ذلٌ وأي ذل.. والعودة لأيام الزير سالم!
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
د. إبراهيم السيابي
يحكى عن أيام العرب في الجاهلية، بأنَّ الشاعر عدي بن ربيعة والملقب بالزير سالم المهلهل، والذي شنَّ حرباً لمدة 40 سنة وقيل أقل من ذلك، من أجل الثأر لدم أخيه كليب بن ربيعة والذي قتل على يد جسّاس بن مُرّة من أجل الصراع على ناقة قتلها كليب؛ لأنها كانت ترعى دون استئذان في مراعي كليب، هذه الناقة لامرأة تدعى البوسوس؛ وهي خالة جساس، لهذا سُمِّيت هذه الحرب باسم "حرب البسوس".
قتل جساس كليباً لأنَّ الأخير استهزأ به عندما جاء يُعاتبه على قتل الناقة التي كانت في حماه لذا طعنه في ظهره وأرداه قتيلًا.
الحرب دارت رحاها بين قبيلتين؛ قبيلة تغلب بن وائل وأحلافها ويمثلها عدي بن ربيعة والملقب بالزير سالم، وقبيلة شيبان بن بكر وأحلافها ويمثلها جساس بن مرة.
حرب استمرت أعواماً عديدة كما ذكرنا، قُتل فيها من قُتل من أجل الثأر لشخص واحد قُتل من أجل ناقة، ولم تفلح كافة المحاولات للصلح بين القبيلتين، ولقد أذاق الزير سالم قبيلة بكر الأمرّين وهزمهم في مواقع كثيرة وقتل منهم عددًا كبيرًا، لكنه في نهاية الأمر وبعد أن أمعن الزير في القتل وبغى ولم يرض بأي شروط للصلح، اجتمعت عليه الأحلاف وهزموه؛ فاعتزل الحرب وهام في البادية حتى طعِنَ في السن، لكنه عاد إلى قبيلته، بعد أن تصالحت مع قبيلة بكر ونصب ابن أخيه ملكًا على تغلب. فدعاه ابن أخيه أن يستقر في دياره بعد أن تصالح مع أخواله وانتهت الحرب.
هنا سأله الزير: ما هي شروط الصلح التي قادت لتنصيبه ملكاً؟ فرد ابن أخيه: بأن تترك قبيلة بني تغلب الحرب وينزع عنها السلاح وتُحرم من الخيل.
هنا ردَّ الزير سالم: وقال: "ذلٌ وأي ذل" كيف تكون ملكًا بدون خيول وبدون سلاح يا ابن أخي، أنا قد أعيش بدون حرب وبدون ثأر، لكن لا أستطيع العيش بدون كرامة، فترك قومه وعاد ليهيم في صحراء البادية من جديد.
ما دعاني لهذه المقدمة، والتذكير بقصة الزير سالم وكلامه، هو ما يحدث الآن، بمطالبات البعض لأهل غزة وأهل فلسطين بالتحديد بأنهم كأن عليهم الرضوخ للأمر الواقع والعيش بسلام، دون دولة، ودون القدس، ودون الأقصى، ودون رأي أو حتى كرامة، ودون حرية حتى لممارسة الشعائر والطقوس الدينية والعبادة، بمعنى أصح دون وطن! يُمارَس عليهم كل أنواع الاستفزاز والقتل والتنكيل ومحاصرين بجدار الفصل العنصري من جميع الجهات، تُغتَصَب منهم أرضهم لإقامة المستوطنات، ويعيشون على الفتات من المساعدات بعد أن سُلِبَت منهم خيرات أرضهم، وأخيرًا يعيشون أغرابًا مُستضعفين في وطنهم، والبقية يعيشون نازحين ومُشرّدين في الشتات.
لا يزال مثل هؤلاء هذا ديدنهم وكلامهم عن استفزاز رجال المقاومة لدولة الاحتلال، وأن المقاومة هي السبب في هذه المآسي التي يتعرض لها أهالي غزة، وهم بذلك يُحرِّمون على أهل الأرض الأصليين حق المقاومة ورفض سياسة فرض الأمر الواقع وضياع حق قيام الدولة وتقرير المصير.
ذلٌ وأي ذل، أن نرى دولًا تمثل الشعوب العربية والإسلامية تترفف أعلامها بألوانها الزاهية عالية خفاقة في عاصمة دولة الاحتلال، رغم كل هذه الجرائم والتي استنكرتها شعوب العالم وخرجت بالملايين تندد بهذه الأفعال التي هي جريمة ضد الإنسانية ومن أبشع جرائم الحرب، من عمليات قتل متعمد للأطفال والشيوخ والنساء الذي فاق عددهم أكثر من 40 ألف شهيد، وأضعافهم من الجرحى، وعدد كبير لا يحصى من الشهداء مدفونون تحت ركام المباني، إضافة إلى تدمير كل ما يتعلق بالحياة والإنسان في قطاع غزة.
حرب شعواء يشنها مجرمو الحرب في هذه الدولة الغاصبة عن طريق قصف ممنهج مع سبق الإصرار والترصد وأمام أنظار العالم وبمساندة فاضحة من دول الشر التي سقطت هي الأخرى في شر أعمالها وبانت سوءاتها وسقطت أقنعتها بحديثها المخجل عن ضرورة تمسك الأمم بالقيم الإنسانية وتشجيع الحريات؛ وذلك عن طريق المنظمات الحقوقية التي تتطالب بالتفسخ والانحلال والشذوذ عن الفطرة الإنسانية بتشجيع المثلية الجنسية وغيرها من سلوك لهدم ما تبقى في هذا العالم من أخلاق بينما شعب بأكمله يباد ولا يحرك أحدهم ساكناً بل العكس فهذه الدول تساند هؤلا المجرمين بكل ما أوتيت من قوة في حرب الإبادة التي فرضت على أهل غزة.
"ذلٌ وأي ذل" عندما، عندما تنتشل الجثث من المجمعات السكنية والمدارس والمستشفيات للأبرياء العزل الذين لا حول لهم ولا قوة إلّا أن يقولوا ربنا الله، ولا زلنا نتحدث عن شيء اسمه العلاقات والاحترام المتبادل بين الدول والشعوب. ذلٌ وأي ذل عندما يصل الأمر الى تداول أخبار عن اغتصاب الرجال وترويع النساء وحرق نسخ من المصاحف وتدنيس دور العبادة والمساجد، بينما الإخوة في الدين والعروبة بلا حس ولا خبر، إلّا الاستنكار والإدانة، فأين أنت أيها الخجل وأين حمرتك؟!
في الختام.. يا غزة إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع وإنا على الدماء الزكية التي تراق في ترابك والله لمحزونون، ولكنا لا نملك إلّا دعاءً خالصًا والابتهال إلى الله عز وجل أن يخلصك من محنتك، وينصر أهلك على عدوهم وأن ينالوا مطالبهم وحقوقهم لإقامة دولتهم المستقلة في كافة أرضهم، وليس ذلك على الله بعزيز.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
معاوية عوض الله: العقوبات التي تصدر تجاه قادة الجيش لن تزيدنا إلا قوة وصلابة
قال الخبير العسكري معاوية عوض الله إن العقوبات التي تصدر تجاه قادة الجيش السوداني لن تزيدنا إلا قوة وصلابة ولن نموت إلا واقفين.الجزيرة – السودان إنضم لقناة النيلين على واتساب