عربي21:
2024-12-16@16:44:44 GMT

مبادرات المصالحة مع السيسي ما بين الساذج والمتوهم

تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT

تظهر من حين لآخر دعوات تطالب جماعة الإخوان المسلمين المصرية بالتقدم بمبادرة للمصالحة مع النظام في القاهرة عسى أن يمهد ذلك سبيلاً لإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين، ولطي صفحة مؤلمة في تاريخ مصر المعاصر. قد تصدر هذه الدعوات عن أعضاء في جماعة الإخوان أو عن أفراد مقربين من الحركة أو عن آخرين ممن يشفقون على مصر وأهلها استمرار هذا الحال.

ورغم ما يفترض في كل هؤلاء من حسن نية، ورغبة صادقة في وضع حد لمعاناة عشرات الآلاف من العائلات المصرية في الداخل والخارج، إلا أن هذه الدعوات تنم عن سذاجة بالغة، وتصدر عن توهم عميق، ويجد فيها خصوم الإخوان دوماً فرصة للانقضاض مجدداً على الجماعة، معملين فيها حرابهم وسهامهم.

تبلغ السذاجة ببعض المبادرين أن يقترح على جماعة الإخوان المسلمين اعتزال العمل السياسي وعدم المنافسة على السلطة بأي شكل من الأشكال
إن من السذاجة ألا يرى المرء أن النظام في مصر لا يعير أياً من هذه المبادرات أي اهتمام، سواء جاءت من قبل الإخوان أو من قبل غيرهم. فهو لا يشعر بحاجته إلى تقديم أي تنازلات لخصومه أو منتقديه مهما كانت تنازلاتهم له كبيرة. فالنظام الذي تمكن من الانقلاب على الديمقراطية بتمويل خليجي ورعاية أوروبية أمريكية، ومضى ليبطش بكل من اعتبرهم خصوماً له وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين، والذي مازال رغم كل جرائمه ضد الإنسانية يتمتع بدعم إقليمي ودولي حاسم، ويحظى بغطاء سياسي ودبلوماسي عالمي (وصهيوني بالدرجة الأولى)، لا يجد نفسه محتاجاً لمصالحة أحد من المصريين، ناهيك عن أن يشركهم معه في إدارة شؤون البلاد، سواء كانوا من الإخوان أو من غيرهم.

لا ريب أن كل من غُيّب له وراء القضبان أو شُرّد له في الأرض قريب يعز عليه، يتمنى لو أنه يتمكن من إيجاد وسيلة تفضي إلى تحرير أسيره أو لم شمله على عزيزه، لكن التمني شيء والتوهم شيء آخر. ومن التوهم الظن بأن الأنظمة الطاغوتية تنظر بعين العطف أو الشفقة إلى المكلومين والمحرومين والمستضعفين، وأنها يمكن أن تعيد النظر في أسلوب تعاملها معهم ما لم تتغير موازين القوة بما يكفي لأن تصبح مضطرة إلى التغيير.

تبلغ السذاجة ببعض المبادرين أن يقترح على جماعة الإخوان المسلمين اعتزال العمل السياسي وعدم المنافسة على السلطة بأي شكل من الأشكال، وكأنما هو ضامن لها بذلك حتمية تجاوب النظام مع هذا التنازل، وكأنما المشكلة منحصرة في الخصومة بين الجماعة والنظام. والحقيقة هي أن المشكلة في أصلها ليست بين النظام وفئة بعينها، بل بين نظام مستبد جائر وجل أبناء الشعب المصري، الذين سلبوا حقوقهم، ومنها حقهم في اختيار من يحكمهم، وصودرت حرياتهم، ومنها حريات التعبير والحركة والتجمع، وباتوا جميعاً رهائن لدى عصابة استولت على الحكم دون وجه حق، عصابة لا ترقب في مصري، مسلم أو قبطي، إسلامي أو علماني، إلّا ولا ذمة.

إن الطاغية المتمكن لا يقبل من أحد من الناس في بلده أقل من الخنوع والخضوع. ولطالما حاول أشخاص وحاولت أطراف حسنة النوايا مع نظام حافظ الأسد في سوريا، الذي جاء بانقلاب عسكري وجثم على صدور السوريين إلى أن مات، ومن بعده مع نظام ابنه الذي وُرّث السلطة ظلماً وعدواناً، فخاب رجاؤهم وعادوا بخفي حنين، لأن النظام كان دوماً يصر على وجوب أن يقر ضحاياه بأنهم المذنبون، وعلى أن يأتوا إليه تائبين طائعين مبايعين، وعلى أن يعلنوا براءتهم من الجماعة التي كانوا يوماً إليها ينتسبون.

وإخوان مصر كما إخوان سوريا لم يكونوا هم من بادر بالإساءة أو العدوان، بل كانوا دوماً يناضلون من أجل الحرية والكرامة لهم ولكل واحد من أبناء الوطن المغتصب، فسامهم الطاغية العذاب، فاعتقل وقتل وشرد منهم الآلاف المؤلفة، ثم يأتي من بعد ذلك ويطلب منهم التوبة والاعتذار والولاء.

اقرأوا التاريخ، ولسوف تجدون أنه لم يحدث في تاريخ البشر أن انتصرت أمة على من قهرها وأذلها، أو استعبدها، إلا بالتضحيات الجسام
يتوهم من يظن أن نظام السيسي في مصر يمكن أن يقبل بأقل من ذلك، وقد رأينا كيف تعامل مع من قرروا العودة من المهاجر إلى الوطن، فإما أنهم زُجّ بهم في السجون، أو رضخوا لما طُلب منهم فتحولوا إلى أبواق للنظام، ينشرون الكذب والافتراءات ضد ضحاياه، ويبررون جرمه وإفساده، ويطعنون في الظهر كل من أحسن إليهم في منافيهم.

ليس مستغرباً من فرد فترت عزيمته، ونال منه الإرهاق، أن يساوم كما يشاء، رجاء أن يُسمح له بحياة ما، حتى لو كانت مهينة غير كريمة. ولكن لا يجوز بحال أن تفكر بشيء من ذلك قيادة حركة اجتماعية سياسية نذرت نفسها ابتداءً لغاية سامية ولخدمة قضية نبيلة، ألا وهي النضال من أجل حرية الأمة وكرامتها وسيادتها.

إن الذين يظنون أن الحرية والكرامة يمكن أن تُهدى إليهم على طبق من فضة أو طبق من ذهب يتوهمون. اقرأوا التاريخ، ولسوف تجدون أنه لم يحدث في تاريخ البشر أن انتصرت أمة على من قهرها وأذلها، أو استعبدها، إلا بالتضحيات الجسام.

من لا يقدر على تحمل تبعات الانتصار للحق والعدل فهذا شأنه، أما الفكرة، أما القضية، فسوف يبعث الله لها من يحمل رايتها، وينتصر لها، ويعتز بها. "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم."

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصرية الانقلاب السيسي مصر السيسي انقلاب الاخوان المسلمين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جماعة الإخوان المسلمین

إقرأ أيضاً:

أميركا تتسلم مواطنها الذي كان معتقلاً في سجون الأسد بسوريا

تسلمت الولايات المتحدة مواطنها "ترافيس بيت تيمرمان"، الذي كان معتقلاً في سجون النظام في سوريا وعثر عليه مؤخراً بعد تحريره من السجن، على خلفية انهيار النظام. 

ونقلت وكالة أسوشييتد برس عن مسؤول أمريكي لم تذكر اسمه، أن مروحية عسكرية أمريكية نقلت تيمرمان، إلى خارج سوريا. 

وقال تيمرمان في مقابلات صحفية عقب العثور عليه، إن قوات حدودية ألقت القبض عليه واعتقلته في أثناء إقامته في منطقة جبلية بين لبنان وسوريا قبل 7 أشهر. 

وذكر أنه جرى تحريره من السجن مثل بقية المعتقلين بعد انهيار النظام السوري في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وأشار إلى أنه اعتُقل في سجن "فرع فلسطين" المعروف بشدة التعذيب في العاصمة دمشق.

مقالات مشابهة

  • ما الذي يحدث في المنطقة؟
  • السيسي: نسير في الطريق الصحيح الأمر الذي انعكس في ثقة مؤسسات التمويل الدولية
  • آثار الدمار الذي خلفه نظام الأسد بمدينة حرستا بريف دمشق
  • بهجت العبيدي: بيان الإخوان محاولة بائسة لإحياء جماعة متهالكة والشعب المصري يقف خلف الرئيس السيسي ومؤسسات الدولة
  • أحمد موسى يطالب بتنفيذ أحكام إعدام باتة تجاه عناصر من الإخوان
  • صفحات تدار من الخارج.. أحمد موسى: تنظيم الإخوان خائن وعميل ويعمل ضد مصر
  • محاولة نشر الفوضى في مصر.. أحمد موسى يحذر من أمر خطير يعده الإخوان
  • أميركا تتسلم مواطنها الذي كان معتقلاً في سجون الأسد بسوريا
  • من هو شريك قيصر الذي سرّب صور التعذيب في سوريا؟ (شاهد)
  • أين يختبئ رجل الظل الذي هز عرش سوريا؟