دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يُعد هذا الجسر، الذي يعلو المناظر الطبيعية الخلابة، من أجمل الجسور في العالم بلا منازع.

غالبًا ما يكتنفه الضباب، بحيث يبدو وكأنه عابر للسحب، وهو مشهور جدًا لدرجة أنه يتمتع بمركز زوار خاص به، ويخطط الأشخاص للقيام برحلات إلى المنطقة فقط لعبوره بالسيارة، كما يمكن رؤيته بسهولة من الفضاء.

هذا هو جسر "ميّو" (Millau Viaduct)، وهو نموذج مثالي تلتقي فيه الهندسة بالفن.

ويقع الهيكل على ارتفاع عالٍ فوق مضيق "تارن" جنوب فرنسا، ويبلغ طوله 2،460 مترًا، وهو الجسر الأكثر ارتفاعًا في العالم، إذ يبلغ ارتفاعه الهيكلي 336.4 مترًا.

وعلى عكس الجسور الشهيرة الأخرى، التي عادةً ما تربط بين نقطتين ذات ارتفاع مماثل، يشكل الجسر مسارًا مسطحًا عبر الوادي المموج.

ووصف مدير التصميم والهندسة في شركة "Cake Industries"، والمستشار المتخصص لمعهد المهندسين المدنيين، ديفيد نايت، الجسر بكونه من "عجائب العالم الحديث"، وبمثابة "أعجوبة هندسية".

وقال نايت: "هذا التناغم المثالي بين العمارة والهندسة يعني أن كل من يراه يعتقد أنه مدهش".

لذا، كيف تم بناء هذه الأعجوبة في وسط فرنسا؟ ولماذا استغرق التخطيط لبناء الجسر عقدين من الزمن، قبل استقباله لحركة المرور في ديسمبر/كانون الأول من عام 2004؟ وكيف ساهم في تغيير خريطة أوروبا؟

ثلاث سنوات لإيجاد حل يُعد جسر "ميّو" (Millau Viaduct)، الواقع في فرنسا، من أجمل جسور العالم بلا منازع.Credit: Sergi Reboredo/Sipa USA

تكمن أجوبة جميع هذه الأسئلة في جغرافيا المكان. 

و"ماسيف سنترال"، أي "جبال الكتلة المركزية"، عبارة عن منطقة شاسعة من المرتفعات تقطعها الوديان العميقة، وتقع تقريبًا في الجزء الأوسط من النصف السفلي لفرنسا. 

وتغطي المنطقة 15% من مساحة البلاد، وتحدّها جبال الألب من الشرق، وهي من العوائق التي يجب المرور عبرها لأي شخص يسافر من شمال البلاد إلى جنوبها، أو من شمال أوروبا إلى إسبانيا.

هذا هو الجسر الأكثر ارتفاعًا في العالم.Credit: Eric Cabanis/AFP/Getty Images

وكان هذا الجسر مهمًا للغاية، ولكن كانت عملية بنائه صعبة للغاية أيضًا، إذ استغرق التخطيط له عقدين من الزمن، وفقًا لما ذكره ميشيل فيرلوجو، وهو المهندس الذي قاد فريق التصميم، والذي بدأ العمل عليه لأول مرة في عام 1987.

وتم اتخاذ قرار بناء جسر حول ميّو في سبتمبر/أيلول من عام 1986، كما قال فيرلوجو، الذي كان رئيسًا لقسم الجسور الكبرى في الإدارة الفرنسية آنذاك. 

وكانت هناك مشكلة واحدة فقط، ومفادها أن الطبيعة الجغرافية للمنطقة تعني عدم وجود حل واضح، حيث اشتغرق الأمر ثلاث سنوات تقريبًا لإيجاد حل، وفقًا لما ذكره فيرلوجو.

وتمثلت الفكرة الأولى للفريق في التوجه إلى غرب ميّو لجعل الطريق أقل ارتفاعًا عند النزول إلى الوادي، وجعله يعبر جسرًا يتواجد عند مستوى أدنى، ومن ثم الصعود به مرة أخرى إلى الهضبة، ومن ثم إلى نفق.

وكان أفراد الفريق في مرحلة التخطيط عندما حظي مهندس الطرق التابع للفريق، جاك سوبيران، بلحظة إدراك.

واستذكر فيرلوجو الموقف قائلاً: "لقد سألني: لماذا تود التوجه نحو الوادي؟".

وشكل ذلك "صدمة كبيرة" على حد تعبير فيرلوجو، إذ أفاد: "قلتُ أنّنا كنا أغبياء. وبدأنا العمل على فكرة العبور من هضبة إلى هضبة".

وبعد ثمانية أيام فقط، كانت لديهم رسومات تفصيلية لمستويات الأرض المتموجة، بالإضافة إلى الارتفاع المحتمل للطريق السريع الذي سيمر عبرها.

أهمية الأناقة شعر المحليون بالقلق من أن الجسر قد يفسد جمال المنطقة، ولكنه في الواقع أبرز طبيعتها.Credit: Eric Cabanis/AFP/Getty Images

عَلِم فيرلوجو على الفور أن الخيار الأفضل سيكون جسرًا معلقًا بالأسلاك.

وكانت النحافة مهمة، إذ كان هناك جدل بالفعل حول فكرة عبور جسر لمناظر طبيعية شهيرة كهذه. 

ولتجنب التأثير على المناظر الطبيعية، كان على الجسر أن "يبدو هادئًا للغاية"، بحسب ما ذكره فيرلوجو، الذي أكّد أنه كان عليه أن يكون"نقيًا وبسيطًا".

ومع ذلك، كان من الصعب للغاية التعامل مع هذا المشهد الطبيعي، الذي كان لا بد من حمايته من الناحية الجمالية.

بدأ البناء في 2001، واستغرقت العملية ثلاث سنوات.Credit: Nigel Young/Foster + Partners

وكانت قوة الرياح عند هذا المستوى ضخمة، ووجب على الأعمدة التعامل مع التوسع والانكماش الهائلين لسطح الجسر.

وفوق الطريق، "تنقسم" الأعمدة القوية إلى ذراعين أكثر مرونة نتيجة الضرورة الهندسية.

وينطبق الأمر ذاته على منحنى الطريق، الذي يتقوس برفق عبر الوادي.

وفي الوقت ذاته، تصبح الأرصفة أكثر نحافة مع ارتفاعها نحو الطريق، وينخفض ​​عرضها إلى النصف تقريبًا من 24 مترًا في الأسفل إلى 11 مترًا في الأعلى.

مرحلة البناء المثيرة للقلق يزور آلاف الأشخاص المنطقة سنويًا لرؤية الجسر.Credit: David Bagnall/Shutterstock

بدأت عملية بناء الجسر في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001، وكلّف المشروع 400 مليون يورو (437 مليون دولار)، وتم تمويله من قبل شركة "Eiffage"، وهي شركة إنشاءات خاصة لا تزال تملك امتياز الجسر حتى اليوم.

واستُخدِم 290 ألف طن من الفولاذ والخرسانة في بنائه، وعمل فيه حوالي 600 عامل.

وأكّد نايت: "يكمن التحدي الكبير فيما يحدث عندما تقوم ببنائه"، وأضاف: "عندما تضع ثقلاً في مواقع مختلفة، فإنه يتحرك في اتجاهات مختلفة. هناك مواد مختلفة تتفاعل مع بعضها البعض".

وجاء الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، لافتتاح الجسر ومصافحة عمال البناء. وبعد يومين، عبره فيرلوجو بالسيارة في طريق عودته إلى باريس.

مدّ الجسور بين الأشخاص يمكن للزوار الاستمتاع برحلات على متن القوارب فوق نهر "تارن"، والإبحار أسفل الجسر.Credit: ncphoto/imageBROKER/Shutterstock

رغم أن الجسر أثار الجدل عند اقتراحه لأول مرة، إلا أن المشاعر السلبية تلاشت بمجرد أن أصبح شكل المشروع أكثر وضوحًا.

وقالت عمدة ميّو الحالية، إيمانويل جازيل: "اعتقد الأشخاص أن إنشاء طريق بديل سيعني أن السياح سيتمكنون من تجنب ميّو، وأن البلدة ستصبح فارغة".

ومن ثم أضافت: "اعتقد البعض أنه سيفسد المناظر الطبيعية لدينا، لكنه في الواقع أدى إلى إبرازها". 

وجذب الجسر الزوار، ففي العام الأول وحده، شهد المعلم توقف 10 آلاف سيارة بمنطقة الخدمات في نهاية كل أسبوع للاستمتاع بالمنظر.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: أوروبا تصاميم عمارة هندسة فی العالم ارتفاع ا

إقرأ أيضاً:

سافر عبر الزمن وتجوّل بين معالم القاهرة القبطية الساحرة في مصر

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- "العديد من المصورين لا يدركون الكنز الذي تحتضنه القاهرة القبطية بين أزقّتها وشوارعها"، هذا ما قاله المصور الفوتوغرافي، إيفان سيبورن، وهو يقيم حاليًا بالولايات المتحدة، في مقابلة مع موقع CNN بالعربية.

صورة ممر ضيّق بجوار كنيسة القدّيس جورج في القاهرة القبطية.Credit: Ivan Sebborn

تشتهر القاهرة القبطية، وهي جزء من القاهرة القديمة، بكنائسها وعمارتها القبطية ومواقعها الدينية العديدة والمهمة في تاريخ مصر.

وكان سيبورن محظوظًا برصدها بعدسة كاميرته، أثناء زيارته التي استمرّت عدّة أشهر في مصر.

وتتواجد المنطقة، وهي مُخصّصة للمشاة فقط، داخل مُجمّع مغلق، حيث يمكن الوصول إلى الكنائس والقلاع عبر الأزقّة الضيّقة المرّصوفة بالحصى، والتي تُشعر المرء وكأنه "سافر عبر الزمن".

ما أبرز معالمها؟

حصن بابليون

أوضحت الهيئة العامة للاستعلامات في مصر أن الحصن يمتاز بموقع استراتيجي مهم ومميز، حيث يقع بمدينة القاهرة القديمة في حي الفسطاط، بجانب المتحف القبطي.

واختير المكان نظراً لمناعته الحربية وسيطرته على طريق الصحراء من جهة الشرق، كما أنه قريبٌ من النيل، ويُسيطر على طريقه المؤدي إلى الوجه القبلي والوجه البحري، واعتُبر درعاً للحماية ضد أي احتجاجٍ أو ثورة.

وتقول بعض الروايات إن اسم الحصن مستوحى من العاصمة البابلية. وتعود قصة العاصمة إلى الوقت الذي هزم فيه الفرعون سنوسرت البابليين، ليأتي بالسجناء إلى مصر حتى يستعبدوهم، ولكنهم تمردوا وبنوا حصناً للدفاع عن أنفسهم. ومنذ ذلك الوقت، سُميّ ببابل. 

صورة تعكس مدخلًا مزخرفًا في الكنيسة المعلقة.Credit: Ivan Sebborn

الكنيسة المُعلّقة

تُعدّ أحد أشهر وأقدم الآثار القبطية في مصر، وفقًا للموقع الإلكتروني لـ "الهيئة العامة للاستعلامات في مصر".

وتمتاز بالطراز المعماري النادر الذي يجعلها واحدة من أجمل الكنائس في الشرق الأوسط، كما تمثل أول مقر للبطاركة في القاهرة.

ويعود سبب تسميتها بـ"الكنيسة المُعلّقة" إلى تشييدها على برجين من الأبراج القديمة للحصن الروماني المعروف "بحصن بابليون".

الكنيسة المعلقة في القاهرة القبطية.Credit: Ivan Sebborn

المتحف القبطي

أوضحت وزارة السياحة والآثار المصرية أن المتحف القبطي يُعتبر أكبر متحف للآثار القبطية بالعالم، حيث يعرض مجموعات متنوعة ونادرة من الفن القبطي ومدى تأثره بفنون الثقافات الأخرى.

ويتألف المتحف من جناحين يضمّان أكبر مجموعة في العالم من المقتنيات الأثرية، التي تعكس تاريخ المسيحية في مصر منذ بداياتها الأولى، وتشمل مجموعة من المخطوطات المزخرفة، والأيقونات، والمنحوتات الخشبية، والجداريات المزخرفة بالمناظر الدينية المأخوذة من الأديرة والكنائس القديمة. 

كنيسة القديسين سرجيوس وباخوس في القاهرة القبطية.Credit: Ivan Sebborn

كنيسة أبي سرجة

بنيت كنيسة القديسين سرجيوس وباخوس، والمعروفة باسم كنيسة "أبي سرجة"، فوق أطلال قلعة رومانية قديمة. 

ويُعدّ تاريخ بناء الكنيسة موضع شك، حيث يعتقد بعض العلماء بأنها تعود لأواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس بعد الميلاد، بينما يرى البعض الآخر أنها تعود للقرن السابع عشر الميلادي.

ومثل بقية الكنائس المبكرة، صُممت الكنيسة ومغارتها الواقعة تحت الأرض على النمط البازيلكي.

صورة المكتبة المفتوحة بالقرب من الكنيسة المعلقة.Credit: Ivan Sebborn

وتطول قائمة المعالم التي رصدها سيبورن في القاهرة القبطية، لتشمل أيضًا ما يلي:

كنيسة السيدة العذراء في بابليون الدرجكنيسة العذراء المغيثة بحارة الرومكنيسة أبو سيفينكنيسة القدّيسة بربارةكنيسة القدّيس جورج

صورة تعكس الأزقة الضيقة في القاهرة القبطية.Credit: Ivan Sebborn

وحازت أعمال سيبورن، وهو صاحب شركة "igsphotography LLC" الفوتوغرافية، على إعجاب العديد من متابعيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما تفاجأ كثيرون بجودة الصور العالية.

ورغم محاولته تغطية المنطقة بأكملها، إلّا أن سيبورن لم يكتشف سوى القليل منها فقط.

لذلك، يأمل بالعودة إلى مصر في المستقبل، من أجل استكشاف هذا "البلد الساحر"، مقتبسًا مقولة: "من يشرب من مياه النيل يعود إليه مرة أخرى".

مصرالقاهرةصورنشر الأربعاء، 11 سبتمبر / ايلول 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • تركي آل الشيخ يتصدر قائمة الشخصيات الأكثر تأثيراً على مستوى العالم
  • بلقطات خالدة.. مصور يوثق السحر القديم لمنطقة ديرة في بدبي
  • حل لغز أقدم خريطة معروفة للعالم القديم
  • ديباي يتوقع هجرة نجوم أوروبا إلى البرازيل
  • رونالدو ومبابي فجّرا الجدل.. أيهما أقوى أمم أوروبا أم المونديال؟
  • أهم مباريات الأسبوع المقبل والقنوات الناقلة
  • جدول مباريات اليوم الخميس 12/09/2024 والقنوات الناقلة
  • عاجل | 20 مليار جنيه أرباح.. تعرف على الأسهم الأكثر ارتفاعًا وانخفاضًا في البورصة المصرية
  • نجم برشلونة «المراهق» الأكثر خبرة في العالم
  • سافر عبر الزمن وتجوّل بين معالم القاهرة القبطية الساحرة في مصر