هل تعتمد إيران التراجع البطولي في ردها على إسرائيل؟
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
طهران- مع إطالة أمد الرد الإيراني على اغتيال القيادي بحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، أثار الهجوم العسكري الذي نفذه حزب الله اللبناني فجر أمس الأحد على إسرائيل، تساؤلات لدى الأوساط السياسية عن سبب تريث طهران في تنفيذ "العقوبة الشديدة" التي توعدت بها تل أبيب.
فبعد مضي 26 يوما على انتهاك السيادة الإيرانية، حيث حمّلت القيادة الإيرانية حينها "الكيان الصهيوني" مسؤولية اغتيال هنية، تذهب شريحة من المراقبين السياسيين إلى إمكانية تبني الجمهورية الإسلامية سياسة "التراجع البطولي"، بعد ما تبين أن هجومها العسكري في أبريل/نيسان الماضي لم يكن مجديا في ردع إسرائيل.
وتستند هذه الشريحة في تحليلها إلى إشادة المرشد الأعلى علي خامنئي بـ"التراجع التكتيكي" وذمه "التراجع غير التكتيكي"، مستعيرة الجزء الثاني من مقولة "مرونة بطولية" التي سبق وطرحها خامنئي إبان المفاوضات النووية، والتي توجت بتوقيع الاتفاق النووي عام 2015.
المرونة والبطولةكان خامنئي قد رأى لدى استقباله حشدا من عوائل الشهداء، الشهر الجاري، أن "العدو" يسعى بالحرب النفسية إلى خلق حالة من الخوف والتراجع، وقال إن "التراجع غير التكتيكي في أي مجال -سواء كان عسكريا أو سياسيا أو دعائيا أو اقتصاديا- يؤدي إلى غضب الله"، وفي الوقت نفسه، أكد أن "التراجع أحيانا يكون تكتيكيا، وفي بعض الأحيان يكون تطويرا لتكتيك ما، ولا حرج في ذلك".
في المقابل، يرى طيف آخر أن ثمة خلطا بين المفهومين في التحليل الأول، مذكّرا بأن مصطلح المرونة البطولية مأخوذ من رياضة المصارعة، ويقصد به مراوغة الطرف المقابل، وحثه على تطبيق تكتيك يكون الجانب الأول قد احترف كيفية الالتفاف عليه وطرحه أرضا، ناهيك عن أن "التراجع" لم يكن مقصودا أصلا في تصريحات المرشد الأعلى.
في السياق، يعتقد عضو لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في البرلمان الإيراني، أبو الفضل ظهره وند، أن المرشد الأعلى كان يقصد تغيير أو تطوير التكتيكات، إلى جانب الحض على المرونة في تنفيذ موعد الانتقام، مضيفا أنه يرى تنفيذ النسخة الثانية من عملية الوعد الصادق أمرا محسوما.
وانطلاقا من المرونة المقصودة في سياسات إيران، يوضح النائب الإيراني في حديثه للجزيرة نت أن التأثير على حدة الرد الإيراني ونطاقه كان ممكنا عبر استغلال المفاوضات الرامية لوقف إطلاق النار في غزة، وأن بلاده حرصت على عدم الإخلال بالمفاوضات عبر تأجيل ردها المرتقب.
وعلى غرار عملية "الوعد الصادق" التي خلقت قواعد اشتباك جديدة لصالح طهران، فإن العملية المرتقبة سترفع قوة الردع الإيراني إلى مستوى القوى الكبرى، وفق ظهره وند الذي أكد أن حشد الأساطيل البحرية والأسراب الجوية للقوى الغربية لن ينفع في صد الهجوم الإيراني، وأن أي خطأ قد ترتكبه تلك الدول الغربية قد يحول حاملات طائراتها وقواعدها العسكرية في المنطقة إلى أهداف مشروعة لبلاده.
وشدد المتحدث نفسه على أن "المحور الصهيوأميركي" يواصل أخطاءه، لا سيما بشأن الحرب على غزة، بالرغم من المرونة التي أبدتها إيران خلال الأسابيع الماضية لصالح مفاوضات وقف إطلاق النار، والتريث قبل تنفيذ الانتقام، لوضع تكتيكات جديدة وتطوير أخرى.
مبررات التأجيلولا يخفى على متابعي الشأن الإيراني أنه لا تراجع تكتيكيا في خطاب قيادتها الدينية سوى من أجل إعادة التموضع والاستعداد لفتح جبهة جديدة أو تعزيز أخرى، مما يطرح تساؤلا آخر عن مبررات تأجيل الرد الإيراني وعلاقته بسياسة الصبر الإستراتيجي التي طالما اتّبعتها طهران بانتظار الرياح المواتية.
من ناحيته، يعتقد الباحث السياسي، علي رضا تقوي نيا، أن تأجيل الرد الإيراني -حتى لحظة كتابة هذا التقرير- له مبرراته، لعل أولها يعود إلى المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد منذ رحيل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي وعدم تشكيل الحكومة الجديدة.
مضيفا أن ملايين المسلمين من داخل إيران وخارجها يقصدون العتبة الحسينية بمدينة كربلاء العراقية خلال شهر صفر، حيث تحرص طهران على نجاح الزيارة الأربعينية كل عام ولا تريد زعزعة أمن مناطقها الغربية القريبة من الحدود العراقية خلال موسم الزيارة الدينية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير تقوي نيا إلى أنه في ظل التحشيد العسكري الغربي في المنطقة تتصرف بلاده وفق سياساتها العليا لإدارة الصراع، مما يبرر لها ترتيب الأوراق وتطوير التكتيكات ووضع خطط بديلة لشتى السيناريوهات، إلى جانب علمها بالخسائر الكبيرة التي يتكبدها كيان الاحتلال وحلفاؤه الغربيون جراء إطالة أمد الانتقام الحتمي، على حد تعبيره.
ورأى أنه في ظل استعداد الجانب المقابل لا بد من الاستعداد لجميع السيناريوهات، وتجهيز عدة جبهات قد تكون بعضها خارج الحدود، مشيرا إلى أن بعض التقارير تتحدث عن "إعادة تموضع حلفاء إيران في بعض الجبهات، والتي من شأنها أن تُفتح بين ليلة وضحاها باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وتابع الباحث الإيراني أن بلاده قد لا تكرر سيناريو عملية الوعد الصادق هذه المرة، على ضوء بنك الأهداف والسيناريوهات المعدة مسبقا في سياق "الصراع المستمر مع الكيان المحتل للأقصى الشريف"، مؤكدا أنه لا يستبعد عملا مركبا وجماعيا بمشاركة عدة أطراف وعبر عدة جبهات "تجعل دم الإسرائيلي يضيع ويتفرق بين القبائل".
وأشار إلى أن المرشد الأعلى كان قد أوعز بـ"إنزال العقاب بالكيان الإسرائيلي" لمهاجمته القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع أبريل/نيسان الماضي، بينما توعد بـ"رد قاس" عقب اغتيال هنية، ذلك لأن الحدث الأخير أشد وطأة على طهران، معتبرا الأشهر القليلة التي تسبق رئاسيات أميركا 2024 فرصة ذهبية لإنزال العقوبة بإسرائيل، بسبب الظروف التي ستعيشها الإدارة الديمقراطية خلال هذه الفترة.
وبين من راح يعزف خلال الأسابيع القليلة الماضية على وتر التراجع البطولي، وآخر يسرف في تعداد مبررات تأجيل الرد الإيراني، يتحدث طيف ثالث عن حساسية المرحلة الراهنة، حيث تحضر فيها طهران للفترة الانتقالية ومواجهة الصعوبات التي قد تنشأ في سبيل اختيار خليفة لهرم السلطة في البلاد.
وفي غضون ذلك، يرى مراقبون إيرانيون في شخصية خامنئي نموذجا مثاليا لإدارة الصراع مع "المحور الصهيوأميركي"، وعدم التراجع أمامهما، إذ يعرف لدى الأوساط الإيرانية بقدرته علی اتخاذ القرارات الصعبة، مما يجعل من اغتنام فرصة قيادته "ضرورة لوضع القضية الفلسطينية على سكة التحرير".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الرد الإیرانی المرشد الأعلى
إقرأ أيضاً:
صفقة ترامب – إيران: فرصة أم فخ؟
#صفقة #ترامب – #إيران: #فرصة أم #فخ؟
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
في لحظة دولية شديدة الحساسية، ومع تصاعد التوترات في المنطقة، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريح مثير للانتباه، معلناً عن وجود محادثات مباشرة مع إيران بشأن برنامجها النووي. هذه التصريحات، التي جاءت وسط تطورات إقليمية معقدة، تفتح الباب واسعاً أمام جملة من الأسئلة العميقة حول طبيعة هذه المحادثات، وحدودها، وأهدافها، والأطراف التي قد تدفع ثمنها.
ما يثير القلق في هذا المشهد ليس فقط العودة المحتملة إلى طاولة التفاوض، بل السياق الذي تجري فيه هذه المحادثات. إذ تأتي في وقت باتت فيه إيران أقل رسوخاً في نفوذها الإقليمي، وأقل جرأة في سياساتها التوسعية، مدفوعة بخطاب ديني وشعارات ثورية، لكنها في الجوهر تُحركها عقلية براجماتية انتهازية تضع مصالحها القومية فوق كل اعتبار. لا تتردد إيران في تغيير خطابها وتبديل تحالفاتها إن اقتضت الضرورة، طالما أن النتيجة النهائية تصب في تعزيز نفوذها وتثبيت هيمنتها على مفاصل القرار في عواصم عربية عدة.
إن تجربة العرب مع إيران منذ الغزو الامريكي _البريطاني للعراق عام ٢٠٠٣ وحتى اليوم لم تكن سوى سلسلة من التدخلات والانقلابات والتمددات الطائفية، بدءاً من العراق الذي بات مسرحاً للميليشيات الموالية لها، مروراً بسوريا حيث دعمت نظاماً قمعياً ضد شعبه، ووصولاً إلى اليمن ولبنان، حيث تلعب طهران دوراً مباشراً في تفكيك مؤسسات الدولة لصالح أذرعها المسلحة.
مقالات ذات صلةفي ضوء هذه التجربة المريرة، فإن أي صفقة قد تبرم بين واشنطن وطهران يجب أن تُقرأ بحذر شديد. لا يمكن الوثوق بأن طهران، في لحظة ما، ستتخلى عن مشروعها الإقليمي مقابل رفع بعض العقوبات أو الإفراج عن أموال مجمدة. فالتجربة أثبتت أن إيران تعرف كيف تشتري الوقت، وتُراوغ، وتُوقع ثم تُخالف، دون أن تدفع ثمناً حقيقياً.
ومن هنا، فإن التخوف المشروع لدى الدول العربية، والخليجية خصوصاً، هو أن تكون هذه الصفقة الجديدة – إن تمت – مجرد “تفاهم نووي” ضيق يُغفل عن قصد الأبعاد الأوسع للنفوذ الإيراني. وهو ما يعني إعطاء طهران مساحة إضافية للتحرك، وتخفيف الضغط عنها في لحظة مفصلية، وربما إعادة إنتاج السيناريو الكارثي الذي أفرزته اتفاقية 2015 المعروفة بخطة العمل الشاملة المشتركة.
ومع إدراكنا لطبيعة شخصية دونالد ترامب، الذي يدير السياسة الدولية بمنطق “الصفقة” و”الربح والخسارة”، فإن علينا أن نتوقع أن تكون أي تسوية مقبلة مع طهران محكومة بهذا المنطق، وليس بمنظور طويل الأمد يأخذ في الحسبان الأمن القومي العربي أو الاستقرار الإقليمي. وقد يذهب ترامب – كما فعل من قبل – إلى عقد اتفاق لا يأخذ في الحسبان إلا المصالح الأمريكية الآنية، تاركاً المنطقة من جديد عرضة للاشتعال والانقسام.
لكن وفي المقابل، يمكن لهذه اللحظة أن تتحول إلى فرصة، إن أحسن العرب قراءتها والتعامل معها. فقد تكون بداية أفول الهيمنة الإيرانية إذا ما نجحت القوى العربية في فرض حضورها على طاولة التفاوض – ولو بشكل غير مباشر – عبر أدوات الضغط الدبلوماسي والتحالفات الاستراتيجية، ومخاطبة الرأي العام العالمي بملف الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب باسم النفوذ الإيراني.
إن صمت العرب في لحظات الحسم التاريخية كلفهم كثيراً. واليوم، نحن بحاجة إلى موقف عربي موحد، لا يُعوّل فقط على مواقف واشنطن أو غيرها، بل يبني قراره على رؤية استراتيجية، واضحة، وشجاعة، تحمي المصالح العربية وتتصدى للمشاريع العابرة للحدود.
في نهاية المطاف، لسنا ضد أي تسوية تعزز الاستقرار وتقلل من التوترات، لكننا نرفض أن تكون هذه التسوية على حساب العرب، سيادتهم، وأمنهم. فصفقة جديدة مع إيران يجب أن تعني – أولاً – كبح تمددها، لا تمكينه. ويجب أن تكون مدخلاً لتفكيك أدواتها التخريبية، لا تعزيزها.
فهل ستكون صفقة ترامب – إن تمت – فرصة لتصحيح المسار؟ أم فخاً جديداً في نفق إقليمي مظلم؟
الجواب، كما العادة، رهن بالموقف العربي.