وزيرة الانتقال الطاقي ليلى بنعلي ترخص لإستيراد الأطنان من الأزبال السامة من أوربا بالعملة الصعبة
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
زنقة20ا الرباط
قررت مؤخرا وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي، الترخيص باستيراد الأطنان من النفايات من دول أوربية غير آبهة مطلقا بالعواقب البيئية التي ستخلفها نفيات أوربا على الصحة العامة والبيئة بالمملكة.
ووفق معطيات متوفرة قررت الوزيرة، التي يفترض فيها تسريع الانتقال الطاقي بالمغرب عوض تحويل المغرب إلى مطرح كبير للنفايات، استيراد 980 ألف طن من النفايات من فرنسا، و31 ألف طن من إسبانيا، أكثر من مليون طن من بريطانيا، و60 ألف طن من السويد، و100 ألف طن من النرويج بينها العجلات المطاطية لإعادة حرقها لأهداف صناعية.
ولعل الوزيرة لا تعلم أن القدرات الفنية والتقنية للمغرب في إعادة تدوير النفايات المحلية لوحدها لا تتجاوز 10 في المئة؛ فكيف سيتم إعادة تدوير الأطنان من النفايات القادمة من أوربا والتي تحتاج إلى آليات تراعي المعايير الودلية في البيئة؟، مما يطرح علامات استفهام حول هدف صفقة جلب النفايات الأوربية للمغرب؟.
في هذا السياق حذرت منظمة التجمع البيئي لشمال المغرب، في بيان لهل، من العواقب الخطيرة لهذا القرار على البيئة وصحة المواطنين، مشيرًا إلى زيادة تلوث الهواء وانبعاث الغازات السامة والدفيئة، وهي العوامل الأساسية المسببة للتغيرات المناخية، بالإضافة إلى المخاطر المرتبطة بالنفايات المشعة.
وأكدت المنظمة أن قدرات المغرب في إعادة تدوير النفايات المحلية لا تتجاوز 10% من مجموع المخلفات المحلية، بينما يتجه لاستيراد نفايات من دول أوروبية، مما يحول البلاد إلى مطرح لنفايات هذه الدول.
وأشارت إلى أن حرق العجلات المطاطية بهدف إنتاج الطاقة يعتبر عملية غير صديقة للبيئة، حيث تسهم في تلوث الهواء وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون، الذي يعد أحد الأسباب الرئيسية للتغيرات المناخية.
ودعا النشطاء البيئيون الوزيرة إلى التراجع عن قرارها بالسماح باستيراد هذه النفايات والعجلات المطاطية من أوروبا، مؤكدين أن هذا القرار يتعارض مع روح المواطنة ومع مهمتها في الحفاظ على البيئة المغربية
يشار إلى أن دول الاتحاد الأوروبي صدرت مجتمعة قرابة 890 ألف طن من المواد الخام القابلة لإعادة التدوير، بما يشمل النفايات والخردة، إلى المغرب، خلال العام الماضي؛ فيما استوردت هذه الدول من المملكة أكثر من 165 ألف طن من هذه المواد، حسب بيانات حديثة كشف عنها مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات).
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: ألف طن من
إقرأ أيضاً:
من الذكورة السامة إلى التحرش: تأملات في فلسفة السلطة والجسد
في عالم ما بعد الحداثة، حيث تتفكك الهويات الثابتة وتنسف الرؤى التقليدية للمعرفة، يصبح التحرش ليس مجرد فعل مادي يحدث في الشارع أو مكان عام، بل هو أيضًا بنية معرفية تخلق التفرقة بين “الذات” و”الآخر”. هو ثمرة لحقب تاريخية حملت في طياتها اختلالات فكرية جعلت من الجسد الأنثوي ساحة للصراع الرمزي، بين ما هو مقدس وما هو مدنس، وبين ما يُقبل وما يُرفض. فالتوترات بين الجنسين ليست مجرد صراع بيولوجي، بل هي صراع ثقافي مرتبط بالعلاقات الاجتماعية التي تعيد إنتاج نفسها على مدار الزمن.
من خلال هذه الفكرة، يظهر الجسد الأنثوي ليس ككيان ذاتي يُعبّر عن حرية الفرد، بل كفضاء يُخضع لسلطة ثقافية، حيث يُنظر إليه كجسم للاستهلاك، التسلية، أو حتى كأداة للسيطرة. وعليه، يصبح التحرش بكل أشكاله ليس فقط سلوكًا فرديًا أو تصريحًا كلاميًا، بل هو أسلوب لتأكيد الوجود في نظام اجتماعي يدافع عن امتيازات طبقية وذكورية قديمة، حتى وإن تغيرت أشكالها. هذا السلوك يعكس ضرورة وجود الآخر ليظل المُهيمن في مكانه، وبالتالي فإن التحرش يصبح أداة لصيانة الهياكل الاجتماعية التي تقوم على الهيمنة الذكورية، وهو ما يعزز من استمرار هذه الأنماط القمعية.
العقل الذي يعرض هذه الظاهرة يتأثر بعوامل عديدة، منها البناء الاجتماعي والتاريخي، حيث يتم تجسيد الهويات من خلال الرموز والممارسات اليومية. أما في نظر علماء النفس، مثل سيغموند فرويد، فإن التحرش يعبر عن نزاع داخلي في النفس البشرية بين رغبات مكبوتة وأعراف اجتماعية تضغط على الفرد لكي لا يعبّر عن هذه الرغبات بشكل علني. هنا، يصبح التحرش ليس فقط فعلًا ضارًا للجسد الأنثوي، بل هو أيضًا علامة على خلل أعمق في البنية النفسية للمعتدي، وهو ما قد يعكس اضطرابًا في العلاقة مع الهوية الشخصية والسلطة. هذا الجانب النفسي يرتبط بتصورات الفرد حول الجسد والسلطة، حيث إن الشخص الذي يمارس التحرش قد يكون في الواقع يعبر عن هشاشة داخله وتوتره النفسي الذي يترجم إلى محاولة الهيمنة على الآخرين، بما في ذلك الجسد الأنثوي الذي يُعتبر رمزيًا جسد السلطة وموضوع السيطرة.
عندما ننظر إلى هذه الظاهرة من منظور كل من لويس ألتوسير وميشيل فوكو، يمكننا أن نرى أن التحرش هو جزء من عملية “التشكيل الأيديولوجي” للمجتمع. في هذا السياق، يرى فوكو أن السلطة لا تقتصر على المؤسسات القمعية فقط، بل هي موجودة في كل جانب من جوانب حياتنا اليومية، بما في ذلك الطريقة التي ننظر بها إلى الآخر وكيف نحدد مساحات الجسد والمكان. فالجسد الأنثوي في هذا السياق هو ساحة للصراع بين الأيديولوجيات التي تستمر في تهميش وتقييد النساء، مما يخلق ديناميكيات قمعية تظل محورية في الثقافة المعاصرة.
التفسير الفوكوي لهذه العلاقة بين الجسد والسلطة يُظهِر كيف أن التحرش ليس مجرد حالة فردية للعدوان، بل هو نتاج لبنية اجتماعية أوسع، حيث يتداخل الذكاء الاجتماعي مع الذكورية السامة التي تُعيد إنتاج نفسها من خلال الإعلام، التربية، والعلاقات الاجتماعية اليومية. التحرش، في هذه الحالة، لا يُفهم فقط باعتباره سلوكًا منحرفًا، بل جزءًا من دائرة السيطرة التي تُمثلها هذه البنى الثقافية المستمرة.
هذا التفسير يكشف عن كيفية تجذر التحرش في بنية مجتمعية تشجع على تبني النماذج التقليدية للجنس والسلطة، والتي تُصر على تعزيز الذكورية السامة عبر أطر تربوية وتعليمية تجعل من الجسد الأنثوي هدفًا للتسلط والهيمنة الرمزية.
وبينما نجد أنفسنا في عالم مليء بالتغيرات السريعة والتحولات الفكرية التي تعيد تشكيل هوياتنا، يجب أن نتساءل: كيف يمكن فهم التحرش في ظل هذه الفوضى المعرفية؟ هل يمكننا حقًا وضع إطار ثابت لفهمه؟
في عالم ما بعد الحداثة، تصبح الإجابة على هذه الأسئلة متشابكة، حيث لا توجد إجابة واحدة، بل تعدد للحقائق. إن التحرش، بما هو كائن ثقافي واجتماعي، يمكن أن يظهر في صورة أشكال متعددة: من الاعتداء اللفظي في الشوارع إلى تصرفات سلوكية في الأماكن العامة، وكل ذلك يشكل شبكة من الأفعال التي تُعيد تأكيد الأدوار التقليدية. هذه الأشكال المتعددة لا تنفي أنها مرتبطة ببنية فكرية وثقافية معقدة، تستمر في إنتاج آليات القوة التي تحدد “المكان” و”الحق” في التعبير عن الذات، وتؤكد على الهيمنة الذكورية في المجتمع.
ومن هذا المنظور، لا يُمكن أن يكون التحرش مجرد فعل فردي، بل هو تجسيد لثقافة من التسلط تتجذر في الفكر الاجتماعي والنفسي للأفراد. هذا التسلسل من الأفعال يحمل في طياته تناقضات معمارية في المجتمع الذي لا يزال يراهن على الهويات الثابتة للذكورة والأنوثة، ويستمر في تكرار أنماط القمع الرمزية والجسدية. يُصبح التحرش إذاً ليس مجرد حالة من الفوضى الجنسية، بل هو عملية منتجة لقوى اجتماعية وثقافية تعمل على استمرارية الهيمنة وتثبيت الفوارق بين الجنسين. كما أن هذا التكرار للممارسات القمعية لا يقتصر على الأفراد، بل يمتد إلى المؤسسات والأنظمة التي تعزز هذه الفوارق وتعزز من منطق “الآخرية” لدى النساء، مما يعيد إنتاج السياسات الاجتماعية التي تساهم في تفشي التحرش على المستوى المجتمعي.
وعليه، فإن التقليل من أهمية هذه الظاهرة أو محاولة تقليصها إلى مجرد “أفعال فردية” هو تهرب من المسؤولية الاجتماعية التي تتحملها المؤسسات الثقافية والنفسية في إعادة تشكيل هذه الهويات. لا يمكن أن تكون الحلول للقضاء على التحرش محدودة بالقوانين التي تُعاقب الفعل فقط، بل يجب أن تشمل أيضًا إعادة بناء ثقافة كاملة تُعيد التفكير في مسألة الجسد، السلطة، والهوية. لذلك، يجب أن تكون المعالجة أكثر شمولًا بحيث تتضمن تغييرًا بنيويًا في طريقة فهمنا للجسد والعلاقات بين الجنسين. وهذا يتطلب جهدًا جماعيًا يشمل المجتمع المدني، والمؤسسات التعليمية، ووسائل الإعلام، التي تستطيع إعادة تشكيل الفكر الجماعي تجاه الجنس والسلطة.
هذه الثورة الثقافية والمعرفية، إن تمت، ستكون مدخلًا للتحرر الحقيقي من التسلط، وسيبدأ المجتمع في فهم التحرش ليس فقط كحالة تضر بالنساء، بل كجزء من جرح أعمق في بنية السلطة الاجتماعية التي تستمر في تكريس هيمنة الذكور على الفضاءات العامة والخاصة.
إن التحليل العميق للتحرش باعتباره بنية ثقافية واجتماعية يُبرز ضرورة مواجهة هذه الظاهرة من جذورها، وليس فقط معالجة أفعالها الظاهرة. فالتصدي للتحرش يتطلب أكثر من مجرد تطبيق قوانين ردعية، بل يستدعي تغييرًا ثقافيًا حقيقيًا يعيد تشكيل فهمنا للجسد والسلطة. علينا أن نعيد التفكير في طريقة تربية الأجيال القادمة، في كيفية بناء هوياتهم الجنسانية والاجتماعية بعيدًا عن الأنماط التقليدية التي تساهم في تعزيز الهيمنة الذكورية.
فإذا كانت السلطة المجتمعية قد عملت على تكريس هذه الهياكل القمعية على مدار عقود، فإن الطريق إلى التحرر يتطلب جهدًا جماعيًا يشمل التغيير في بنية الفكر الاجتماعي والنفسي. الثورة الثقافية والمعرفية التي نتحدث عنها ليست مجرد رفاهية فكرية، بل هي شرط أساسي لإرساء مجتمع أكثر عدلاً، حيث يُحترم الجسد البشري، ويُعاد تحديد العلاقات بين الأفراد وفقًا لقيم الحرية والمساواة.
عندها فقط، ستتمكن الأجيال القادمة من العيش في بيئة لا تحكمها قوة هيمنة أو ثقافة قمعية، بل بيئة تشجع على احترام الآخر وتقديره بعيدًا عن التصنيفات الجندرية الجامدة.
إبراهيم برسي
zoolsaay@yahoo.com