إنجاز منبر جنيفا – التحالف من أجل تعزيز السلام
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
عندما يعلو صوت الجار وهو يصرخ في وجه زوجته، يتوافد إليه جيرانه ويقتحمون منزله لرأب الصدع الذي أحدث ذلك الضجيج المزعج، هذا حال الأفراد، فما بالك بحال الدول والحكومات المشتعلة بالخلافات المصيرية بين مكوناتها السياسية والعسكرية، لقد كانت الأوضاع في السودان قبل الحرب قابلة للتعاطي والسجال المدني، القادر على التوصل إلي حل سياسي بين العسكريين والمدنيين، لكن قررت فئة ضالة إشعال الحرب عسى أن تحافظ على منظومة الحكم المهترئة القديمة، فكما نقول ليس بعد الكفر ذنب أيضاً ليس بعد الحرب عذر لمن أوقد نارها، وما كل ما يتمناه المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فعويل ممثلي جيش الكيزان لن ينجيهم من قرارات الأمم الحرة من جنيف، القاضية بوضع حد للحرب والاستعجال في انقاذ هذا القطر الغني بالموارد، الذي فشلت نخبه السياسية على مر سنين عمر الدولة، في أن تتبع منهج اقتصادي وسياسي سليم يخرج خير البلد لشعبه ولسكان الكوكب الأخضر، فالتباكي الذي يصدر من حناجر قادة جيش الكيزان – الاخوان المسلمين في بورتسودان، ومعهم أبواقهم الإعلامية، لا يوقف المد الشعبي الساعي لحسم الحرب، بتوسيع دائرة انتشار قوات الدعم السريع الجانحة للسلم دوماً وأبداً، والتي لقنت جيش الاخوان الدرس البليغ في الثبات والدفاع عن النفس، وحاصرته في زوايا الوطن الضيقة، فلا يوجد من هو أكثر حماقة من قائد الجيش الهارب من القيادة العامة للجيش، الذي ترك عاصمة بلاده تلتهمها القوة المدافعة عن نفسها، ليجوب الدنيا إصراراً على مواصلة حرب لا يملك مبرر لإشعالها، فهو الذي قتل المواطن وقصفه بحمم براكين البراميل المتفجرة للطيران الأجير، ومما يثير السخرية أنه فتح ميناء السودان على مصاريعه للحرس الثوري الإيراني وعملاء الجيش الروسي، ولحركات الإرهاب والتطرف والهوس الديني، ليأتي ويتحدث عن العمالة، هل هنالك عمالة أكثر مما فعل؟.
منبر جنيف أنجز إنجازاً مهماً جداً هو إنشاء (التحالف من أجل تعزيز السلام وإنقاذ الأرواح في السودان)، ذلك الإنجاز الذي يصب في ماعون قوات الدعم السريع، لحسن نيتها ولمبادرتها كالعادة للمثول أمام أي منبر من شأنه وضع حد للمأساة، بخلاف مجموعة الجيش المختطف من قبيلة الاخوان المسلمين – حزب المؤتمر الوطني المحلول، تراهم يرتعدون خوفاً من مشروع السلام ووقف الحرب، لأن الذئاب البشرية التي تتغذى على الدماء والأشلاء لا تؤمن بالسلم والأمن، بحكم غريزتها الحيوانية المفترسة، وما تسمى بالحركة الإسلامية قد بنت (مشروعها الحضاري) على سفك الدماء، منذ يومها الأول لسطوها على سلطة الشعب، فأزهقت حيوات الأغرار بعد شحذ عاطفتهم الدينية الفطرية، لقد عاشت جماعة التطرف والإرهاب الإخوانية السودانية على إبادة المواطنين السودانيين، في الجنوب والشرق والغرب والشمال، فهي جماعة أصولية متشددة لا تدين بولاء لهذه الأرض التي تؤول لنا جميعاً دون فرز، وقد جاء قرارها بإشعال الحرب تلبية لرغبات امتدادات التنظيم المتطرف في الإقليم والعالم، الذي له أذرع وأياد بعيدة وقريبة ويرعى مصالح مليشيات أخرى في بلدان إفريقية وشرق أوسطية، فهذا الجيش المؤدلج بأيدلوجيا الإسلام السياسي، لا يتوانى في أن يجعل البلاد مستباحة من مليشيات الحوثي وحزب الله وداعش، حتى تمهد له العودة لقصر غردون قبالة النيل الأزرق، ولكي يتم إغلاق (حنفية) الدم التي فتح فوهتها منذ الانقلاب العسكري الأول، لابد من خطوة صارمة وجادة كالتي خطتها مباحثات جنيف بتأسيس هذا التحالف الأقوى، الهادم لملذات الإرهابيين الذين أسالوا الدماء الغزيرة من الفرات للنيل، فلهذا الكوكب حرّاس لا يتوانون في لجم المخربين العاملين على إراقة الدماء عبثاً كما تقول أناشيدهم (فلترق كل الدماء).
هنالك سيناريوهان لما سوف تنتج عنه أعمال تحالف تعزيز السلام وإنقاذ الأرواح، الأول يكمن في الاجتهاد والعمل الدؤوب لمباشرة إجراءات من شأنها كبح جماح الجيش الإخواني التابع لحفنة من أتباع التنظيم الاخواني السوداني، وهذا الاتجاه لابد ان تلعب فيه قوات الدعم السريع الدور الأكبر، ومن الممكن أن يسفر عن هزيمة ساحقة ماحقة لما تبقى من مليشيات وكتائب الإسلام السياسي، وبذلك يكون قد تم الخلاص الكامل من دويلة الفساد والاستبداد، والسيناريو الثاني هو حل الدولتين – دولة حاضرتها الخرطوم وأخرى عاصمتها بورتسودان، يقف على منصتيهما السياديتين كلا الجنرالين، حقناً للدماء، وأهم ما يثلج الصدر أن مسلسل القتل والنزوح والتشرد سيتم وضع حد لنهايته قبيل انقضاء هذا العام، فالسودان كما هو معلوم للباحثين وهيئات التنمية الدولية غني بموارده الرأسمالية، ولن يصبر الشركاء على فلول النظام البائد وهم يطيلون أمد الحرب فيه، وبحسب المحللين الماليين والاقتصاديين فإنّ بلدان كثيرة قد ضرب اقتصادها الفقر بعد اندلاع الحرب في السودان، والمجتمع الدولي له آلياته المؤثرة على المستويين الإقليمي والعالمي للقيام بما من شأنه تضميد جراح السودانيين، الذين لا يستحقون هذا العذاب وأرضهم تذخر بثمين الموارد في عمقها وعلى سطحها، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنّ دولة الكنغو التي تعتبر مخزن للكوبالت ومعادن أخرى، لم تكمل حربها عامها الأول حتى وضعت الأمم المتحدة يدها ونشرت جنودها أصحاب الخوذات الزرقاء، فأمنت البلاد واستقرت وربت أرضها وانبتت من كل زوج بهيج، ولا عزاء لأمراء الحروب والمرتزقة والعملاء.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
5 نقاط تشرح ما يجري في جنوب السودان
تشهد دولة جنوب السودان توترات عسكرية وسياسية متواصلة بين شريكي السلطة الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه الأول رياك مشار وصل حد المواجهات العسكرية خلال الأسابيع الأخيرة، مما أثار مخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة.
وشهدت مناطق متفرقة من البلاد زيادة ملحوظة في أعمال العنف، كما حدثت سلسلة من الاشتباكات الدامية والاعتقالات السياسية، مما أثار مخاوف من انهيار اتفاق السلام الهش الموقع عام 2018 الذي أنهى حربا أهلية عقب فترة قصيرة من انفصال الجنوب عن السودان في استفتاء عام 2011.
كيف بدأت الأحداث الراهنة؟بعد خلافات بشأن تبديل القوات في منطقة الناصر في ولاية أعالي النيل أدت إلى مواجهات عسكرية قادتها مجموعة مسلحة محسوبة على رياك مشار نائب الرئيس وأسفرت عن قتلى -بينهم الجنرال المسؤول عن المنطقة وعدد آخر من الجنود الحكوميين- أجرى الرئيس سلفاكير ميارديت تغييرات واسعة في مناصب قيادية في الدولة أبعد بموجبها مؤيدي وأنصار نائبه مشار.
وشملت التغييرات جيمس واني إيقا نائب الرئيس، والذي حل محله صهر الرئيس رجل الأعمال، وهو شخصية متنفذة ومركزية ومقربة من الرئيس وأسرته.
كما أقيلت قبل ذلك شخصيات معروفة بالتقارب مع السودان، وعلى رأسها المستشار الأمني توت قلواك الذي عيّن سفيرا في الكويت.
إعلان
وغزت تلك التطورات شائعات بأن حكومة سلفاكير قررت تجريد بعض شباب القبائل من السلاح، خاصة من يسمون الجيش الأبيض المنتمي إلى قبيلة النوير، وهي قبيلة نائب الرئيس، مما أدى إلى مواجهات راح ضحيتها قائد الجيش في مدينة الناصر بولاية أعالي النيل وعدد من الجنود الحكوميين في هجوم على طائرة أممية كانت تقلهم، وهو ما أدانته المنظمة الدولية.
وردّت الحكومة بحملة اعتقالات طالت عددا من الجنرالات والوزراء من الحركة الشعبية لتحرير السودان المعارضة بقيادة مشار.
ما الأطراف المتورطة فيما يجري؟الصراع الحالي وعلى مدى سنوات طويلة هو في الأغلب تنافس بين طرفين هما قبيلتا الدينكا والنوير، وهو ما أدى إلى جولات عديدة من المواجهات العسكرية، بما في ذلك الحرب الأهلية التي استمرت 5 سنوات بين عامي 2013 و2018، وأودت بحياة نحو 400 ألف شخص، وانتهت باتفاق سلام هش عام 2018.
الطرف الأول: الرئيس سلفاكير ويستند في ذلك إلى:
1- سلطة الدولة من جيش وقوى أمنية ومؤسسات حكومية في مواجهة خصومه السياسيين من أجل تثبيت أركان حكمه، ولذلك اعتقلت قوات الأمن العديد من الشخصيات المعارضة.
2- قبيلته الدينكا، وهي من كبرى قبائل جنوب السودان وأفريقيا تعدادا، ولعبت دورا كبيرا إبان الصراع الطويل مع السودان قبل الانفصال، وتعتبر نفسها ذات أحقية في حكم الجنوب.
3- حلفاء الرئيس من القبائل الصغيرة التي يغريها الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية من الدولة.
4- حلفاء الرئيس الإقليميين مثل أوغندا من أجل الحصول على الدعم السياسي وربما العسكري، وهو ما تم بالفعل بوصول قوات خاصة أوغندية انتشرت في العاصمة جوبا قالت حكومة الرئيس يوري موسيفيني إنها جاءت بطلب من سلفاكير.
الطرف الثاني: رياك مشار نائب الرئيس ويستند في نفوذه إلى التالي:
1- سلطته بصفته نائبا للرئيس بموجب اتفاق سلام الذي وقّع عام 2018 وأقر تقاسم السلطة مع سلفاكير، وتدعمه عناصر في الجيش والأمن وقيادات في مراكز صنع القرار داخل الدولة يستطيع تحريكها في حال حصول أي مواجهة، وهو ما حدث بالفعل خلال حملة الاعتقالات الأخيرة.
إعلان2- تطلع ذاتي، إذ يعتبر نفسه الأحق بالحكم استنادا إلى مؤهلاته العلمية باعتباره أستاذا جامعيا ورجل دولة على عكس الرئيس سلفاكير الذي كان جنديا في استخبارات الجيش الشعبي جاءت به التوازنات القبلية إلى المنصب الأول في الحزب والدولة بعد رحيل زعيم الحركة الشعبية جون قرنق في حادث طائرة عام 2005، ثم شغل منصب الرئيس في أعقاب توقيع اتفاقية السلام التي أنهت أطول حرب أهلية في أفريقيا.
3- قبيلته النوير، وهي قبيلة مقاتلة وقوية شديدة المراس وتعد ثاني أكبر قبائل جنوب السودان من حيث العدد، ولها قوات خاصة تسمى الجيش الأبيض، كما تدعمه مجموعات مسلحة أخرى تأتمر بأمره.
4- أسطورة تؤمن بها قبيلة النوير، وتقول إن الجنوب يحكمه رجل أفلج الأسنان، وغير "مشلخ" (علامات توضع على الوجه تشير إلى قبيلة صاحبها)، يأتي بعد حرب طويلة، وهي صفات تنطبق على رياك مشار، وتعتقد بعض قبائل جنوب السودان في هذه الأسطورة.
ما موقف حكومة سلفاكير من الأحداث؟استخدمت حكومة سلفاكير سلطة الدولة في مواجهة ما اعتبرته تمردا عليها، حيث زجت بعدد كبير من المعارضين في السجون وفرضت حصارا على منزل مشار ومنعت الوصول إليه.
وقالت الحكومة إن لديها أدلة على تورط "المعتقلين" من حركة مشار في تأجيج الصراع في منطقتي الناصر وأولانق، وإن حملة الاعتقالات ستستمر إذا ثبتت الأدلة ضد أي شخص آخر، مشيرة إلى أن اتفاق السلام "ليس فوق القانون".
وعقب تصاعد الأحداث ألقى الرئيس سلفاكير خطابا يوم الجمعة الماضي شدد خلاله على عدم العودة إلى الحرب مرة أخرى، مؤكدا التزام حكومته بمعالجة الأزمة الحالية من أجل السلام.
لكن طلب سلفاكير مساندة عسكرية من أوغندا التي أرسلت قوات خاصة للعاصمة جوبا وانتشرت في عدد من المواقع المهمة دون أن يعرف التفويض الممنوح لها أشار الشكوك بشأن طبيعة ما يجري على الأرض، خاصة أن الرئيس الأوغندي أعلن وقوفه مع سلفاكير في مواجهة خصومه.
كذلك تلقى رئيس جنوب السودان اتصالا من رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وقال مجلس السيادة في بيان إن البرهان "اطمأن" في الاتصال "على مجمل الأوضاع في جنوب السودان، وأكد حرص الحكومة السودانية على استدامة الأمن والاستقرار هناك".
إعلانكما دعا الاتحاد الأفريقي وكينيا القوى الجنوبية إلى ضبط النفس.
ما موقف معارضي سلفاكير، وعلى رأسهم رياك مشار؟أصدر مكتب رياك مشار بيانا أعرب فيه عن أسفه العميق لفقدان الأرواح في أحداث مدينة الناصر، وأدان ما وصفه بالعمل الوحشي، معزيا أسرة الجنرال القتيل وأسر الضحايا.
وقال إن "هذه المأساة تؤكد الحاجة الملحة إلى مواصلة جهود تهدئة التصعيد والحوار لمنع المزيد من العنف".
وأشار مكتب مشار إلى أن "الجهود الرامية إلى تهدئة التصعيد واستعادة السلام ستظل على رأس الأولويات بالنسبة إليهم"، وأن النائب الأول للرئيس "مستمر في إشراك جميع أصحاب المصلحة لمنع المزيد من العنف في البلاد".
ولم يتحدث مشار عن وضع قوات النوير التي قالت مصادر عدة إن السيطرة عليها صعبة جدا، خاصة أنها تعترض على قوات غير تلك التي يفترض أن تنشر في منطقة الناصر وتضم وحدات مشتركة من قوات الحكومة والمعارضة أقرها اتفاق السلام.
إلى أين تتجه الأحداث الحالية؟هناك جهود ومساعٍ من أطراف دولية وإقليمية عدة تشجع الأطراف الجنوبية على التهدئة، خاصة أن خروج الأمور عن السيطرة من شأنه أن يهدد الانتخابات العامة التي أُجّلت حتى ديسمبر/كانون الأول 2026 بدلا من موعدها المقرر هذا العام.
وإذا أجريت فستكون هذه الانتخابات الأولى منذ انفصال البلاد عن السودان عام 2011.
وكذلك ينتظر أن يتدخل السودان الراعي لاتفاق السلام في جنوب السودان من أجل نزع فتيل التوتر، كما يتوقع أيضا أن تفعل منظمة إيغاد الشيء نفسه.
ويرى بعض المحللين أن هذه الأحداث سوف تنعكس على قضايا الاستقرار في جنوب السودان، لأنها نتاج عدم تنفيذ بنود الترتيبات الأمنية في اتفاقية السلام على مدار السنوات السبع الماضية.
وكانت اتفاقية السلام المنشطة التي وُقّعت عام 2018 نصت على دمج قوات الحركة الشعبية في المعارضة في الجيش الشعبي الحكومي، ويتم توزيع منتسبي تلك قوات في كافة الأجهزة الأمنية، لكن قوات المعارضة المسلحة ظلت مستقلة عن الجيش الرسمي.
كما وقعت خلافات عدة بشأن تنفيذ بند الترتيبات الأمنية وتفسيره، وبسبب ذلك تم تمديد الفترة الانتقالية 3 مرات، فبدلا من أن تنتهي عام 2022 تم تمديدها حتى 2027.
إعلانكما أن الوضع الإنساني لا يزال بدوره هشا، إذ أعلنت الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أن نحو 7.7 ملايين شخص في جنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد خلال العام الحالي.
وفاقم ذلك توقف إنتاج النفط الذي تعتمد عليه الدولة في ميزانيتها بسبب الحرب في السودان، إذ توقف التصدير عبر الموانئ السودانية، مما أدخل جنوب السودان في عجز مالي فشل على إثره حتى في الوفاء برواتب موظفي الدولة، وتدهورت العملة المحلية وانهار الاقتصاد ليتسبب كل ذلك في احتقان اجتماعي هائل.