آفاق السلام تبتعد بعد هجوم إسرائيل على لبنان
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
كان التصعيد المفاجئ والمثير كثيرًا للقلق الذي شهدته نهاية الأسبوع في القتال بين إسرائيل وحزب الله في لبنان هو عين ما تعمل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بلا كلل من أجل اجتنابه منذ اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية زعيم حركة حماس في طهران قبل شهر تقريبا.
يمثل تجدد العنف ـ الذي سرعان ما خفتت حدته ولكن من الواضح أنه يمكن أن يشتعل مرة أخرى في أي لحظة ـ انتكاسة خطيرة محتملة لجهود السلام الدولية.
من المرجح أيضا أن يؤثر القتال سلبا على محادثات وقف إطلاق النار وإطلاق سرائح الرهائن بين إسرائيل وحماس، وهي المحادثات غير المباشرة والمترنحة بالفعل والجارية في القاهرة على خلفية استمرار العنف في غزة. فحزب الله في حلف وثيق مع حماس. وكلتا المنظمتين تعملان برعاية من إيران وبتوجيه منه إلى حد ما.
لقد تردد أن الضربات الجوية الإسرائيلية المستمرة لغزة في الأيام الأخيرة أدت إلى مصرع العشرات. وإجمالا بلغ عدد الموتى من الفلسطينيين، وأغلبهم من المدنيين، أربعين ألفا منذ هجمة حماس في السابع من أكتوبر التي أسفرت عن مقتل قرابة ألف ومائتي إسرائيلي. كما أن عنف المستوطنين الإسرائيليين والاستيلاء على الأرض يتسارعان في المناطق المحتلة.
والخوف اليوم، كما في الماضي، هو أن تتحد هذه الصراعات المريرة في حرب إقليمية واحدة ضخمة تجتذب وكلاء إيران الآخرين في اليمن وسوريا والعراق وتفرض بالتبعية ردا عسكريا من الولايات المتحدة وحلفائها وقد عززوا حضورهم العسكري خلال الأسابيع الأخيرة. والكابوس النهائي هو أن تواجه إيران نفسها إسرائيل (أو العكس) مواجهة مباشرة. وقد شهدنا لمحة من ذلك في ابريل حينما أطلقت طهران وابلا غير مسبوق من الصواريخ والمسيرات على إسرائيل، تم اعتراض أغلبها وإسقاطه.
وقد أعلن علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد اغتيال هنية في الحادي والثلاثين من يوليو أن إيران ملزمة بمعاقبة إسرائيل وبدا كمن يهدد بحرب شاملة. وحتى الآن لم يتحقق هذا التهديد. ولعل ما تطلق عليه إسرائيل العمل «الوقائي» من حزب الله كان دافعه جزئيا هو المخاوف من بدء هذا الانتقام الإيراني الموعود.
ولكن هناك شكوك أيضا في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ربما انتهز الفرصة لتصعيد مواجهة حدودية مع حزب الله كانت مشتعلة منذ السابع من أكتوبر. فالمعارضون والمنتقدون يتهمون نتانياهو، ومعهم بعض الحق، بعرقلة اتفاق غزة في سعي غير واقعي إلى «النصر الكامل» - ولتعمد تأجيج الصراع الموسع لمساعدته على النجاة سياسيا.
لقد أدت استراتيجية نتانياهو العدمية الماضية في طريق مسدود إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية والسياسية داخل إسرائيل، وأثارت غضب عائلات رهائن غزة وأزعجت حلفاء إسرائيل. وقادة الأمن والجيش في البلد ثائرون. وعلاقات الحكومة الإسرائيلية مع الولايات المتحدة، وهي حاميتها الرئيسية ومورد أسلحتها، في أدنى مستوياتها على الإطلاق.
فما هي خطة نتانياهو؟ وهل لديه خطة أصلا؟ لأن أغلبيته الحاكمة في الكنيست، ومنصبه كرئيس للوزراء، يعتمدان على دعم حفنة من الوزراء والنواب المتدينين المتطرفين والقوميين اليهود، ولأنه قد يواجه السجن بتهمة الفساد فور خروجه من السلطة، يقول المعارضون إنه ليست لنتانياهو مصلحة في السلام على أي جبهة.
واقع الأمر أن هناك من يزعمون أنه ويحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، يشتركان في مصلحة تتمثل في إبقاء نيران الحرب والكراهية والانقسام مستعرة تنتشر منها ألسنة اللهب. لأنهما في حال الفشل في ذلك، فسوف يكونان هما من تأكله النار.
ولقد عبر إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، عن كل هذا في هجوم غير عادي على نتانياهو و«مجرمي الإرهاب» ـ على حد وصفه لوزيرين من اليمين المتطرف هما إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش ـ وقد نشرت صحيفة هآرتس هذا الهجوم بالتزامن مع اندلاع القتال الأخير في لبنان. كتب أولمرت أن نتانياهو «محتال نرجسي، غير أخلاقي، ضعيف الشخصية»، يقود دولة إسرائيل إلى الهاوية. وأضاف أن «نتانياهو لا يريد عودة الرهائن وفي غياب اتفاق للإفراج عن جميع الرهائن، لا توجد فرصة حقيقية لوقف التحرك العسكري الأخير في قطاع غزة».
«سيستمر هذا لأيام كثيرة أخرى. وفي الوقت نفسه، سوف يستمر الصراع العنيف في الشمال ... فيطلق حزب الله صواريخ بعيدة المدى، وإسرائيل ترد بمستوى لم نشهده بعد، ويمضي التدهور إلى حرب شاملة». وحذر أولمرت من أن المواجهة المستمرة متعددة الجبهات» هي الخيار الوحيد الذي يخدم أولويات نتانياهو، واحتياجات يحيى السنوار أيضا على ما يبدو». وأضاف أولمرت قائلا إن «السنوار ونتانياهو يرجوان أن تدخل إيران في النهاية في مواجهة مباشرة مع إسرائيل» ـ فمن شأن هذا أن يجبر الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على التدخل.
وفي معرض دعوته إلى وقف الحرب فورا، حث أولمرت كلا من وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، ورئيس أركان القوات المسلحة هيرتسي هاليفي، ورئيس جهاز الأمن الداخلي رونين بار، ورئيس الموساد ديفيد برنياع - الذين انتقدوا نتنياهو علنا - على الاستقالة. ويفترض أن يكون الهدف من هذا هو إسقاط نتانياهو: وهو هدف جدير بالثناء، وتأخر كثيرا.
لم يضع كل شيء. فحتى الآن على الأقل، لم يحدث الانفجار الذي يخشاه الجميع. والقتال الأخير بين إسرائيل وحزب الله، برغم كونه مذهلا، يبقى محدود النطاق. ويبدو أن كلا الجانبين تجنّبا إلى حد كبير استهداف الأهداف المدنية. والخسائر المعلنة في الأرواح طفيفة. ويقول حزب الله: إن «المرحلة الأولى» من هجومه انتهت. فالخصوم إذن يسيرون على حبل رفيع للغاية. ولكن الأمر يحتمل أن يكون أسوأ كثيرا.
عندما يحاول نتانياهو استخدام هذه المواجهة، وهو ما سوف يفعله بالتأكيد، ليثبت للأمريكيين والغرب أن إسرائيل معرضة لتهديد مميت فوري -أو في حال تصعيده مرة أخرى- فسوف يتعين على الحلفاء أن يفكروا مليا قبل أن يهبوا إلى نجدته. فالتهديد الأكبر الذي يواجه وجود إسرائيل ووقف إطلاق النار في غزة ليس خارجيا، ولكنه يأتي من الداخل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة حزب الله
إقرأ أيضاً:
إيران تمنع طائرتين من إعادة رعايا لبنانيين لبلادهم بعد تهديد إسرائيلي
منعت طهران طائرتين من إعادة عشرات الرعايا اللبنانيين من إيران -اليوم الجمعة- بعدما منع لبنان طائرة مدنية إيرانية من الهبوط في أحد مطاراته في أعقاب ما قالت طهران إنه تهديد إسرائيلي بمهاجمتها.
ومنع لبنان طائرة إيرانية من الهبوط على أراضيه هذا الأسبوع بعد أن اتهم الجيش الإسرائيلي طهران بأنها تستخدم طائرات مدنية في تهريب أموال إلى بيروت لتسليح حزب الله.
وقالت إيران إنها لن تسمح بهبوط الطائرتين اللبنانيتين إلا إذا سمح لبنان بهبوط طائراتها في بيروت.
وبسبب هذه المواجهة تقطعت السبل بعشرات المواطنين اللبنانيين الذين كانوا يؤدون شعائر دينية في إيران. وكان من المقرر أن يعودوا إلى بيروت على متن طائرة تابعة لشركة "ماهان" للطيران الإيرانية قبل أن يمنع لبنان الطائرة من الهبوط.
واتهمت إيران -الجمعة- إسرائيل بالتسبب باضطرابات في الرحلات الجوية بين طهران وبيروت.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي إن إسرائيل هددت طائرة ركاب تقل مواطنين لبنانيين من طهران، "مما تسبب في تعطيل الرحلات الجوية العادية للبلاد إلى مطار بيروت". وندد بالتهديد الإسرائيلي المزعوم باعتباره انتهاكا للقانون الدولي.
وأدان بقائي "انتهاكات (إسرائيل) الجسيمة والمتواصلة لمبادئ وقواعد القانون الدولي والانتهاكات لسيادة لبنان الوطنية".
ودعا منظمة الطيران المدني الدولي وهيئات عالمية أخرى إلى "وضع حد لسلوك إسرائيل الخطير ضد سلامة وأمن الطيران المدني".
إعلانوقال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي -على إكس- إن "فيلق القدس الإيراني وحزب الله استغلا رحلات مدنية إلى مطار بيروت لتهريب الأموال".
وأضاف أدرعي "جيش الدفاع لن يسمح بتسلح حزب الله، وسيعمل من خلال جميع الوسائل الموجودة لديه لفرض تطبيق تفاهمات اتفاق وقف إطلاق النار وذلك لضمان أمن مواطني دولة إسرائيل".
ونفى مسؤولون لبنانيون ومن حزب الله الاتهامات الإسرائيلية بشأن استخدام مطار رفيق الحريري الدولي لتسليح الحزب.
رفض إيرانيوبعد منع الرحلة الإيرانية، أرسل لبنان طائرتين -اليوم الجمعة- من شركة طيران الشرق الأوسط الوطنية لإعادة اللبنانيين العالقين من إيران، لكن إيران رفضت السماح للطائرتين بالهبوط على أراضيها.
وقال السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني للتلفزيون الرسمي الإيراني إن إيران لن تسمح للطائرات بالهبوط إلا إذا سُمح للرحلات الجوية الإيرانية بالطيران إلى بيروت.
وأوضح "من المؤكد أن طلب الحكومة اللبنانية سيقبل، ولكن بشرط ألا يُعطلوا الرحلات الجوية الإيرانية".
وقال وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي لقناة الجديد اللبنانية إن الوزارة تعمل على حل القضية مع نظيرتها الإيرانية.
ودعا النائب عن حزب الله إبراهيم الموسوي -أمس الخميس- الحكومة اللبنانية إلى "اتخاذ التدابير اللازمة لضمان سيادة لبنان على جميع مرافقه العامة وأهمها المطار".
وقطع العشرات من أنصار حزب الله الطرق حول مطار بيروت في وقت متأخر من أمس الخميس في احتجاجات.
يُذكر أنه في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي، أخضعت سلطات مطار بيروت طائرة إيرانية تقل وفدا دبلوماسيا لتفتيش دقيق، مما أثار غضب أنصار حزب الله، حيث نظم عشرات منهم اعتصاما في محيط مطار رفيق الحريري احتجاجا على هذا الإجراء.
وفي سبتمبر/أيلول، منعت وزارة النقل اللبنانية طائرة إيرانية من دخول المجال الجوي بعد أن حذرت إسرائيل سلطات مراقبة الحركة الجوية في مطار بيروت من أنها ستستخدم "القوة" إذا هبطت الطائرة.
إعلان