عن رابعة وأخواتها.. وشهادة مراد علي!
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
هل يجوز لنا أن نتجاوز "شهادة" الدكتور مراد علي، المتحدث الإعلامي السابق لحزب "الحرية والعدالة"، حيث بدت كافة الأطراف كما لو كانت توافقت -دون اتفاق- على تجاوزها؟!
أما أنه المتحدث الإعلامي (السابق)، فليس لأن أحدا يشغل موقعه الآن، وليس لأننا نعترف بقرار السلطة بحل الحزب، وإن جاء الحل بحكم قضائي، ولكن لأن حركة الأحداث تجاوزت الحزب، والجماعة نسيت أن لديها حزبا، ليكون في حكم حزب مصر العربي الاشتراكي!
غني عن البيان أن السادات عندما قرر التعددية الحزبية، انفجرت من الاتحاد المذكور ثلاثة منابر، تحولت بعد ذلك إلى ثلاثة أحزاب، كان من نصيب السلطة حزب مصر (منبر الوسط سابقا)، برئاسة رئيس الحكومة ممدوح سالم، لكن السادات أسس حزبا جديدا للسلطة برئاسته هو الحزب الوطني، فإذا بمن في حزب مصر ينتقلون إلى الحزب الجديد بسرعة البرق، وقد وصفهم مصطفى أمين بـ"المهرولين"!
عمليا لم يعد هناك حزب اسمه حزب مصر العربي الاشتراكي، ولهذا القفز السريع والجماعي منه نسى القائمون عليه حله، فظل قائما على الورق، بما مكن أحد أعضائه من الحصول على حكم قضائي يفيد بأن الحزب على قيد الحياة، وإن دخل قبل الحكم في صفقة مع النظام، بألا يطالب بالمقار التي وضع الحزب الوطني يده عليها!
والذي لا ينتبه له الدارسون للحركة الحزبية المصرية، أن ممتلكات الاتحاد الاشتراكي وُزعت على الأحزاب الثلاثة التي خرجت من رحمه، ووزعت المقار في المحافظات المختلفة عليها، وقد وضع الحزب الوطني يده على حصة حزب مصر، فقد كان الطلب من المحكمة بعد ثورة يناير 2011 أن تؤول ممتلكاته ومنها مقراته إلى الدولة، والصحيح قانونا أن تؤول لحزب مصر الاشتراكي، والذي عاد مرة أخرى بوفاة رئيسه إلى الغياب واقعيا، والتنازع على رئاسته! وإن كان الصحيح دستورا أن تنزع هذه المقار من الأحزاب الثلاثة لصالح الدولة، لأن استمرار توزيعها يمثل إخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص، عندما يكون ثلاثة من الأحزاب تستحوذ على هذه القصور والمقار، بينما الأحزاب التالية لها لا تتمتع بهذا الامتياز!
وأد حزب الحرية والعدالة:
وليس هذا موضوعنا، فقد انتهى حزب الحرية والعدالة واقعيا، كما حزب مصر بتأسيس الحزب الوطني، وفي الحالتين فإن الوأد كان بقرار القائمين عليهما، والأولون هرولوا لحزب السلطة يدورون معها حيث دارت، والآخرون عملوا تحت لافتة الجماعة عندما دعا الداعي لاعتصامات رابعة لمجابهة تحرك أحزاب الأقلية إلى 30 يونيو.
وفي ظل التجاذبات السياسية لم تنتبه جبهة الإنقاذ، وما ولد من رحمها من حركات مشبوهة (تمرد وغيرها)، لاستغلال هذا التجاوز للحزب، فقد كانوا مشغولين بتأليف القصص عن نكاح الجهاد وتسليح الاعتصام، وما إلى ذلك!
فعند تأسيس الجماعة لحزبها، كان المعلن أنه سيتم توزيع الاختصاص، ليمارس الحزب السياسة وتتفرغ الجماعة للدعوة، لكن بالدعوة لـ30 يونيو انتهى الحزب عمليا، إلا من صحيفة بائسة امتلأت بالمؤلفة قلوبهم، ثم توقفت، فلا أحد يذكر الحزب المنوط به الفعل السياسي، فقد صار ذلك من الاختصاص الأصيل للتنظيم، واستمر الحال إلى الآن!
وبعد فترة ليست بالقليلة من الانقلاب العسكري، تذكرت بعض الشخصيات الإخوانية الحزب، وإزاء هيمنة الأمين العام في المهجر على الفعل السياسي فقد حاولت إحياء الحزب للعمل تحت لافتته، لكن القيادة نجحت في إحباط المحاولة بدهاء تحسد عليه!
ومن ثم فإن وصف مراد علي بأنه المتحدث الإعلامي (السابق) لحزب "الحرية والعدالة"، هو لأن الحزب لم يعد له وجود في الواقع، بغض النظر عن قرار سلطة الأمر الواقع بحله بحكم قضائي!
خطوة مراد علي:
ومنذ خروجه من السجن وسفره للخارج، فقد التقيت بالمتحدث الإعلامي (السابق)، لقاءات عابرة، ولم يتطرق الرجل إلى الحديث عن هذه المرحلة، أو المرحلة السابقة، وفي مثل هذه الأحوال فإن من البديهيات احترام حق الإنسان في الصمت، ولأن الفضول الصحفي قد يدفع لغير ذلك، فقد علمتني الأيام أن فرض الكلام على الصامت قد يدفعه للالتفاف على الحقيقة والبحث عن التبرير، لسد الثغرات وعدم المحاسبة على التقصير أو سوء التقدير. وقد صار لدينا تراث من هذه المحاولات لستر أخطاء القيادة، ولو بالهجوم على كل من يفتش في الدفاتر القديمة، ولو كان من الإخوان، على النحو الذي جرى مع أحد الإخوان بعد شهادته للزميل جمال الشيال في قناة الجزيرة؛ عن تجربة الانتقال مع الرئيس مرسي من القصر الرئاسي لنادي الحرس الجمهوري!
وكان أول من استبيح من اللجان الإخوانية هو الدكتور محمد محسوب، بعد شهادته لبرنامج "بلا حدود" مع الزميل أحمد منصور، ووصل الافتراء إلى حد تكثيف الدعاية على أن من عيّنه عميدا لكلية الحقوق في جامعة المنوفية هو نظام مبارك، مع أن الرجل تم اختياره عميدا بالانتخاب بعد الثورة. والانتقال من نظام التعيين للانتخاب كان من حسنات ثورة يناير المجيدة، وإن تم اعتماد انتخاب العمداء -على ما أتذكر- لفترة قصيرة في عهد مبارك، وتولى بمقتضاه نعمان جمعة القيادي بحزب الوفد، ورئيسه بعد ذلك، عمادة كلية الحقوق جامعة القاهرة!
لقد انشغل مراد علي طيلة السنوات الماضية، بتقديم محاضرات، وفيديوهات عبر يوتيوب، والمشاركة في برامج تلفزيونية، لكن كل هذا كان بعيدا عن تجربته السياسية، وله صلة بخبراته المهنية والوظيفية، وإن تطرق للحديث عن إدارة الحملات الانتخابية ونحو ذلك!
ومن هنا فإن شهادته التي أدلى بها لأحد البرامج لها من الأهمية بمكان بحيث لا يجوز الصمت عليها، خدمة للأجيال القادمة، لجماعة "تحاشت" تماما أن تكتب تاريخها، ورفضت أن تدون أخطاءها لتكون النتيجة لتكرار هذه الأخطاء مرة أخرى. ولا أعوّل كثيرا على الجيل الذي شارك في ثورة يناير، فهذا جيل أفسدته الهموم، وأثقلته المحن، وأحبط بفشله!
تجربة شخصية:
كنت بعيدا عن رابعة وأخواتها، لأسباب شرحتها قبل ذلك، لكني كثيرا ما تحدثت مع أحد الأصدقاء الذين شاركوا فيها عن الإشارات التي سبقتها، من مذابح "المنصة" و"الحرس الجمهوري"، فمن أين جاء اليقين لقيادة اعتصام رابعة بأن الانقلاب لن يقدم على ارتكاب جريمة الفض على النحو الذي جرى؟!
كنت قد قضيت أسبوعين في الدوحة بدعوة من قناة الجزيرة، وعدت في يوم عيد الفطر الأول للانقلاب العسكري، قبل أن أغادر بعد الفض وفي نهاية آب/ أغسطس، في مثل هذه الأيام منذ أحد عشر عاما، وعندما قلت كلاما لم يعجب القوم، دفعوا ببعض الأتباع لتبنى رواية أنني عدت لمصر في سنة 2016، ولم أعقب!
عقب العودة، فوجئت بأحد الأشخاص يطلب مقابلتي على وجه السرعة، كان ضابطا سابقا في الجيش وهو الآن رجل أعمال، وكان كثير التردد علي في مكتبي، ومعه شريكه وهو شخصية عربية، كان مشروعهما متعثرا لأسباب بيروقراطية ونشرت لهم شكوى في الجريدة، وانتظرنا تواصل أحد المسؤولين معهما، أو الرد على الشكوى، لكن لا حياة لمن تنادي!
ومن عمل في الصحافة قبل الثورة، ويدرك كيف أن شكوى تنشر في الصحف تدفع بالوزارة المختصة إلى التدخل لحلها وإرسال رد بحقيقة الأمر، لا بد أن يصاب بالإحباط من الأجواء الحالية، ولا يزال البلد فيه وزارات ومحافظات وسلطة؛ قلت لهما: اذهبوا هنا.. اذهبوا هناك، فذهبوا هنا وهناك وعادوا دون أن يتمكنوا من مقابلة أحد، فظلوا يترددون علي، لعل وعسى!
ما أن جلسنا حتى قال الرجل إن لديه معلومات بأن الفض سيحدث، وأنه سيكون بقوة لا تتخيل، وأنه يريد وساطتي لدى الإخوان، ويستطيع أن يقوم هو بجهود، وأخبرته أنه جاء للعنوان الغلط، وأن أمامه رابعة فليتوجه للميدان مباشرة، والقيادة معروفة للكافة، فأنا لست صديقا ومن ثم يسهل رميي بأني موفد من الأمن لإحباط الثورة!
وربما لم يصدقني الرجل فيما قلته بأنني لست صديقا للقوم، وهو يراني منذ الدعوة لـ30 يونيو وأنا أندد بها عبر الشاشات، ومن سكاي نيوز، إلى الحرة، قبل سفري للدوحة. وبجانب هذا فلم أتعامل معه بالجدية الكافية، فلم أستبعد الظن السيئ من أنه يريد القيام بدور من باب الوجاهة الاجتماعية، وكثيرا ما كان معي ينظر بغبطة إلى المكانة التي حققها واحد مثل ممدوح حمزة، وحدثني أنه شارك في الثورة مثله، احتجاجا على النظام الذي أسقطه في انتخابات برلمانية خاضها، لصالح مرشح الحزب الوطني!
مراد علي قال إنه تلقى اتصالا من الصحفي المقرب من النظام ياسر رزق، يخبره بأن الجيش لا يبالي لو وصل أعداد القتلى من المتظاهرين إلى خمسة عشر ألف متظاهر، وكان يطلب وساطته في الفض التلقائي!
وإذا كان من المستساغ لمثلي ألا يتعامل بالجدية الكافية مع تحذير رجل الأعمال هذا، فكيف لمراد علي أن يستبعد هذه الفرضية ومحدثه هو الصحفي المقرب من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان هذا ظاهرا للعيان، إلى درجة أن سخّر جريدة الأخبار في النَيل من الإخوان والرئيس مرسي، ولم يكن يبالي بنجاحهم، وهو يرأس صحيفة قومية قرار تعيين رؤسائها من أعمال السيادة، ولهذا عندما تم تشكيل لجنة عرفية لاستقبال طلبات المتطلعين للمناصب في هذه المؤسسات أحجم ياسر رزق عن التقدم لها بطلبه للاستمرار، لأنه يدرك أنه إن لم يبق في موقعه بقرار من المشير، فلن يُبق عليه الحكم الإخواني بعد كل ما فعل!
وقد رُفض طلب المشير في استمراره، مع أن الرئيس مرسي كان في بداية توليه مهام منصبه، والأصل ألا يفتعل مشكلات مع المجلس العسكري لا سيما وأن الطلب في حدود استمرار رئيس تحرير في موقعه وليس من الأمور الكبرى!
قد تعتبر رسالة ياسر رزق للتخويف، لكن السوابق ومن مذابح الحرس الجمهوري إلى المنصة تعزز من اتجاه الفض بالقوة، فكيف لإدارة الاعتصام لم تضع هذا الاحتمال في تصورها لتضع خياراتها حتى مع استمرار الاعتصام؟!
لقد بدا الفض بهذه القسوة مفاجأة لها، كما العامة تماما، ولهذا كان الهروب غير المنظم، فما معنى أن يختبئ المرشد العام في شقة مملوكة لنائب إخواني، من المؤكد أنه سيكون على قوائم الاعتقال؟!.. والأمر نفسه بالنسبة للدكتور محمد البلتاجي، وغيره، والذي هرب لشقة مملوكة لنائب إخواني معروف، كان مطلوبا أيضا.
لقد اعتذر د. مراد علي، لكل أسرة فقدت عائلها، ولكل أم فقدت ابنها، للخطأ في التقدير ولسوء الإدارة.
يا لها من محنة!
x.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر رابعة الإخوانية مرسي مصر رابعة مرسي الإخوان مجزرة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحریة والعدالة الحزب الوطنی مراد علی حزب مصر کان من
إقرأ أيضاً:
الانتخابات الألمانية المحمومة بصعود اليمين
بسم الله الرحمن الرحيم
#الانتخابات_الألمانية المحمومة بصعود اليمين
دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري
تتجه #ألمانيا إلى انتخابات مُبكّرة في 23 فبراير/شباط 2025 وسط أزمات سياسية واقتصادية متفاقمة؛ يتصدرها انهيار الائتلاف الحاكم بقيادة المستشار «أولاف شولتس»، الأمر الذي دفع الرئيس الألماني «فرانك-فالتر شتاينماير» إلى حل البرلمان، مما وضع البلاد في حالة من عدم اليقين.
مقالات ذات صلةهذه الانتخابات أصبحت ساحة لصراع أيديولوجي بين الأحزاب التقليدية واليمين الشعبوي، مع محاولات خارجية للتأثير على نتائجها.
أسباب حل البرلمان
الركود الاقتصادي والتضخم: تواجه ألمانيا أزمة اقتصادية حادة، حيث سجّل الناتج المحلي الإجمالي انكماشا بنسبة 0.3% في الربع الأخير من 2024، مع ارتفاع التضخم إلى 6%، حيث تضرّرت الصناعة الألمانية بشكل كبير، لا سيما في قطاعي السيارات والطاقة، مما أدى إلى ارتفاع البطالة وإفلاس العديد من الشركات الصغيرة.
أزمة الطاقة وعودة الفحم: تعليق صفقات الغاز الروسي أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 25%، مما دفع الحكومة إلى إعادة تشغيل محطات الفحم، بينما انتقد حزب الخضر هذه الخطوة، والتي اعتبرها «شولتس» «إجراء اضطراريا» في مواجهة الأزمة.
صعود حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD): حقق حزب البديل تقدما كبيرا، حيث وصلت شعبيته إلى 20% على المستوى الإتحادي، وأكثر من 33% في ولايات شرق ألمانيا، مستغلّا الاستياء الشعبي من الهجرة والتدهور الاقتصادي.
الاحتجاجات والإضرابات: اندلعت احتجاجات واسعة من قبل المزارعين وعمال القطاع العام، الذين يطالبون بزيادة الأجور ودعم الوقود، مما أدى إلى شلل في حركة النقل في العديد من المدن الكبرى.
تنافس الأحزاب مع تغيّر في المشهد السياسي
الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) نحو اليمين: بقيادة «فريدريش ميرتس»، تبنى الحزب الديمقراطي المسيحي خطابا يمينيا أكثر تشددا، مع التركيز على سياسات الهجرة الصارمة، وإعفاءات ضريبية للصناعات التقليدية، في محاولة لاستعادة الناخبين الذين انضموا إلى حزب البديل.
الحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD) في موقف دفاعي: يواجه المستشار شولتس صعوبة في استعادة ثقة الناخبين، حيث تراجعت شعبية حزبه إلى 16%، وهو الحزب الذي كان يعتمد على الناخبين التقليديين واليسار المعتدل، لكنه يواجه معارضة قوية من اليمين.
حزب الخضر (Grüne) وحزب اليسار (Die Linke) بين التراجع والضعف: بينما لا يزال حزب الخضر قويا في الأوساط الليبرالية، فإن سياسته البيئية لم تعد تحظى بالدعم الشعبي نفسه في ظل الأزمة الاقتصادية. أما حزب اليسار فقد تراجع إلى 5% ويواجه انقسامات داخلية.
حزب سارة فاغنكنيشت (BSW): أسست «سارة فاغنكنيشت» حزبا جديدا يُركّز على القضايا الاجتماعية ومعارضة العقوبات على روسيا، ورغم حصوله على دعم بعض الناخبين اليساريين، إلّا أنه لم يحقق اختراقا كبيرا بعد في استطلاعات الرأي.
التدخلات الخارجية
أثارت زيارة نائب الرئيس الأمريكي «جيه دي فانس»، الذي يمثّل التيار الترامبي، إلى مؤتمر الأمن في «ميونيخ» جدلا واسعا، حيث التقى بزعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا، «أليس فايدل» لمدّة نصف ساعة، متجاهلا لقاء المستشار أولاف شولتس، الأمر الذي يُعدّ صفعة دبلوماسية لألمانيا.
يُعتبر هذا اللقاء على أنه دعم أمريكي ضمني لليمين المتطرّف، مما دفع شولتس إلى التحذير قائلا: «لن نسمح بتدخّل جهات خارجية في الانتخابات الألمانية». هذه الخطوة أثارت غضب النخب السياسية في برلين، في وقت تتزايد فيه الخلافات بين برلين وواشنطن حول السياسات الأوروبية والدعم لأوكرانيا.
السيناريوهات المحتملة بعد الانتخابات
استنادا إلى المشهد السياسي العام، فإن السيناريوهات الأكثر ترجيحا بعد الانتخابات هي:
تحالف الحزب الديمقراطي المسيحي مع الحزب الديمقراطي الحر (FDP) بدعم غير مباشر من حزب البديل من أجل ألمانيا، وقد يشهد هذا التحالف سياسات أكثر تشددا ضد الهجرة ودعما أكبر للصناعات التقليدية.
تحالف الحزب الديمقراطي المسيحي مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي في حكومة وحدة وطنية، قد يؤّدي إلى تسويات سياسية تساهم في استقرار مرحلي، رغم وجود خلافات داخلية قد تؤثّر على تناغم الحكومة.
أمّا النموذج غير المرغوب في الأروقة السياسية والمطروح، هو عدم حسم الانتخابات، مما قد يؤدّي إلى أزمة سياسية جديدة وإجراء انتخابات مُبكّرة أخرى في 2026.
تداعيات الانتخابات على أوروبا والعالم
إذا صعد اليمين المتطرّف، فقد يؤثّر ذلك على سياسة ألمانيا تجاه الاتحاد الأوروبي، خاصّة في قضايا المناخ والاقتصاد والهجرة، إضافة إلى علاقات برلين مع واشنطن، حيث الخلافات المتزايدة بينهما قد تدفع ألمانيا إلى إعادة تقييم علاقاتها مع القوى الكبرى الأخرى مثل الصين وروسيا، فضلا عن سياسة ألمانيا تجاه أوكرانيا الوارد جدا تأثّرها، إذ يدعو حزب البديل من أجل ألمانيا إلى خفض الدعم العسكري لكييف.
هذا دون الأخذ بالاعتبار عمّا قد يتطور بين إدارة ترامب واليمين الألماني بظلّ اللقاء الأمريكي في «مؤتمر ميونخ للأمن» معه.
ألمانيا على مفترق طرق
هذه الانتخابات تمثّل لحظة حاسمة في تاريخ ألمانيا الحديث؛ بين صعود الشعبوية اليمينية والتدخّلات الخارجية، والأزمات الاقتصادية التي تعصف في البلاد، وهو ما يُنظر إليه على أنه أكبر اختبار لاستقرارها السياسي منذ عقود.
السؤال المطروح هو: هل ستتمكّن ألمانيا من الحفاظ على توازنها الديمقراطي واجتياز هذا المنعطف الحرج دون أن تفقد هويتها الديمقراطية؟ أم أنّ رياح التغيير ستُعيد تشكيل ملامح القوة في أوروبا بأكملها؟ بحيث أنها ستتجه نحو تحوّل جذري في سياساتها الداخلية والخارجية.
الإجابة اليقين ستتضح بعد 23 من هذا الشهر، ومن الواضح أن أوروبا والعالم يراقبان ألمانيا عن كثب، فقد تكون لهذه الانتخابات تداعيات تتجاوز حدود برلين بكثير.
Ahmad.omari11@yahoo.de