الأسبوع:
2025-03-14@23:27:51 GMT

مطلب شرعي وواجب وطني

تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT

مطلب شرعي وواجب وطني

إتقان العمل والصنعة أمر من الله ورسوله، وهو مطلب شرعي، وواجب وطني، وعمل إنساني ومسؤلية مجتمعية، ومقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، والكل مطالب بهِ، والكل محاسب عنه بين يدي الله، والإتقان يكون في أعمال الدين والدنيا، فلا يصح أن يكون الإنسان متقنا في أمور الدين، وليس متقنا في أمور الدنيا، فالقيام للصلاة من العبادات والسعي في الأرض والكد والتعب من العبادات أيضا، لهذا لا يعتري الإنسان العجب ولا الدهشة حين يجد بين دفتي المصحف، أمرا من الله تعالى بالانصراف من المسجد عقب قضاء صلاة الجمعة للعمل والكد والتعب: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [سورة الجمعة ـ الآيتان: 9 و10]

فهاتان الآيتان توضحان المنهج القويم للدين الإسلامي العظيم، وسماته الرفيعة، وصلاحيته لكل زمان ومكان، وشمولية منهجه، وتوازن أحكامه، ومخاطبته للعقل والروح والمادة، فلا يعتني بجانب ويهمِل الآخر، ولكنه يوازن بين متطلبات الروح والمادة واحتياجاتهما، فخلق نفوسا سوية، ومجتمعات متحضرة، حال الأخذ بأسبابها، فقد حض الإسلام المؤمنين على الجمع بين أَداء العبادات والطاعات، والمحافظة عليها في أوقاتها، دون غفلة أو تضييع، وبين الحرص على العمل بجد وكفاح وإتقان، دون تضييع لأحدهما.

ويكفي كل صانع شرفا أن الصناعة كانت حرفة بعض الأنبياء، فقد كان نبي الله إدريس - عليه السلام - خياطا، وكان نوح - عليه السلام - نجارا، يصنع الفلك الذي اتخذه طريقا للنجاة من الطوفان، وكان خليل الله إبراهيم - عليه السلام - بناءً، وهو الذي بنى الكعبة - البيت الحرام - وعاونه في عملية البناء ولده إسماعيل - عليه السلام -، وكان داود - عليه السلام - حدادا يصنع الدروع.

والله تعالى عظم قيمة العمل في أشد المواقف وأصعبها على الإنسان، ففي يوم قيام الساعة، الذي قال فيه سبحانه وتعالى: "يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ" [ سورة الحج: آية 2]، أمر النبي أمرا مؤكدا بالعمل وتعمير الأرض، حيث قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن قامتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكم فسيلةً، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها".

وإذا أتقن الإنسان العمل سمي صانعا أو محترفا، وقد وردت مادة صنع في القرآن الكريم بمشتقاتها في عشرين موضعا، حيث وردت في ستة عشر موضعا بصيغة الفعل، من ذلك قوله سبحانه: "إن الله عليم بما يصنعون" (فاطر:8) ووردت بصيغة الاسم في أربعة مواضع، منها قوله سبحانه: "صنع الله الذي أتقن كل شيء" (النمل:88). وأكثر ما وردت مادة صنع ومشتقاتها في القرآن بمعنى الفعل ـ خيرا أو شرا ـ ومنه قوله تعالى: "وحبط ما صنعوا فيها" (هود:16)، ومنه أيضاً قوله سبحانه: "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة" (الرعد:31)، ومنه أيضا قوله سبحانه: "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" (الكهف:104)، وجاءت مادة (صنع) في موضع واحد بمعنى البناء والتشييد، وذلك قوله تعالى على لسان نبيه هود عليه السلام مخاطباً قومه: "وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون" (الشعراء:129).

فيا أمتنا الإسلامية، لن تقوم لنا قائمة، ولن ينصلح لنا حال، إلا بما صلح به عصر النبوة والصحابة والتابعين، الذين عملوا بكل جد وإخلاص وإتقان فى أمور دنياهم كأنهم يعيشون أبدا، وفى الوقت نفسه عملوا لآخرتهم كأنهم يموتون غدا، فيا ليتنا ننتبه جميعا، قبل أن نندم بعد فوات الأوان، وحيث لا ينفع الندم.

[email protected]

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: علیه السلام قوله سبحانه

إقرأ أيضاً:

الوقف.. «الصدقة الجارية»

حثّ الإسلام على الصدقة، والصدقة الجارية، ووعد بالمثوبة لفاعلها، واستمرار الأجر له بعد رحيله عن الدنيا، وإن الوقف يُعد من الصدقات الجارية، فأصله ثابت، وعطاؤه مستمر لا ينقطع، ويقصد به التقرب إلى الله تعالى، ذلك أن الوقف تبرع دائم بعقار أو مال، والتنازل عن ملكيته لله تعالى، فلا يجوز بيع العين الموقوفة ولا هبتها ولا التصرف بها، بل يحبس أصلها وينفق من ريعها وعائداتها في المصارف الشرعية التي حددها الواقف. 
يسهم الوقف في أعمال البر والخير والإحسان، وخدمة المجتمع وتنميته، كالوقف لبناء المساجد وصيانتها والعناية بها، ووقف الأيتام والفقراء، ورعاية المرضى، وطلبة العلم، وكبار السن، وأصحاب الهمم، والحفاظ على البيئة، والرفق بالحيوان، ونحو ذلك من وجوه الخير والإحسان.
ولبيان الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، يقول الله - عز وجل- في محكم تنزيله: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْر وَأَعْظَمَ أَجْراً)، «سورة المزمل: الآية 20»، وقال الله سبحانه وتعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، «سورة آل عمران: الآية 92». وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، (صحيح مسلم 1631).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: «نعم»، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها، «صحيح البخاري 2756».
ويحظى الوقف داخل دولة الإمارات العربية المتحدة باهتمام بالغ من القيادة الرشيدة، وتحرص الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف دائماً على إحياء سنة الوقف والدعوة له وتنميته، والتبصير بأهدافه وفق أساليب معاصرة تتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، مما يؤدي إلى تقوية ينابيع الخير في النفوس، وتجسيد مبادئ التكافل الاجتماعي، ويفتح آفاقاً تنموية للعمل الخيري بما يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع.
ونحن مدعوون للمساهمة في إحياء سنة الوقف لنحقق التعاون على البر الذي أمرنا الله تعالى به، فقال عز من قائل: (... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ...)، «سورة المائدة: الآية 2»، ولنحرص أشد الحرص على المشاركة في تنمية الوقف الخيري لنحقق قول الله تعالى: (... وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة الحج: الآية 77». ومما سبق يتبين لنا أن الوقف من أعمال البر التي حثّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الصدقات الجارية أصلها ثابت، وثوابها دائم لا ينقطع، فهي تنفع الإنسان في حياته وبعد مماته، كما أن أعمال البر تتفاضل بحسب حاجة الناس وعموم النفع، حيث يتميز الوقف بأنه يحافظ على أصل المال وينميه، ويرسخ قيم الإسلام ومبادئه في التصدق والبر والإحسان.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى المبادرة بالإنفاق وعدم التسويف، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قال: «أَنْ ‌تَصَدَّقَ ‌وَأَنْتَ ‌صَحِيحٌ ‌شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ». 
وحثّ الإسلام على الإنفاق وجعل ثوابه عظيماً، ووعد الله من تصدق وأنفق بالخلف والعوض، قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ ‌يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا ‌مِنْ ‌يَوْمٍ ‌يُصْبِحُ ‌العِبَادُ ‌فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا». 

أخبار ذات صلة حمدان بن محمد: قيمة الأصول الوقفية في دبي ترتفع إلى 11.1 مليار درهم حمدان بن محمد يلتقي عدداً من أصحاب المبادرات الخيرية في دبي

مقالات مشابهة

  • الصيام.. مدرسة إيمانية تهذب النفوس وتسمو بالأخلاق
  • دور الخطاب في تبليغ الرسالات السماوية وأثره في التأثير والإقناع
  • بحضور السيسي.. خطبة الجمعة بمسجد المشير تشيد بشهداء الوطن
  • قبلان: البلد يعيش في قعر الأزمات وإمكان النهوض به من دون تضامن وتعاون وطني أمر صعب
  • الوقف.. «الصدقة الجارية»
  • شاهد| لماذا اختار نبي الله إبراهيم عليه السلام بالتحديد عبارة {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}[الشعراء:77]؟
  • من مقامات نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو يسعى لهداية قومه.. الموقف الحاسم
  • من مقامات نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو يسعى لهداية قومه.. التنوع في أساليب الإقناع
  • أحمد عمر هاشم يكشف علامة نجاة الله للعبد من العذاب
  • في محاضرته الرمضانية الحادية عشرة قائد الثورة : الإنسان في تكوينه يشعر بحاجته الدائمة إلى الله سبحانه وتعالى