المحرر سامر مِتعب: علمتُ عن رحيل أمي بالصدفة وهذا حال الأسرى بعد الحرب
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
القدس المحتلة- في رحلة أسره التي بدأت بسجن عسقلان عام 2001 وانتهت بسجن نفحة الصحراوي في 20 أغسطس/آب الجاري، مرّ الأسير المقدسي المحرر سامر متعب (47 عاما) بالكثير من محطات الألم والأمل داخل السجون، وكان أقسى فصول رحلته التي امتدت لـ23 عاما وفاة والده عام 2009 ووالدته قبل 51 يوما من تحرره.
ويضاف إلى فصل الفقد القاسي 10 أشهر ونيف عاشها متعب في سجن نفحة خلال الحرب الحالية على غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، والتي يجزم أن المعاناة التي تخللتها تعادل كافة سنوات أسره.
في أول حوار مطوّل يجريه الأسير المحرر سامر متعب بعد تحرره، كشف للجزيرة نت عن تفاصيل الحياة اليومية للأسرى داخل السجون خلال الحرب، وعن تعمد إدارة مصلحة السجون خلق الخلافات بينهم عبر إجراءات تعسفية عدّة، كما تطرق للطريقة التي تلقى بها خبر وفاة والدته بعد 16 يوما على رحيلها.
بداية.. مَن سامر متعب؟أنا مجرد إنسان عادي من فلسطين، ولدت في القدس عام 1977 وترعرعت في المدينة التي تنقلت عائلتي كثيرا بين أحيائها، لكن حنيني دائما هو لمنزل عائلتنا الواقع في عقبة درويش بالبلدة القديمة الذي كنا ننام خلال طفولتنا على سطحه، وتوقظنا أشعة الشمس عندما تسطع وننبهر بالإطلالة المميزة على القبة الذهبية في المسجد الأقصى.
أنهيت المرحلة الثانوية من مدرسة عناتا الثانوية للبنين وبعدها التحقت بسوق العمل قبل أن أُعتقل في 21 أغسطس/آب من عام 2001.
الأسير سامر متعب من #القدس يتنسم الحرية بعد 23 عاماً من الاحتلال في سجون الاحتلال #الجزيرة pic.twitter.com/2we9FhpHnT
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) August 20, 2024
ما التهمة التي استوجبت سجنك 23 عاما؟ وحدثنا عن المرحلة الأولى من الاعتقال المتمثلة بالتحقيق؟
اتُهمتُ بممارسة نشاط عسكري في إطار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكانت مرحلة التحقيق -التي استمرت 57 يوما قاسية جدا- لأن الأسير يكون في بداية التحقيق مشوشا ومضغوطا ويدخل في محيط جديد تماما.
كنتُ خارج الزمان والمكان، وأعني بذلك أنه تم تعصيب عينيّ من لحظة الاعتقال الأولى ولا أعرف أين أنا فأصبحت خارج المكان، ولا أملك أي وسيلة لتحديد الوقت فبتُّ خارج الزمان أيضا.
الزنزانة لونها رصاصي ومضاءة على مدار الساعة بإنارة صاخبة تجعل النوم أمرا مستحيلا، والأصفاد التي كُبلت بها يداي وقدماي استمرت طيلة 57 يوما.
كرسي الشبح وهو المقعد الذي بات معروفا للشعب الفلسطيني، هو كرسي قصير ظهره مائل للأمام بحيث يبقى الأسير مائلا معه وأرجله قصيرة، يصعب الجلوس عليه مع القيود وكل ذلك يؤثر على الأسير من الناحية النفسية ويدخله في صدمة.
ماذا علّمك السجن؟السجن هو ساحة من ساحات القتال وكثيرة هي الأوصاف التي يمكن أن أصف فيها السجن، فهو المكان الذي لا يختلف عن الواقع الخارجي بالمفاهيم الثورية، ويمارس فيه الشخص أشكالا جديدة من النضال وهو مسلوب الحرية.
قيل لنا إنك كنت الشخص الذي يخدم الأسرى بصمت، وأبرز مهمة وضعتها على عاتقك العمل في مغسلة السجن لسنوات، لماذا فعلت ذلك وكيف يغسل الأسرى ملابسهم؟من اليوم الأول لاعتقالي قررت العمل في خدمة الأسرى، ويتم اختيار العمال سواء في المغسلة أو "الكانتين" وتعني بقّالة السجن، أو شاويش الساحة بناء على إمكانياتهم ومهاراتهم العالية في هذه المجالات.
الغسّالة والنشّافة دخلتا إلى أقسام الأسرى الفلسطينيين بعد إنجازات حققها الأسرى بالإضرابات، كنتُ أنا شخصا نشيطا والتحقت بالعمل في مرافق السجون منذ البداية واستمر عملي في المغسلة 4 أعوام ونصف.
في جولة على الغرف بالقسم أضع الملابس المتسخة في أكياس يحمل كل منها رقم الغرفة، وبعد تجميعها أغسلها ثم أجففها وأعيدها لهم نظيفة ومرتبة.
كنت العنوان لكل مناسبات الأسرى، سامر الخطاط والرسام، حدثنا عن تجربتك مع الخط العربي والفن؟
أعشقُ الخط العربي، لكن كانت لدي مشكلة منذ كنت طالبا في المدرسة وهي أنني أدمج أكثر من نوع من الخطوط العربية أثناء الكتابة.
عام 2006 تعرفت على أسير خطّاط كان يمرر دورات في الخط العربي، وطلبت منه أن أخضع لدورة خط لأفصل بين الخطوط.. تعلمتُ بفترة قصيرة وبدأت أهتم بالخط العربي بالإضافة لميولي الفنية التي طورتها داخل السجون.
ومن خلال الخط العربي والفن دخلت كل بيت فلسطيني تقريبا من بيوت ذوي الأسرى، وأعتبر هذ الموضوع ثقافة وطنية لأنني لم أكتب أو أرسم طيلة أسري أي شيء لا علاقة له بالوطن، وبالتالي كنت أوصل رسالة من خلال الخط والفن والمقولات التي تحمل مفاهيم ومضامين محترمة.
كان الأسرى ينتظرون دورهم لأضع خطي ورسوماتي على بطاقات معايداتهم ورسائلهم إلى ذويهم في كافة المناسبات، وكان الجميع يطلب منّي تصاميم خاصة وأبدعتُ في ذلك.
مارستُ هذا الفن لسنوات طويلة لكن في السنوات الأخيرة وبسبب تنقلي كثيرا بين السجون خفت عملي في هذ المجال.. أحبُّ خطّي الرقعة والديواني، لكنني أميل أكثر لخط الرقعة.
كيف ساهم فنُّك في التخفيف عن الأسرى ألم السجن؟لم أردُّ يوما أحدا منهم، وكل ما طلب مني في هذا المجال لم أرفضه رغم أن هذه الطلبات كانت تضغطني وهي على حساب وقتي الذي كان يمكن أن أستثمره بأمور أخرى، لكنني أتعامل مع الأسير الفلسطيني على أنه إنسان يستحق أن تُلبّى كل طلباته ورغباته لأنه مناضل وواجبي أن أحافظ عليه.
كنت عنصرا فعالا وإيجابيا في السجون وشاركت في كافة إضرابات الحركة الأسيرة، حدثنا عن صعوبة الإضراب عن الطعام، ونجاعته أيضا كوسيلة احتجاج في السجون؟الإضراب عن الطعام هو الانتقال من مرحلة طبيعية في السجون إلى مرحلة غير طبيعية، وبالتالي هناك صعوبة خاصة في تجربة الإضراب الأولى، وتتلاشى هذه الصعوبات شيئا فشيئا مع تكرارا التجربة والممارسة.
الإضراب سلاح نستخدمه ضد إدارة السجن، وهو آخر سلاح نشهره لأنه محطة صعبة جدا تتطلب إرادة قوية وعزيمة وتحضيرا، والهدف منه الحفاظ على الإنجازات الموجودة وتحقيق أخرى جديدة.
أطول إضراب عن الطعام خضته كان عام 2017 واستمر 29 يوما، لكنها لم تكن الأيام الأصعب في مسيرة إضرابي عن الطعام، بل خضتُ إضرابات أقصر لكنها كانت شديدة جدا لأن العقوبات التي كانت تفرض خلالها قاسية جدا.
خلال بحثنا عن سيرتك داخل السجون قال لنا أحد من التقوا بك إنك "لم تدع سجنا يعتب عليك" في إشارة لتنقلك بين سجون كثيرة حدثنا عن ذلك؟عشت في 7 سجون لكن أطول مدة مكثتها كانت في سجن جلبوع الذي عشت فيه 13 عاما، وكنتُ كلما أُنقل منه أطلب العودة إليه، وكنت أعيش فيه عندما هرب منه 6 أسرى عام 2021، وتعرضنا حينها لسلسلة من العقوبات وتم تفريغ السجن بالكامل بعد هروب الأسرى بشهرين، بينما نُقل الأسرى الذين كانوا في نفس القسم باليوم ذاته.
انتظرته 23 عاما لتفرح به، ورحلت قبل الإفراج عنه بـ50 يوما.. الجزيرة نت تابعت جنازة والدة الأسير المقدسي سامر متعب، والتقت شقيق الأسير، الذي تحدث عن وقع الخبر وثقله على سامر داخل سجون الاحتلال.
يذكر أن سامر اعتقل عام 2001، وفقد والده أيضا وهو في الأسر، وحرم من حضور جنازة والده… pic.twitter.com/DwDr2oOHXp
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) July 1, 2024
في 30 يونيو/حزيران الماضي توفيت والدتك، كيف علمت بخبر وفاتها؟ وسبق ذلك وفاة والدك عام 2009، ماذا تقول عن أقسى فصول حكاية أسرك؟خبر الوفاة هو أصعب ما يمكن أن يتلقاه أي أسير داخل السجن، وتحديدا وفاة أحد الوالدين.
تعرضتُ لأول صدمة عام 2009، وتوفيت والدتي قبل تحرري بـ51 يوما وعلمتُ بنبأ وفاتها بالصدفة وبعد 16 يوما على رحيلها.
استدعاني ضابط "الشاباك" (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) لمقابلة تتعلق بالتحرر، وسألني أسئلة روتينية عن جميع أشقائي وأماكن سكنهم، لكنه لم يأتِ على ذكر شقيقاتي ووالدتي.
طلبت منه قبل أن تنتهي المقابلة أن استخدم الهاتف لأطمئن والدتي عليّ بسبب ظروف الحرب وانعدام التواصل الهاتفي والزيارات، فأجابني "بشوف".
حاول أن ينهي اللقاء ووضع هواتفه في جيبه ليشعرني أن المقابلة انتهت، لكنني ذكرته مرة أخرى بالمكاملة فسحب هاتفه وطلب مني الرقم.
أعطيته رقم أمي وحاول الاتصال مرتين لكن هاتفها كان مغلقا، فطلبت منه الاتصال بشقيقتي وعندما أجابت قلت لها مرحبا أم النور كيف حالك؟ أنا سامر.
سألتها ما خطب والدتي اتصلت بها مرتين وهاتفها مغلق، فصمتت وأخذت نفسا عميقا وقالت الحجة تعبانة وكانت بالمستشفى 3 أيام، فسألتها أين هي الآن؟ فقالت إنها متعبة ولا يمكنها التحدث معك.
سألتها ما بها أمي؟ صمتت وبدأت بالبكاء ففهمت أن هناك شيئا ما فسألتها الحجة توفيت؟ زاد بكاؤها وقالت نعم توفيت في 30 يونيو/حزيران.
في تلك اللحظة انهرت باكيا وارتجف كل جسدي لأن الخبر كان بالنسبة لي صاعقة جديدة رغم أنني جربت قبل ذلك فقد والدي وأكثر من شخص من العائلة، لكنني لم أتوقع للحظة أن أسمع خبرا كهذا خاصة أن الحرية كانت على الأبواب.
اللحظات الأولى للقاء الأسير المقدسي سامر متعب مع عائلته، في بلدة الرام، بعد قضائه نصف عمره في الأسر (23 عاما).
يذكر أن والديّ متعب توفيا وهو داخل الأسر وحُرم من وداعهما، أو زيارة قبريهما بعد تحرره.#القدس_البوصلة pic.twitter.com/bvysKkVRpt
— القدس البوصلة (@alqudsalbawsala) August 20, 2024
حدثنا عن الأوضاع في السجون بعد السابع من أكتوبرانتقلنا من مرحلة إلى مرحلة جديدة تماما.. كان الأسرى قبل الحرب يعيشون حالة تشبه الحكم الذاتي، وبعدها انتقلنا لمرحلة فرض الحكم العسكري علينا، والأوامر العسكرية قاسية بكل تفاصيلها وتهدف لإهانة الأسير والتعدي على كرامته والتعامل معه على أنه حيوان.
اسرُد لنا شيئا من تفاصيل المعاناة في السجون حاليامنذ بداية الحرب عندما يريد السجانون الدخول إلى الغرف لتفتيشها نُقيّد بأيدينا ونُحشر في زاوية الغرفة ثم نُضرب بهدف السيطرة علينا، ويتم إخراجنا واحدا تلو الآخر ونُفتش مرة أخرى خارج الغرفة، وعند عودتنا نجد زنزانتنا مدمرة، فالملابس مبعثرة والطعام مسكوب فوقها والوضع مأساوي بكل التفاصيل.
أول مرة رأينا فيها الشمس كانت بعد مرو 6 أشهر على الحرب، أبلغنا السجانون أن كل 3 غرف سيخرج الأسرى منها بشكل جماعي إلى الساحة، لكنهم قبل ذلك رسموا خطوطا باللون الأصفر في الساحة وتبعد الخطوط مسافة مترا ونصف المتر عن كل غرفة، والهدف من رسمها هو منع أي أسير من لمسها أو اجتيازها كي لا يقف أمام أي غرفة ويتحدث مع أي أسير.
كنا نخرج لمدة 10 دقائق ويمكننا خلالها الاستحمام، لكننا تفاجأنا أن الستائر التي كنّا نستر أنفسنا بها أثناء الاستحمام قد صودرت، وهذا نوع من التعدي على كرامة الأسير الفلسطيني لأنهم يعرفون أن مجتمعنا محافظ، ويريدون أن نمارس سلوكا لسنا معتادين عليه أبدا.
الخطوط الصفر رُسمت أيضا داخل الغرف، وأحدها على شكل مربع حول الباب الرئيسي على مسافة متر ونصف المتر، والهدف منه الحفاظ على أمن السجان عندما يقف أمام الباب وإذا وجد أي أسير في هذه المنطقة يُرشُ الغاز داخل الغرفة ويتم تفتيشها ونقل الأسرى.
ويوجد خط أصفر إضافي داخل الغرفة، وعندما يحين موعد "العدّ" الصباحي أو المسائي للأسرى داخل الغرفة يجب أن يكونوا موجودين خلف هذا الخط ليكون بينهم وبين السجان مسافة كبيرة وأي تعدٍ على هذا الخط يرش الأسرى بالغاز.
كنا نتعرض للرش بالغاز لأي سبب، وبعض السجانين يرشه ويدير ظهره كأن شيئا لم يكن، وفي أحد الأيام قام أحد السجانين العرب بفعل ذلك ثم عاد وقال للأسرى إنه فعل ذلك عن طريق الخطأ ومن تضرر منكم سنأخذه للعيادة، وعندما قال أحد الشبان إنه تأذى سُحب لكن للزنازين الانفرادية لمدة 21 يوما لا للعيادة.
شاب آخر سقط عن "البُرش" (سرير الأسرى في السجون) أمام الضابط أثناء العد وغاب عن الوعي، لكن الأخير أكمل العد فبدأ الشبان بالقول الشاب مات كي تهتم الإدارة.
جلب السجانون حمّالة ووضع الأسير عليها ورأسه مدلى منها، لكن الطبيب قال بعد فحصه إنه كاذب وهذا تمثيل فسُحب للزنازين الانفرادية لأكثر من 21 يوما.
شحُّ الطعام ورداءته كانا من الأدوات التي عوقبت بها الحركة الأسيرة منذ اندلاع الحرب، ماذا عن التفاصيل؟
منذ بداية الحرب حتى يوم تحرري فقدت 20 كيلوغراما من وزني لأن الطعام سيئ جدا.. إفطارنا عبارة عن بيضة مسلوقة وعلبة لبنة وزنها 50 غراما بالإضافة لـ3 شرائح من الخبز، فيفطر الأسير ويفكر متى سيأتي الغداء.
كان يُجبر عمال الخبز من الأسرى على تفريغه من الأكياس في كراتين ثم يطلب منهم الدخول إلى الغرف لمدة ساعتين، وفي هذه الأثناء يكون الخبز في الساحة وتحت أشعة الشمس.. عندما يُسمح للعمال بتوزيع الخبز تكون الطيور أكلت معظمه ويصلنا جافا.
كراتين الخبز حاولنا استغلالها فكنّا نلفها ونضعها تحت رؤوسنا كوسائد لأن إدارة السجن صادرت الوسائد من كافة الأقسام في بداية الحرب، وعندما عثروا على الكراتين صادروها.
ثم قمنا باستغلال أكياس الخبز وربطناها ببعضها واستخدمناها كأحبال لنشر ملابسنا المبللة داخل الغرفة، وعندما لاحظ السجانون ذلك اتخذوا خطوة إفراغ الخبز من الأكياس ثم عدّها للتأكد من أنها كاملة قبل إتلافها.
في أحد الأيام اكتشف السجانون أن كيسين من أكياس الخبز ناقصة فعاقبوا الأسرى العمال بتقييدهم وبطحهم على بطونهم في الساحة حتى يعيد أسرى القسم الكيسين ليضعهما السجانون في الحاوية.
لم تكن الأمراض التي انتشرت بين الأسرى أمرا أقل صعوبة، كيف تعاملت إدارة السجن مع ذلك؟كان سبب انتشار الأمراض عدم خروجنا إلى الساحة وتعرضنا للشمس على مدار 6 أشهر، فبدأت الفطريات تظهر على أجساد بعض الأسرى، وبعضهم عانى من حكّة شديدة، وتبين لاحقا أن العديد من الأسرى مصابون بمرض "سكابيوس" الجلدي.
رفضت الإدارة علاج أي أسير أو حتى إرساله إلى العيادة، وتعاملت مع الموضوع على أنه سلاح تستخدمه ضدنا، فبدأت بنقل أسير مصاب من زنزانته إلى زنزانة أخرى لتنتقل العدوى إلى الآخرين فانتشر المرض بشكل كبير في السجن.
إلى متى ستستمر معاناة الأسرى حسب تقديرك؟
معاناتهم مرهونة بوقف الحرب فإذا توقفت قد تدخل تحسينات بسيطة على حياتهم، لكن هذه التحسينات تتعلق بقوانين السجون فقد يعود الخروج إلى الساحة لمدة ساعة يوميا حسب قانون مصلحة السجون وقد يعاد التلفاز والزيارات بشكل تدريجي لمن يحمل هوية إسرائيلية بالأساس.
هذا ما يُعاد للأسرى عادة بعد كل إضراب واحتجاج مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه هي المرة الأولى التي نتعرض فيها لمثل هذه الظروف.
وكيف يمكن وقف الاستفراد بالأسرى؟في الظروف الحالية صعب جدا لأنه ببداية الحرب تم خلط الأسرى والتنظيمات والمدارس الفكرية، فأصبحت الغرفة تضم أسرى من كافة الأطياف وأصبح هناك تركيبة جديدة في الحركة الأسيرة.
الهدف من هذا الخلط خلق المشاكل وإشعال فتيل الانقسام ومشاكله بين التنظيمات، ويضاف إلى ذلك الاكتظاظ الكبير في الغرف، فالغرفة التي تتسع لـ6 أسرى زُجّ بها 13 أسيرا وأحيانا 15 أسيرا، وهذا يخلق مشاكل على أبسط الأمور بسبب الاكتظاظ الشديد.
منذ بداية الحرب تمثيل الأسرى أمام إدارة السجن ممنوع وكذلك الصلاة الجماعية في الساحة والأذان، والصلاة فرضت على الأسرى صامتة فقط وداخل الغرف.
ما أكثر ما اشتقت له في القدس، وأي الأماكن تريد أن تزور أولا؟كان بودّي التوجه إلى القدس فورا بعد تحرري لزيارة قبر أمي لكنني اعتُقلت لحظة خروجي من سجن نفحة ونُقلت إلى مركز تحقيق المسكوبية، وهناك قررت المخابرات إبعادي عن القدس 5 أيام.
(باكيا) أكثر ما اشتقت له -وكنت أقول ذلك للأسرى دائما- هو باب العامود.. أنا بحاجة للجلوس على مدرجاته وأشرب كأسا من الشاي وأتناول معه كعك القدس.. لكن هذا أيضا حُرمت منه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حريات بدایة الحرب الخط العربی داخل الغرفة داخل السجون إدارة السجن داخل الغرف فی السجون فی الساحة عن الطعام حدثنا عن عندما ی أی أسیر
إقرأ أيضاً:
القدس المنسية: المدينة التي تُسرق في ظل دخان الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة
في الوقت الذي تشتعل فيه المواجهة في القطاع وتحتل صدارة المشهد الإعلامي والدبلوماسي، تنزوي القدس في الظل، كمدينة تُسرق بهدوء وتُغيَّب عن الواجهة تحت غطاء النسيان والانشغال. يعيش الفلسطينيون في القدس واقعا قاسيا لا يقل عنفا، لكنه غالبا ما يُختزل إلى الهامش في السردية الفلسطينية العامة.
تفرض السلطات الإسرائيلية قيودا مشددة على حركة المقدسيين، خاصة خلال شهر رمضان، ما يعيق وصولهم إلى المسجد الأقصى، ويحوّل ممارسة العبادة إلى معاناة يومية تتخللها الإهانات والمنع. فهل تُمارس هذه القيود بدافع أمني حقيقي، أم أن وراءها بُعدا دينيا وسياسيا مقصودا؟ ولماذا تستهدف القدس بشكل متكرر بينما يُسمح للمستوطنين باقتحام ساحاتها بكل حرية؟
ومنذ احتلالها عام 1967، تبنّت إسرائيل نهجا ممنهجا لتغيير الطابع الديمغرافي للقدس الشرقية، من خلال سحب الهويات، وهدم المنازل، وتوسيع المستوطنات على حساب الأحياء الفلسطينية. فهل هي مجرد إجراءات إدارية وأمنية؟ أم أنها جزء من مشروع استراتيجي طويل الأمد لطمس الهوية الفلسطينية في المدينة؟
ما يُنفَّذ اليوم ليس سوى تسريع لهذه السياسات، بقيادة حكومة تُعد من الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وتضم شخصيات يمينية تتبنى خطابا إقصائيا لا يعترف بحقوق الفلسطينيين. وقد ترافق هذا التصعيد مع الحرب الإسرائيلية الشاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ما وفّر بيئة مثالية لتكثيف مشاريع التهويد، في ظل انشغال العالم بساحات الصراع المفتوحة وغياب الاهتمام الدولي بما يجري في المدينة المقدسة
وما يُنفَّذ اليوم ليس سوى تسريع لهذه السياسات، بقيادة حكومة تُعد من الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وتضم شخصيات يمينية تتبنى خطابا إقصائيا لا يعترف بحقوق الفلسطينيين. وقد ترافق هذا التصعيد مع الحرب الإسرائيلية الشاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ما وفّر بيئة مثالية لتكثيف مشاريع التهويد، في ظل انشغال العالم بساحات الصراع المفتوحة وغياب الاهتمام الدولي بما يجري في المدينة المقدسة.
سياسة المنع من الوصول إلى المسجد الأقصى: بين التضييق الديني والتأثير الاقتصادي
إن إحدى أخطر السياسات الإسرائيلية المستمرة في القدس هي إعاقة حرية العبادة للفلسطينيين، لا سيما في المسجد الأقصى، الذي يمثل أمرا عظيما بالنسبة للمسلمين. تُفرض قيود صارمة على دخول المصلين من الضفة الغربية، عبر نظام تصاريح تعجيزي، غالبا ما يُستخدم كأداة للعقاب الجماعي، ويُرفض دون أسباب واضحة، خاصة لفئات الشباب والنساء والنشطاء.
ولا يقتصر المنع على حرمان الفلسطينيين من ممارسة شعائرهم الدينية، بل يتعداه إلى تمييز واضح على أساس العمر والجغرافيا. فكثيرا ما يُمنع الشبان تحت سن الأربعين من دخول المسجد، حتى في المناسبات الدينية الكبرى، فيما يُسمح للمستوطنين اليهود من أقاصي البلاد باقتحام ساحاته، بحماية الشرطة الإسرائيلية.
أما سكان القدس أنفسهم، فلا يسلمون من التضييق اليومي، إذ تُغلق بوابات المسجد الأقصى بشكل مفاجئ، وتُمارس بحقهم إجراءات تفتيش مهينة على المداخل، وتقتحم قوات الاحتلال باحاته بشكل متكرر، مما يحوّل الحرم القدسي إلى ساحة أمنية تُقيّد فيها حرية العبادة وتسلب السكينة من المصلّين. وتصل هذه الانتهاكات إلى حدّ مصادرة وجبات السحور أو الإفطار من المصلّين، كما حصل قبل عدة أيام، حين داهمت القوات باحات المسجد، وصادرت الطعام من المعتكفين، في مشهد يمسّ بكرامتهم ويُنغّص عليهم أجواء الشهر الفضيل.
وإلى جانب الأبعاد الدينية والوطنية، ينعكس هذا الحصار سلبا على الحركة الاقتصادية في القدس. فعدم السماح لسكان الضفة الغربية بدخول المدينة يُعطّل النشاط التجاري والأسواق، ويؤثر بشكل مباشر على دخل مئات العائلات المقدسية التي تعتمد على الزوار والمصلين من خارج المدينة، خاصة خلال شهر رمضان والمواسم الدينية.
الوضع الاقتصادي في القدس
الوضع الاقتصادي في القدس ليس أقل مأساوية من الوضع السياسي، إذ يعيش السكان في حالة حصار اقتصادي دائم، تتجلى في ارتفاع معدلات البطالة وتراجع القدرة الشرائية. ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت نسبة البطالة في القدس الشرقية نحو 5.2 في المئة في عام 2024، مقارنة بـ4.4 في المئة في عام 2021. وقد فاقمت جائحة كورونا، إلى جانب الحرب الشاملة على غزة والضفة الغربية، من حدة الأزمة، إذ أدت إلى فقدان نحو 35 ألف عامل لوظائفهم خلال عام 2024. كما أُغلق ما يقارب 450 محلا تجاريا، ما ساهم في تفاقم التدهور الاقتصادي وضاعف من معاناة السكان.
الاقتصاد في القدس يعتمد بشكل كبير على قطاع الخدمات والسياحة، حيث يشكل أكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف قطاع الخدمات 41 في المئة من العاملين. ومع ذلك، تستمر السلطات الإسرائيلية في عرقلة أي نشاط اقتصادي فلسطيني داخل المدينة، من خلال فرض الضرائب الباهظة وإغلاق المحال التجارية بشكل متكرر.
النقص في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء ليس عرضا طارئا، بل جزء من سياسة ممنهجة لتقليص الوجود الفلسطيني وإضعاف قدرة السكان على البقاء. يعيش في محافظة القدس حوالي 451 ألف نسمة، يشكلون ما نسبته 9.1 في المئة من سكان فلسطين، ويعاني السكان من نقص حاد في الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم والبنية التحتية، مما يؤثر سلبا على جودة حياتهم اليومية. ويحاول الاحتلال، عبر هذه السياسات، أن يجعل من مدينة القدس بيئة طاردة لأهلها وليست جاذبة، في إطار مساعيه المستمرة لتفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين وتغيير طابعها الديمغرافي.
حين تعود إدارة ترامب.. تُفتح شهية التهويد من جديد
ولا يمكن الحديث عن واقع القدس دون الإشارة إلى عودة دونالد ترامب إلى السلطة، وهو الرئيس الأمريكي الذي منح إسرائيل خلال ولايته الأولى دعما غير مشروط، بدءا من اعترافه بالقدس عاصمة لها، وصولا إلى نقل السفارة الأمريكية إليها في خطوة غير مسبوقة. هذه السياسات لم تكن رمزية فحسب، بل أسهمت فعليا في تغيير ميزان القوى على الأرض، وتعزيز قبضة الاحتلال على المدينة.
عودة ترامب اليوم تمثّل رسالة طمأنة للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، لا سيما في حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومما يعزز هذا التوجه أن الفريق المحيط بترامب لا يزال يضم وجوها بارزة من أشد المؤيدين لإسرائيل واليمين الديني القومي.
ويعزز هذا التوجه اليميني المتطرف المحيطون بترامب، الذين ما زال لهم تأثير واضح على ملامح السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. من أبرزهم: مايك بومبيو، وزير الخارجية السابق، المعروف بدعمه المطلق للمستوطنات ورفضه لحل الدولتين؛ وديفيد فريدمان، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، الذي نسّق بشكل مباشر مع قادة المستوطنين وساند ضم الأراضي الفلسطينية. ويبرز أيضا جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأسبق، الذي لطالما دعا إلى الحسم العسكري والتوسع الإسرائيلي، إلى جانب رون ديرمر، أحد أبرز مهندسي العلاقات بين نتنياهو والجمهوريين، والذي سبق أن وصف الضفة الغربية بأنها "أرض متنازع عليها". أما جاريد كوشنر، صهر ترامب ومهندس "صفقة القرن"،عودة ترامب اليوم تمثّل رسالة طمأنة للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، لا سيما في حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومما يعزز هذا التوجه أن الفريق المحيط بترامب لا يزال يضم وجوها بارزة من أشد المؤيدين لإسرائيل واليمين الديني القومي فرغم غيابه عن الفريق الرسمي الحالي، إلا أن رؤيته لا تزال تترك أثرا عميقا في توجهات الحزب الجمهوري تجاه إسرائيل. هذا الطاقم المتماهي مع توجهات اليمين الإسرائيلي لا يبشر إلا بمزيد من الانحياز، ما يعني أن الفلسطينيين في القدس سيواجهون موجة جديدة من التضييق والتطهير الصامت، تحت غطاء أمريكي رسمي.
هشاشة المواقف العربية والإسلامية
وعلى الرغم من الدعم الذي يلقاه الشعب الفلسطيني من قبل الجماهير العربية والإسلامية، إلا أن المواقف الرسمية لبعض الحكومات العربية والإسلامية تظل هشة ولا ترتقي إلى مستوى التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في القدس وغزة. وفي حين تستمر بعض الحكومات في تقديم الدعم السياسي والإنساني، فإن الخطوات الفعلية مثل اتخاذ مواقف قوية ضد السياسات الإسرائيلية أو اتخاذ إجراءات ملموسة مثل سحب السفراء أو إلغاء اتفاقيات التطبيع، ما تزال غائبة.
تساهم هذه الهشاشة الدبلوماسية في إضعاف الضغط الدولي على إسرائيل، مما يقلل من فاعلية التحركات الدولية في محاسبتها على انتهاكاتها المتواصلة. ورغم التحركات الشعبية المستمرة في بعض الدول، والتي تعكس رغبة حقيقية في الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، فإن غياب التنسيق العربي والإسلامي الفعّال يؤثر على مصير القدس، ويترك الفلسطينيين في مواجهة احتلال متزايد. إن الحاجة إلى توحيد المواقف وتعزيز التعاون بين الدول العربية والإسلامية من أجل الضغط الفعّال على المجتمع الدولي تبقى ضرورية لحماية القدس من عملية تهويد شاملة.
القدس لا تنزف فقط من جراح الاحتلال، بل من صمت العالم، وتردد الشقيق، وغياب القرار. تُسرَق المدينة في وضح النهار، لكنها تُهمَّش في ليل الأخبار، وتذوب في زحمة عناوين الحروب. ومن حق القدس علينا أن نعيدها إلى الواجهة، لا كرمز ديني فحسب، بل كقضية سياسية وشعبية حيّة تستحق أن تكون حاضرة في الضمير العربي والدولي.
فلماذا تغيب القدس عن أولويات الإعلام، وتتراجع على أجندة الدبلوماسية؟ ولماذا تُترك وحدها في معركتها الوجودية؟ إن إعادة الاعتبار للقدس، إعلاميا ودبلوماسيا، لم تعد ترفا ولا خيارا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية أمام مشروع الاحتلال الصامت، الذي لا يستهدف الأرض فقط، بل الذاكرة والهوية والإنسان.