الغبار، أن المواقع المستهدفة ومرابض الصواريخ، لم تكن كما ظن المحتل، بل كانت أمرًا آخر لا قيمة إستراتيجية له.

تمثل المأزق الأكبر بالنسبة للكيان في اضطراره للكذب لتقديم سردية نصر مقنعة لجمهوره وحلفائه، عبر تضخيم مبالغ فيه ومثير للسخرية -حتى من جمهوره الداخلي- لإنجازات ضربته الاستباقية، والتي تبين بعدها بساعات أنها ليست سوى كذبة أراد الكيان تسويقها لصناعة صورة نصر زائفة.

أيضًا، كرّست هذه الجولة القصيرة ومنخفضة الوتيرة، صورة التبعية للكيان، وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه، وأعادت طرح سؤال سيادة إسرائيل واستقلالها، وقدر احتياجها إلى حشد كل هذا القدر الهائل من القوة الأميركية والغربية لحمايتها عند كل تهديد عليها مهما بلغ حجمه -حتى وإن لم يكن تهديدًا وجوديًا-، كونها دولة صغيرة ضعيفة عاجزة عن الدفاع عن نفسها.

خيبة الأمل

أما على صعيد الأثر السلبي وخيبة الأمل لهذه العملية، فقد تمثلت في مسارين أساسيين، هما:

أولاً: مسار المفاوضات

مع انسداد الأفق السياسي للحرب، ووصولها مرحلة خطيرة من المراوحة في المكان، والاعتياد القاتل على الإبادة المستمرة، والتماهي منقطع النظير على المستوى الإقليمي والدولي مع كافة الانتهاكات التي تجري، ومع انخفاض وتيرة الضغوط على نتنياهو للوصول إلى صفقة، سواء كان ذلك على صعيد الضغط الميداني، أو ضغط عائلات الأسرى، أو الخلافات الداخلية في الحكومة، أو الضغط الدولي ومجلس الأمن والمحاكم الدولية، تمثلت الفرصة الذهبية لإحداث تحول جوهري في مسار الحرب، في تعزيز موقف المقاومة التفاوضي عبر تشكيل ضغط عسكري إقليمي حقيقي على الكيان، من خلال تصعيد وتيرة الاشتباك موقتًا، واستخدام قدر مكثف ومدروس من القوة لإنهاء الحرب، أو التلويح بالقوة بشكل صحيح عبر استخدام جزء منها، بالتوازي مع جولات التفاوض المكوكية التي تجري بين القاهرة والدوحة.

كان المأمول أن يمثل رد حزب الله بداية لمرحلة جديدة من الاشتباك في جبهة الشمال، تنتهي بها مرحلة الإسناد -ولو مؤقتا – وتتحول فيها الجبهة من ساحة اشتباك تكتيكي إلى ساحة اشتباك إستراتيجي لعدة أيام. إذ إن من شأن ذلك تقويض موقف المحتل العملياتي، وبالتالي السياسي، عبر استهداف مراكز المدن، وتوسيع دائرة النار، وإدخال عدة مئات ألوف آخرين من المستوطنين في دائرة النزوح والغضب والحنق، والشك في حلم أرض الميعاد.

ولكن جاءت نتائج العملية، وما أعقبها من تأكيد الأمين العام لحزب الله، أن هذا هو الرد على اغتيال فؤاد شُكر، ويمكن أن يعود الناس في لبنان لممارسة حياتهم بشكل طبيعي- باردة ضعيفة. بل مثّلت خيبة أمل كبيرة عند المقاومة وجمهورها، ولم تمنح المقاومة أي رصيد إضافي إيجابي في خضم موقفها التفاوضي الصعب، بل ربما أضعفت موقفها التفاوضي، كونها أفقدتها ورقة تلويح حزب الله بالقوة التي امتلكتها طيلة 27 يومًا.

بعد فقدان المقاومة ورقة القوة هذه، من المرجّح أن ينخفض زخم الجولات التفاوضية، ويزداد التعنّت الإسرائيلي أكثر، وهنا تصبح الحاجة لردّ إيراني على اغتيال إسماعيل هنية أمرًا أكثر إلحاحًا، بل عاجلًا، ويتطلب شكلًا أكثر قوة من عملية حزب الله، وإلا فستكون جبهة غزة أمام انسداد أفق حقيقي للوصول لنهايةٍ لهذه الحرب.

ثانيًا: ميزان الردع وقواعد الاشتباك

كشفت العملية -بالإضافة إلى طريقة إدارة مشهد المعركة برمّته- عن خلل كبير في طريقة المناورة لحزب الله، وإدارة الحرب مع المحتل، وبيّنت القدر الهائل من الأغلال التي يقيّد بها حزب الله مساحات المناورة والاشتباك لديه، مما أتاح المجال واسعًا أمام المحتل لتبني إستراتيجية هجومية عنيفة وعدائية، وجعلته يذهب معه لوثبات كبيرة، من اغتيال الشيخ صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية، إلى اغتيال ثلاثة من كبار قادته العسكريين في جنوب لبنان (الحاج جواد، وأبو طالب، وأبو نعمة) وانتهاء بفؤاد شكر.

ينطلق المحتل في تقدير موقفه هذا من سابق علم لديه بأن حزب الله، ومن قبله إيران – التي اغتال زعيم المقاومة إسماعيل هنية في عقر دارها، ووسط مراسم تنصيب رئيسها- لا يريدان الانجرار لحرب شاملة، وأن هذه الجبهات رسمت لنفسها سقفًا صارمًا في هذه المعركة لا يتجاوز (الإسناد)، وأن النوايا التي كشف عنها الأمين العام لحزب الله في خطاباته المتكررة، وأكد عليها مرارًا ، أتاحت للمحتل الذهاب بعيدًا في تكسير قواعد الاشتباك معه.

بل يمكن القول إن هذه العملية لم تكرّس ميزان الردع لصالح حزب الله وإيران، وإنما كرّست ميزان الردع لصالح المحتل، بل إن ضعف الرد على اغتيال قادة الحزب الثلاثة في وقت سابق، وعدم الرد على اغتيال العاروري في قلب الضاحية -باعتباره عدم خرق لقواعد الاشتباك-، هما اللذان دفعا المحتل للذهاب إلى ضربات أكثر جرأة وعدائية.

لم تكن العملية على قدر الشخصية التي اغتالتها إسرائيل، ولم يأتِ الردّ موازيًا لقواعد الاشتباك التي خرقها الكيان، من استهداف للضاحية، إلى استهداف لمدنيين، بل جاءت أقل بكثير من مستوى الخشية التي عاشها الكيان منذ ليلة الاغتيال، وكشفت العملية أن إسرائيل والإدارة الأميركية كانتا تخشيان حزب الله، وردّه المرتقب، أكثر بكثير مما قدّر حزب الله لنفسه، الأمر الذي من شأنه تشجيع المحتل على وثبة أكبر، وكسر جديد لقواعد الاشتباك، ربما تطال رأسًا أكبر من رأس فؤاد شكر.

كان تقدير الموقف المنطقي يفضي إلى أن وتيرة الضربات الإسرائيلية الأخيرة، وطبيعتها، سواء كانت في جنوب لبنان، أو في قلب الضاحية، تزيد بشكل كبير من خطر التصعيد الأكثر خطورة، وأنها تمثل إذلالًا خطيرًا لحزب الله، وبعد بلوغ ذروتها بساعات تجاوز الأمر إلى حد إذلال إيران، واستهداف سيادتها وهيبتها وأمنها القومي وشرفها، مما أكد تقدير الموقف المنطقي أننا سنكون أمام رد فعل قاسٍ من حزب الله أولًا، ثم من إيران ثانيًا ، ومن الجبهات الأخرى التي تدعمها كذلك، وأنها تمتلك الشرعية والمبرر لذلك، وجرى -لأجل هذا التقدير- حشد قدر هائل من القوة لاحتواء التصعيد المرجّح.

لم يقرأ حزب الله هذا الحشد على أنه أداة لاحتواء للتصعيد لا لتوسعته، وأن الحرب الإقليمية ما زالت بعيدة، وأن كوابحها كثيرة، وأن المحدد الأميركي الإستراتيجي يقضي بأن الحرب الإقليمية خط أحمر؛ بل قرأه على أنه تهديد وجودي له، فاختار تنفيذ نوعية من الضربات التي يمكن ابتلاعها، فجاء الردّ على شكل عملية حسّنت وضعية الاحتلال الإقليمية تكتيكيًا؛ وعزّزت جزئيًا من قدرة نتنياهو وموقفه التفاوضي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على اغتیال لحزب الله حزب الله

إقرأ أيضاً:

مستقبل الكيان الكردي في سوريا الجديدة

ما تزال مسألة انضمام مناطق شرق الفرات إلى سوريا الجديدة مثار جدل دائر بين السلطات السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر على تلك المناطق، حيث يقول قادتها في العلن إنهم من حيث المبدأ مع وحدة الأراضي السورية، وأن (قسد) مستعدة للاندماج في الجيش السوري الجديد.

لكنهم في نفس الوقت يضعون شروطًا مرفوضة من طرف الإدارة الجديدة، إضافة إلى أنهم لم يقوموا بأي خطوة تثبت ما يقولونه حول وحدة الأرض السورية وسيادتها، فهم يتصرفون وكأنهم يتحكمون في كيان خارج الإجماع السوري، من خلال استمرار فرض سيطرتهم على حوالي ثلث الأرض السورية، واستئثارهم بثروات تلك المناطق الغنية بالموارد الطبيعية، حيث توجد فيها معظم حقول النفط والغاز الموجودة في سوريا.

قوى السيطرة

بداية، يجب التنويه إلى أن ما يسمى مناطق شرقي الفرات، الواقعة في شمال شرقي سوريا، توجد فيها مكونات متعددة الأعراق، ولا يمثل الأكراد الغالبية فيها، حيث يتعايش فيها العرب والأكراد والآشوريون والسريان، في ظل عدم وجود إحصاءات دقيقة وحديثة.

وهناك حالة توجّس كبيرة لدى المكون العربي من ممارسات وتوجهات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، بوصفه قوة السيطرة الحقيقية على مناطق شمال شرقي سوريا، ويتحكم فيها بواسطة أذرعه ومخرجاته التي تتوزع على مستويين:

إعلان المستوى العسكري، ويتمثل بوحدات حماية الشعب الكردية الذراع العسكرية له، والتي تشكلت بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وسيطرت على مناطق شرقي نهر الفرات، بتسهيل من نظام الأسد البائد. ثم باتت العمود الفقري في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكلت عام 2015. المستوى المدني، ويتمثل بما يسمى الإدارة الذاتية (أطلق عليها في البداية فدرالية روج آفا-شمال سوريا، ثم تغير الاسم إلى النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سوريا). وجرى تشكيلها في عام 2013، ويشرف عليها مجلس سوريا الديمقراطية (مسد).

يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK)، بالنظر إلى هيمنة عناصره على حزب الاتحاد، وعلى كافة مخرجاته المدنية والعسكرية، الأمر الذي يفسر حساسية تركيا تجاه هذه الكيانات، التي تصنفها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وتطالب بإنهاء تواجدها في شمال شرقي سوريا، كونها تشكل ما تعتبره تهديدًا لأمنها القومي على حدودها الجنوبية، فضلًا عن أنها تخوض حربًا طويلة الأمد ضد حزب العمال الكردستاني، تمتد إلى ثمانينيات القرن العشرين الماضي.

التحدي الأبرز

يمثل دمج قوات سوريا الديمقراطية في الدولة السورية الجديدة التحدي الأبرز أمام السلطات السورية، التي تسعى جاهدة إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسستين؛ العسكرية والأمنية، حيث تتركز نقاط الخلاف بين الإدارة السورية الجديدة والقوى المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا فيما يلي:

أولًا: تعمل الإدارة الجديدة وفق مبدأ وحدة البلاد على تشكيل جيش وطني موحد يضم تشكيلات عسكرية مهنية تحت مظلة الدولة، بما يعني منع فوضى السلاح، وحصره بيد الدولة، وقد أعلنت حل جميع الفصائل بما فيها "هيئة تحرير الشام، بينما يصرّ قادة (قسد) على الاحتفاظ بسلاحهم والدخول ككتلة موحدة، أي كجسم عسكري مستقل ضمن الجيش، ويرفضون تفكيك تشكيلاتها المليشياوية، التي تضم عددًا لا يستهان به من المقاتلين الأجانب، وخاصة مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي. إعلان

وهو أمر ترفضه القيادات السورية الجديدة، كونها ترفض وجود كيانات مستقلة بعناصرها وعتادها وسلاحها ضمن الجيش الجديد، لأن ذلك يؤسس إلى الاعتراف بوجود كيانات عسكرية مستقلة، ويفضي إلى تشرذم المؤسسة العسكرية. إضافة إلى أن السلطات الجديدة تطالب برحيل كل المقاتلين غير السوريين.

ثانيًا: تسعى القوى المسيطرة على مناطق شرقي الفرات إلى الاحتفاظ بقواتها العسكرية وتكتلها داخل الجيش السوري، لأنها تريد الحفاظ على وضع خاص في إدارة مناطق سيطرتها الحالية، معتبرة أنها تشكل حيزًا جغرافيًا خاصًا بها.

ويتذرع حزب الاتحاد الديمقراطي ومعه كافة مخرجاته بأنهم يمثلون الأكراد السوريين الذين تعرضوا لظلم تاريخي، وسُلبت حقوقهم القومية. إضافة إلى أن تلك القوى المسيطرة تريد الحصول على حصة خاصة من الثروات الموجودة فيها.

ولا تمانع الإدارة الجديدة في دمشق منح المجالس المحلية في تلك المناطق نوعًا من الاستقلالية في إطار اللامركزية الإدارية التي تشمل مختلف مناطق سوريا، مع الإقرار دستوريًا بضمان الحقوق الثقافية للمكون الكردي، لكنها تبدي معارضتها لأشكال الحكم الذاتي أو الفدرالي، الذي تعتبره يتعارض مع وضع سوريا ووحدة أراضيها وشعبها.

ثالثًا: تجد (قسد) قوتها ليس في تعداد مقاتليها الذي يقدره بعض الخبراء بنحو 80 ألف مقاتل، ولا في دعمها من طرف قوات التحالف فقط، بل لأنها تملك ملفات هامة بيدها، تتمثل بإدارتها سجونًا يقبع فيها مقاتلون يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة، ومخيمات تؤوي عوائلهم.

إضافة إلى سيطرتها على قسم كبير من الحدود مع العراق وتركيا، وإدارتها معابر حدودية مع العراق وإقليم كردستان العراق، فضلًا عن سطوتها على عائدات حقول النفط والغاز.

ووفق تقديرات منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان، فإن (قسد) تدير مخيمي "الهول" و"روج"، اللذين يضمان حوالي 42500 شخص، من بينهم حوالي 18 ألف شخص أجنبي، ينتمون إلى 60 دولة.

إعلان

ترى الإدارة الجديدة أنها قادرة على إدارة السجون والمخيمات المذكورة في المناطق التي تسيطر عليها (قسد)، وأن مهمة إدارتها تقع على عاتق الدولة السورية، التي تمتلك الإمكانات للقيام بذلك.

وقد طرحت السلطات الجديدة على قيادة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة موضوع تسليم إدارة تلك السجون والمعتقلات إلى "جيش سوريا الجديد" المدعوم من طرف التحالف، والذي أعلن ولاءه واندماجه مع الجيش السوري الجديد.

رابعًا: لجأت الإدارة السورية الجديدة إلى الحوار والتفاوض مع (قسد) بوصفه خيارها الأساسي لحل الخلافات معها، وقد شهدت الفترة الماضية عقد لقاءات بين الطرفين، لكن بعض المسؤولين في الإدارة يرون أن (قسد) تماطل، وتريد شراء الوقت بانتظار اتضاح الموقف الأميركي، حيث لم يتضح بعد موقف إدارة الرئيس ترامب حيال سوريا، وخاصة فيما يتعلق بموضوع بقاء أو انسحاب القوات الأميركية المتواجدة في سوريا ضمن قوات التحالف الدولي لمحارية تنظيم الدولة، والتي تستقوي بها (قسد).

فيما تنظر الإدارة الجديدة إلى أن القضية الكردية هي شأن سوري داخلي، ويجب أن تحل في إطار الوطنية السورية الجامعة، عبر ضمان حقوقهم في دولة القانون والدستور. وعلى هذا الأساس طلبت السلطات الجديدة في دمشق من القيادة التركية التريث، وعدم القيام بأي عملية عسكرية ضد (قسد)، بغية منحها بعض الوقت للتفاهم معها بشكل سلمي.

 آفاق المستقبل

لا شكّ في أن الأفضل هو أن يفضي طريق الحوار إلى حل لمشكلة دمج الكيان الكردي في الجسم السوري الجديد، ويفسر ذلك تفضيل بعض قادة قسد الحوار والتفاوض مع الإدارة الجديدة في دمشق، وذلك بالتزامن مع رسالة الزعيم الكردي التركي عبدالله أوجلان، التي من وجهها إلى قسد، والمرجح أنها تضمنت دعوته للاندماج في سوريا الجديدة، وإلقاء سلاح المقاتلين ووقف العمل العسكري.

يكشف واقع الحال أن قسد وضعت نفسها خارج الحوار السوري، وذلك بعد تشكيل لجنة تحضيرية للحوار الوطني، لذلك ارتفعت أصوات تطالبها بالمشاركة الفاعلة فيه، بغية صياغة دستور يضمن حقوق الأكراد السوريين ضمن مفهوم المواطنة المتساوية، الأمر الذي يدفع باتجاه تخليها عن الشروط التعجيزية، والتراجع عن المطالبة بالفدرالية، بما يعني إضعاف نفوذ التيار المرتبط بقيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل المدعوم من إيران.

إعلان

وربما يرضخ قادة حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الضغوط الممارسة عليه، خاصة من طرف قادة إقليم كردستان وتركيا، ويقوم بخطوات أولى مثل القبول بإدارة مشتركة لمناطق سيطرته في المرحلة الانتقالية، بما فيها سجون مقاتلي تنظيم الدولة وخيام عوائلهم والمعابر البرية.

يبقى أن مشكلة اندماج قسد بالجسم السوري الجديد مرتبطة بتوازنات دولية وإقليمية ومحلية. فضلًا عن أن الإدارة السورية الجديدة لا تريد توتير العلاقة مع الولايات المتحدة التي لا تزال تحتفظ بقواعد عسكرية في مناطق شمال شرقي سوريا في انتظار بناء تفاهمات مع إدارة الرئيس ترامب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • سرّ جديد عن اغتيال نصرالله.. من الذي خطط لذلك؟
  • انطلاق قافلة دعوية كبرى من مسجد الفتح في كفر الشيخ | صور
  • ضمن عملية إجلاء كبرى.. الصين ترحل رعاياها المحررين من مراكز الاحتيال في ميانمار
  • مستقبل الكيان الكردي في سوريا الجديدة
  • خيبة أمل قارية تلقي بظلالها على الجولة 26 من الدوري الإيطالي
  • إصابة إسرائيلية بحادث طعن في القدس المحتل.. ما هو مصير منفذ العملية؟
  • جلالة السلطان يهنئ ملك الأردن بنجاح العملية الجراحية
  • قادرة على الاشتباك قبل دخول مدى العدو.. ماذا نعرف عن «مقاتلة النار» الصينية؟
  • رئيس الهيئة الوطنية: مسؤولون أمام الله والشعب عن نزاهة العملية الانتخابية
  • المخرج من دائرة الجهل التي تتميز بها دول العالم الثالث وتتجلي في الحروب الأهلية