الكارثة الانسانية – واجتماعات سويسرا
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
الصديق الصادق المهدي
تدور بين القوات الملسحة والحركات والمليشيات التابعة لهما والدعم السريع والمليشيات التابعة له معارك في أرجاء واسعة من البلاد تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة. وبسبب حرب 15 أبريل أصبح السودان يمثل الكارثة الإنسانية الأكبر في العالم، حيث يموت السودانيون بالجوع بأعداد كبيرة، فيما تهدد المجاعة نصف سكان السودان.
يموت السودانيون كذلك بالمرض وتوقفت 80 % من المرافق الصحية عن العمل، من جهة ثانية تتعرض الاغاثات، على محدوديتها، للنهب فلا تصل للمحتاجين ويتعرض عمال الإغاثة أنفسهم للقتل ويعتبر السودان ثاني أكبر مصدر للخطر على عمال الاغاثة على حسب تصريح الأمم المتحدة.
يتعرض المدنيون في سودان الحرب لكل أنواع العدوان من قتل ونهب واغتصاب، فنزحوا بأعداد ضخمة وتبعهم الضيق والمعاناة والمهددات الأمنية أينما حلوا ولجأت ملايين منهم لعدد من دول الجوار، وهؤلاء ايضا يعانون بدرجات متفاوتة.
إن استمرار الحرب لسبعة عشر شهر حتى الآن استنزف ما تبقى من مدخرات السودانين في الداخل والخارج، وظهرت الكثير من الافرازات الاجتماعية السالبة لحالة الضيق والبؤس والشقاء التي يعيشونها في كل أماکن تواجدهم.
إن الموت والانتهاكات والتشريد الذي يعاني منه السودانيون والدمار الذي لحق بالبنية التحتية والمنشآت في الخرطوم وعدد من المدن السودانية يحتم على الجميع طي هذه الصفحة المأسواية والتوجه بجدية نحو السلام فالحرب التي بدأت شبه نظامية تحولت الآن وأصبحت أقرب للحرب الأهلية.
بادرت الولايات المتحدة والمملكة السعودية بجمع طرفي الحرب في جدة قبل انقضاء الشهر الأول من اندلاعها، واتفق الطرفان في 11 مايو 2023 على: وقف اطلاق النار لمدة سبعة أيام، والتوقف عن والإمتناع عن الهجمات والأعمال العدائية وعن إحتلال المنشآت المدينة ومساكن المواطنين، وأتفقا على تهيئة الظروف المواتية لتقديم الإغاثة الطارئة ووصول الوكالات الإنسانية بأمان ودون عوائق، وإتفقا على لجنة مراقبة وتنسيق من 12 عضو بتمثيل (3) أعضاء من كل من الطرفين ومن دولتي الوساطة.
في 7 يوليو 2023 عممت الخارجية الأمريكية بيانا مشتركا من الولايات المتحدة والسعودية والإيغاد (نيابة عن الاتحاد الأفريقي)، حول محادثات جدة، جاء في البيان:إن المحادثات تركز على تسهيل المساعدات الانسانية، وتحقيق وقف إطلاق النار، واتخاذ تدابير لبناء الثقة بين الطرفين، وعبر الميسرون عن أسفهم لجهة أن الاطراف لم تتمكن من الاتفاق على ترتيبات وقف اطلاق النار خلال هذه الجولة.
في 19 يوليو 2024 أصدر العمامرة المبعوت الشخصي للأمين العام للامم المتحدة بيانا سرد فيه مبادرتهم لجمع ممثلي الطرفين في سويسرا لمناقشة التدابير الواجب اتخاذها لضمان توزيع المساعدات الإنسانية للمحتاجين ولحماية المدنيين في جميع انحاء السودان.
ذكر العمامرة أن المحادثات تعتبر خطوة أولى مشجعة ورحب بالإلتزامات التي تم الإعلان عنها من قبل أحد الطرفين لتعزيز المساعدة الإنسانية وحماية المدنيين ( الإشارة للدعم السريع ).
الدعوة لمحادثات جنيف:
أصدر وزير الخارجية الأمريكي بيانا جاء فيه: إن ملايين السودانيين على حافة المجاعة، وأن الحرب شردت 10 مليون شخص، ودعت بلاده بناء على عمليات جدة الطرفين لمحادثات وقف اطلاق النار في ١٤اغسطس في سويسرا، وان السعودية مضيفة مع سويسرا ومشاركة، وأن الاتحاد الإفريقي ومصر والإمارات والأمم المتحدة مدعوون كمراقبين.
ذكر الوزير الأمريكي أن الهدف: التوصل لوقف العنف وتمكين وصول المساعدات الإنسانية لجميع المحتاجين، وتطوير آلية قوية للرصد والتحقق لضمان تنفيذ أي اتفاق. وأن الحكم في السودان يجب أن يعود للمدنيين، ويجب أن يلعبوا الدور القيادي من تحديد عملية معالجة القضايا السياسية واستعادة التحول الديمقراطى في السودان. كذلك تدعو امريكا الطرفين لحضور المحادثات والتعامل معها بطريقة بناءة، مع ضرورة انقاذ الأرواح ووقف القتال وايجاد طريق للتوصل لحل سياسي للصراع عن طريق التفاوض.
أصدرت مجموعة متحالفون من أجل انقاذ الأرواح وتحقيق السلام
في السودان التى تضم أمريكا والسعودية والامارات و مصر والاتحاد الإفريقي وسويسرا والأمم المتحدة بيانا جاء فيه: حصلت المجموعة على ضمانات من كلا طرفي الصراع بتوفير وصول إنساني آمن ودون عوائق من خلال شریانين رئيسين: معبر الحدود الغربى في دارفور عند أدرى وطريق الدبة مع إمكانية الوصول من الشمال والغرب من بورتسودان، وأنه لا يجوز استخدام الغذاء والتجويع کسلاح في الحرب.
أكدت المجموعة أن تأمين الطرق من شأنه أن يوصل المساعدات الإنسانية لما يقرب من 20 مليون سوداني معرض للخطر، ورحبت بقبول قوات الدعم السريع بنظام إخطار مسبق لتسهيل تسليم المساعدات الإنسانية، وتشجع المجموعة القوات المسلحة السودانية على اتخاذ إجراءات بشأن مقترحات مماثلة.
في مواجهة العنف الوحشي المستمر، نوهت المجموعة لأهمية أن يتخذ الطرفان المتحاربات اجراءات فورية نحو تنفيذ إعلان جدة للالتزام بحماية المدنيين من السودان.
عملت المجموعة أيضا على تعزيز حماية المدنين، بما يتفق مع التزامات الأطراف بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان والتزامات إعلان جدة حثت المجموعة الطرفين، وحصلت على التزام قوات الدعم السريع بإصدار توجيهات قيادية لجميع المقاتلين من جميع صفوفهم بالامتناع عن الانتهاكات بما في ذلك العنف ضد النساء والأطفال واستخدام المجاعة أو نقاط التفتيش للاستغلال والهجمات على العمليات الإنسانية والخدمات الأساسية مثل الحقول الزراعية والمزارعين والعمليات المتعلقة بالحصاد.
رحبت المجموعة بقرار قوات الدعم السريع إرسال وفد رفيع المستوى إلى سويسرا وعلى الرغم من أتصالها المستمر مع القوات المسلحة افتراضياً، تأسفت لقرارهم بعدم الحضور. وقالت المجموعة إن عدم مشاركة القوات المسلحة السودانية حد من قدرتها على احراز تقدم أكثر جوهرية نحو القضايا الرئيسية وخاصة وقف الأعمال العدائية على المستوى الوطني.
دعت المجموعة المجتمع الدولى إلى الوفاء بتعهداته بالدعم المالي للاستجابة الإنسانية في السودان والمنطقة وزيادتها، بما في ذلك تلك التى ثم التعهد بها في باريس في أبريل 2024.
أوردت ما سبق لأخلص لأن الجهد الدولي والإقليمي المذكور منطلق من الإحساس بضرورة عمل شيء ملموس تجاه الكارثة الإنسانية في السودان وهذا واضح من تفاصيل ما سعوا للاتفاق عليه.
أيضا هناك قضايا سياسية فأمريكا (وكذلك الدول الغربية) يهمها أمن المنطقة وأمن القرن الإفريقي والبحر الأحمر وتتأثر كذلك بالهجرة غير الشرعية، وتتعرض حكوماتها لضغط من الكونجرس والبرلمانات والمنظمات الحقوقية.
دول الإقليم ودول جوار السودان تتأثر بتهديد أمنها باضطراب الأوضاع في السودان وبما تتيحه حرب السودان من ظروف مواتية لنشاط الجماعات الإرهابية في شرق وغرب القارة، ومن الضغوط الناتجة من تدفق اللاجئين السودانيين على بلدانها.
مؤسف جدا الموقف الذي اتخذته قيادة الجيش بعدم حضور مباحثات سويسرا التي تركز بالأساس كما رأينا على توصيل المساعدات وحماية المدنيين.
إن الأسباب التي سيقت للتخلف عن المباحثات واهية جدا، منها اشتراط تنفيذ اتفاق جدة الذي لم يلتزم الطرفان بتنفيذه، والاحتجاج يجب تقديمه للجنة المراقبة والتنسيق.
اتفاق جدة تم بعد أقل من شهر من اندلاع الحرب، ومرت عليه 15 شهر من الحروب والمواجهات، وبالضرورة يحتاج للمراجعة واستصحاب المستجدات والتي منها أن أراضى البلاد كانت تحت سيطرة الجيش، لذلك كانت مسألة خروج منسوبي الدعم السريع من البيوت والمنشآت المدنية ذات مدلول كبير؛ الآن تمدد الدعم السريع وأصبحت تحت سيطرته مدن وعدد من الولايات.
مهم للمواطنين الآن الاتفاق على وقف العدائيات وتوصيل الإغاثات وإخلاء البيوت من كل القوات وتقديم الخدمات.
إن عدم جدية القوات المسلحة وانتهاج أسلوب المراوغة مع امريكا واشتراط اعترافها بالحكومة الانقلابية واستغلال الكارثة الإنسانية في السودان لاجبارها على الاعتراف، أمر فيه عنقود من الأخطاء، فالسودان منذ 25 اکتوبر 2021 بلا حكومة شرعية، وسلطة الامر الواقع المدعومة من الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة والمؤتمر الوطني هي سلطة انقلابية.
كيف يتنازل الجيش السوداني عن واجبه المؤسسي في حماية المدنيين ويترك المهمة والدور الأخلاقي لأمريكا ؟ بل كيف يتحول قادة الجيش السودانى لمروجين ومحتجين على الانتهاكات التى تقع على المدينين ؟! فما هي مهمتهم التي أدوا عليها القسم ويستحقون بموجبها مرتباتهم؟!
الجيش السوداني تخلف قبل ذلك عن لقاء تقدم للاتفاق على إنهاء الحرب والحل السياسي للكارثة السودانية، وتخلف عن الالتزام بمبادرة المبعوث الشخصي للأمين العام للامم المتحدة، والآن يتخلف عن مباحثات سويسرا، الجيش يفعل ذلك ذلك انسياقا وراء التحالف مع المؤتمر الوطني و الحركات التي تؤيد المشروع الشمولي الذي يحقق للثلاثة أطراف مصالحهم عبر الممارسات الفاسدة، تهريب الذهب وتجنيب الأموال و استيراد المدخلات وتدر لمصالحهم الخاصة مليارات الدولارات كل عام.
استمرار المفاسد أو منظومة التمكين كانت سببا في انقلاب اکتوبر وهي المصلحة التى يجتمعون عليها الآن، ويريدون لها الاستمرار بعد الحرب.
وهذا هو سبب مشكلتهم مع تقدم التى تتبني المشروع المدني في السودان، وأهم معالمه تحقيق إصلاح الدولة وقفل أبواب الفساد وتوجيه موارد البلاد والتعاون الدولي في تنميتها، لمصلحة البلاد ولتمكين المواطن السوداني. لذلك يقبل المؤتمر الوطنى (على لسان أستاذة سناء حمد) الاتفاق مع الدعم السريع ويرفض ذلك مع تقدم لارتباطها (بإدعائهم) مع الدعم السريع!
المطلوب عمله:
1/ الانتهاكات قضية كبيرة تتطلب محاسبة وتعويض ويجب أن تخرج من السجال الحالي الذي حولها لأحد ميادين المعركة وجعلها البعض سببا لاستمرار الحرب نفسها مما يعني وقوع المزيد من الانتهاكات.
يجب الاتفاق على آلية مقتدرة كفؤة عادلة محايدة للتحقيق في كل الانتهاكات وتحديد أطراف ارتكابها وضحاياها لتؤسس على تقاريرها المحاسبة والتعويض. وكذلك التحقيق حول من أشعل فتيل الحرب في يوم 15 ابريل.
2/ القوات المسلحة السودانية عليها التجاوب بجدية مع مبادرات حماية المدنيين وتوصيل المساعدات ووقف العدائيات وإيقاف الحرب عبر التفاوض والعملية السياسية وعليها التحرر من النفوذ السياسي للمؤتمر الوطني وحلفاؤه والتركيز على تحقيق تطلعات ومصالح الشعب السوداني والقوات المسلحة السودانية.
3/ قوات الدعم السريع تتعاطى ايجابيا مع أطروحات ومبادرات الحلول السلمية وحماية المدنيين وتقديم المساعدات والتزمت بقضايا كثيرة تصب في مصلحة المدنيين في السودان مع تقدم ومع العمامرة وفي المبادرة الامريكية في سويسرا؛ عليها الوفاء بهذه الالتزامات وأن تنعكس على حياة الناس على الأرض فلا فائدة منها إن ظلت حبيسة على أوراق الاتفاقيات والالتزامات.
4/ القوى السياسية والمدنية تقدم والآخرين عليهم التوافق على متطلبات ايقاف الحرب ومزيد من المرونة مع بعضهم البعض للحد الذي لا يمس القضايا الجوهرية وعليهم تسهيل مهمة طرفي الحرب في وقف العدائيات وايقاف الحرب وعليهم والترتيب لعودة السودانيين لوطنهم ولبيوتهم والتخطيط والترتيب لإعادة إعمار البلاد
5/ خطوة التنسيق والتوسعة التي قام بها الوسطاء والمبادرون من المجتمع الدولي والإقليمي في سويسرا جيدة ويجب عليهم تكملتها بإضافة الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة (الترويكا والاتحاد الأوروبي والإيغاد). الوسومالصديق الصادق المهدي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة المساعدات الإنسانیة قوات الدعم السریع فی السودان فی سویسرا
إقرأ أيضاً:
كارثة إنسانية غير مسبوقة.. تقرير يرصد الدمار الذي خلفته الحرب في العاصمة السودانية
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا، للصحفية نسرين مالك، قالت فيه إنّ: "عاصمة السودان أُفرغت من مضمونها وجُرّدت أجزاء منها، ودُهس شعبها تحت وطأة صراع لم ينتهِ بعد"، موضحة: "قبل عشرة أيام، وفي نقطة تحوّل رئيسية في حرب دامت قرابة عامين، استعاد الجيش السوداني العاصمة من جماعة "قوات الدعم السريع" التي استولت عليها عام 2023".
وتابع المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّه: "ما نعرفه حتى الآن يرسم صورة لمدينة مزّقتها فظائع لا تُصدق؛ حيث أدّت الحرب لانزلاق السودان نحو أكبر كارثة إنسانية في العالم، متسببة في إبادة جماعية في غرب البلاد، ومجاعة هناك وفي مناطق أخرى".
وأضاف: "خاضت قوات الدعم السريع -التي تشكّلت رسميا ووُسّع نطاقها من بقايا الجنجويد- والجيش السوداني، الحليفان السابقان في السلطة، الحرب عندما انهارت شراكتهما. وكان الضحايا هم الشعب السوداني، الذي دُهست حياته تحت وطأة الحرب".
"إن مركزية الخرطوم في الحرب، سواء من حيث ازدهارها أو ما تمثله لقوات الدعم السريع كمقر للسلطة، قد جعلت المدينة عرضة لحملة انتقامية شديدة: فقد استولت قوات الدعم السريع عليها، ثم شرعت في نهبها وترويع سكانها لا حكم المدينة، بل جردت المدينة من ممتلكاتها" وفقا للمقال نفسه.
وأكّد: "يشعر أولئك الذين يغادرون منازلهم مترددين لاستقبال جنود القوات المسلحة السودانية بالجوع والعطش والمرض والخوف. يروون حصارا من السرقة والقتل، بينما أطلقت ميليشيا قوات الدعم السريع النار على من قاوموا مطالبهم. وخوفا من حمل قتلاهم إلى المقابر، دفن الناس قتلاهم في قبور ضحلة في شوارعهم وساحاتهم الخلفية. وفي أماكن أخرى، تُركت الجثث لتتحلل حيث سقطت".
وأبرز: "وردت تقارير عن انتشار العنف الجنسي ضد السكان المدنيين منذ الأيام الأولى للحرب. ويُعد عدم وجود تقدير موثوق لعدد القتلى مؤشرا على الحصار الشامل الذي كانت الخرطوم تعاني منه".
واسترسل: "في مناطق المدينة التي شهدت أشدّ المعارك، فرّ المدنيون، تاركين وراءهم مدينة أشباح. المشاهد مُروّعة. إذ تحوّلت مباني الخرطوم ومعالمها البارزة لهياكل محترقة، واكتست شوارعها بالأعشاب والنباتات. في تجسيد صارخ لقطع شريان الحياة في البلاد، احترق المطار، الذي كان يعمل حتى الساعات الأولى من الحرب، وكانت الرحلات تستعد للإقلاع، حتى تحول إلى هيكل أسود. ولا تزال بقايا الطائرات التي أوقفتها الحرب على المدرج".
ووفقا للتقرير نفسه، فإنّ "الدمار السريع لمطار الخرطوم، يُظهر السمة الأبرز لهذه الحرب -كم كانت مُتسرّعة-. كيف انسلخت السودان من حالتها الطبيعية بسرعة وغرقت في حرب لم تتصاعد بمرور الوقت، بل انفجرت بين عشية وضحاها"، مردفا: "حمل الملايين كل ما استطاعوا من ممتلكاتهم وفرّوا مع تقدم قوات الدعم السريع. وتم نهب ما تركوه وراءهم سريعا".
وأضاف: "ما حدث في الخرطوم هو أكبر عملية نهب لمدينة أفريقية، إن لم تكن لأي عاصمة، في التاريخ الحديث. من التراث الثقافي للبلاد إلى ممتلكات شعبها، لم ينجُ شيء. أُفرغ المتحف الوطني السوداني، الذي يضم قطعا أثرية ثمينة من الحضارتين النوبية والفرعونية. دُمّر ما لم يكن بالإمكان نقله".
"نُهبت المنازل والمحلات التجارية، وسُرق كل شيء من الأثاث إلى المتعلقات الشخصية. حتى الأسلاك الكهربائية لم تسلم: نُبشت وجُرّدت لبيعها. وتُظهر صور من المدينة بقايا سيارات، جميعها بعد إزالة عجلاتها ومحركاتها" وفقا للتقرير نفسه الذي ترجمته "عربي21".
ومضى بالقول إنّ: "حجم السطو والدمار الذي يظهر جليا يُشير إلى نهاية حصار الخرطوم، كلحظة مُبهجة وحزينة في آن واحد. إن التحرّر من آلام الاحتلال الوحشي هو مدعاة للارتياح والاحتفال، لكن حجم الخسائر، وما يتطلبه إعادة البناء، هائل ويمتد لأسس القدرات المادية والإدارية للمدينة".
وتابع: "هناك مسألة بناء الأمة وإنهاء الحرب في جميع أنحاء البلاد. لقد تفكك السودان عسكريا، واحتشد الشعب خلف القوات المسلحة السودانية لاستعادة وحدة أراضي البلاد وتخليصها من قوات الدعم السريع. لكن مسألة إخراج جميع الهيئات العسكرية من الحكم، وهو مطلب أحبطته شراكة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بعد ثورة 2019 التي أطاحت بعمر البشير".
وأبرز: "أصبحت معلقة في هذه العملية، ما دفع السودان أكثر نحو الحكم العسكري وتوحيده تحت قيادة القوات المسلحة السودانية. وتمّ استقطاب الوكلاء والمرتزقة وموردي الأسلحة، وأبرزهم الإمارات، التي دعمت قوات الدعم السريع. لقد أطالت هذه الجهات الفاعلة عمر الحرب وغرقت في الكثير من التكاليف في الصراع لدرجة أن مشاركتها ستجعل على الأرجح الانتصارات الكبيرة للقوات المسلحة السودانية غير حاسمة على المدى القصير".
وأكّد: "لقد تخلى المجتمع الدولي عن السودان تقريبا لمصيره، مع مئات الملايين من الدولارات من المساعدات التي تعهدت بها والتي لم تتحقق أبدا وتفاعلا سياسيا بائسا"، مردفا: "انتقلت ميليشيا قوات الدعم السريع الآن لمعقل في غرب البلاد، حيث تسيطر على كل مدينة رئيسية تقريبا".
وختم التقرير بالقول: "بلغ حجم العنف هناك ضد الجماعات العرقية والقبائل غير المتحالفة مع قوات الدعم السريع حد التطهير العرقي والقتل الجماعي الذي يُعيد إلى الأذهان إبادة الألفية الثانية، وتتحمّل القوات المسلحة السودانية، بقصفها المميت، مسؤولية سقوط العديد من الضحايا المدنيين، ولها نصيبها من الاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية".
واستطرد: "ما انتهى في الخرطوم وشرق السودان لا يزال مستعرا، وبشدة أكبر، في أماكن أخرى. ربما تكون قوات الدعم السريع قد فقدت جوهرة تاجها، لكن الحرب لم تنتهِ بعد".
إلى ذلك، أكّد: "في غضون ذلك، فإن القدرة على إحصاء الخسائر، بدلا من معايشتها فعليا، هو أفضل ما يمكن أن نتمناه. وما هذه الخسائر، ليس فقط لسكانها، وليس للسودان فحسب، بل لعالم فقد مدينة جميلة وتاريخية وعريقة. لقد تمزقت الخرطوم وتناثرت أجزاؤها في جميع أنحاء السودان. ما تبقى منها يسكن في قلوب أهلها".