بيروت - محمد شقير - شكَّل الخطاب الذي ألقاه أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، وأعلن فيه انتهاء المرحلة الأولى من رد «الحزب» على إسرائيل باغتيالها أحد أبرز قيادييه العسكريين فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية قبل أسابيع، مناسبة للتوجه إلى جمهوره، ليس لتبديد القلق الذي يساوره حيال تأخره في الرد فحسب، وإنما لمصارحته بطبيعة المرحلة السياسية الراهنة في ظل استمرار مساندته لحركة «حماس»، انطلاقاً من أنه لا نية لديه لتوسعة الحرب، وإن كان الموقف نفسه ينسحب على إسرائيل، وإنما على قاعدة أن لكل منهما حساباته الذاتية في ضوء الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة الأميركية، وأدى إلى توافق الخصمين على إنهاء المرحلة الأولى.

وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية غربية أن واشنطن تصدرت الضغوط الدولية لنزع فتيل التفجير، ومنع تدحرج المواجهة بين إسرائيل و«الحزب» نحو إشعال الحرب على نطاق واسع، وأن الضغوط أدت لتجاوب الطرفين لمنع تفلت الوضع وإبقائه تحت السيطرة.

وكشفت المصادر الدبلوماسية المواكبة للاتصالات التي تولتها واشنطن بين بيروت وتل أبيب بأن الأخيرة تجاوبت مع دعوتها للإعلان عن انتهاء المرحلة الأولى، وقوبلت برد مماثل من «حزب الله»، مع أنها كانت قد بادرت للقيام بهجوم استباقي. وقالت إنه لا مجال أمامها سوى العودة إلى قواعد الاشتباك التي اهتزت أخيراً تحت ضغط ارتفاع منسوب المواجهة العسكرية لتطول العمقين اللبناني والإسرائيلي.

ولفتت إلى أن «الحزب» تجاوب مع الوساطة الأميركية من خلال الحكومة اللبنانية. وأكدت أن هناك ضرورة للتقيُّد بقواعد الاشتباك في ظل عدم استعدادهما لتوسعة الحرب وذلك بامتناعهما عن استهداف البنى التحتية والمدنيين، وتحييدهما لضاحيتي بيروت الجنوبية وتل أبيب عن القصف.

ورأت أن «الحزب» لم يكن في وارد توسعة الحرب، وإلا فلماذا نأى بنفسه عن استخدامه ما في مخزونه من صواريخ دقيقة وذكية رداً على الغارات التي نفذها الطيران الحربي الإسرائيلي استباقاً لرده على اغتيال شكر؟

وقالت إن المواجهة بين الطرفين يُفترض أن تبقى تحت سقف تلك التي انطلقت مع مساندة «الحزب» لـ«حماس» وما تخللها من تبادل للخروق التي تتراوح بين هبّة باردة وأخرى ساخنة.

أما على صعيد التداعيات اللبنانية لمساندة «الحزب» لـ«حماس»، فأكدت المصادر السياسية أن ما يهم «الحزب»، بعد انقضاء أكثر من 10 أشهر عليها، التوجه إلى جمهوره، وعبره إلى اللبنانيين، لأن من حق جميع هؤلاء أن يلتقطوا أنفاسهم، لأن طول أمد المساندة شكّل مفاجأة لهم لم تكن في حسبانهم فأتعبتهم، وأدت إلى نزوح عشرات الآلاف من الجنوبيين من بلداتهم الأمامية الواقعة على خط النار بين «الحزب» وتل أبيب.

وتتوقف أمام التوقيت الذي اختاره «الحزب» للرد على إسرائيل، وتقول إنه حدد التوقيت المناسب، فجر الأحد الماضي، حرصاً منه على عدم تعريض الجنوبيين إلى الخطر في حال قرر تحديده لساعة الصفر في وضح النهار الذي يصادف يوم عطلة ما يضطر هؤلاء للخروج من منازلهم.

وتقول إن نصر الله توخى أيضاً من خطابه بقوله إنه يمكن للبنان أن يرتاح، بما يسمح للبنانيين أن يريحوا أعصابهم ويلتقطوا أنفاسهم، ومن يريد العودة إلى بيته فليعد إليه مطمئناً وآمناً، ويستطيع أن يأخذ النفس ويرتاح ويزاول عمله كالمعتاد، وهذا من حقه، بعد أن «أعلن العدو أن ما جرى اليوم انتهى».

وتؤكد أنه يخص بدعوته هذه سكان الضاحية الجنوبية لاضطرار معظمهم لترك منازلهم والنزوح إلى مناطق آمنة خوفاً من استهداف إسرائيل للضاحية في ردها على رد «الحزب» ثأراً منها لاغتيالها شكر.

وتتعامل مع دعوة نصر الله هذه من زاوية أنه أخذ على عاتقه مسؤولية دعوتهم للعودة إلى منازلهم ومزاولة أعمالهم بصورة طبيعية. وترى أنه لم يكن مضطراً ليغامر بمصيرهم لو لم تتوافر له جملة من المعطيات السياسية بأنه لا نية لديه لتوسعة الحرب، وهذا ما ينسحب أيضاً على إسرائيل التي تحاصرها الضغوط الأميركية لمنع رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو من الجنوح نحو توسعتها، خصوصاً أن القطع البحرية الأميركية الموجودة في المتوسط مخصصة للدفاع عنها في حال تعرضت لهجوم من محور الممانعة، ولن توضع تحت تصرفه لاستدراج واشنطن للدخول في صدام مع إيران.

وترى المصادر نفسها أن نصر الله رسم في خطابه سقفاً لطبيعة مساندة محور الممانعة لـ«حماس» لا يمكنه إلا التقيُّد به، ولن يحيد عنه، لأن طهران، وإن كانت تحتفظ لنفسها بحق الرد على إسرائيل باغتيالها رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، فإنها ليست في وارد إشعال المنطقة، بينما لم تنقطع عن التواصل مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وتراهن على انتخاب نائبته كامالا هاريس خلفاً له، وبالتالي لا تحبذ حرق المراحل باستدراج المنطقة إلى المجهول.

وعليه فإن الإيجابية التي أبداها نصر الله، بحسب المصادر، في محاكاته لجمهور المقاومة لا يأتي من فراغ، وإنما ينطق بلسان مزاج السواد الأعظم من اللبنانيين، والجنوبيين خصوصاً، الذي هم بحاجة لتنفس الصعداء ليكون في وسعهم ترتيب أوضاعهم بعد أن أتعبتهم فترة الانتظار المترتبة على اشتعال الوضع جنوباً والتي لا يمكن التكهن بموعد وكيفية نهايتها.

Your browser does not support the video tag.

المصدر: شبكة الأمة برس

كلمات دلالية: على إسرائیل نصر الله لـ حماس

إقرأ أيضاً:

هل يعود حزب الله من رماد البيجر؟

"حزب الله قد تراجع، لكنه لم يُهزم بالكامل". هذا ما قاله عساف أوريون، رئيس قسم التخطيط الإستراتيجي سابقا في الجيش الإسرائيلي، وهي مقولة تعكس تقييم عساف أوريون لواقع حزب الله، وتعكس جانبا من النظرة الإسرائيلية للنتيجة التي انتهت إليها الحرب الأخيرة على لبنان، التي ما زالت تداعياتها تتفاعل سياسيا ومجتمعيا وأمنيا رغم انسحاب جيش الاحتلال من الجنوب اللبناني باستثناء خمسة مواقع حاكمة احتفظ بها بعمق يتراوح من 300 متر في تلة اللبونة وصولا إلى عمق كيلومترين اثنين في تلة العزية.

بين الحين والآخر، تشن الطائرات الإسرائيلية غارات تستهدف كوادر ومخازن حزب الله جنوب نهر الليطاني وصولا إلى الهرمل، بينما اكتمل هيكل الدولة في لبنان بانتخاب مجلس النواب قائد الجيش الجنرال جوزيف عون رئيسا للبلاد، مع تشديده على أن قرار السلم والحرب بيد الدولة فقط، وتعيين القاضي نواف سلام رئيسا جديدا للحكومة التي خلت من الثلث الوزاري المعطل لحزب الله وحلفائه، كما أصدرت الحكومة للمرة الأولى منذ قرابة عقدين بيانا وزاريا يخلو من الإشارة إلى ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" التي تشرعن سلاح حزب الله، ولتؤكد بدلا من ذلك حق الدولة في احتكار حمل السلاح.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الرابحون والخاسرون في لبنان بعد سقوط الأسدlist 2 of 2ما هي بدائل خليفة حفتر بعد سقوط بشار الأسد؟end of list إعلان

تتزامن تلك التطورات مع تغيرات دولية وإقليمية تلقي بظلالها على حزب الله، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب عاد للبيت الأبيض مجددا، ووقع في 4 فبراير/شباط 2025 قرارا تنفيذيا يعيد فرض سياسات "الضغط القصوى" على إيران، وهو ما يشمل تقييد مبيعات النفط الإيراني إلى الدول الأخرى، وقد أوضح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أن الهدف هو تخفيض صادرات النفط الإيراني بنسبة 90% لتصل إلى 100 ألف برميل يوميا فقط، مما يحرم طهران من عائدات في غاية الأهمية لها.

قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون الذي تم انتخابه رئيسا للبنان (وكالة الأناضول)

وسرعان ما ظهرت تداعيات قرار ترامب على العملة الإيرانية، التي وصلت إلى 94 ألف تومان إيراني للدولار الواحد مقابل 55 ألف تومان في الوقت ذاته من العام الماضي، وهو ما يعني تضرر قدرات إيران على توفير الدعم المالي لشبكة حلفائها، وفي مقدمتهم حزب الله، سواء لإعادة إعمار المنازل المدمرة في الجنوب والضاحية، أو لإعادة تسليح الحزب.

وفي شرق لبنان، جاء سقوط نظام الأسد ليضيف تحديا جوهريا إلى جملة التحديات التي يواجهها حزب الله، فسقوطه يعني فقدان خط الإمدادات البري القادم من إيران عبر العراق، فضلا عن تداعيات تغير نظام الحكم في دمشق على ديناميكيات السياسة داخل لبنان، الذي يتأثر بهوية وسياسات مَن يحكم سوريا.

إن محصلة العوامل المذكورة تجعل السؤال عن مستقبل حزب الله ذا أهمية، فالحزب لم يفقد أمينه العام الأبرز حسن نصر الله فقط، ولا فقد الآلاف من قادته وكوادره في الحرب مع الاحتلال، إنما يُبحر في بيئة محلية وإقليمية ودولية غير مواتية، مما يضيف تحديات أخرى إلى تحدياته، ويثقل كاهل القيادة الجديدة للحزب، إذ تجد نفسها في مواجهة أخطار جمة يعضد بعضها بعضا، وتجعل الإبحار عبر أمواجها عرضة لتهديدات وجودية.

إعلان تحدي البيئة الداخلية

إن التطرق لتحدي البيئة الداخلية للحزب له أولوية في ظل حالة الصدمة التي تعيشها حاضنته مما حدث خلال الحرب. فالصدمة لم تكن نتاج حدث واحد، بل سلسلة من الأحداث كلٌّ منها يشبه الزلزال. بداية من تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي التي طالت عدة آلاف من كوادر وعناصر الحزب، مما كشف نجاح الاحتلال في تحقيق خرق أمني غير مسبوق في تاريخ صراعه مع حزب الله، بما يشمله ذلك من رصد الأفراد والمقرات ومخازن السلاح وحركة الأفراد طوال سنوات، وصولا إلى تصفية أغلب الهيكل القيادي الفاعل للحزب، وبالأخص قادته العسكريين والأمنيين، فضلا عن السيد حسن نصر الله أمين عام الحزب، ثم خلفه في القيادة وقريبه السيد هاشم صفي الدين.

أكثر من مليون شخص شاركوا في مراسم تشييع السيد حسن نصرالله وهاشم صفي الدين (الجزيرة)

إن حسن نصر الله لم يكن قائدا تقليديا لحزب الله، إنما هو شخص استثنائي أسهم في انبعاث المكون الشيعي في لبنان من الرماد، فبعد شعور بالتهميش امتد لزمن طويل، تحول شيعة لبنان إلى مكون فاعل في المشهدين اللبناني والإقليمي، وعاشت حاضنة الحزب مع نصر الله المعركة ضد الاحتلال في جنوب لبنان وصولا إلى الانتصار في عام 2000، ثم الصمود في حرب 2006، وصولا إلى حيازة ثلث معطل في الحكومة، وهي محطات حولت حزب الله إلى كيان يشبه الدولة، وجعلت نصر الله بين أنصاره بطلا أسطوريا غير قابل للهزيمة، ولذا لم يصدق الكثيرون من محبيه أنه قُتل حين أعلن الاحتلال ذلك قبل صدور بيان الحزب الرسمي، وشعروا باليتم بفقده قبل أن تبرز بينهم مقولة: "يكفي أننا عشنا في زمن السيد، وسنحكي عنه لأحفادنا".

إن اغتيال نصر الله تلاه وسبقه اغتيال نخبة قادة الحزب، مثل الأمين العام التالي هاشم صفي الدين، والشيخ نبيل قاووق نائب رئيس المجلس التنفيذي ومسؤول وحدة الأمن الوقائي، وعلي كركي قائد جبهة الجنوب، وفؤاد شكر القائد العسكري للحزب، وإبراهيم عقيل قائد عمليات الحزب، وغيرهم الكثير، مما أحدث بطبيعة الحال فراغا قياديا يصعب ملؤه في أشهر قليلة أو سنوات معدودة، فالأمر سيتطلب إعادة بناء للهيكل التنظيمي وفق دروس مستفادة من الحرب الأخيرة، وهو ما يتطلب نوعا جديدا من القادة بعد تنظيف الصفوف من الاختراقات الأمنية، وإدراك مستوى جدية الجانب الإسرائيلي.

إعلان

إن المتابع يلاحظ ظهور أسئلة داخل بيئة الحزب حول أسباب ما حدث في الحرب، وتساؤلات عن مدى إمكانية إعادة الإعمار بعد أن تشردت آلاف الأسر وفقدت منازلها وأعمالها، بجوار حدوث إصابات واسعة تعوق المصابين عن العمل الحياتي فضلا عن المهام التنظيمية، وهي أسئلة تتزامن مع الضغوط الأميركية على إيران، وتحرك الحكومة اللبنانية الجديدة ضد تمويل إيران للحزب عبر تفتيش الطائرات الإيرانية في مطار بيروت للبحث عن حقائب الأموال، مما يعوق قدرة الحزب على تقديم الخدمات الاجتماعية وأنشطة الإعمار التي اعتاد عليها بعد جولات القتال.

التحدي الإسرائيلي

إن اهتزاز إسرائيل على وقع "طوفان الأقصى" جعلها تهيل التراب على نهج "المعركة بين الحروب" الذي اتبعته لتعزيز أمنها، وتبنَّت نهجا جديدا يقوم على منع وجود أي تهديد عسكري في جوارها، واللجوء إلى عمليات هجومية استباقية ضد أي قوة يمكن أن تشكل تهديدا مستقبليا للاحتلال. وبالتالي لم تحترم إسرائيل اتفاق الهدنة في لبنان، فطيرانها يواصل التحليق في أجواء لبنان، ويقصف بين الحين والآخر مخازن وأسلحة للحزب، فضلا عن مواصلة سياسة الاغتيالات لكوادر عسكرية بحجة انخراطهم في أنشطة تهدد الأمن الإسرائيلي.

تستثمر تل أبيب الضوء الأخضر الأميركي والتطورات الدولية والإقليمية لفرض معادلات جديدة في لبنان، فقد أوغلت قبل انسحابها من قرى الجنوب اللبناني في تدمير المنازل والمنشآت والبنية التحتية، مما يجعل إعادة بناء حياة طبيعية قرب خطوط التماس أمرا صعبا، وهو ما يهدف إلى حرمان حزب الله من البيئة السكانية التي يوجد تحت مظلتها في الجنوب.

كذلك احتفظ الاحتلال بخمسة مواقع عسكرية في قطاعات الجنوب الثلاثة، الشرقي والأوسط والغربي، مما يكفل له مراقبة تحركات الحزب وعرقلتها بالتزامن مع إبراز الاحتلال لصورة سيطرة ميدانية ترفع الروح المعنوية لمستوطني الشمال، وتشجعهم على العودة إلى مستوطناتهم التي هجروها هربا من هجمات الحزب وصواريخه.

إعلان

وبجوار ما سبق، يقدم جيش الاحتلال تقارير إلى اللجنة المشكّلة من قوات اليونيفيل والجيش اللبناني تحت إشراف جنرال من القيادة المركزية الأميركية حول مخازن أسلحة حزب الله جنوب نهر الليطاني بهدف مصادرتها وتنفيذ القرار الأممي 1701، مما يضع الحزب بين كماشة الهجمات الإسرائيلية وعمليات المداهمة قد تكون محتملة لمصادرة لأسلحته.

ولم تكتفِ الحكومة الإسرائيلية بذلك، إنما يدعو نتنياهو ووزير دفاعه كاتس إلى نزع سلاح حزب الله بالكامل في لبنان، وتفكيك شبكاته المالية واللوجستية، وعمليا يضغطون لمنع حزب الله من إعادة التزود بالسلاح، فهددوا بحسب الحكومة اللبنانية بقصف مطار بيروت في حال السماح للطائرات المدنية الإيرانية بنقل الأموال إلى حزب الله، كما شن الطيران الإسرائيلي غارات متكررة على المعابر غير الرسمية على الحدود اللبنانية السورية لمنع تهريب السلاح إلى لبنان.

تحدي البيئة اللبنانية

امتعضت أطراف عديدة داخل لبنان من امتلاك حزب الله لثلث معطل داخل الحكومة اللبنانية منذ اتفاق الدوحة عام 2009، وفي مقدمة تلك الأطراف حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، الذي انتقد طوال سنوات سياسات حزب الله، وامتلاكه للسلاح بمعزل عن الدولة، وانخراطه في ملفات إقليمية تضر بمصالح لبنان بحسب جعجع، وبالتالي وجدت تلك الأطراف فرصة ذهبية لإعادة حزب الله إلى حجمه ما قبل عام 2009.

لقد استفادت الأطراف المناوئة للحزب داخل لبنان من التطورات الإقليمية والدولية، ومن رغبة الأطراف الخارجية المنخرطة في المشهد اللبناني، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بتحجيم نفوذ حزب الله. وبدأت أولى الخطوات عقب اختيار رئيس جديد للبلاد، باختيار رئيس وزراء على غير هوى حزب الله، وهو ما ندد به الحزب على لسان رئيس كتلته النيابية محمد رعد.

ثم أصدرت الحكومة التي لقَّبت نفسها بحكومة الإنقاذ والإصلاح بيانا وزاريا شدد على التزامها بتنفيذ "قرار مجلس الأمن رقم 1701 كاملا دون اجتزاء ولا انتقاء، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصرا، وواجب الدولة في احتكار حمل السلاح"، وهي بنود موجهة ضد حزب الله وسلاحه، بينما اختفت الفقرة التي تتحدث عن "التّأكيد على حق المواطنات والمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة"، التي تكررت في البيانات الوزارية السابقة لحكومة نواف سلام.

إعلان

في المقابل، يسعى حزب الله للتهدئة داخليا، والاستفادة من تمثيله البرلماني للتعبير عن مواقفه بلغة سياسية تبرز مواقفه دون استفزاز الجهات الأخرى، كما يشدد على دور الدولة اللبنانية في إعادة إعمار الجنوب وإجبار جيش الاحتلال على الانسحاب الكامل من جنوب لبنان، ويلجأ إلى التحركات الشعبية لتنفيذ أهدافه، كما حدث عند عودة العديد من أهالي الجنوب إلى قُراهم ضمن حشود كبيرة عند انتهاء مهلة الانسحاب رغم قتل جيش الاحتلال للعشرات منهم، فيما يترقب الحزب طبيعة التعيينات في مناصب رئيسية بالدولة، بعضها مخصص للمكون الشيعي مثل مدير الأمن العام ووزير المالية، ويحرص على تجنب الاصطدام بالجيش اللبناني باعتبار ذلك سيمثل نجاحا لتل أبيب في تحويل صراعها مع الحزب إلى صراع داخل لبنان بين الجيش وحزب الله.

التحديات الإقليمية والدولية

فضلا عن التحديات الداخلية، يواجه حزب الله تحديات خارجية، فهو يترقب ما ستؤول إليه الأمور في سوريا، فبعد أن فقد الحزب شريان إمداده الرئيسي بعد سقوط نظام الأسد وسيطرة فصائل الثورة السورية على الحكم، أصبح يتابع عن كثب سياسات الإدارة الجديدة في دمشق، والتهديدات الإسرائيلية تجاه الدولة السورية الجديدة. ففي حال تحوُّل سوريا إلى ساحة صراع مع الاحتلال الإسرائيلي فسيجد الحزب موقعا له للتموضع ضمن المعادلة الجديدة، بل وسيستفيد من فتح جبهة في الجنوب السوري والجولان رفض بشار الأسد أن يفتحها طوال حكمه.

ولكن في حال ثبات واستقرار الوضع في الجولان، فسيصبح وضع الحزب حرجا، حيث سيرى نفسه محاصرا من جهتين، ولذا يرجح أن يعمل آنذاك على تجميد الجبهة مع إسرائيل، وترقب الوضع الداخلي في سوريا حيث تنشغل الإدارة الجديدة في دمشق بالملفات الداخلية.

ويترقب حزب الله أيضا تطورات العلاقات الأميركية الإيرانية، وتداعيات سياسة الضغط القصوى التي اعتمدها ترامب على نفوذ طهران وقدرتها على مواصلة تمويل وتسليح الحزب، فالإدارة الأميركية لا تعرض التفاوض فقط على الملف النووي الإيراني مثل إدارة أوباما، إنما تريد أن تضيف للتفاوض ملفات الصواريخ البالستية الإيرانية والطائرات المسيرة والدعم الإيراني لشبكة الحلفاء في الإقليم، وهو ما يمس حزب الله بالدرجة الأولى.

إعلان

وكذلك يترقب حزب الله توجهات الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تهدد باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، مما قد يؤدي حال حدوثه إلى اندلاع حرب إقليمية واسعة، يصبح فيها الحزب مجرد تفصيل صغير وسط أحداث كبرى.

مستقبل حزب الله

إن التحديات المذكورة داخليا وإقليميا ودوليا ستحدد بمجموعها مستقبل حزب الله، فهو حاليا يحاول التكيف مع المستجدات، ويعطي الأولوية لإعادة بناء هيكله العسكري والأمني مع تنظيفه من الاختراقات التي كشفتها الحرب، كما يحاول إعادة تعويض مخزونه العسكري سواء عبر عمليات التهريب رغم الصعوبات أو من خلال التصنيع المحلي، مع تفريغ محاولات نزع سلاحه من مضمونها، والالتفاف عليها.

كذلك يسعى الحزب لنزع فتيل التوترات داخل لبنان عبر تقديم تنازلات تهدف إلى تلافي المخاطر الأبرز التي يرى أنها تمثل تهديدا وجوديا، وفي مقدمتها الانخراط في صراع داخلي مع الجيش، كما يحاول تقديم خطاب جديد يتجاوز الخطابات الطائفية التي اتسمت بها حقبة انخراطه في سوريا.

ويترقب الحزب التطورات الإقليمية والدولية، ومدى حدوث تسويات أو اندلاع حروب بالمنطقة، فمواصلة إسرائيل لاعتداءاتها في سوريا وغزة، وطرح مخططات التهجير الأميركية قد يؤدي إلى توترات إقليمية بين دول عربية وإسلامية متضررة مع إسرائيل، مثل مصر والأردن وتركيا، مما سيعزز بيئة مواتية لخيار المقاومة يجد فيها حزب الله متنفسا ومساحة لإعادة البناء وتعويض الخسائر، في حين أن حدوث تسويات والوصول إلى تفاهمات سيعقّد وضع الحزب، وسيدفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات على أمل البقاء والحفاظ على الوجود انتظارا لفرص مستقبلية للتمدد مجددا.

مقالات مشابهة

  • معاريف : هذا هو الكنز الذي استولت عليه حماس من “إسرائيل”
  • هل يعود حزب الله من رماد البيجر؟
  • مناطق ج قلب الضفة الغربية الذي تخنقه إسرائيل
  • إعلام عبري عن مصادر: إسرائيل تعطي حماس مهلة 10 أيام للإفراج عن المحتجزين وإلا فستجدد الحرب
  • «الشيوعي السوداني» يحذر من تبعات محاولات طرفي الحرب لتشكيل حكومات
  • الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (2)
  • هل تستأنف إسرائيل الحرب؟ آمال معلقة على ويتكوف وصبر حتى يستلم زامير رئاسة الأركان
  • إسرائيل توقف دخول المساعدات الإنسانية لغزة وتهدد بعودة الحرب
  • ما الذي تريده إسرائيل من سوريا الجديدة؟
  • موسم التشرذم السياسي في السودان