عبدالله رزق ابوسيمازه
” مافي كهربا”. وقبل ذلك “ما في غاز”. لذلك تبرز، خلال مثل هذا الاعلان، وتتكثف، من بين عشرات او مئات المشاكل، مشكلة الوقود. قل أزمة الوقود، مع غلاء الفحم والحطب، بعبارة اخري: معاناة نقص الطعام، المجاعة التي تتخلق في صمت،و تهدد ٢٥ مليون سوداني، حسب الأمم المتحدة.
نسيت :”ما في قروش” .
” ما في بنزين “. باب آخر للرزق ، ربما اخير، ينسد في وجه العديد من الأسر. فقد توقفت غالبية الركشات عن العمل، بشكل يكاد يكون نهائيا، ومع تفاقم شح البنزين وارتفاع سعره مؤخرا (مابين ٣٠ الف جنيه الي ٤٠ الف الجالون) ، بات من المعتاد رؤية مشهد إحدى الأسر،
وهي تدفر _تدفع، ذهابا وايابا، ركشة او تكتك يحمل صهريج مياه، لاقرب بيارة للحصول على ماء، مالح او مر غالبا، لكنه مجاني، لان ابار المياه الحلوة بعيدة نسبيا.
لكن الاقدار الرحيمة، ربما لم ترد للوادي الأخضر – الأخضر غير ذي الزرع – ان يبقى فريسة مجاعة مائية، كذلك. فالامطار الغزيرة، التي أصابت المنطقة في الأسابيع الثلاثة الماضية، عملت على تخفيف الضائقة المزمنة، المعاشة في هذا المجال، بتوفير المياه، لعديد الأسر، لمختلف الاستخدامات، بما في ذلك الشرب.
… الأسر التي لا تتوفر على من يدعمها بتحويلات نقدية، من الخارج غالبا، تعيش أصعب فصول حياتها هذه الايام. أصحاب الدكاكين يرفضون، بحزم، أعطاءها ما تحتاجه بالدين. فهي، على الأرجح، ولاسباب معلومة، او يمكن تخمينها، لن تتمكن من تسديد ما عليها من ديون، كثرت او قلت.
الصحفي عبد الوهاب موسى، رئيس تحرير جريدة صوت الأمة، سابقا، توقف عن بيع الخضار، امام دكان ومخبز الساقية، بمدينة الصحفيين، الذي امتهنه في بداية الحرب، قبل أن يعود اليه، ثانية. وبرر ذلك التوقف العارض، بضعف القوة الشرائية للمواطنين وعجزهم عن الوفاء بسداد قيمة السلع التي يحصلون عليها بالدين.. ومع ذلك لم تكف تلك الأسر عن اجتراح ما يشبه المعجزات والحلول العبقرية، للحصول على نقد، حيث لجأت العديد منها الي بيع اثاثاتها، الخشبية خاصة، والرواكيب التي كانت تقيل فيها، الرواكيب التي غني لها ابوعركي! وغني لها مصطفى سيد أحمد!
تخيلوا..!
تبيعها كوقود. لتحصل على ما تشتري به الطعام. وتطعم النار ما تبقى من ترابيز او دواليب او سراير، لطبخ الطعام، فاصوليا كانت أم عدس ام عدسية..
السويق، الذي يقع فيما يتعارف عليه وسط الاهالي ب( آخر محطة)، تضيق ممراتها بحطام الأخشاب التي كانت يوما ما دواليب و ترابيز واسرة.. مكتبات…
(مكتبتي، بعد سلسلة من الحرائق، التي قضت على عفشنا الخشبي، جاء عليها الدور في ضحى يوم ذي مسغبة،ساذكر دائما، ان ذلك كان الحدث الثقافي الأهم في حياتي، واتعزي بان اطعام البدن – على الارجح- مقدم، ضمن ذلك الظرف الاستثنائي ،على اطعام الروح، واظن انه لن يمضي طويل وقت حتى تأتي هذه التقابة الخالدة، على ما ابقت دابة الأرض، من شكسبير وعبدالله الشيخ وكلثوم فضل الله و… و.. منصور خالد!
عابثة، تبدو تلك الاستجابات المرتجلة، في مواجهة بعبع هائل ، مثل : سؤال : “ناكل شنو؟”، الذي يأخذ بخناق الجميع، صباح مساء. .
لا أحد يدري كيف ومتى تنفجر، وتعلن المجاعة عن نفسها، في شكلها الأكثر سفورا والأشد قسوة، كفضيحة.. في البال، دائما ، مإساة المواطن ك. وقد تكالبت عليه، في وحشته القصية، الادواء والعلل، ومكابدات بؤس العيش وتواطؤات التعفف،اذ لم يكن الكشف المتأخر لوفاته، لينسرب، سهوا، دون أن يخلف وجعا اضافيا، كالسؤال عن القاتل الخفي، عن الجوع الكافر حتى العظم…!
قلت للصديق، الدكتور انور شمبال، استاذ الصحافة بجامعة الفاشر، انه عندما تتوقف الحرب، يتعين علينا أن نقيم تمثالا ضخما في المدخل السماوي للسودان، للعدسية، اعترافا بفضلها، واحتفاء بالموقف الرجولي الذي وقفته معنا….(والعدسية أنثى!).. ربما يكون لائقا، أيضا، ان نزين بصفقتها علم البلاد، مثلما تفعل صفقة القيقب بعلم كندا..!
حين عز الفول، حبيب الشعب، حلت العدسية محله، بجدارة وباقتدار، في عدة دكاكين،في نفس القدرة، التي تتوهط فوق الكانون وتعلوها الكمشة، وبنفس السعر، والجعاصة ذاتها. الوسومعبدالله رزق
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: عبدالله رزق
إقرأ أيضاً:
الحرب والغلاء المعيشي يحرمان اليمنيين من فرح العيد (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ من إفتخار عبده
يستقبل اليمنيون عيد الفطر هذا العام في ظل أوضاع معيشية هي الأشد مرارة في حياتهم، وفي ظل ظروف إنسانية متدهورة، تفاقم معاناتهم نيران الحرب وَوَبَلُ الغلاء المعيشي غير المسبوق.
وبينما كانت الأعياد ـ سابقًا ـ تمثل فرصةً كبيرة للفرح والتواصل الاجتماعي وموسمًا للسعادة والسرور، فقد أصبحت اليوم تُذكِّرًا مؤلمًا بما فُقِدَ من استقرار وأمان، وشبحًا يلاحق الضعفاء ويشعرهم بالخوف من اقترابه.
ومع ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، تجد الكثير من الأسر اليمنية نفسها عاجزةً عن تأمين احتياجات العيد الأساسية، كملابس العيد والحلوى؛ مما يَحْرِم الأطفال والكبار على حد سواء مِن بهجة هذه المناسبة.
وما بين الحرب التي يشهدها اليمن داخليا في الصراع بين الأطراف المحلية وبين التدخل الإقليمي بالشأن اليمني وتداعيات ذلك، أصبح الوضع المعيشي والأمني أكثر تعقيدا، وبات اليمنيون لا يشعرون بالفرح ولا ينتظرون قدومه.
بين الخوف والحرمان
بهذا الشأن يقول المواطن محمد صالح(45 عامًا- يسكن في مدينة تعز)” ليس غريبا أن يختفي الفرح بحلول عيد الفطر المبارك هذا العام من وجوه العامة، فالخوف من المسؤولية الملقاة على عواتقنا نحن أرباب الأسر أصبح أكبر من الفرحة باستقبال هذا العيد”.
وأضاف صالح لـ”يمن مونيتور” ضاعت فرحة العيد بين الخوف والحرمان فأرباب الأسر يشعرون بالخوف من عدم قدرتهم شراء حاجيات هذه المناسبة، والأطفال يشعرون بالحرمان نتيجة عدم حصولهم على كل متطلبات العيد، فاليوم السعيد من الناس من يستطيع شراء ملابس العيد من النوعية الرديئة التي تكون أسعارها شبه معقولة”.
وأردف: ” الفرح بالعيد شعيرة دينية ينبغي علينا تطبيقها تعظيمًا لشرائع الله في أرضه لكن هناك ما يحول بيننا وبين تطبيق هذه الشريعة وهو هذا الواقع الأليم، الذي لم يترك أحدًا منا إلا وأنزل عليه أصنافًا من العذاب المرير”.
وتابع: “كل شهر أشتري ملابس لطفل واحد، علما بأن الملابس من النوعية ذات السعر المعقول، فما عدنا ننظر للنوعيات الراقية بقدر ما ننظر إلى النوعيات التي نستطيع شراءها”.
واختتم” الأوضاع كل عام تأتي أقسى من الأوضاع السابقة، كل شيء يعود للوراء وبهجة العيد يخفت بريقها تدريجيا حتى كادت أن تختفي تمامًا، والمؤسف أنه لا يوجد أي تدخل لحل هذا الوضع المعقد الذي نعيشه، بل بالعكس كل التدخلات تزيدنا وجعًا وحرمانًا لا أكثر من ذلك”.
العيد ضيف ثقيل
في السياق ذاته يقول الصحفي المهتم بالشأن الاجتماعي، عميد المهيوبي” بعد عشر سنوات من الحرب والحصار وجد اليمنيون أنفسهم وسط غلاء فاحش في الأسعار وانعدام في القدرة الشرائية ما جعل العيد ضيفاً ثقيلاً وعبئًا إضافيًا على كاهل الأسر اليمنية فاليوم غالبية الشعب اليمني غير قادرين على توفير احتياجات العيد ولو بشكل نسبي الأمر الذي يجعل فرحة العيد بعيدة عن الكثير من اليمنيين”.
وأضاف المهيوبي لـ”يمن مونيتور”، الحرب التي أرهقت البلاد لسنوات طويلة لم تترك مجالًا للفرح، بل زادت من معاناة المواطنين، وحرمتهم من أبسط حقوقهم في العيش الكريم، فالأطفال الذين كانوا ينتظرون العيد بلهفة، أصبحوا اليوم ضحايا لهذه الظروف، محرومين من الملابس الجديدة والألعاب التي كانت تملأ قلوبهم بالسعادة”.
وأشار إلى أن” هذه الظروف القاسية جعلت العديد من الأسر اليمنية تلجأ إلى إعادة استخدام الملابس القديمة في محاولة لإضفاء بصيص من الفرح على هذه المناسبة أو شراء الملابس المستعملة حتى تُشعر أطفالها أنها أتت لهم بشيء جديد غير المترهل الذي يمتلكونه”.
وشدد المهيوبي قائلا” هذا الواقع يفرض ضرورة التدخل العاجل من الجهات المحلية والدولية لتقديم الدعم الإنساني والاقتصادي، ومساعدة اليمنيين على تجاوز هذه المرحلة القاسية، حتى تعود الفرحة الحقيقية للعيد في قلوب ووجوه اليمنيين وتستعيد مكانتها في حياتهم”.
واختتم” نناشد الحكومة والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع اليمني بتقديم يد العون للشعب اليمني ومساعدته في زرع الفرحة على وجوه الجميع، كما هي رسالة للتجار بأن يراعوا الظروف المعيشية للشعب وألا يستغلوا هذه المناسبة ويجعلونها موسماً للدخل والتحصيل”.
أوضاعٌ معيشية معقدة
بدوره يقول المواطن، فارس عبدالله ( 39 عاما) إن:” الأوضاع ازدادت تعقيدا هذا العام، خاصة مع شحة فرص العمل، وغياب المساعدات، واستمرار الضربات الأمريكية، وارتفاع رسوم الجمارك، ما أدى إلى عدم استطاعة الكثير من الأسر شراء كسوة العيد وجعالته لأطفالها”.
وأضاف عبد الله لـ”يمن مونيتور”: “لدي ستة أطفال، وأعمل فقط بالأجر اليومي، بمردود سبعة آلاف ريال بالعملة القديمة (الدولار =553)، ومع شحة الأعمال وندرة الحصول على فرص عمل أصبحتُ أهتم فقط بتوفير مقومات الحياة لأسرتي ولا أهتم كثيرا بالكماليات، وهذا العام أصبحت كسوة العيد من ضمن الكماليات التي لم نستطع الحصول عليها”.
وتابع: “غلاء فاحش ـ هذا العام- في أسعار ملابس العيد فبدلة الطفل ذي الست سنوات بعشرة آلف ريال بالعملة القديمة” ما يعادل 42 ألف ريال بالعملة الجديدة، وأسعار فساتين الأطفال ما بين 11ألف إلى 15ألف قديم، وهذا أمر صعب الحصول عليه لدى الكثير من الآباء “.
وأردف” أسرتي محرومة هذا العام من كسوة العيد بسبب شحة فرص الأعمال، وغياب المبادرات الخيرية التي تصرف كسوة العيد للأسر الفقيرة بسبب تدهور الأوضاع”.
وأشار إلى أن” الكثير من الأسر لن تستطيع الحصول على كسوة العيد لأطفالها هذا العام بسبب الغلاء الفاحش في أسعارها وغياب فرص العمل، وتقلص المبادرات الخيرية”.