بعض الجوانب الإيجابية من الحرب السودانية
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
محمود عثمان رزق
08/25/2024
لكل إبتلاءٍ يبتلى به الإنسان في شخصه أو في مجتمعه جانبان، جانب سلبي وجانب إيجابي. وعندما أذن الله تعالى للمؤمنين المضطهدين بالقتال واساهم وبشّرهم ولفت نظرهم للإجابيات التي تصاحب الإبتلاء والتكليف فقال يخاطبهم بلطف: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/ 216 .
فشل المخطط الدولي والإقليمي والمحلي الهجين الذي كان يستهدف السودان وأهله وسيادته وموارده. فهذا المشروع لن يعود أبداً بإذن الله تعالى.
تلاحم الشعب مع قواته المسلحة بصورة لم يسبق لها مثيل من قبل، وسوف يؤدي هذا التلاحم لمزيد من التأييد والإحترام والإفتخار بالمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية وبالإنتماء لها. ولن يتجرأ أحد بعد أن تضع الحرب أوزارها أن يشتم أو يسيء أو يشيطن الجيش أبداً.
لقد إقتنع الكل بأهمية الإستنفار والتدريب وخاصة الشباب وهؤلاء سوف يتسابقون لمعسكرات التدريب من غير إكراه في المستقبل، وبالتالي لن تضطر الدولة لملاحقتهم لتجنيدهم وتدريبهم لأن الدافع الشخصي والأسري سوف يأتي بهم طوعاً وليس كرهاً.
لقد أكتسب الجيش السوداني تجربة عسكرية جديدة لم تتوفر لأي دولة أفريقية أو عربية. وهذه التجربة ستجعل الجيش السوداني في مقدمة الجيوش العربية والأفريقية من غير منافس.
لقد تأكد السودانيون من أن المجتمع الدولي لا يهتم بهم، ولا هم أولوية من أولوياته، وكل وعوده سراب في سرابٍ يحسبه الظمئآن ماء، وبالتالي لا يجب الجري وراءه ولا أن نعبأ به أصلاً.
لقد تأكدت كل الدول والجيوش الإقليمية والدولية أننا شعب "عكليتة"، إذا اشتبكنا مع عدو فلا حل له معنا إلا أن يخرج مهزوماً وكما نقول "يحلو الحلّ بلة". جيشنا عكليتة وغتيت، والمستنفرين عكاليت، وحتى المتمردين من بني جلدتنا عكاليت. يعني لو إجتمعنا على عدوٍ ضدنا جميعاً سنأكله حيّاً. ومن قبل هدد الرئيس حسني مبارك السودان وقال أن بامكانه أن يدخل السودان في سبعة أيام، فرد عليه الزبير محمد صالح رحمة الله عليه قائلاً: "يمكنك يا سيد الرئيس دخول السودان في سبع ساعات وليس سبعة أيام ولكن البطلعك شنو؟"
لقد علم الجيش والشعب معاً أن العدو يمكن أن يتخلى تماماً عن الأخلاق و المرؤة و قوانين الحرب و قواعد الاشتباك إذا تهدد وجوده وأحكم حصاره. فإذن لابد من الإحتياط لكل الأحوال وكل السلوكيات.
من ناحية التخطيط ظهرت عيوب التفكير المركزي والإدارة المركزية التي تجعل كل شيء في العاصمة وبعض المدن.
لقد تأكد للجميع أن عضم الإقتصاد السوداني عضم قوي وغليظ تحمل الحروب لأكتر من سبعين عاما وتحمل أعنف حرب في تاريخه!!
لقد علم الشعب السوداني مقدرات أولئك الذين يجيدون النقد والكلام الفصيح والتصريحات والمقابلات ولوم الآخرين، وفي الحقيقة والواقع ليس لديهم شيء يقدمونه للشعب سوى تعليق مشاكلهم بتكرار ممل على شماعات معلومة للجميع.
كثير من النازحين داخل البلاد توجهوا لأهلهم في القرى والأقاليم، وبعض هؤلاء النازحين وأولادهم لم يكن يعرف أهله، فكانت الحرب سبباً في صلة الأرحام واكتشاف الريف والقرى والاقاليم.
لقد علم الشعب السوداني أن النزوح داخل البلاد خير وأفضل وأقل كلفة من اللجوء للدول الآخرى.
أظهرت الحرب محاسن وعيوب الشعب السوداني، وسنعمل لتحسين الحسن وتثبيته، والتخلص من العيوب بعون الله تعالى.
تكونت للشعب مناعة ضد الإشاعات و"السواقة بالخلاء" والشماعات والإتهامات الباطلة والفصاحة التي لا تبني مزيرة.
لقد تأكد الشعب السوداني من خطورة الوجود الأجنبي غير المقنن. ومما لا شك فيه أبداً أنّ الشعب كله سيكون عيناً ساهرة تساعد الشرطة وقوات الأمن على ضبط الوجود الأجنبي متحررين من الشعور بالحرج الذي كان يسيطر عليهم من قبل. بل سيذهب السودانيون أبعد من ذلك ليعتبروا أن وجود الأجانب بصورة غير قانونية مهدد أمني والتبليغ عنهم فرض عين على كل شخص له علم بذلك.
من المتأكد أن السودان سيشهد إستقرار سياسي بمساعدة الشعب يقود لتحسنٍ ملحوظ وكبير في الإقتصاد السوداني.
لقد بدأت الدبلوماسية السودانية تقتحم المحافل الدولية بكل شجاعة وحكمة وشراسة وثقة بالنفس.
سوف يختفي الخطاب القبلي والعنصري للدرجة التي سيتحي فيها السوداني من أن يسأل أخاه عن قبيلته أو جنسه.
ستختفي كثير من الشماعات والإشاعات والإتهامات والحساسيات التي كانت تسخدم في إشعال الفتن بين الإثنيات والقبائل.
أهداف الشعب السوداني هو إقامة العدل، وتوفير الأمن والإستقرار، وتوفير العلاج والدواء والتعليم، وتوفير كل معينات الحياة الاساسية، وكذلك تفعيل الدستور والقانون. أما الوعاء أو الإطار السياسي الذي تتم فيه هذه الأهداف فليس بضرورة أن يكون تقليدياً، وليس هناك إطار أو وعاء سياسي منزل من السماء أو له قداسة، ويمكن دوماً إيجاد معادلة سياسية جديدة تجمع الجميع عساكر ومدنيين تحقق تلك الأهداف السامية بعيداً عن القوالب القديمة التي تلون الأشياء بلونين فقط، إما حكومة مدنية وإما حكومة عسكري. إن مجتمعنا وتاريخنا ومشاكلنا ومصالحنا ووجودنا الجغرافي يستوجب علينا العمل بنظرية "سفينة نوح" لنحمل فيها العسكريين والمدنيين معاً لفترة طويلة من الزمن من أجل الإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي حتى ينضج المجتمع فيطور إطاراً جديداً ومعادلة جديدة يسير بها الى الأحسن ويرضى بها الجميع بعيداً عن التدخلات الخارجية فنحن لسنا عبيداً لأحد من البشر ولا نتبع ولا نقدس أحداً منهم.
هذه بعض الإيجابيات وهنالك الكثير الذي لا يحصى ولايعد والحمد لله على كل حال.
morizig@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الشعب السودانی
إقرأ أيضاً:
السودان ما بين استبدال القوى السياسية أو استبدال الأمة السودانية
▪️لا شك أن التشكل الأول للقوى السياسية السودانية في القرن العشرين كان بدوافع وروافع أجنبية وغير وطنية .. بدءاً من اليهودي الفرنسي عميل KGP الروسية هنري كوريل مؤسس الشيوعية في مصر (حمتو) والسودان (حستو) ، ومروراً بطائفتي الختمية (مصر) والأنصار (بريطانيا) وجمعية اللواء الأبيض (مصر) وليس انتهاءاً بمؤتمر الخريجين صنيعة الاستعمار البريطاني في الهند والسودان وما نتج عنه من أحزاب ، وعلى ذات الدرب سارت القوى السياسية الإسلامية في بلادنا والتي استلهمت فكرها وتنظيمها من مصر (الاخوان المسلمين) أو من السعودية (أنصار السنة والسلفيين) .. وإن أبرز مثالٍ على الفوضى السياسية في السودان هو أن عدد الأحزاب السودانية ظل دائماً مثاراً للجدل ووجهات النظر ، فقانون تنظيم الأحزاب السياسية صدر لأول مرة في السودان بعد ثورة أكتوبر عام ١٩٦٤م ، وما انفكت الحياة السياسية تعاني فوضى العمل السياسي لوجود غالبية التنظيمات السياسية تمارس العمل السياسي خارج إطار القانون ، ومن أبرزها القوى التي ظلت تتخذ من العمل العسكري وسيلةً لتحقيق أهدافها السياسية ، وقد تعددت في بلادنا مُسميات وأدوار وأطوار الكيانات السياسية في السودان ما بين أحزاب ، وتيارات ، وحركات ، وجبهات ، ومؤتمرات ، ولجان ، ومنظمات ، ومبادرات ، وروابط ، وقوى ، وتجمعات ، وجمعيات ، …الخ ، وبنظرةٍ عجلى على سبيل المثال لمكونات تحالف قحت المكون من ٦٤ اسماً بلا مُسمَّى ، والذين حكموا السودان سنتين … سيتضح حجم الفوضى العمل السياسي التي بدأت بالعمالة وكان لابد لها أن تنتهي بدمار البلاد.
▪️كان قانون الأحزاب السوداني الصادر عام ٢٠٠٧م والمعدل عام ٢٠٢٠م هو آخر ما صدر لتنظيم النشاط السياسي في البلاد ، وبمراجعة مسيرة الحياة السياسية في السودان وما آلت إليه ، وبالنظر إلى أن البلاد اليوم حرفياً قد عادت إلى ما قبل غزو محمد علي باشا للسودان .. فإنه لا مناص من التفكير في إعادة تأسيس الحياة السياسية في السودان بعد الحرب على أسس وطنيةٍ بحتة من حيث الفكر والتنظيم والممارسة ، وأن تستند في كل ذلك على دستورٍ سودانيٍّ مُتراضىً عليه شرعياً وشعبياً ، وأن ترتكز على قانونٍ يجنبها فوضى التكاثر الأميبي الذي سمح بفسيفسائيةٍ سياسيةٍ مؤذيةٍ عصفت بالبلاد وأهلها ، ويجب إلى جانب القانون أن تُضبط بالوعي العام الذي يُبعد شبح المزالق العرقية والقبلية والمناطقية والعائلية في العمل السياسي.
▪️إن التجربة الإنسانية في عمومها لم تخرج في نشاطها السياسي عن ميولٍ ثلاثة تترجمها في حزبٍ يتخذ أقصى اليسار وآخر في أقصى اليمين وبينهما بضعة أحزابٍ قليلةٍ تمثل الوسط ، وذلك وفق الإطار الدستوري الذي يمثل أعلى معايير القيم الوطنية للشعب ، ويلعب قانون الأحزاب دوراً رئيسياً في ضبط النشاط السياسي على هذه الأسس لتكون هذه القوى السياسية خادمةً لإرادة الشعب ، لا أن تتحول إلى أدوات ابتزازٍ للشعب تحقيقاً لطموحاتٍ انتهازية ، أو مدخلاً لنفوذ قوىً أجنبية ، فالهدف من تشريع قانون للأحزاب السياسية يجب أن يضمن:
١. تنظيم الحياة السياسية.
٢. ضمان التعددية السياسية.
٣. منع التجاوزات.
٤. تعزيز الشفافية والمساءلة.
٥. حماية الحقوق والحريات.
٦. تحقيق الاستقرار السياسي.
٧. تأمين الأحزاب من الاختراق الأجنبي.
٨. منع توظيف الأحزاب لخدمة الأهداف الخاصة باستخدام النفوذ المالي أو العرقي أو غيرها.
٩. ضمان جدية الأحزاب السياسية
١٠. ضمان توافق الأحزاب مع الدستور
١١. منع ظهور أحزاب عنصرية أو جهوية أو مناطقية.
١٢. منع ظهور أحزاب متطرفة دينياً أو علمانياً.
١٣. منع الفسيفساء الحزبية
١٤. ضمان وطنية الأحزاب
▪️يبلغ إجمالي عدد السكان حوالي ٥٠.٧ مليون نسمة وفقا لتقديرات السكان في السودان للعام ٢٠٢٤م ، ونسبة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن ١٨ عاماً تُمثِّل حوالي ٥٣% من إجمالي السكان ، وبناءً على هذه النسبة فيمكن تقدير أن عدد الناخبين في السودان يقارب ٢٧ مليون نسمة ، وعليه فإن شروط تسجيل الأحزاب السياسية الاتحادية في السودان يجب أن تراعي هذه الأرقام من حيث:-
١. اشتراط أن تتضمن عضوية الحزب ٢% على الأقل من الناخبين بما يعادل ٥٣٨.٠٠٠ عضواً.
٢. أن تكون عضوية الحزب موزعة على عشرة ولايات على الأقل عند التسجيل ، بما تشمل كل أقاليم السودان شرقاً وغرباً ووسطاً وشمالاً وجنوباً .. من جملة ١٨ ولاية.
٣. أن لا يقل عدد الأعضاء في كل ولاية عن ٤٠.٠٠٠ عضواً.
وبذلك لا يتم تسجيل إلا الأحزاب ذات الثِّقل والانتشار الحقيقي ، والتي هي فعلاً تمثل شرائح الشعب على المستوى القومي ، ولا يمنع ذلك من إمكانية أن يسمح الدستور بإنشاء أحزابٍ سياسيةٍ على المستوى الولائي بما يتوافق ولائياً مع ما ورد بعاليه ، فيكون لها حق ممارسة نشاطها السياسي ولائياً دون المستوى الاتحادي.
▪️إن قانون الأحزاب السياسية ضرورةٌ قصوى لضمان أن يجري النشاط السياسي بشكلٍ مُنظَّمٍ وطنيٍّ وقانوني ، ويجب الانتباه لعدم الخلط ما بين حرية ممارسة العمل السياسي بشكلٍ قانوني ، وما بين حرية الرأي والتعبير التي تمكّن الأفراد من المشاركة في هذا النشاط عبر التعبير عن آرائهم والمساهمة في صنع القرار بشكلٍ قانونيٍّ كذلك ، والقانون هو الذي يفصل ما بين سوء الفهم في التفريق ما بين حرية الفرد التي تنتهي عندما تبدء حرية الآخر ، وما بين الفوضى التي هي عربدةٌ لا تُفضي إلى خيرٍ مُطلقاً.
▪️لضمان نزاهة ووطنية الأحزاب ، ولتجنب عمليات استحواذ النفوذ من قبل الأشخاص والعائلات وغيرها .. يجب أن يتضمن قانون الأحزاب :-
١. ضمان تمويل الأحزاب وطنياً.
٢. تقديم تقارير مالية دورية عن التبرعات والنفقات.
٣. تقديم دستور وهيكل اداري وتنظيمي مُنتَخب للحزب بعد اجازتهما ديمقراطياً بحضور مسجل الأحزاب.
٤. تحديد مسئول مالي مؤهل للحزب.
٥. يجب ان يكون للحزب برنامج سياسي واضح يتوافق مع الدستور.
٦. أن تكون رئاسة الحزب لدورتين انتخابيتين متتاليتين فقط كحد أقصى.
٧. أن يُسمح للاحزاب بتأسيس الشركات في مجالات يُحدِّدها القانون كالاعلام والطباعة والخدمات والاستثمارات البنكية ، ويجب أن تكون خاضعة لقواعد الشفافية والرقابة القانونية ، وأن يكون نشاطها داخل السودان فقط ، ويُمنع انخراطها في أي ارتباطات خارج السودان.
٨. أن يتم تحديد سقف أعلى للتبرعات.
⚫إن الولاء الأعمى لكيانٍ سياسي أو انتماءٍ حِزبيٍّ أو فِكريٍّ يمنع الحاجة لدى الإنسان للتفكير ، وهذا لا يعني انعدام الوعي فقط ، بل إنه يقضي تماماً على إنسانية الإنسان نفسه ، والإنسان السَّويُّ لا ينبغي له المساومة في الانحياز لانتماءٍ ما يتناقض مع ضميره الإنساني والوطني ، ولقد كثر القول بأن الشعوب التي تسمح للفاسدين والانتهازيين والمُستبدِّين بأن يكونوا نُخباً تتسيَّد المشهد السياسي لا يمكن اعتبارهم ضحايا بحال ، بل هي شعوبٌ شريكةٌ في الجريمة دون شكٍّ حين سمحت باستخفافها فأطاعت فاستحقت أن تكون شعوباً فاسقة ، *وخير ما نقوله للقوى السياسية اليوم سواءً شاؤوا أم أبوا .. هو أن يجتهدوا في إحسان خاتمتهم ، فإن بعض الخير الذي سيعقب مكاره القتال إن شاءالله .. هو دفن صفحة القوى السياسية السودانية قاطبةً ، واستشراف فجرٍ جديدٍ بأجيالٍ جديدةٍ وأحزابٍ جديدة ووعيٍ جديد.*
اللواء (م) مازن محمد اسماعيل
إنضم لقناة النيلين على واتساب