من الذاكرة.. هذا ما كتبه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب عن الرئيس الراحل سليم الحص
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
ينشرُ "لبنان24" مقالاً من الأرشيف، كتبه وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب عن رئيس الحكومة الأسبق الرّاحل سليم الحص، وذلك بتاريخ 25 أيلول عام 2000. وفي ما يلي نص المقال كاملاً الذي نُشر في جريدة "السفير" خلال العام المذكور: لا أعرف إذا كانت هناك معرفة بين الرئيس الثالث لجمهورية الاستقلال فؤاد شهاب ورئيس الحكومة الحالي سليم الحص.
قام الرئيس شهاب أيضاً بحملة واسعة ومنظمة لتحقيق العدالة الإجتماعية بإيصاله البنية التحتية من مياه وكهرباء وطرقات ومدارس ومعلمين ومستوصفات إلى خارج بيروت، لكن الخطوة الأهم التي كلّفته سياسياً، وهي بيت القصيد لهذه المقالة، هي الإصلاح الإداري الذي لم يقتصر فقط على تحديث وتجديد القوانين والعقلية في الإدارة، إنما سار مسافة طويلة في إعادة توزيع الوظائف الرئيسية في الدولة بين المذاهب اللبنانية. لقد كان ما يزيد على 70 في المئة من كبار موظفي الدولة من المذاهب المسيحية بينما دعا الميثاق الوطني لعام 1943 إلى تقاسم هذه الوظائف بالتساوي. وكانت حجة الرئيس شهاب أن الوحدة الوطنية تتطلب بأن يشعر كل فريق أن حقوقه غير مهضومة وليس هناك فريق محبط، وإلا حدث شرخ في الوحدة الوطنية. كذلك وإذا كان يصح بأن عدد المثقفين والمتعلمين من المذاهب الاسلامية كان قليلاً نسبياً في الأربعينيات الماضية فهذا لم يعد صحيحاً في أواخر الخمسينيات بالإضافة إلى المطالبة الإسلامية بالحصة المحقة من وظائف الدولة. ولعل المطلعين على تاريخ تلك الفترة يعرفون بأن المذاهب المسيحية وبخاصة الموارنة لم تقتنع بمنطق وحجة الرئيس شهاب وكان حقدها عليه بلا هوادة، كما تبين من انتخابات 1964 و1968 النيابية. لقد نقل الرئيس شهاب مقر رئاسة الجمهورية إلى صربا في قضاء كسروان الذي هو منه. وكان هذا القضاء إلى حد بعيد يغلب عليه الطابع القروي الريفي وجونية كانت قرية كبيرة من دون الكازينو والمطاعم والمسابح التي نشاهدها اليوم عند زيارتنا لها. ومع انتهاء العهد الشهابي في أيلول/سبتمبر 1964 أصبح قضاء كسروان من أكثر الأقضية اللبنانية تنمية وبخاصة من ناحية البنية التحتية، والحق يقال، إن ما قام به عهد الرئيس شهاب في كسروان يفوق بأشواط ما قامت به العهود السابقة واللاحقة للعهد الشهابي منذ الإستقلال. وبالرغم من ذلك، لقد خرقت اللائحة الشهابية في انتخابات كسروان لدورة 1964 وسقطت لائحة الشهابيين بفارق كبير في انتخابات 1968 لصالح “الحلف الثلاثي”. كان يتردد يومذاك في الأوساط المسيحية بأنه "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان"، بكلام آخر، برغم جهود الرئيس شهاب الاقتصادية لبناء منطقة كسروان، خذله موارنة كسروان لأنه اعتدل في حكمه وفي سياسته العربية التي كانت إلى حد بعيد موالية لسيد مصر جمال عبد الناصر. أما الرئيس الحص، فقد تسلم زمام رئاسة الحكومة في أواخر عام 1976 معتقداً أن الحرب قد انتهت وابتدأ عهد إعادة البناء. لكن حسابات الحقل لم تطابق توقعات البيدر، فمع عودة الحرب أصبح الرئيس الحص بنظر معظم المسيحيين يتصرف "بغريزته الاسلامية" وخصوصاً أن علاقته مع الرئيس المعتدل الياس سركيس تدهورت وقاربت الطلاق. ولأنه أصبح "رمزاً للمقاومة السياسية الإسلامية والوطنية"، أتى به الرئيس رشيد كرامي عام 1984 وزيراً في الحكومة الثانية لعهد الرئيس أمين الجميل ثم عيّنه الأخير رئيساً للحكومة بالوكالة بعد اغتيال الرئيس كرامي بناء لاقتراح الهيئات الإسلامية. وصل الرئيس الحص إلى قيادة القوى الإسلامية والوطنية، عندما أقاله الرئيس الجميل في الدقائق الأخيرة من عهده وعيّن مكانه العماد ميشال عون. لقد رفض الرئيس الحص الإقالة وأصبح رأس السلطة خارج المناطق المسيحية التي كانت تحت سلطة العماد عون، وعند انتخاب رينيه معوض (وبعد اغتياله انتخب الياس الهراوي) رئيساً للجمهورية بعد اتفاق الطائف لعام 1989، كان الرئيس الحص المرشح الوحيد غير المنازع لرئاسة الحكومة. بكلام آخر، لقد وصل الرئيس الحص عام 1990 إلى ذروة القيادة الإسلامية والوطنية وأصبح موضعاً للحسد وهدفاً للقيادات السنية المنافسة في بيروت ولبنان. كان الرئيس الحص خلال تمرسه برئاسة الحكومة في عهود الرؤساء سركيس والجميل والهراوي واميل لحود يعرف ويفهم حقوقه وحدوده بالنسبة إلى الرئاسة الأولى، وبالرغم من اختلافه شبه الدائم مع الرؤساء السابقين، كان الرئيس الحص يعرف أنه وبالرغم من الحرب وزيادة صلاحيات رئيس الحكومة بعد اتفاق الطائف يبقى رئيساً للحكومة وأن هناك الرئيس الأول في البلاد وهو رئيس الجمهورية. ومن سوء حظ الرئيس الحص أن خصمه السياسي أصبح في التسعينيات الرئيس رفيق الحريري، بما يُمثّل من ظاهرة فريدة في السياسة اللبنانية، فهو ليس فقط غنياً كبيراً، إنما الأهم أنه يعرف استعمال موارده لتحقيق طموحاته وأهدافه السياسية والإقتصادية. فمنذ أن بدأ نجمه يلمع في أوائل الثمانينيات لم يبخل على طالب ولا عائلة متواضعة او محتاجة ولا على جامع أو كنيسة أو رجل سياسي أو حزب سياسي. وحتى الميليشيات بمختلف ولاءاتها السياسية استفادت من كرمه. ويصل نفوذ الرئيس الحريري إلى أوروبا وأميركا والعالم العربي بالإضافة إلى المؤسسات والمنظمات الدولية والاقليمية.
ولكن من سوء حظ الرئيس الحريري أنه اعتلى رئاسة الحكومة في عهد اكتفى سيده بالمركز والمنفعة الشخصية وترك كل مهام الرئاسة الأولى إلى رئيس حكومته الذي تصرّف كسيد للبلاد والرئيس المطلق للسلطة التنفيذية ووصل نفوذه إلى المس بالسلطتين التشريعية والقضائية، ونتج من جراء ذلك إحباط مسيحي لأن معظمهم اعتبر بأن الطائف قد جرّد الرئاسة الأولى من صلاحياتها وألغى دور رئيس الجمهورية، بينما كان يعكس الوضع في العهد السابق القوة الشخصية لرئيس الحكومة والضعف الشخصي لرئيس الجمهورية. والأسوأ من كل ذلك أن المسلمين السُنة في لبنان وبخاصة في بيروت اعتبروا أن ما حصل في العهد الماضي هو الدائم وليس مرحلة عابرة، فعندما عاد الرئيس الحص إلى رئاسة الحكومة في عهد الرئيس لحود الذي أشار بصراحة في خطاب القسم إلى استعادة الرئاسة الأولى لدورها حسب اتفاق الطائف، زال الجزء الأكبر من الإحباط المسيحي وبدأ الإحباط السني الذي انعكس التفافاً غير عادي حول الرئيس الحريري. طبعاً، لقد لعب المال والركود الإقتصادي دورهما في الانتخابات الاخيرة (2000)، لكن ذلك ليس بالسبب الكافي لإسقاط الرئيس الحص الذي بقي في بيروت خلال سنوات الحرب يعيش مع أبنائها المخاطر والمشاكل المحلية والوطنية والاقليمية والدولية وذلك لمصلحة غريب عن بيروت كان يقطن قبل الحرب وخلالها في الرياض وباريس. بالإضافة، لم تعتد بيروت في السابق على إسقاط رئيس حكومة قائم، لقد أعطت بيروت أكثرية ساحقة للرئيس عبد الله اليافي في انتخابات 1968، بعد أن أفشلته في مرتين سابقتين. لقد قيل يومذاك بأن الرئيس شارل حلو انتشل الرئيس اليافي من الرماد ليُزعّمه على بيروت لأن العاصمة لم تخذل يوماً رئيساً للحكومة. إن الالتفاف حول الرئيس الحريري ولوائحه في بيروت كان موقفاً لسنة بيروت ضد اعتدال الرئيس الحص. فكما كانت انتخابات كسروان في الستينيات ردة فعل مارونية على اعتدال الرئيس شهاب، كانت انتخابات بيروت الأخيرة ردة فعل سنية على اعتدال الرئيس الحص، وكما فعل “الحلف الثلاثي” الذي زرع في نفوس الموارنة يومذاك أن الرئيس شهاب ناصري (ينتمي إلى جمال عبد الناصر) وباع حقوق وامتيازات الموارنة، قامت الحريرية بتزكية العداء السني للرئيس الحص بالإشاعة أنه تحول إلى المذهب الشيعي وباع حقوق وامتيازات السنة التي حصلوا عليها في "عهد" الحريري.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: رئاسة الحکومة فی الرئاسة الأولى الرئیس الحریری رئیس الحکومة الرئیس الحص الرئیس شهاب عهد الرئیس سلیم الحص فی بیروت فی عهد
إقرأ أيضاً:
حدَّد فترة المرحلة الانتقالية بـ5 سنوات.. أبرز بنود الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس السوري
المناطق_متابعات
وقَّع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، اليوم (الخميس)، مُسوَّدة الإعلان الدستوري الذي حدَّد المرحلةَ الانتقاليةَ في البلاد بـ5 سنوات، مشيداً بما وصفه بـ«تاريخ جديد» في البلاد.
أعلنت لجنة صياغة الإعلان الدستوري السوري أنه تقرَّر حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية؛ لضمان سرعة التحرك، ومواجهة أي أحداث في تلك المرحلة.
أخبار قد تهمك الرئاسة السورية: اتفاق باندماج قسد ضمن مؤسسات الدولة 10 مارس 2025 - 9:22 مساءً أحمد الشرع: موالون للأسد ودولة أجنبية وراء هجمات الساحل 10 مارس 2025 - 7:57 مساءًوأضافت اللجنة، في مؤتمر صحافي، أنه تقرَّر الفصلُ المطلقُ بين السلطات، ومنح الرئيس سلطة استثنائية واحدة هي «إعلان حالة الطوارئ».
وفقا للشرق الوسط : أضافت اللجنة أنه تقرَّر ترك أمر عزل الرئيس أو فصله أو تقليص سلطاته لمجلس الشعب، مشيرة إلى حل المحكمة الدستورية، ومنح رئيس الجمهورية حق تعيين محكمة دستورية جديدة تمارس مهامها وفق القانون السابق ريثما يصدر قانون جديد.
ونصَّ الإعلان الدستوري المؤلف من 4 أبواب، على «الفصل المطلق» بين السلطات، في بلد اختزلَ فيه موقعُ الرئاسة خلال الحقبات السابقة مجملَ الصلاحيات. وأكد على جملةٍ من الحقوق والحريات الأساسية في البلاد، بينها «حرية الرأي والتعبير» و«حق المرأة في المشارَكة».
وبعد تلاوة عضو لجنة الصياغة، عبد الحميد العواك، أبرز بنود المُسوَّدة خلال مؤتمر صحافي في القصر الرئاسي، وقَّع الشرع الإعلان الدستوري. وقال: «هذا تاريخ جديد لسوريا، نستبدل فيه العدل بالظلم… ونستبدل فيه أيضاً الرحمة بالعذاب»، آملاً في أن يكون «فاتحة خير للأمة السورية على طريق البناء والتطور».
وحدّد الإعلان الدستوري، وفق البنود التي تلاها العواك، «المرحلة الانتقالية بـ5 سنوات» على أن يتم «إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية» بهدف «تحديد سبل المساءلة ومعرفة الحقائق وإنصاف الضحايا والناجين».
وفيما يتعلق بعمل السلطات، جاء في الإعلان الدستوري «لأن مبدأ الفصل ما بين السلطات كان غائباً عن النظم السياسية، تعمَّدنا اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات» بعدما عانى السوريون «سابقاً من تغوّل رئيس الجمهورية على باقي السلطات».
وبحسب الإعلان الدستوري، يعود للرئيس الانتقالي «تعيين ثلث» أعضاء مجلس الشعب الذي يتولّى «العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد».
وقال العواك إنه سيصار في المرحلة المقبلة إلى تشكيل هيئة عليا للانتخابات، ستتولى الإشراف على انتخابات أعضاء مجلس الشعب.
ويتولّى رئيس الجمهورية السلطةَ التنفيذيةَ، على أن يساعده الوزراء في مهامه، في خطوة قال العواك إنها تُشكَّل «خياراً مناسباً مبنياً على ضرورة سرعة التحرك لمواجهة أي صعاب أو أحداث في المرحلة الانتقالية».
وأكد على «استقلالية» السلطة القضائية و«منع إنشاء المحاكم الاستثنائية» التي عانى منها السوريون كثيراً في الحقبات الماضية. وفيما يتعلق بالحريات والحقوق، نصَّ الإعلان الدستوري، وفق العواك، «على مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات منها حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة». كما نصَّ على «حق المرأة في المشارَكة بالعمل والعلم» وكفل لها «الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية».
ومن بين البنود التي تضمَّنها الإعلان الدستوري، «ضرورة تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم».
وأمل العواك أن يُشكِّل الإعلان الدستوري «رافعاً ومعيناً للدولة السورية، أرضاً وقيادةً وشعباً، في هذه المرحلة الانتقالية الممهِّدة لمزيد من الاستقرار».
ويصبح الإعلان الدستوري ساري المفعول بمجرد نشره رسمياً.
وأطاحت فصائل معارضة تقودها «هيئة تحرير الشام»، التي تزعَّمها الشرع، حكم بشار الأسد مع دخولها دمشق في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) إثر هجوم بدأته من معقلها في شمال غربي البلاد في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني).
وأعلنت السلطات الجديدة حينها تعيين حكومة تصريف أعمال لمدة 3 أشهر، أي حتى مطلع مارس (آذار)، إلا أنه لم يصار بعد إلى تشكيل حكومة انتقالية.