ليسمع من به صمم ويفهم الدرويش ويناقشنا صاحب العقل المفتوح
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
زهير عثمان
الادعاء الأجوف الذي يكتب في حق المواقع السودانية بأن هذا الموقع أو ذاك وطرحي دفاعا عن كل منابر الإبداع السودانية وعلي من يظن أنه الوصي علي مصائر مواعين الثقافة وما يكتب بها , ويعلنون أنهم أوصياء الثقافة هم لعنة على مواعين الإبداع في بلدنا، حيث يعملون على تقييد حرية التعبير والإبداع
ويعززون من الانغلاق الثقافي , إن مواجهة هذه اللعنة تتطلب من المجتمع فتح الأبواب أمام التنوع الثقافي والإبداعي، وتشجيع المواهب الجديدة على الظهور والتعبير عن نفسها بحرية.
في كل مجتمع فكري وثقافي، هناك من يظن نفسه حامي حمى الإبداع وحارس بواباته. لكن عندما يتحول النقد إلى ادعاءات جوفاء وتحريض على مغادرة المنبر، فإن الرد يجب أن يكون بصرامة ووضوح لا يترك مجالاً للشك.
ولمن يظن أن بعض المنابر "منكوب"، دعني أخبرك أنك أنت المنكوب بالفعل، وأن من يرى في نفسه صلاحية لتقرير من يبقى ومن يغادر، لم يفهم بعد جوهر الفكر والحوار. إن دعوتك للرحيل تكشف عن ضعف قناعاتك وضحالة رؤيتك، فلا يمكن لمنبر عريق أن ينحني أمام أصوات واهية لا تتجاوز في قوتها صدى نقرات أزرار لوحة المفاتيح.
الادعاء بأن المنابر قد تفقد بريقها وتتحول إلى "جدار في قارعة الفضاء" ليس إلا تعبيراً عن انعدام القدرة على مواجهة التنوع والاختلاف. إن ما تسميه "آفة نقل المواد" هو في الواقع تعبير عن حرية التعبير والإبداع الجماعي، وهو ما يجعل منابر كهذه حية ومتجددة. الاتهامات الموجهة ضد المشاركين الحاليين تفتقر إلى المصداقية والفهم العميق لمعنى الحوار الفكري. بل إنها تعبر عن رغبة في السيطرة وإقصاء الأصوات الأخرى، ما يشكل تهديداً حقيقياً للحوار الحر والمفتوح.
أما بالنسبة لمن يظن أن مقاطع الفيديو والمحتويات المنقولة تشوه المنابر وتقلل من قيمتها، فعليه أن يدرك أن العالم قد تغير، وأن أدوات التعبير تعددت وتنوعت. الإبداع لم يعد حكراً على النصوص المكتوبة فقط، بل أصبح يشمل الصور والفيديوهات وكل أشكال الوسائط المتعددة. ومن ينكر ذلك هو في الحقيقة عالق في الماضي، غير قادر على استيعاب التحولات الثقافية التي تجتاح العالم.
إن الادعاء بأن "المنابر منكوبة" هي محاولة بائسة لتبرير فشل البعض في مواكبة الزمن وفي التفاعل مع التطورات الجديدة. أولئك الذين يرون في أنفسهم "مبدعين" ويزعمون أنهم بلغوا "الثريا بأعمالهم الصغيرة" قد نسوا أن الإبداع لا يقاس بحجم الأعمال، بل بقدرتها على التأثير والتغيير.
أولاً التسلط الثقافي وانعكاساته , أن ظاهرة أوصياء الثقافة ليست جديدة، ولكنها تتجلى بشكل واضح في محاولاتهم المستمرة لفرض هيمنة فكرية على الساحة الإبداعية. هؤلاء الأوصياء يتصرفون كما لو كانوا حراسًا على أبواب الإبداع، يقررون ما هو مقبول وما هو غير مقبول، ومن يستحق أن يكون جزءًا من هذا الحقل ومن يجب إقصاؤه. هذه الوصاية تحمل في طياتها نوعاً من الاستعلاء الثقافي الذي يسعى إلى إقصاء الأصوات الجديدة والتجارب المبتكرة، والتي غالبًا ما تكون مخالفة للسائد والمألوف.
إن هذا التسلط لا يؤدي إلا إلى خنق الإبداع والحد من التنوع الثقافي فقط ، حيث يحاول هؤلاء الأوصياء تقييد المساحة المتاحة للتعبير الحر والمبتكر. بدلًا من تشجيع التنوع والانفتاح على الأفكار الجديدة، يعملون على تعزيز نماذج محددة وثابتة للإبداع، مما يساهم في خلق بيئة ثقافية راكدة وغير متجددة.
ثانياً الضرر الناجم عن الوصاية الثقافية , السيطرة الثقافية التي يمارسها أوصياء الثقافة تؤدي إلى عدة أضرار واضحة منها إقصاء المواهب الجديدة وعندما تسيطر فئة معينة على مواعين الإبداع، فإنها تميل إلى إقصاء أي صوت جديد لا يتماشى مع رؤيتها.
إقصاء المواهب الجديدة: عندما تسيطر فئة معينة على مواعين الإبداع، فإنها تميل إلى إقصاء أي صوت جديد لا يتماشى مع رؤيتها. هذا يؤدي إلى حرمان المجتمع من الإسهامات القيمة التي يمكن أن تقدمها هذه المواهب، ويحول دون تجديد الدماء في الساحة الثقافية.
تقليص حرية التعبير و تعمل الوصاية الثقافية على تضييق مساحة حرية التعبير، حيث يخشى الكثيرون من التعبير عن أفكارهم بحرية خوفًا من الانتقاد أو الإقصاء. هذا يحد من إمكانية طرح أفكار جديدة وإبداعية في المجتمع.
تعزيز الانغلاق الثقافي عبر فرض معايير صارمة للإبداع، يسهم أوصياء الثقافة في خلق بيئة مغلقة وغير منفتحة على التعددية والتنوع. هذا الانغلاق يعيق التفاعل مع الأفكار العالمية ويحد من تطور الثقافة المحلية.
في كل العوالم الثقافية، يُعتبر كل ما يُكتب، حتى وإن كان غثًا، نتاجًا ثقافيًا يستحق النقاش والتحليل، وليس الطرد من حظيرة رحمة داعمي الفكر والإبداع. فحتى الأطروحات الغريبة والفجة، مهما كانت حدتها، تجد في تلك العوالم المتحضرة مساحة للتعبير وميادين للنقاش والمناظرة. هناك، يُفسح المجال لكل رأي ليأخذ حقه من التقييم والتمحيص، حيث يتم التحقق من هذه الآراء بمزيد من الدقة والتأمل، دون قمع أو إقصاء.
إلى متى سنظل نحن أسرى هذه العوالم المغلقة، نسقط في فخ قهر المثقفين الذين لا يريدون سماع الآخر المختلف معهم أو حولهم؟ إن الاستمرار في هذه الحالة من الانغلاق الثقافي لا يؤدي إلا إلى تراجع الفكر وتقييد حرية الإبداع. إن الساحة الثقافية الحقيقية لا تعرف حدودًا للأفكار، بل تفتح أبوابها لكل رأي وكل إبداع، مهما كان مخالفًا أو غير مألوف. هذا هو السبيل الوحيد لضمان تطور ثقافي نابض بالحياة، حيث تتلاقح الأفكار وتتصادم في حوار حر ومفتوح، يؤدي في النهاية إلى إثراء المجتمع الثقافي وإغناء التجربة الإنسانية برمتها.
ثالثاً دعوة للتحرر من الوصاية الثقافية
لمواجهة هذه اللعنة الثقافية، يجب على المجتمع أن يتحرر من قيود الوصاية الثقافية التي تفرضها فئة معينة على الساحة الإبداعية. يجب أن نفتح المجال أمام جميع الأصوات، بغض النظر عن مدى توافقها مع المعايير التقليدية أو مدى ابتكارها. فالإبداع الحقيقي ينبع من الحرية، والتنوع هو ما يثري الثقافة ويجعلها قادرة على التفاعل مع المتغيرات والمستجدات.
كما يجب على المبدعين أنفسهم أن يتحدوا هذه الوصاية، وأن يرفضوا الانصياع للمعايير المفروضة عليهم. يجب أن يواصلوا طرح أفكارهم وتجاربهم الإبداعية بكل جرأة وشجاعة، دون خوف من الانتقاد أو الإقصاء. إن التحلي بالشجاعة في مواجهة هذه القوى المسيطرة هو السبيل الوحيد لضمان بقاء الثقافة حية ومتجددة.
أوجه رسالة واضحة لمن يشعر بالإحباط والخذلان: المنابر ليست منكوبة، بل أنتم من فقدتم القدرة على مواكبة التطور. دعونا نعمل معاً من أجل تعزيز الحوار والإبداع، بدلاً من الغرق في بحر من الانتقادات الهدامة التي لا تقدم ولا تؤخر. إن أراد أحد المغادرة، فلا حاجة للندم عليه، لأن المنابر سيظل حرة، ومفتوحة لكل صاحب فكر وقلم، يجمع بين قديم المبدعين وجديدهم، يجدد فيه الإبداع نفسه مع كل يوم جديد.
هذا القليل عن أوصياء الثقافة على مواعين الإبداع في بلدنا ونقد لظاهرة السيطرة الثقافية , وفي كل مجتمع، تبرز فئة تدعي لنفسها الحق في أن تكون حارسة على الثقافة والإبداع، تحاول فرض رؤيتها ومعاييرها على الآخرين وكأنها تملك الحقيقة المطلقة. في بلدنا، هؤلاء الأوصياء على الثقافة يمثلون لعنة حقيقية على مواعين الإبداع، حيث يعملون على تقييد حرية التعبير والإبداع بدلاً من تشجيعهما
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: حریة التعبیر من یظن
إقرأ أيضاً:
الرحبي: مشاركة عمان في معرض الكتاب فرصةً لاستعراض المشهد الثقافي العُماني وتجسيد روح التواصل مع مصر
أكد السفير عبدالله الرحبي سفير سلطنة عمان بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية أن مشاركة عمان في معرض القاهرة كانت فرصةً لاستعراض المشهد الثقافي العُماني بكل ما يحمله من تنوع وإبداع وأصالة، سواء عبر الإصدارات الأدبية، والندوات الفكرية، والعروض الفنية، أو من خلال المحاضرات وحلقات النقاش التي جمعت نخبةً من المفكرين والأدباء من عُمان ومصر، فكانت جسراً ممتداً بين ثقافتين عريقتين، وأثرت الحوار حول قضايا الفكر والإبداع، كما لفتت الفرقة العُمانية للفنون التقليدية أنظار جمهور المعرض.
وقال السفير عبدالله الرحبي في كلمته: «في هذا اليوم الذي نختتم فيه فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين، والذي تشرفت فيه سلطنة عُمان بأن تكون ضيف الشرف، نستحضر بكل اعتزاز ما مثّلته هذه المشاركة من قيمٍ ثقافية راسخة، حيث أُتيح لنا أن نجسّد روح التواصل الحضاري والمعرفي الذي يربط الشعوب، ويعزز أواصر التفاهم والحوار الإنساني».
وأكد سفير عمان: «لقد كانت مشاركتنا مقدمةً مشهداً حياً من التراث العُماني الأصيل، يعكس ثراء المخزون الفني والشعبي لسلطنتنا الحبيبة».
وتوجه «الرحبي» بخالص الشكر والتقدير إلى مصر، قيادةً وحكومةً وشعباً، على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، وعلى التعاون المثمر الذي أسهم في إنجاح هذه المشاركة، مؤكدين عمق العلاقات العُمانية-المصرية التي تتجاوز الأبعاد الرسمية، لتجسد روابط أخوية وثقافية متينة.
كما تقدم بوافر الامتنان إلى وزارة الثقافة المصرية، وعلى رأسها الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، لما قدموه من دعم وتعاون لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية الكبيرة، وإلى الدكتور أحمد بهاء الدين، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومعاونيه، وجميع العاملين في المعرض، الذين بذلوا جهوداً جبارة ليكون هذا الحدث بالصورة التي تليق بمكانته وتاريخه.
وتابع: «لا يفوتني أن أشيد بالدور المحوري لوسائل الإعلام المصرية ورجالاتها، الذين كانوا كخلية نحل في نشاطهم وتغطياتهم، وقدموا نموذجاً مهنياً مشرفاً يعكس ريادة الإعلام الثقافي المصري، فكانوا بحق شركاء في نجاح هذا الحدث».
كما توجه بجزيل الشكر إلى وزارة الثقافة والرياضة والشباب في عُمان، وعلى رأسها ذي يزن بن طارق آل سعيد، وزير الثقافة والرياضة والشباب، على دعمهم لهذه المشاركة.
واستكمل: «نغادر هذا المعرض بزخم ثقافي كبير، وبتجربة ثرية أكدت لنا أن الثقافة كانت وستظل سفيراً للحوار والتفاهم والسلام، فالكلمة كانت وستظل أداةً قوية في بناء الوعي، وترسيخ القيم الإنسانية المشتركة، خاصةً في هذا الزمن الذي تواجه فيه أمتنا تحدياتٍ كبرى، ما يجعلنا أكثر إيماناً بأن الكتاب والمعرفة هما السبيل لبناء الإنسان وتعزيز الأمل بالمستقبل».
وفي الختام، توجه السفير بالشكر لكل من أسهم في إنجاح هذه التجربة، ونتطلع إلى أن تتجدد لقاءاتنا في محافل ثقافية قادمة، نواصل فيها تعزيز جسور الحوار والتعاون، لما فيه خير أمتنا ومستقبلها المشرق.