لماذا غير الرئيس التونسي حكومته قبل أسابيع من انتخابات الرئاسة؟
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
تونس- تعددت القراءات بشأن دلالات التعديل الوزاري الشامل الذي باغت به الرئيس قيس سعيد التونسيين أمس الأحد، حيث يرى البعض أنه يندرج ضمن حملة انتخابية سابقة لأوانها قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، في حين يعتقد آخرون أن سعيد يستبطن من وراء هذا التعديل البقاء في السلطة.
وبعد إقالة رئيس الحكومة السابق أحمد الحشاني وتعيين كمال المدوري خلفا له في السابع من أغسطس/آب الجاري، أعلن الرئيس سعيد عن تعديل وزاري أمس الأحد هو الأوسع على الإطلاق منذ توليه السلطة من سنة 2019 وشمل 22 حقيبة وزارية مع الإبقاء على وزراء الداخلية والعدل والصناعة والتجهيز.
ويأتي هذا التعديل الشامل قبل أسابيع قليلة تفصل التونسيين عن موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وفي ظل انتقادات كبيرة توجهها المعارضة إلى هيئة الانتخابات وإلى الرئيس سعيد بالسعي للتضييق على المرشحين للانتخابات وإقصائهم من السباق بشكل متعمد.
وبشأن قراءته لهذا التعديل، يقول عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة والقيادي بجبهة الخلاص المعارضة بلقاسم حسن إن الرئيس سعيد سعى من خلاله إلى تعليق فشله على شماعة الحكومات المتعاقبة والوزراء الذين عينهم، موضحا أن الرئيس وفق الدستور الذي صاغه لنفسه هو من يرسم السياسات.
الرئيس التونسي سعيد في خطاب أمام وزراء حكومته الجدد (مواقع التواصل الاجتماعي) تنصل من المسؤوليةويضيف حسن للجزيرة نت أن "جميع الحكومات التي عينها الرئيس منذ انقلابه على الشرعية في 25 يوليو/تموز 2021 تقع تحت طائلة مسؤوليته بمفرده"، وفق وصفه، مبينا أن الرئيس سعيد يحاول التنصل من فشل خياراته وتردي الأوضاع على جميع المستويات وإلصاق الفشل والأخطاء على من عينهم بالحكومة.
وعن دلالات توقيت هذا التعديل الوزاري الواسع، يرى القيادي بجبهة الخلاص أنه يندرج ضمن حملة انتخابية سابقة لأوانها للانتخابات الرئاسية التي أصبحت على مرمى حجر، مشيرا إلى أن الرئيس سعيد أصبح في وضعية المترشح للانتخابات مع قرب انتهاء عهدته الرئاسية، وهو بالتالي يسعى لاستمالة الناخبين.
ومن المقرر أن تنطلق الحملة الانتخابية يوم 14 سبتمبر/أيلول المقبل لتستمر إلى الرابع من أكتوبر/تشرين الأول المقبل أي قبل يومين من تاريخ الاقتراع. لكن المعارضة طالما انتقدت ما اعتبرته سعيا محموما من الرئيس سعيد للقيام بحملة انتخابية سابقة الأوان في تحركاته وتوظيفه لأجهزة الدولة.
ويقول حسن "اعتقد أن التعديل هو جزء من حملته الانتخابية، لكن لا نعلم إن كانت هذه الحكومة ستسير البلاد لمرحلة طويلة أم لا"، مبديا شكوكا حول نزاهة الانتخابات بسبب سياسة الإقصاء والتضييق الممنهجة ضد كل المترشحين الجديين عبر شروط تعجيزية وملاحقات قضائية وغيرها، وفق تعبيره.
ولكن، رغم الانتقادات التي توجهها للعملية الانتخابية لم تحسم جبهة الخلاص المعارضة أو حركة النهضة المكون الأساسي لهذه الجبهة بعد موقفها سواء بمقاطعة الانتخابات أو المشاركة فيها، وفق بلقاسم حسن، الذي أشار إلى أن الرئيس سعيد سيكون مستفيدا دون شك من مقاطعة الانتخابات المقبلة.
البقاء في السلطة
من جانب آخر، لا يعتبر الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي نبيل حجي تغيير 22 وزيرا في الحكومة مجرد تحوير أو تعديل وزاري، وإنما يعتبره تعيينا كاملا لحكومة جديدة برمتها بعد أقل من شهر على تعيين رئيس الحكومة الجديد ووزير الشؤون الاجتماعية السابق كمال المدوري في أغسطس/آب الحالي.
ويضيف للجزيرة نت أن منطق الأشياء في تغيير حكومة بأكملها وتعويضها بأخرى جديدة هو الإقرار بفشل الحكومة السابقة، وبالتالي بفشل رئيس الدولة الذي أخفق في اختيار وزرائه، محملا الرئيس سعيد تردي الأوضاع على جميع الأصعدة لفشل سياساته وخياراته.
وتشهد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس تأزما حيث لم تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي 1%، بينما تشهد الأسعار ارتفاعا ملحوظا في ظل اضطراب تزويد السوق ببعض المواد الاستهلاكية المدعمة، وهذا في وقت يشكو فيه التونسيون في عديد الجهات من انقطاع الماء والكهرباء وغيرها.
ويرى حجي أن الرئيس سعيد يستبطن البقاء في السلطة من خلال إجراء هذا التعديل الوزاري الشامل على بعد أسابيع قليلة قبل الانتخابات الرئاسية في رسالة بأنه لن يسلم السلطة لمن يتهمهم بالخيانة، متسائلا "ماذا يقصد من خلال إجراء هذا التعديل قبل أسابيع قليلة من الانتخابات؟".
مصلحة التونسيين
في المقابل، يقول الناشط السياسي أحمد الكحلاوي إن التعديل الوزاري الموسع الذي أجراه الرئيس سعيد لا يهدف من ورائه لشن حملة انتخابية أو تمرير أي رسالة للاستمرار في السلطة مهما كان الثمن، مؤكدا أن الرسالة الوحيدة التي أرسلها أنه لا بقاء في الحكومة لأي وزير لا يخدم الشعب.
ويضيف للجزيرة نت أن الرئيس سعيد أقدم على هذه الخطوة بالنظر إلى أنه يتلقى تقارير حول أداء وزرائه، مشيرا إلى أن اختياره هذا الوقت بالذات لإجراء تغيير ليس تكتيكا انتخابيا بقدر ما هو استجابة منه لرغبة التونسيين في تغيير حكومي ينشدون منه تحسين الأوضاع وتحقيق مصلحة البلاد وعدم تعطيل دواليب الدولة.
وفي خطاب أمام الوزراء الجدد، قال الرئيس قيس سعيد إن "من ينتقدون التعديل الوزاري قبل أسابيع من الانتخابات لا يفرّقون بين الانتخابات والسّير العادي لدواليب الدّولة وأمنها القومي"، مشيرا إلى أن "دواليب الدولة تتعطل كل يوم".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات التعدیل الوزاری أن الرئیس سعید هذا التعدیل قبل أسابیع فی السلطة إلى أن
إقرأ أيضاً:
لماذا ترفض حركة فتح تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي في غزة؟
تقف "لجنة الإسناد المجتمعي" بشأن غزة حائرة بين الرفض الداخلي الذي أبدته حركة فتح، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبين تحديات الاعتراف الدولي بها، والتعاطي معها، في ظل حاجة ماسة ومعاناة غير مسبوقة في القطاع المدمر.
ورغم أن تشكيل اللجنة، جاء نتيجة اجتماعات للفصائل الفلسطينية في القاهرة، وبحضور حركة فتح، التي وافقت مبدئيا على تشكيل اللجنة، إلا أن الحركة ومن خلفها المنظمة و"السلطة الفلسطينية"، أبدت رفضها لاحقا، ما يطرح تساؤلات حول الأسباب وراء ذلك، خصوصا في هذا الظرف العصيب الذي تعيشه غزة، وحاجتها إلى جسم توافقي يتولى إدارة غزة بعد الحرب، ويعمل على إعادة إعمارها، بعيدا عن "الحسابات الضيقة".
كيف تشكلت اللجنة؟
اجتمعت الفصائل الفلسطينية في القاهرة، على رأسها حركتي فتح وحماس في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، واتفقت على تشكيل لجنة مشتركة لإدارة قطاع غزة في المرحلة التالية للحرب المستمرة.
وحصلت "عربي21" على مسودة الاتفاق والتي تضمنت "تشكيل لجنة تقوم على إدارة شؤون قطاع غزة ومرجعيتها الحكومة الفلسطينية ومسؤولة عن كافة المجالات بما يشمل الإغاثة ومعالجة آثار الحرب والإعمار، وتشكل بتوافق وطني، ويصدر الرئيس محمود عباس مرسوما بتعيين هذه اللجنة وتمارس مهامها وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها في الأراضي الفلسطينية". وأطلق على اللجنة اسم "لجنة الإسناد المجتمعي".
وتتشكل اللجنة بالتوافق الوطني ويصدر رئيس السلطة محمود عباس مرسوما بتعيينها، وتمارس مهامها وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها في الأراضي الفلسطينية.
ومن محددات تشكيل اللجنة، المحافظة على وحدة أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة على حدود عام 1967 (الضفة الغربية والقدس وغزة)، إلى جانب التأكيد على التواصل بين الحكومة الفلسطينية بالضفة واللجنة في غزة.
وتتكون اللجنة من 10 إلى 15 عضوا من الشخصيات الوطنية ذات الكفاءة والمشهود لها بالنزاهة والخبرة والشفافية، وتمتلك الخبرات والقدرات والتخصصات المتنوعة لإدارة العمل العام في كافة المجالات.
ما موقف حركتي حماس وفتح؟
حماس أعلنت موافقتها علىإنشاء "لجنة الإسناد المجتمعي" من أجل إدارة غزة بعد حرب الإبادة، فيما أعلن القيادي في حركة فتح عبد الله عبد الله، أنّ حركته وبعد "نقاش عميق" أبلغت مصر رسميا، رفضها مقترح تشكيل اللجنة، لأنه "يُكرس الانقسام" بين شطري الوطن قطاع غزة والضفة الغربية.
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي تمثل حركة فتح أكبر الفصائل فيها، استبقت موقف الحركة وصوتت بالإجماع قبل نحو أسبوع ضد تشكيل لجنة الإسناد، تحت ذريعة أنها تعزز الانقسام.
ووفق خبير بالشأن الفلسطيني فإن الهاجس الأكبر للسلطة الفلسطينية من تشكيل اللجنة هو الخوف من عدم عودة السلطة مستقبلا لحكم غزة، لكن "فتح" قد توافق لاحقا على اللجنة بضغط عربي وإقليمي و"تعمل على إفشالها من الداخل".
فيما رأى باحث فلسطيني أن مقترح اللجنة يواجه حزمة تحديات، أبرزها القبول الدولي والإقليمي وتوفير الإمكانيات لا سيما في البعدين البشري والمالي.
ما هي التحديات أمام تشكيل اللجنة؟
إلى جانب التحدي الرئيسي المتمثل في رفض حركة فتح لتشكيل اللجنة، ثمة عقبات وتحديات كبيرة تقف حاجزا أمام إنفاذها، واعتمادها لتصبح أمرا واقعا.
الكاتب والمحلل السياسي، سليمان بشارات تحدث في تصريح لـ"عربي21، عن التحديات أمام اللجنة مؤكدا أنه "دون وقف الحرب على غزة، وفتح المجال أمام عمل اللجنة، للقيام بأعمالها المتمثلة في البعد الإداري وتوزيع المساعدات وإعادة هيكلة المؤسسات، وتفعيلها داخل قطاع غزة، فلا معنى لمثل هذه اللجنة".
وشدد على أن تحديا آخر يتمثل في "القدرة على تسويق اللجنة أمام العالم، لتكون مقبولة دوليا وإقليميا وعنوانا يمكن أن يتم التعاطي معه وقبوله مرجعية فيما يتعلق بالبعد الإداري والخدمي والإنساني في غزة".
ورأى أن تحد آخر "يتمثل في الإمكانيات، فإذا توفرت المقومات الأساسية من مساعدات إنسانية وإمكانيات متكاملة في البعدين البشري والمالي، يمكن لهذه اللجنة أن تبدأ ممارسة مهامها المتمثلة على أقل تقدير في توزيع المساعدات الإنسانية".
لماذا ترفض حركة فتح تشكيل اللجنة؟
ثمة تقديرات يجري تداولها، لحالة الرفض التي تبديها السلطة، من بينها أن الحكومة الفلسطينية التي يرأسها محمد مصطفى ومن يقف وراءها، لن تكون لها اليد العليا في تسيير شؤون القرار والمال والأعمال، وأن اللجنة ستكون تحت أضواء المانحين، وهذا أمر يضعف من مكانة الحكومة، ويفسح المجال لتدخلات خارجية. وفق ما قاله الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي.
وثمة مخاوف لدى السلطة، من أن تحلّ اللجنة محل الحكومة ورئيسها محل الرئيس عباس، ووفقًا لتقديرات أخرى، تتخوف السلطة من أن تنجح حماس في تحويل اللجنة إلى مظلة لإدامة وجودها في غزة، وخاصة إن استندت في عملها إلى بقايا الجهاز الحكومي الذي أنشأته الحركة في القطاع طيلة سبعة عشر عامًا، ما يمنح الحركة شرف الإغاثة وإعادة الإعمار وإن بصورة غير مباشرة، بعد أن منحتها حرب الأشهر الأربعة عشر، شرف الصمود والثبات والمقاومة. وفق مقال الرنتاوي.
من جهته، قال الكاتب حازم عياد، إن رفض فتح للجنة الإسناد المجتمعي يعد خطوة غير مسؤولة وغير مفيدة في التوقيت الحالي.
وشدد في تصريح له نشرته "شهاب" أنه بدلاً من أن يكون موقف السلطة داعمًا لوقف إطلاق النار وتعزيز الوحدة الفلسطينية، يساهم هذا الرفض في تعزيز الانقسام ويمنح الاحتلال الإسرائيلي الفرصة للاستمرار في حربه.