لجريدة عمان:
2024-09-13@14:59:49 GMT

إساءة فهم تأثير السياسة النقدية

تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT

كان القائمون على ندوة جاكسون هول الاقتصادية هذا العام، والتي ضمت محافظي البنوك المركزية من مختلف أنحاء العالم محقين في التركيز على آلية انتقال السياسة النقدية، فهي القناة التي تؤثر من خلالها السياسة النقدية على الظروف الاقتصادية والمالية في عموم الأمر. ورغم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس خلال الفترة من مارس 2022 إلى يوليو 2023، يبدو أن الضرر الذي لحق بالاقتصاد الحقيقي في الولايات المتحدة أو نظامها المالي كان ضئيلا.

الواقع أن تكلفة خفض التضخم الطفيفة هذه صادمة (وإن كانت موضع ترحيب بكل تأكيد). حتى لو كنا نستند إلى فرضيات قوية تفسر لنا في تقييم لاحق السبب وراء تمكن الولايات المتحدة من الجمع بين النمو وخفض التضخم خلال العامين الأخيرين ـ وخاصة ارتفاع معدلات الهجرة، وزيادة الإنتاجية، و(قبل كل شيء) توقعات التضخم الراسخة ـ فإن الافتقار إلى تأثير مباشر مرئي من زيادات أسعار الفائدة أمر لافت للنظر.

من الواضح أن السياسة النقدية الأمريكية الحالية أكثر تساهلا بدرجة كبيرة مما يتصور كثيرون من أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية والمشاركين في السوق. أضف إلى ذلك أن تأثير السياسة النقدية على الاقتصاد مقيد بشروط، وربما يكون أضعف في المتوسط من المتصور عادة. هذا التقييم مرتبط بشكل مباشر باختيارات السياسة النقدية المقبلة التي قد تتخذها لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، لكنه أكثر صلة بعملية صُنع السياسات في المستقبل. في يونيو الماضي، أعرب عدد كبير من أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية عن قلقهم من أن الظروف النقدية كانت تزداد إحكاما مع تسبب انخفاض معدلات التضخم في ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية. لكن هذا الرأي لا يفسر أحجام وقنوات الانتقال النقدي. وهنا، يكون التركيز على أداة السياسة، سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، مضللا.

من الخطأ أن نفترض أن إعدادات هذه الأداة قريبة من المثالية في أي وقت بعينه، أو أنها يجب أن تُـضـبَـط بدقة مع كل منعطف في توقعات التضخم. يجب أن يركز تقييم الظروف النقدية بدرجة أكبر على نتائج الأسواق المالية الفعلية وليس على تصورات مُـسبَـقة للتأثير الذي تخلفه السياسية.

كما رأينا مع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، فإن الأسواق المالية مفتتة، وكثيرا ما تضطر البنوك المركزية إلى التدخل بشكل مباشر في أسواق بعينها لإحداث تأثير. على سبيل المثال، يتأثر الإقراض التجاري من قِبَل وسطاء ماليين غير مصرفيين بأسعار الفائدة و(الافتقار إلى) الإشراف على نحو مختلف مقارنة بالإقراض المصرفي التقليدي. وتتفاعل الأسهم الخاصة والاستثمارات غير المدرجة بشكل مختلف مع تعديلات السياسات مقارنة بالأوراق التجارية والسندات، بل وحتى الأسهم المتداولة. وحتى في غياب القيود المفروضة على السيولة المالية، تعمل التنظيمات والحواجز الدولية على عرقلة انتقال تدفقات الائتمان بشكل موحد عبر دوائر الاختصاص.

وعلى هذا فإن الظروف المالية، باعتبارها مؤشرا للمستقبل، لا تقل أهمية عن الإشارات المرتبطة بأحداث سابقة والتي ترسلها سوق العمل. علاوة على ذلك، تظل المؤشرات المالية متساهلة إلى حد كبير. فقد عادت الأسهم إلى التقييمات المرتفعة، واستمر انحدار أسعار سندات الخزانة الأطول أجلا. واتسعت بعض الشيء الفوارق بين أسعار الفائدة (كتلك بين سندات الشركات الأدنى تصنيفا وسندات الخزانة المماثلة الآجال)، لكنها تظل شديدة الانخفاض وفقا للمعايير التاريخية، ناهيك عن نهاية دورة التشديد والإحكام من جانب الاحتياطي الفيدرالي.

ينطبق الشيء ذاته على قروض السيارات والمستهلكين المتأخرة وخسائر العقارات. فقد تحركت هذه القروض عن أدنى مستوياتها، ولكن ليس كثيرا. من الغريب أن نطلق على السياسة النقدية وصف «الإحكام» في حين يظل الائتمان سهلا والميزانيات العمومية متأزمة بالكاد.

تتمثل مشكلة أخرى تعيب التركيز في المقام الأول على التغيرات في أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية الحقيقية (بافتراض بقاء كل شيء آخر على حاله) في تجاهله لمعيار أكثر أهمية لتأثير السياسة النقدية: حيث يكون سعر الفائدة هذا نسبة إلى سعر الفائدة المحايد (r*)، وهو المعدل حيث لا تكون السياسة النقدية «متساهلة» ولا «مُـحكَـمة» في اقتصاد ينمو قريبا من الاتجاه. وبالتالي فإن الفجوة بين العائد الأساسي الطويل الأجل على رأس المال الآمن في الاقتصاد وما يحدده بنك الاحتياطي الفيدرالي باعتباره الحد الأدنى لسعر الفائدة على القروض الأقصر أجلا تعكس قوة تأثير السياسة النقدية على الاقتصاد. وإذا تحرك المعدل المحايد إلى أعلى كثيرا، فقد يكون أي ارتفاع في أسعار الفائدة الحقيقية مع انخفاض التضخم أكثر من كاف للتعويض.

كما أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بحق في مؤتمرات جاكسون هول السابقة، فإن النجوم الاقتصادية (أسعار الفائدة المحايدة ومعدلات البطالة) لا يمكن ملاحظتها بشكل مباشر، أو حتى تقديرها واقعيا. ومع ذلك، لا يخلو الأمر من أسباب قوية تحملنا على الاعتقاد بأن سعر الفائدة المحايد ارتفع بشكل كبير فوق مستويات ما قبل كوفيد، وهذا يعني أن إعدادات السياسة النقدية أصبحت في الواقع أكثر تساهلا بمرور الوقت.

الأمر الأكثر أهمية هو أن العجز الفيدرالي الأمريكي أعلى كثيرا وعلى أساس أكثر استدامة، وسوف يعمل الإنفاق على السياسات الدفاعية والبيئية والصناعية على إبقائه مرتفعا. سوف تؤدي هذه النفقات الإضافية إلى دفع أسعار الفائدة على الاقتراض الحكومي إلى الارتفاع، وهو عامل رئيسي في تحديد سعر الفائدة المحايد.

من ناحية أخرى، يعمل المسؤولون الصينيون والأمريكيون على حد سواء على تثبيط تدفقات رأس المال من المستثمرين الصينيين إلى الأسواق الأمريكية، مما يؤدي إلى تقليص مجمع المدخرات المتاحة لتمويل العجز الأمريكي - كما يتسبب هذا في زيادة أسعار الفائدة الطويلة الأجل. ولكن بعد الجائحة، انخفضت معدلات الادخار في الولايات المتحدة مع اتجاه المستهلكين إلى تبني عقلية «أنت تعيش مرة واحدة» واستيعاب درس مفاده أن الدعم الحكومي سيوجد دوما في أوقات الأزمات (لحسن الحظ). مرة أخرى، سيؤدي هذا إلى ارتفاع الأسعار مع ارتفاع مستويات الديون.

أخيرا، إذا استمر التسارع الأخير في نمو الإنتاجية - ربما لأن الذكاء الاصطناعي أو التكنولوجيات الخضراء أصبحت أكثر انتشارا - فإن هذا أيضا سيزيد من العائد الحقيقي على رأس المال، وبالتالي سعر الفائدة المحايد.

أيا كانت الطريقة التي نزن بها هذه العوامل المختلفة، فإن كل الاتجاهات تشير إلى زيادة سعر الفائدة المحايد بنسبة تصل إلى 1.5%. لا ينبغي لحقيقة أن السياسة النقدية الأمريكية أكثر تساهلا مما يعتقد كثيرون أن تثني الاحتياطي الفيدرالي عن خفض أسعار الفائدة في سبتمبر ونوفمبر.

من منظور إدارة المخاطر، إذا كان من المتوقع أن يستمر التضخم في اتجاه هابط مع ارتفاع البطالة، فإن تخفيف قيود السياسة لمنع العودة إلى الركود تصرف حكيم (على الأقل إلى أن يتضح في العام المقبل التأثير الاقتصادي المترتب على الانتخابات الأمريكية المرتقبة في نوفمبر). لكن التحذيرات من أن سياسة الاحتياطي الفيدرالي قد تجر الاقتصاد إلى أسفل غير مبررة.

عندما يثبت الاقتصاد الأمريكي مرونته وقدرته على الصمود مرة أخرى، ويعود أوان رفع أسعار الفائدة، يجب أن تكون لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية مستعدة ليس فقط لرفع أسعار الفائدة بدرجة أكبر من المعتاد، بل وأيضا لتتبع كيفية انتقال زياداتها عبر الأسواق المالية المتنوعة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاحتیاطی الفیدرالی أسعار الفائدة الفائدة على

إقرأ أيضاً:

احتياطي روسيا من الذهب يسجل 188.8 مليار دولار

شهد احتياطي روسيا الاتحادية من الذهب ارتفاعا ملحوظا مع نهاية شهر أغسطس الماضي ليصل إلى مستوى 188.8مليار دولار امريكي.

 

الذهب 

 

وذكر البنك المركزي الروسي في بيان، أن قيمة احتياطيات الذهب زادت منذ مطلع أغسطس الماضي بأكثر من 9 مليارات دولار أو بنسبة 5.1 % لتبلغ 188.8 مليار دولار ولتتجاوز حصة المعدن النفيس في احتياطيات البلاد الدولية 30% وذلك للمرة الأولى خلال ربع قرن.

 

وأوضح أن ارتفاع قيمة احتياطيات الذهب الروسي جاء في ظل صعود أسعار الذهب في الأسواق العالمية بنسبة 3.6% لتغلق الشهر الماضي عند 2513 دولارا للأونصة.

 

ارتفاع أسعار الذهب فى منتصف تعاملات اليوم أسعار الذهب بمحلات الصاغة اليوم الإثنين 9-9-2024 تراجع سعر الذهب في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء 10 سبتمبر 2024 المشدد 3 سنوات للمتهمين بسرقة محل أميرة الذهب

 

الذهب يستقر قبل صدور بيانات تضخم أميركية

 

الذهب 

 

لم يطرأ تغير يُذكر على أسعار الذهب خلال تعاملات جلسة، اليوم الثلاثاء 10 سيتمبر، بينما يترقب المتعاملون بيانات التضخم الرئيسية في الولايات المتحدة، غدا الأربعاء، والتي قد تؤثر على حجم خفض متوقع في سعر الفائدة الأميركية الأسبوع المقبل.

 

وبحلول الساعة 08:10 بتوقيت غرينتش، هبط أسعار الذهب في المعاملات الفورية بما يصل نسبته نحو 0.1% ليصل إلى مستوى سعر 2501.66 دولار للأونصة. 

 

فيما استقرت أسعار العقود الأميركية الآجلة للذهب عند مستوى سعر 2530.60 دولار.

 

ومن المتوقع أن يرتفع مؤشر أسعار المستهلكين الى مستوى نسبته نحو 0.2% على أساس شهري في أغسطس/آب، وفقا لاستطلاع، دون تغيير عن يوليو.

 

وتقلل أسعار الفائدة المنخفضة من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الأصفر الذي لا يدر عائدا.

 

ووفقا لأداة فيد ووتش التابعة لمجموعة سي.إم.إي، يرى متعاملون أن هناك احتمالا بنسبة 73% أن يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة 25 نقطة أساس خلال اجتماعه يومي 17 و18 سبتمبر/أيلول، واحتمالا يبلغ 27% أن يخفضها 50 نقطة أساس.

 

أسعار المعادن النفيسة الأخرى

 

وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، صعدت أسعار الفضة في المعاملات الفورية بما يصل نسبة 0.1% ليصل إلى مستوى 28.36 دولار للأونصة. وزاد البلاتين 0.6% إلى 943.70 دولار، كما ارتفع البلاديوم 1.1% إلى 957.22 دولار.

 

مقالات مشابهة

  • تأثير العطلات على السوق: زيادة طفيفة في أسعار الدولار مقابل الجنيه المصري
  • استقرار مؤشر الأسهم الصينية
  • قفزة غير متوقعة في أسعار الذهب في مصر: تأثير الارتفاع العالمي على السوق المحلي
  • تراجع الدولار مع ترقب خفض أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي
  • لو مير يعتزل السياسة: وزير المالية الفرنسي يستقيل وسط فوضى نتائج الانتخابات
  • الدولار يرتفع إلى أعلى مستوى في 4 أسابيع
  • مسؤول في بنك اليابان يدعو إلى رفع أسعار الفائدة بشكل كبير
  • أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 11-9-2024
  • مجلس النواب ينظم ندوة علمية بعنوان “السياسة النقدية في ليبيا”
  • احتياطي روسيا من الذهب يسجل 188.8 مليار دولار