غزة- بينما تحاول إسرائيل وأد الحياة في غزة، وتجفيف كل ما يجعلها ممكنة، يعتنق الغزيون عقيدة البقاء، ويفشلون إرادة المحتل، فلا يعرف اليأس ولا الاستسلام طريقا إليهم.

ففي المسجد العمري الأقدم والأكبر في غزة، ما زال ينبعث صوت الأذان رغم تدمير جيش الاحتلال لمئذنته، وتقام الصلاة فيه رغم تحطيم مصلاه، وبعد أن دمرت إسرائيل 75% من مساحته البالغة 4 كيلومترات، نحّى الغزيون الركام جانبا ثم أقاموا الصلاة في الجزء القليل المتبقي.

قابلت الجزيرة نت المرشد السياحي للمسجد العمري الشيخ أبو محمود هنية، بعدما كان عاكفا على مكتبه، يؤلف كتابه الجديد في علوم القرآن بالمسجد.

الغزيون يفكرون بإعمار المسجد العمري وترميمه بعد القصف رغم أن الحرب لم تنتهِ بعد (الجزيرة) إحياء "العمريّ"

بعد انسحاب جيش الاحتلال من البلدة القديمة، عاد هنية إلى حارته لتفقد منزله فوجده محروقا، ثم هرول ناحية المسجد، فوجده بلا مئذنة ولا أسقف ولا بوابة، وقف ولم يكمل سيره وجلس ينتحب، يقول للجزيرة نت "لم أبك على بيتي المحروق، لكني بكيت على المسجد وانحبست دموعي بعدها، فكانت هذه آخر مرة أبكي فيها خلال هذه الحرب".

كل الغزيين أبكاهم مشهد دمار المسجد العمري؛ فهو تاريخهم وماضيهم وقبلة الزوار والسياح ورائحة الحضارة، يرَون في أحجاره ثروة فيها من عبق التاريخ، ولا يزال تعلقهم فيه لافتا، حيث لم يرق للغزيين الابتعاد عن المسجد كثيرا، فبدأت العودة التدريجية للفتية والشيوخ عقب الانسحاب، وتكاتف جيران المسجد مع محبيه في تنظيفه وحصر الركام واستصلاح مكان للصلاة التي بدأت بآحاد الفتية، إلى أن اصطفوا بالعشرات.

يقول هنية "نصلي كل الصلوات عدا الفجر، ونجمع صلاتي المغرب والعشاء لصعوبة الحركة ليلا"، كما أن أهالي الحي أقاموا فيه طقوس العيد، ويؤدون خطبة وصلاة الجمعة، ويقولون "هذه عاداتنا لم نغيرها ولن نغيرها".

ورغم أن الحرب لم تضع أوزارها بعد، فإن ما يشغل تفكير الغزيين هو كيفية إعمار المسجد وإعادته "منارة غزة الأجمل"، وفي هذا السياق قال هنية "أكثر ما سرّني وجود محجر بلدي في غزة سنتمكن من خلاله من إعادة تصنيع الأحجار المدمرة واستخدامها".

العلم عن بُعد

يبحث الفلسطينيون عن حلول يتحايلون فيها على الألم، ويبتكرون طرقا تعينهم على التأقلم مع واقعهم الجديد، فبعدما دمرت قوات الاحتلال البنى التحتية في شمال قطاع غزة، استحدث الغزيون طرقا لبيع الإنترنت.

ففي الطرقات وعلى أرصفة الشوارع يتجمع العشرات من طلبة الجامعات أمام نقاط بيع الإنترنت، لتحميل محاضرات المواد الدراسية المقررة عليهم خلال الفصل الدراسي الذي التحقوا به، رغم المخاطرة الكبيرة لجلوسهم لساعات في هذه النقاط التي ركّز الاحتلال مؤخرا على استهدافها دون مبرر.

ومتربعا على الرصيف وحاسوبه بين يديه، يقول أحمد للجزيرة نت وهو طالب بكلية الهندسة في الجامعة الإسلامية "ضاع مستقبلنا ونحن ننتظر انتهاء الحرب للعودة إلى جامعاتنا ودراستنا".

وبشكل غير متوقع، امتلأت مقاعد الدراسة الجامعية عن بُعد رغم استمرار الحرب، وعاد 4500 طالب وطالبة في شطري قطاع غزة -منهم 1500 من شمال القطاع- إلى استكمال الدراسة في الجامعة الإسلامية، التي عاود الاحتلال استهدافها جوا عدة مرات، ثم نسف مبانيها المتبقية في دخوله البري، بعد أن اتخذها مقرا له وساحة لتمركز آلياته.

يقول القائم بأعمال رئيس الجامعة -الذي فضل عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت إن "الطلبة عادوا للدراسة إلكترونيا، حيث يتم حاليا استدراك الفصل الدراسي الأول الذي توقف في أكتوبر/تشرين الأول من العام المنصرم"، ويضيف "اطلبوا العلم ولو في غزة!".

وقال المصدر إن الجامعة الإسلامية اتفقت مع جامعات أخرى في الضفة الغربية والأردن على تدريس المساقات التي لا تتوفر الإمكانيات لتدريسها في الجامعة خلال الوقت الراهن، كما أنه تم التواصل مع وزارة التربية والتعليم في رام الله من أجل تصديق الشهادات الإلكترونية، وتيسير المعاملات الخاصة بطلبة الجامعة.

ترميم واستصلاح غرفتين في قسم الكلى وإعادة تشغيله في مجمع الشفاء الطبي رغم تدميره وحرقه (الجزيرة) "الشفاء" مرة أخرى

تتحد جهود المؤسسات الرسمية في القطاعات المختلفة في غزة لترميم ما يمكن من غرف غسيل الكلى، مدفوعين بشعور المسؤولية تجاه الفلسطينيين في شمال القطاع، وهو الدافع ذاته الذي حرّك الأطباء لإنقاذ مرضى الكلى الذين كانوا على حافة الموت.

ففي وسط مجمع الشفاء الذي عاثت فيه آلة الحرب الإسرائيلية حرقا وتدميرا، فأخرجته عن الخدمة إجباريا، استُصلحت غرفتان من أصل قسم كامل، و21 جهاز غسيل كلى من أصل 70، بحسب رئيس قسم أمراض وزراعة الكلى غازي اليازجي.

وقال المتحدث ذاته  للجزيرة نت إن "هناك توجسا وخوفا كبيرين من وجودنا في المجمع بشكله الحالي، لكن لا خيارات، ونحن مضطرون لهذه الخطوة، وهذه مسؤوليتنا رغم كل المخاطر المحدقة".

ولفت اليازجي إلى معاناة المرضى في الوصول إلى قسم غسيل الكلى الوحيد في منطقة شمال وادي غزة، الذي يعد وجهة لـ61 مريضا، حيث يستأجر بعضهم العربات التي تجرها الحيوانات، والبعض الآخر يأتي مشيا على الأقدام من مسافات طويلة، فيما تحاول بعض الجهات المانحة تأمين مواصلات لسكان أقصى شمال القطاع.

ورغم نجاح الأطباء في تدشين العمل في قسم الكلى فإن هناك تحديات جمة يمكن أن تؤثر على استمرار عملهم، ذكر اليازجي من بينها شح السولار اللازم لتشغيل أجهزة الغسيل، ونقص الكوادر الطبية والتمريضية والفنية، وعدم توفر الأدوية والمستهلكات الطبية والمحاليل لإجراء الجلسات.

ولم تكن هذه آخر الخطوات التي أقدم عليها الأطباء، فقد لفت اليازجي إلى أن العيادة الخارجية لمجمع الشفاء في طور الترميم، وأنه سيعاد تشغيلها للاستقبال والطوارئ خلال أسبوعين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت فی غزة

إقرأ أيضاً:

أبو الغيط: 17 ألف طفل فلسطيني و11 ألف امرأة استشهدوا بسبب الاحتلال

قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إننا نقترب من مرور عام كامل على العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة من الجرائم الإسرائيلية والإبادة والتطهير العرقي.

وزير الخارجية الموريتاني يدعو المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة سقوط 7 شهداء وإصابة العشرات جراء قصف الاحتلال في غزة  17 ألف طفل فلسطيني و11 ألف امرأة استشهدوا

وأضاف خلال كلمته باجتماع وزراء الخارجية العرب في الدورة 162 للجامعة العربية، عبر شاشة "القاهرة الإخبارية"، أن 17 ألف طفل فلسطيني و11 ألف امرأة استشهدوا جراء الحرب الإسرائيلية في ظل عجز المجتمع الدولي، كما أن 700 فلسطيني استشهدوا جراء الحرب الإسرائيلية في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر فضلا عن الدمار الذي خلفه الاحتلال الإسرائيلي.

الاحتلال الإسرائيلي ينتهك القوانين الدولية

وتابع أن الاحتلال الإسرائيلي ينتهك القوانين الدولية ويمارس جرائمه بحق الفلسطينيين من أجل الانتقام، مؤكدا أن الأجندة الإسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وضم الأراضي وتحقيق التطهير العرقي والتهجير.

جدير بالذكر أن مستوطنون، قاموا بقتحام المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة، بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، وأدوا صلوات تلمودية.

وأفاد شهود عيان بأن مستوطنين اقتحموا المسجد على شكل مجموعات، فيما حولت شرطة الاحتلال البلدة القديمة إلى ثكنة عسكرية، ونشرت مئات من عناصرها على مسافات متقاربة، خاصة عند بوابات المسجد الأقصى، وشددت إجراءاتها العسكرية عند أبوابه وأبواب البلدة القديمة، وفرضت قيودا على دخول المصلين ، وفقا لوكالة وفا.

أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، أوامر بالإخلاء للمواطنين في مناطق عدة بشمال قطاع غزة.

وأفادت مصادر محلية، بأن الاحتلال أصدر الأوامر بالإخلاء في منطقة بيت حانون وأحياء المنشية والشيخ زايد والنازحين شمالي قطاع غزة، وفقا لوكالة وفا.

وشهدت المنطقة المذكورة حركة نزوح قسري بعد مطالبة جيش الاحتلال بإخلائها.

وكانت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" قد قالت في تقرير لها الأسبوع الماضي، إن أوامر الإخلاء القسري، التي يُصدرها جيش الاحتلال أصبحت حدثا يوميا لمواطني قطاع غزة، الذين يضطرون إلى المغادرة من أجل النجاة بأرواحهم.

وأضافت، أن العائلات تضطر إلى الانتقال مرارا وتكرارا، مع العلم أن الأمان غير موجود في أي مكان بقطاع غزة.

وأشارت "الأونروا" إلى أن 83% من قطاع غزة تم وضعه تحت أوامر الإخلاء أو صنفه جيش الاحتلال "مناطق محظورة".

ووفق آخر الإحصائيات، فإن عدد النازحين في قطاع غزة بلغ نحو مليونين، بينهم 1.7 مليون يعيشون في منطقة المواصي غرب جنوب القطاع بظروف معيشية مروعة، وفق بيان سابق لمنظمة المساعدة الإنسانية الدولية "أوكسفام".

مقالات مشابهة

  • جنود الاحتلال تمنع فلسطينين من أداء صلاة الجمعة وتقتحم صحن المسجد الأقصى
  • مشاهد كيزانية
  • 13 شهيدًا إثر غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة في غزة
  • مواقع الاحتلال تحت ضربات حزب الله.. والإعلام الإسرائيلي يصف مشاهد العمليات بـ”المقلقة” (فيديو)
  • هآرتس: ما الذي تخشاه إسرائيل في غزة بمنعها دخول المراسلين الأجانب؟
  • عاجل - فضيحة كبرى لـ "نتنياهو".. قنبلة تهز إسرائيل من مشاهد وتسجيلات صوتية كارثية تعرض لأول مرة
  • مشاهد وتسجيلات صوتية كارثية تدين «نتنياهو».. كيف ظهرت زوجته؟
  • “نيويورك تايمز”: على الرغم من محاولات احتوائها.. عمليات الضفة الغربية تستعرض قدرات جديدة ومتطورة
  • غالانت: فيديو نفق حماس في رفح يؤكد أهداف الحرب التي يخوضها الجيش
  • أبو الغيط: 17 ألف طفل فلسطيني و11 ألف امرأة استشهدوا بسبب الاحتلال