الدولة العربية .. تطورها ومآلها
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
الدولة العربية .. كانت بدايتها في العهد الإسلامي، ورغم أن المنطقة قبل الإسلام شهدت أشكالا من الحكم؛ لكنها لم تكن السلطة بها مهيمنة على كل مكونات المجتمع، إذ إن جزيرة العرب حينها أقرب ما تكون منطقة لَقاحية؛ أي لا تؤمن بهيمنة حاكم عليها، وإنما تسودها أعراف القبيلة. فشيخ القبيلة.. هو ممثلها وحاميها ومُطعمها ومذلل صعابها، يعطيها بلا حدود ويقودها في المعارك، لكي يحافظ على وجودها ويُؤَمّن العيش لأفرادها، دون فرض سلطته الخاصة عليها.
أبدى الإسلام نفورا من الدولة؛ بنموذجيها السائدين حينذاك؛ الكسروية والقيصرية، وهذا لا يعني أنه لم توجد سلطة سياسية في العهد النبوي.. بل وجدت في إدارة النبي الأكرم للمدينة، وكانت جسرا للتحول من اللَقاحية إلى الأمة؛ وليست الدولة. إلا أن «حروب الردة» التي قادها أبو بكر الصديق (ت:13هـ) غرست البذرة الأولى للدولة، ثم ربت بسقيها ماء الفتوحات زمن عمر بن الخطاب (ت:23هـ)، وكان التحول أكبر من استعداد الإدارة السياسية على استيعابه والتحكم فيه، فانفجرت الأوضاع في عهد عثمان بن عفان (ت:35هـ). ثم حصل الاقتتال بين الأمة أيام علي بن أبي طالب (ت:40هـ)؛ نتج عنه ثلاث فرق كبرى: الأموية؛ ومنها خرجت مذاهب السنة، والعلوية؛ ومنها خرجت مذاهب الشيعة، والمحكمة؛ ومنها خرجت مذاهب الخوارج والإباضية.
بعد الفتنة الكبرى التي وقعت بين صحابة النبي.. قامت أول دولة عربية على يد معاوية بن أبي سفيان (ت:60هـ)، الذي اختار لبنائها النموذج الفارسي، لأسباب ذكرتها في كتابي «السياسة بالدين». وقد سارت عموما على هذا النموذج الدول المتعاقبة على المسلمين كالدولة الأموية والعباسية والفاطمية والعثمانية. وأما في عمان فكان للدولة نموذجها المختلف نوعا ما، وهو نظام الإمامة الإباضية، وقد شهد تطورات اقترب فيها من نموذج الدولة العام لدى المسلمين.
بهذا التحوّل الكبير في البُنية السياسية لدى العرب؛ وترسّخ الملكية الوراثية، انقلب المزاج الاجتماعي من اللَّقاحية اللاسلطوية إلى الاستبداد المهيمن على مفاصل الحياة السياسية. حتى دخل القرن العشرون الميلادي، ووقعت المنطقة تحت نفوذ الاستعمار الغربي، ففكك البُنية السياسية القديمة بكافة أشكالها؛ وفي مقدمتها الخلافة العثمانية. ولمّا استقلت البلدان العربية؛ هيمن عليها نظامان: رئاسي وملكي. أما الرئاسي فترسّم تحت تأثير النظريات الشمولية التي عمّت العالم حينها كالشيوعية والنازية والفاشية. وقد ابتكر العرب لهم نظريتهم القومية، التي تبنى تطبيقها سياسيا الرئيس جمال عبدالناصر (ت:1970م) بعد ثورة 23 يوليو 1952م في مصر، وتبعتها بعض الدول العربية ذات الأنظمة الرئاسية في تبني القومية بأشكال مختلفة كالبعث العربي. مارست هذه الأنظمة السلطة الخشنة على شعوبها، ففشلت في إدارة دولها، وأغرقتها في الفساد المالي والتعصب الاجتماعي والقمع الأمني.
وأما النظام الملكي.. فهادن الأنظمة الغربية، وبنى دوله بالسلطة الناعمة، واهتم بتعميرها، وجسّر العلاقة مع الشعب بالهبات والإقطاعات التي منحها لمراكز القوى؛ القبلية والاقتصادية والدينية. واللافت للنظر أن الدول التي لم تسمح بقيام أحزاب سياسية هي أكثر استقرارا، والدول الملكية التي بها أحزاب سياسية أقل استقرارا في إدارة مؤسساتها، ولكنها أحسن وضعا من الدول الرئاسية.
تمكنت الدولة العربية بنموذجيها؛ الملكي والرئاسي من فرض هيمنتها على شعوبها، وعدم السماح بنمو أي نموذج سياسي آخر منافس لها، سواء بالقوة الناعمة أم القوة الخشنة. تيار الإسلام السياسي.. هو الوحيد الذي ظل يقلقها، لكنه كذلك كان مقلقا للغرب، فأعلنت أمريكا مع بداية التسعينيات حربها على ما أسمته «الإرهاب الإسلامي»، فكانت أملا للأنظمة العربية للخلاص من هذا التيار. ومع بداية هذا القرن شن «تنظيم القاعدة» هجمات على أمريكا في 11 سبتمبر 2001م، فحصل تحول في الموقف الأمريكي، فعمل على تغيير الأوضاع في الوطن العربي، واتجه نحو الشعوب العربية بتحريضها على نيل حقوقها واختيار من يحكمها، فثارت بالربيع العربي أواخر عام 2010م، ودخلت المنطقة في اضطراب كبير؛ دُمّرِت فيه دول، ونشأت مليشيات دينية عاثت في الأرض الفساد، ففُجِّرت المساجد والمؤسسات، وسُبي الأطفال والنساء، وأُحرق الرجال ومُثّل بجثثهم. وما زال بعض دول المنطقة تعاني من ويلات هذا الربيع الدامي.
وبعد تلك التجارب المؤلمة؛ فإن المنطقة العربية ساعية في تبني نظام الدولة الوطنية، وفقا للرؤية الملكية، التي لا تقتصر على الحكم الوراثي.. بل تشمل ما في حكمه مثل: حكم العسكر والحزب الواحد. ولذا؛ ستعيد الدول العربية بناء أنظمتها على أساس من المحددات الآتية:
- إعادة بناء المناهج التعليمية والثقافية والإعلامية.. وفقا للمكتسبات السياسية والحضارية والتأريخية لكل دولة، والابتعاد عن الشعارات والممارسات المؤدلجة كالقومية والإسلامية، دون التخلي عن العروبة والإسلام، وإنما سيُعاد تأويل النصوص والوقائع لصالح العقيدة الوطنية.
- السعي إلى استقرار المنطقة سياسيا، والخروج من دوامة الحروب.. وهذا يستلزم تقديم ماعون المساعدة للدول الضعيفة سياسيا والفقيرة اقتصاديا والمتأخرة إداريا، بشرط أن تكون قادرة بنفسها على النهوض بشعبها ومؤسساتها؛ وفقا لنموذج الدولة الوطنية.
- مكافحة الفساد المالي والإداري.. بتشريع قوانين تحاربه، وإنشاء مؤسسات رقابية تتتبعه، وهذا لن يحصل بين عشية وضحاها، فالفساد.. مُعَرِّق في أرض المنطقة، وإنما لابد من المضي في الإصلاح الإداري والمالي، لأن الفساد من أهم أسباب تخلف هذه الدول، وهو سبب الثورات، وسيظل معول هدم في الاجتماع البشري ما لم تتدارك الدول نفسها بالقضاء عليه بأكبر قدر ممكن.
- تعميم «نموذج برلمانات الشعب» في الدول العربية.. بديلا عن نظام الأحزاب السياسية، وقد لا تُلغى الأحزاب لكنها ستُصاغ بما يتلاءم مع هذا النموذج، وسيشهد توسيعا في صلاحياته التشريعية والرقابية، ويصبح لممثلي الشعب دور إجرائي أكبر بمرور الأيام، دون التدخل في السياسات العليا للدولة.
- الاعتماد على الخطاب الثقافي في إدارة الشعب.. بديلا عن الخطاب الديني الذي ساد القرن الماضي، لأن الثقافة أكثر انفتاحا على معطيات العصر، وأكثر استيعابا للتنوع الفكري الذي أحدثه الفضاء الرقمي، وهي أكثر بُعدا عن الأدلجة. والخطاب الثقافي لن يقصي الدين.. بل سيعتبره أحد أعمدته، وسيوفر للمجتمع عبر الثقافة الانسجام النفسي للإنسان، ورابطة اجتماعية متينة بين الشعب، دون أن يؤثر على التنوع المذهبي والتعدد الديني في البلاد.
- توطين الدولة المهاجرين الذين أسهموا في بنائها، واعتبارهم من مكوناتها الوطنية.. ستظهر مشكلات بينهم وبين السكان الأصليين، ولذا؛ ستسعى الحكومات إلى إيجاد حلول ثقافية وقانونية واجتماعية، وهي حلول ليست بالضرورة في صالح السكان الأصليين إن أصبحوا الأقل في بلادهم.
- مع بقاء الهيمنة الأمريكية؛ ستفرض على الدولة الوطنية التطبيع مع إسرائيل في مقابل «حل الدولتين».. ويبدو أن طوفان الأقصى لن يؤثر كثيرا على هذا التوجه.
أما تبني الديمقراطية الغربية -بغض النظر عن إيجابياتها وسلبياتها- فالمنطقة العربية لم تصل إلى مرحلتها، ولا أظنها أنها قادرة على ذلك قريبا، ولا يمكن أن نقيسها بالغرب، لأن شرط نجاح تطبيق الديمقراطية أن يتبنى العرب هيكلة الاجتماع الغربي، وهذا من الصعب حدوثه، ليس لدى العرب وحدهم.. بل عموم العالم، والوضع القائم حاليا شاهد على ذلك. وما نجده مقتربا من الديمقراطية الغربية كاليابان، فلأنها تبنت هيكلة الاجتماع الغربي. هذا بالإضافة إلى ما كشف عنه طوفان الأقصى من السقوط الأخلاقي للديمقراطية بوقوفها مع الكيان الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية التي تطحن الشعب الفلسطيني بغزة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی إدارة
إقرأ أيضاً:
أمطار وثلوج على بعض الدول العربية.. طقس الخليج والمغرب العربي
تتعرّض أغلب الدول العربية من الخليج إلى المحيط إلى طقس ممطر الساعات المقبلة ولكن التوقعات تشير إلى أمطار خفيفة وتكون ثلجية في بعض الدول.
نبدأ بالمملكة العربية السعودية التي تشهد طقس شديد البرودة على مناطق تبوك والجوف وحائل والحدود الشمالية، وفقًا لتقرير المركز الوطني للأرصاد في السعودية التي أوضحت إلى انخفاض درجات الحرارة مع وجود رياح شديدة نشطة على أجزاء من مناطق المدينة المنورة، القصيم، الرياض والشرقية يمتد تأثيرها إلى أجزاء من منطقة نجران.
تحذيرات في عمانوفي عمان، أصدرت إدارة الأرصاد الجوية تحذيرات من خطر تدني مدى الرؤية الأفقية بسبب الضباب في ساعات الصباح الباكر فوق المرتفعات الجبلية والسهول، مع نشاط للرياح وسقوط زخات خفيفة من المطر في ساعات الصباح على أن تستمر موجة الطقس المتقلب في البلاد حتى الخميس المقبل.
طقس غائم في الإماراتوفي الإمارات توقع المركز الوطني للأرصاد الجوية في الإمارات، طقسا غائماً جزئياً إلى غائم ومغبراً أحياناً، مع احتمال سقوط أمطار على الجزر، أما في الكويت، فسيكون الطقس اليوم مائلا للبرودة والرياح شمالية غربية خفيفة إلى معتدلة السرعة.
ثلوج منتظرةوفي دولة المغرب التي كشف موقع «هسبريس» فيها عن تشهد الحالة الجوية انخفاضا لدرجات الحرارة وتساقط الثلوج على المرتفعات، بحسب مديرية العامة للأرصاد الجوية، مبينا أنَّ المرتفعات التي تتجاوز 1800 متر ستشهد تساقطات ثلجية خلال عطلة نهاية الأسبوع الحالي.
وفي الجزائر، كشف موقع «طقس العرب» عن تساقط زخات من المطر لتسجل درجة الحرارة الصغرى 9° وسط تحذيرات لقادة المركبات من «الشبورة».
وفي تونس، أعلنت نشرة المعهد الوطني للرصد الجوي إلى تكاثف السحب في البلاد خاصة في الشمال مع احتمالية نزول أمطار متفرّقة مؤقّتا رعدية ومحليا غزيرة بالمناطق الساحلية الشمالية.