فايننشال تايمز: قصة القناة الخلفية السرية بين الولايات المتحدة والصين
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
قالت صحيفة "فايننشال تايمز" إن كبار المسؤولين الصينيين والأميركيين التقوا بهدوء لتثبيت العلاقات بين بلديهما في قمم سرية في أنحاء مختلفة من العالم، بعد حادثة تحليق المنطاد الصيني فوق الولايات المتحدة، التي أدت وقتئذ إلى تدنّي العلاقات بين البلدين إلى أضعف مستوى لها منذ تأسيسها عام 1979.
وبعد 3 أشهر من الحادثة شرع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في مهمته السرية الخاصة، وسافر إلى فيينا في مايو/أيار 2023 لحضور اجتماع بالغ الأهمية، مع وانغ يي، الدبلوماسي الصيني المخضرم الذي أصبح أكبر مسؤول عن السياسة الخارجية لبلاده، وسيصل إلى بكين غدا في أول زيارة له للصين بصفته مستشارا للأمن القومي الأميركي.
بعد المصافحات والتقاط صورة جماعية، بدأ الفريقان سلسلة من المحادثات امتدت أكثر من 8 ساعات على مدى يومين، فكان ذلك إيذانا ببدء لقاءات سرية عديدة في أماكن مختلفة، شملت مالطا وتايلند، وأصبح يطلق عليها الآن "القناة الإستراتيجية".
تمتص الصدماتلعبت هذه القناة -حسب الصحيفة- دورا حيويا في إدارة العلاقات بين القوى العظمى المتنافسة خلال فترة محفوفة بالتوترات، وأصبحت القناة بمنزلة الماصّ للصدمات، ويقول المسؤولون إنها ساعدت في الحد من خطر سوء التقدير من قبل الدولتين.
ومع أن القناة الخلفية لم تحل القضايا الأساسية بين القوى العظمى المتنافسة، فإنها ساعدت كلا منهما في فهم الآخر كما تقول روري دانييلز، من معهد سياسة جمعية آسيا، مضيفة "لقد كانت ناجحة جدا في تحقيق الاستقرار على المدى القصير، وتوصيل الخطوط الحمراء ومعاينة الإجراءات التي قد يُنظر إليها على أنها ضارة بالجانب الآخر".
وأوضحت الصحيفة، بناء على مقابلات مع مسؤولين أميركيين وصينيين، أن حادثة البالون لم تكن إلا واحدة من العديد من الأحداث التي دفعت العلاقات بين واشنطن وبكين إلى الانهيار، إذ كانت الصين غاضبة من ضوابط التصدير الأميركية على أشباه الموصلات، في حين كانت واشنطن غاضبة من دعم الصين لحرب روسيا في أوكرانيا.
ومن وراء كل ذلك تايوان؛ الموضوع الأكثر حساسية في العلاقات الأميركية الصينية، إذ زادت الصين من نشاطها العسكري حول الجزيرة، وفي الوقت نفسه غضبت بكين من الجهود الأميركية لتسليح تايوان وتدريب جيشها.
زيارة بيلوسي وحادثة البالون
واندلع التوتر في أغسطس/آب 2022 إذ زارت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي تايوان، وردت الصين بتدريبات عسكرية ضخمة وأطلقت صواريخ باليستية فوق الجزيرة لأول مرة، وقد كان سوليفان على دراية بهذه الأحداث أثناء استعداده للاجتماع.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين للصحيفة إن ما كان يدور في ذهن جيك سوليفان هو "أننا يجب أن نأخذ كل ما حدث من قبل في الاعتبار ونحدد مسارا يقودنا إلى مسار مستقر، دون أن نتراجع قيد أنملة عن الأشياء التي نرى أنها في مصلحتنا".
حافظ الجانبان على سرية الاجتماع بالبقاء في الفندق، أثناء مهمة محاولة تثبيت استقرار أهم علاقة ثنائية في العالم، بعد أن كان الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ قد اتفقا قبل 6 أشهر في قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا، على إنشاء قناة إستراتيجية من أجل وضع "أرضية" لمنع تدهور أكثر في العلاقات بينهما.
ومع أن فيينا كانت فرصة لمحاولة إعادة تشغيل العلاقات بعد حادثة البالون، فإن الأميركيين لم يكونوا متأكدين من موافقة الصين، بسبب تبادل غاضب حول أوكرانيا بين وانغ يي ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في ميونخ قبل أشهر.
قضايا إستراتيجيةودخل كل جانب الاجتماعات بقائمة مخصصة من القضايا الإستراتيجية التي يريد مناقشتها بالتفصيل، إذ يقول أحد المسؤولين الصينيين إن وانغ استخدم اللقاءات في فيينا ومالطا وبانكوك لتأكيد 3 مواضيع، وهي كون تايوان "خطا أحمر" وأن استقلال تايوان هو الخطر الأكبر على السلام، وأن وقوف الولايات المتحدة مع تايوان يعدّ تدخلا في شؤون الصين الداخلية.
وقال المسؤول الصيني إن القناة الإستراتيجية سمحت لوانغ وسوليفان بمناقشة تايوان بطريقة "صريحة للغاية"، وقد أكد سوليفان أن واشنطن لم تكن تحاول إشعال حرب، وأن الصين تستجيب لإغراء المؤامرة بشأن نوايا الولايات المتحدة، وقال "نحن لا نحاول جرّ الصين إلى صراع حول تايوان".
وذكّرت الصحيفة باللحظات التي أدت إلى تدهور العلاقات بين البلدين مثل تبادل التوبيخ عام 2021 في اجتماع بين البلدين، وزيارة بيلوسي لتايوان عام 2022، ثم حادثة البالون الصيني الذي أسقطه الجيش الأميركي عام 2023.
وقد تلا هذه الأحداث اجتماع سوليفان ووانغ في فيينا الأول والثاني، قبل أن يزور وانغ واشنطن ليمهد الطريق للقاء رئيسي الولايات المتحدة والصين، إذ التقى بايدن وشي في سان فرانسيسكو لعقد قمة يتفق الجانبان على أنها تمثل خطوة نحو تخفيف التوتر بين بلديهما.
ورفض وانغ تأطير الولايات المتحدة للعلاقة باعتبارها "منافسة"، وأكد أن الصين تعارض ضوابط التصدير الأميركية، ولكن سوليفان أفهم وانغ أن الدولتين كانتا في منافسة ولكن لا ينبغي أن يمنع ذلك التعاون بينهما.
وكانت اللقاءات -حسب الصحيفة- نوعا من الإعداد لما ينبغي أن يناقشه الجانبان، كالصفقات المحتملة لقمة سان فرانسيسكو، والتسوية التي تتضمن رفع الولايات المتحدة للعقوبات عن معهد الطب الشرعي التابع للحكومة الصينية مقابل اتخاذ الصين إجراءات صارمة ضد تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في صنع الفنتانيل، إضافة إلى إحياء قنوات الاتصال بين الجيشين التي أغلقتها الصين بعد زيارة بيلوسي لتايوان، ثم إنشاء حوار حول الذكاء الاصطناعي.
وفي النهاية، سارت الفعالية دون أي عقبات، وعقد بايدن وشي 4 ساعات من المحادثات، وبدا أن كلا الجانبين خرج راضيا، إذ قال مسؤول أميركي "لقد غادرنا القمة بـ3 نتائج قوية جدا رغم الربيع الصعب".
دور فعالوبعد شهرين من سان فرانسيسكو، التقى وانغ وسوليفان مرة أخرى في بانكوك حيث ركز وانغ -حسب مسؤول أميركي- على قضيتين: تقاطع الاقتصاد والتكنولوجيا والأمن، ثم تايوان، وكان وانغ مصمما على أن واشنطن تحاول احتواء صعود الصين الاقتصادي من خلال إستراتيجية مراقبة الصادرات.
وفي بانكوك، أثار سوليفان مرة أخرى قضية الدعم الصيني لروسيا، ويقول مسؤول أميركي إن الصين اتخذت بعض التدابير البسيطة لمعالجة المخاوف الأميركية، لكن "الاتجاه العام ليس رائعا".
وتقول دانييلز إن هذه القناة الدبلوماسية لا يمكنها أن تفعل كثيرا لحل الخلافات الكبيرة التي لا تزال قائمة بين الولايات المتحدة والصين، إذ "لم تنجح بعد في بناء الدعم في أي من البلدين لمتابعة علاقة أقل مواجهة بشكل أساسي".
ومع ذلك، وعلى الرغم من العديد من الاختلافات، يقول الجانبان إن القناة قيمة، وقال مسؤول صيني إنها آلية "مهمة للغاية" لعبت دورا بنّاء ومكّنت من إجراء مناقشات مهمة حول تايوان، وقد ساعدت في خفض درجة الحرارة في تايوان بعد أن كانت الولايات المتحدة والصين على مسار نحو صراع محتمل.
وقال سوليفان للصحيفة إنه لم يكن لديه أي أوهام بأن القناة ستقنع الصين بتغيير سياساتها، لكنه أكد أنها لعبت دورا فعالا في المساعدة في تحويل الديناميكية في العلاقات الأميركية الصينية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات الولایات المتحدة والصین العلاقات بین
إقرأ أيضاً:
بين التصريحات المتناقضة والمفاوضات السرية.. هل تتجه إيران نحو صفقة جديدة مع واشنطن عبر وساطة عمانية؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ألمح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، اليوم الخميس، إلى استعداد طهران للانخراط في مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة من خلال الوساطة العمانية، وذلك بعد يوم واحد من تصريح المرشد الأعلى علي خامنئي برفضه لأي محادثات مع واشنطن، واعتبارها محاولة لخداع الرأي العام.
وفي مقابلة مع صحيفة "إيران"، قال عراقجي ردًا على سؤال حول إمكانية استخدام قنوات غير مباشرة: "نعم، هذا ليس نهجًا غريبًا، وقد حدث مرارًا في التاريخ... المفاوضات غير المباشرة ممكنة. ما يهم هو وجود الإرادة للتفاوض والتوصل إلى اتفاق عادل ومنصف في ظروف متكافئة، أما الشكل فلا يهم".
تأتي هذه التصريحات بالتزامن مع زيارة أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، الذي سلم رسالة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطات الإيرانية يوم الأربعاء.
وفي نفس اليوم، قال خامنئي في خطاب علني أمام طلاب مؤيدين له: "ادعاء الرئيس الأمريكي بأنه مستعد للتفاوض مع إيران هو محاولة لخداع الرأي العام العالمي"، وسط هتافات المعتادين بـ"الموت لأمريكا!".
الحديث عن وساطة عمانية بين طهران وواشنطن يتزامن مع تقارير سابقة عن زيارة وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي إلى طهران في ديسمبر، حيث يُقال إنه نقل رسالة من سلطان عمان إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
وأكد عراقجي أن دولًا أخرى متورطة أيضًا في المحادثات غير المباشرة، مشيرًا إلى أن هناك مشاورات وثيقة تجري مع كل من روسيا والصين، وأن قناة الاتصال مع الدول الأوروبية الثلاث لا تزال مفتوحة.
وأضاف أن الولايات المتحدة يجب أن ترفع العقوبات في نهاية المطاف، وأن إيران ستشارك في مفاوضات مباشرة فقط إذا كانت خالية من الضغوط والتهديدات، مع ضمانات بحماية مصالحها الوطنية.
وأشار عراقجي إلى أن حملة "الضغط الأقصى" التي أعاد ترامب إطلاقها في فبراير تهدف إلى خفض صادرات إيران النفطية إلى الصفر، وذلك ضمن نهجه المتشدد الذي أعاد فرض العقوبات منذ انسحابه من الاتفاق النووي في 2018.
وعن جهود إيران لتسوية القضايا النووية العالقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قال عراقجي: "نحن نتعاون مع [المدير العام للوكالة الدولية] رافائيل غروسي، وهناك فكرة جديدة تم طرحها لحل القضايا، ونحن نقوم بدراستها حاليًا".
وفي نفس السياق، كشف غروسي في وقت سابق من هذا الشهر عن زيادة كبيرة في مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60%، ليصل إلى 275 كيلوغرامًا مقارنة بـ 182 كيلوغرامًا في الربع السابق، مشيرًا إلى أن إيران هي الدولة الوحيدة غير النووية التي تخصب اليورانيوم بهذه المستويات.
ومنذ عام 2021، حين بدأت إيران تخصيب اليورانيوم بنسب أعلى، قيدت بشكل كبير قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مراقبة أنشطتها النووية، بما في ذلك منع ثلث المفتشين منذ عام 2023.
يوم الأربعاء، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا في ظل تصاعد الضغوط على إيران بشأن برنامجها النووي. ودعت الولايات المتحدة المجلس إلى اتخاذ إجراءات حاسمة، متهمةً إيران بانتهاك قرارات الوكالة الدولية وعدم الامتثال لمتطلباتها.
ويأتي هذا الاجتماع بناءً على طلب من ستة أعضاء في مجلس الأمن هم: فرنسا، اليونان، بنما، كوريا الجنوبية، بريطانيا، والولايات المتحدة.
ويتزامن التصعيد الدولي مع اقتراب موعد 18 أكتوبر، وهو التاريخ الذي سيُفقد فيه بريطانيا وفرنسا وألمانيا القدرة على تفعيل إعادة فرض العقوبات الدولية بشكل أحادي إذا لم تتراجع إيران عن أنشطتها النووية.
وأكدت هذه الدول بالفعل استعدادها لاستخدام آلية "سناب باك" (Snapback) لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية.