بلاد السودان ما بين الوسآئط و الوساطة و الصُّوَاطَة
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
فيصل بسمة
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
الوسآئط الإجتماعية:
و لقد لعبت الوسآئط الإجتماعية ، و ما زالت تلعب ، دوراً أساسياً و متعاظماً في الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان ، و قد إشتهرت و ذاعت فيها و من خلالها أفراد و تجمعات و منصات و قنوات فاقت في كثرتها الهم في القلب.
و قد تركزت ”الإسهامات“ الوسآئطية في:
- نقل الأخبار و التصريحات النارية و الخطابات الجماهيرية الحماسية المتضمنة رسآئل موجهة مباشرة أو مبطنة إلى المواطن البسيط و الرأي العام من قبل طرفي الحرب: اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة/مجلس سيادة و حكومة الأمر الواقع (الكيزان) و مليشيات الجَنجَوِيد المتمردة (الدعم السريع)
- بث و نشر أحاديث/تحريضات القيادات الكيزانية التي تعمل في الخفآء من داخل السودان أو تلك التي تعمل في العلن و عبر الحدود من دول اللجوء تُحَمِّسُ في طَار (دف) الحرب و ترفض الحل عن طريق الحوار و تدعو إلى الإستمرار في البَل!!!
- نشر أباطيل الأبواق المأجورة لمليشيات الجنجويد المتمردة عن تحرير الأراضي و تفكيك دولة ستة و خمسين (٥٦) و تأسيس الدولة الفيدرالية الجديدة!!!
- نشر تفاصيل الوقآئع الميدانية و الإنتصارات و الكيفية التي تم بها البَل و الجِغِم و التدوين و المَتِك و الفتك ، هذا إلى جانب نشر الصورة التي تبين و توثق: الإنتهاكات و الفظآئع و إذلال الأسرى و طرق القتل و التمثيل بالجثث و آثار الدمار الذي أصاب بيوت المواطنين و المصانع و المرافق الحكومية
- نشر الأرآء و الأفكار و الخطط الحربية حتى تكون متاحة إسفيرياً للمتابعين و المعجبين مع الترويج لبعض من النشطآء و تسويقهم كخبرآء و قادة و أركان في غرف إدارة العمليات الحربية
- نشر الخطابات الدعآئية/العدآئية المتبادلة بين الطرفين و التي تمجد العنصرية و تكرس الجهوية و ترسخ الكراهية
- نشر أحاديث الإفك و الأخبار المضللة الملفقة بصور إحترافية لا تخلو في الكثير من الأحيان من الجهل و العبط و السذاجة!!! ، و يبدوا أن القآئمين على أمر إنتاج مثل هذه المواد يعتقدون/يفترضون أن المتلقين لبضاعتهم المفبركة الضاربة محدودي الذكآء و تنقصهم الإمكانيات و يمكن خداعهم و توجيههم بسهولة و يسر
- النيل من الخصوم المعارضين عن طريق تعرية الفساد و نشر الغسيل القذر بإفتراض أن عمليات الفضح الوسآئطي/الإسفيري تساهم بصورة فعالة في إسراع وتيرة القتل المعنوي و تدمير الخصوم المعارضين و من ثم إبعادهم عن الساحة/المشهد السياسي ، لكن يبدوا أن الوالغين في السياسة و الشأن السوداني من جماعات الأرزقية و الطفيلية السياسية و الاقتصادية و السواقط الحزبية و الفواقد التربوية و الإجتماعية لا تهز شعراتهم أو ترعبهم أو تهمهم مثل هذه الإبتزازات الوسآئطية بدليل أن الكثيرين ممن فُضِحَت و عُرِّيَت شخصياتهم الفاسدة و نشرت تفاصيل ممارساتهم الغير سوية ما زالوا يمارسون أمور الحكم و السياسة بأعين قوية و كأن شيئاً لم يكن ، و الأمثلة لهذه الفئة من (الأراذل) هَبَطرَش و ذي الطُّمَام في البطن
- تلميع و إعادة تدوير لبعض الشخصيات السودانية التي تدعي المعرفة و الخبرة و المرجعية و التي يدور حولها شَكَل و جدل و لغط عظيم حول مصداقيتها و نزاهتها أو تلك التي لا يختلف سودانيان إثنان حول حقيقة أنها شخصيات ضاربة و فيها نفث و إِنَّ
الوساطة:
و معلومٌ أن الوساطة نشاط محايد يهدف إلى فض النزاعات و إحداث الصلح بين المتخاصمين تحقيقاً للسلم و حفاظاً للمصالح ، و الوساطة تعني التوسط بين أطراف متنازعة و السعي بينها بغرض الوصول إلى وفاق و إتفاق يحدث الصلح و ينهي الصراع ، و ذلك عن طريق ترتيب منافذ الإجتماعات و أليات التفاوض و الحوار و تسهيل عمليات تقريب/جسر/ردم الفجوات و التباعد في وجهات النظر ، و أكثر الوسطآء فعالية ذلك الذي يحظى بقبول الأطراف المتنازعة و الإقليم و العالم و يمتلك المقدرات و الأدوات التحفيزية و كذلك القوة و الأليات الضاغطة التي ترهب/تجبر المتخاصمين/المتنازعين/المتقاتلين على قبول عروض و مقترحات الوفاق المقدمة إليهم فيخضعون/يجنحون إلى السلم و الصلح...
الصُّوَاطَة:
و الصُّوَاطَة من لسان أهل السودان ، و هي مشتقة من الجذر صَاطَ و تصريفها صَاطَ يَصُوطُ الصَّوَّاطُ صُوَاطَةً ، و الصُّوَاطَة تعني التحريك بغرض الخلط و الإذابة ، و لا يكتمل معنى صَاطَ دون إلحاق/إضافة الفعلين جَاطَ و عَاسَ ، و إضافة الجُوط و العُوَاسَة إلى الصَّوَاطَة يفيد إلى جانب الخلط و الذوبان الإرباك و العرقلة و الإعاقة و بصورة أوضح و أبلغ ، و العُوَاسَة هي عملية صنع طَرَقَات (رقآئق) الكِسرَة (الخبز) السودانية ، و الأفضل عدم الخوض و الإسهاب في وصف طريقة عمل الكِسرَة و العُوَاسَة حتى لا يحدث إرباك و خلط و لبس!!! ، و قد جرت العادة على القول:
فلان صَاطَ الموضوع و جَاطُو و عَاسُو...
و تستخدم هذه العبارة في سياق وصف تعقيد الأمور و تَبوِيظَها بقصد أو بدون قصد ، و كذلك في حالات السعي بين الناس بغرض تمييع الأمور و إزكآء نيران الخلافات و إحداث القطيعة بألية المَدَيدَة حَرَقَتنِي...
و الغالب و العادة أن تجتمع الوساطة مع الصُّوَاطَة ، و الأصل في هاتين العمليتين كما في العُوَاسَة الحركة الدؤوبة و التي غالباً ما يكون فيها التكرار و المداومة كما حركات المكوك حيث يسعى/يجري الوسيط بين الأطراف/المعسكرات المتنازعة كما رجل الخط في مباريات كرة القدم يتوسط علناً في مجريات المباراة و يرفع الرايات و في ذات الوقت يَصُوطُ و يجوطُ و يعوسُ مع الحكم بالهمس من تِحِت تِحِت!!!...
و لا يشترط في الوسيط الصَّوَّاط أن يكون فرداً كما حالة فلان و علان المعلومين للجميع فقد تأتي الصُّوَاطَة من قبل جماعة كما الحال مع تنظيم الإخوان المسلمين (الكيزان) أو تكون من تدابير حزب كما حالة حزب المؤتمر الوطني (الكيزان و أذنابهم) أو بتسهيلات من منظمات كما في حالة المنظمات الإقليمية و العالمية الوالغة في الشأن السوداني أو برعاية دول كما في حالة الدول العظمى فيما ورآء البحار أو تلك التي في الجوار أو تلك الأخرى الشقيقة!!!...
و الحديث عن الوساطات و الدول و المنظمات التي أبدت الرغبة في التوسط في الشأن السوداني ذو شجون ، و قد يطول ، و ربما يقود إلى مآلات لا تخلو من التعقيدات المركبة و اللَّولَوَة المفضية إلى تعريجات دهاليز الخيال السياسي الخصب و نظريات المؤامرة و أخواتها...
و معلومٌ أن ظاهر الغرض من الوساطات في الأزمة السودانية هو السعي ”الحميد“ في تقديم الخدمات/الغطآءات السياسية و الدبلوماسية و تسهيل عمليات التفاوض بين طرفي القتال بهدف الوصول إلى إتفاقيات توقف الحرب و الدمار و القتل و الإنتهاكات في بلاد السودان ”الحبيبة... بلد الناس الطيبين“ و تُسَهِّلُ ”فتح الممرات/المعابر الآمنة“ و من ثم توصيل ”العون/الإغاثة/المساعدات الإنسانية“ إلى ملايين ”المتضررين“...
و قد جرت العادة على أن لا يتقدم للوساطة إلا من لديه الرغبة و القدرة على إحداث الوفاق و الصلح ، و لكن يبدوا أن بلاد السودان و بعد أن إنهارت دولتها و خاب أمرها صارت قبلة جاذبة للوسطآء من فصيلة الصَّوَّاطِين و الجَوَّاطِين و العَوَّاسِين و البِسوَىَٰ و الما بِسوَىَٰ ، وسطآء إقليميون و دوليون يتحاشون مخاطبة تطلعات ملايين السودانيين في الفُرقَان و الحَلَّال و المدن داخل السودان أو في دول النزوح و الإغتراب و المهاجر و طموحاتهم/رغباتهم في وقف الحرب و الإنتهاكات و تفعيل السلام و العودة إلى الديار ، و عوضاً عن ذلك تجدهم (الوسطآء) منغمسين/منشغلين/منهمكين في الأسفار و الجولات المكوكية و عقد المؤتمرات و الإجتماعات و إكثار الأحاديث و نشرها في منصات الوسآئط الإجتماعية و أسافير الشبكة الإسفيرية و الخروج بالتصريحات و الندآءات و الإعلانات و توصيات: القلق و الإنزعاج مما يحدث ، و الشجب و الإدانة لما حدث ، و مناشدة و حث أطراف النزاع على تحكيم ندآء/صوت العقل ، و ضمان المعابر و الممرات الآمنة و توصيل الإغاثة و المساعدات الإنسانية إلى تجمعات النازحين و المتضررين!!!...
و هذه النوعية من الجهود و الوساطات و الأحاديث و الأخبار مما يجذب إنتباه و إهتمام وكالات الأنبآء العالمية و القنوات التلڨزيونية و المنصات الإعلامية و منظمات حقوق الإنسان و العون الإنساني ، و يساهم في زيادة الأسهم و لفت أنظار لجان جوآئز نوبل و نظيراتها ، و الشاهد و الواقع يشير إلى أن هذه الجهود ”الوسآئطية“ لا بِتوَدِّي و لا بِتجِيب ، و أنها لا تلبي مطلقاً طموحات الملايين من المشردين و النازحين العدمانين التَّكتَحَة الذين يعانون/يعايشون يومياً عذابات الخوف و معاناة التشريد و مآسي النزوح و ذل العوز و ألام المسغبة...
الخلاصة:
ما حك جلدك مثل ظفرك...
و ليس هنالك في الوقت الحاضر و الزمن العَلِينَا دَه وساطة لله في الله ، فأغلب/جميع الوساطات تعمل تحت شعار ”خدمة المصالح المشتركة/الذاتية“ ، و أمر الوساطات يمكن تلخيصه ببساطة شديدة في أنه يدور حول محوري/فلكي الدول/الجهات المستفيدة من إستمرار/إستدامة الحرب بما يضمن المصالح و إستمرار التجارة و تدفق المعادن الثمينة و المواد الخام و تجارة السلاح أو تلك التي تستثمر و تراهن على حصاد الثمار في فترة ما بعد إيقاف الحرب عن طريق الهيمنة و الوصاية و عقودات الإستثمار/الإحتكار الطويلة الأجل ، و ما بين هذين المحورين/الفلكين و خلالهما تتم/تجري عمليات الصُّوَاطَة و العُوَاسَة و كل الجُوطَة...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بلاد السودان أو تلک التی عن طریق
إقرأ أيضاً:
دعاة الحرب والقتلة- سخرية الأقدار في زمن الخراب السوداني
في خضم الحرب الأهلية التي تعصف بالسودان، تطفو على السطح مفارقة مأساوية لا يمكن تجاهلها: أولئك الذين يتشدقون بالوطنية ويلوكون كلمة "العمالة" بأفواههم هم أنفسهم من أشعلوا نيران الفتنة، وسكبوا دماء الأبرياء، وحوّلوا البلاد إلى ساحة مفتوحة للقتل والدمار. إنها سخرية الأقدار أن يتحول القتلة إلى دعاة للوطنية، وأن يرفعوا أصواتهم بالحديث عن الخيانة بينما هم من جلبوا الخراب إلى أرض السودان.
في ظل هذه الحرب الضروس، تحولت منصات البث المباشر ووسائل التواصل الاجتماعي من أدوات لنشر الوعي إلى منابر للتحريض على العنف. ما كان يُفترض أن يكون وسيلة لإظهار الحقائق وتحقيق العدالة، أصبح أداة لتأجيج الكراهية وتمزيق النسيج الاجتماعي. يتنافس المتحدثون على هذه المنصات في إطلاق الاتهامات والتخوين، بل إن بعضهم لا يتورع عن الدعوة الصريحة للعنف، وكأن الدم السوداني قد أصبح رخيصًا في عيونهم.
الأمر الأكثر إيلامًا هو أن العديد من هؤلاء المحرضين لا يمتلكون أي مشروع سياسي أو فكري حقيقي. هم مجرد أدوات تُستخدم لخدمة أجندات خارجية أو مصالح شخصية ضيقة. لا فرق بين من يدعمون المليشيات أو الجيش النظامي؛ فكلاهما يساهم في إطالة أمد الحرب من خلال خطاب الكراهية والتحريض. هم وقود الصراع، وليسوا حلًا له.
القتلة يرفعون شعار الوطنية!
المفارقة الأكثر إثارة للاشمئزاز هي أن أولئك الذين سفكوا دماء السودانيين باتوا اليوم يتحدثون عن "الوطنية" و"الشرف". كيف لمن قتل الأبرياء ودمر المدن أن يدعي الدفاع عن الوطن؟ كيف لمن يتلقى الدعم من جهات خارجية أن يتحدث عن السيادة الوطنية؟ إن خطاب "العمالة" الذي يروجون له ليس سوى محاولة يائسة لتبرئة أنفسهم من الجرائم التي ارتكبوها، ولإقناع الشعب السوداني بأنهم الضحايا وليسوا الجلادين.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن هؤلاء المحرضين هم جزء لا يتجزأ من المشكلة. هم من ساهموا في تحويل السودان إلى ساحة حرب بالوكالة، حيث تُستخدم البلاد كمسرح لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. لا يمكن لمن يقف وراءه دعم خارجي، ويمارس القتل والنهب، أن يدعي أنه يحمي سيادة الوطن.
ما الحل في زمن الحرب؟
في ظل هذه الأوضاع المأساوية، يبقى الحل الوحيد هو فضح زيف هذه الخطابات وكشف تناقضات أصحابها. يجب على الشعب السوداني أن يرفض الانجرار وراء خطابات الكراهية والاستقطاب، وأن يعمل على إيقاف نزيف الدم الذي يستنزف البلاد. السودان بحاجة إلى أصوات العقل والحكمة، لا إلى أمراء الحرب ودعاة الفتنة.
لن يتحقق السلام إلا بمحاسبة كل من تورط في سفك الدماء، ورفض كل الأصوات التي تحرض على العنف. يجب أن يُحاكم كل من استخدم السلاح ضد شعبه، وأن تُحاسب كل جهة ساهمت في تأجيج الصراع. فقط عندها يمكن أن يعود السودان وطنًا آمنًا لكل أبنائه، بعيدًا عن لغة التخوين والتحريض التي أوصلته إلى حافة الهاوية.
السودان يستحق أن يعيش بسلام، وأن يبنى من جديد على أسس العدل والمساواة. أما دعاة الحرب والقتلة، فليعلموا أن التاريخ لن يرحمهم، وسيحكم عليهم بما يستحقون.
zuhair.osman@aol.com