قهر الرعاية الأميركية للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
منذ أكثر من ثلاثين عامًا، يعاني الفلسطينيون من الرعاية الحصرية للولايات المتحدة الأميركية للمفاوضات بينهم وبين حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة. فقد انفردت واشنطن برعاية ما عُرف بعملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية، ومنعت أي دولة أخرى من ممارسة دور ذي مغزى في هذه العملية، إلا بما يخدم إستراتيجيتها.
سمحت للدول الأوروبية، على سبيل المثال، بالعمل في مجالات بناء مؤسسات الدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتعاون مع المجتمع المدني، بشرط أن يخدم ذلك مسار التسوية السياسية، ولا يتعارض مع السياسات الاحتلالية الإسرائيلية.
استمر هذا الاحتكار للتسوية السياسية وما رافقها من مفاوضات، بغض النظر عن طبيعة الحكومات الإسرائيلية أو الإدارات الأميركية المتعاقبة. وكأن الولايات المتحدة احتكرت القضية الفلسطينية بكل مكوناتها، حتى عندما تعلق الأمر بفصائل المقاومة الفلسطينية المصنّفة على قوائم الإرهاب الأميركية مثل حركة حماس.
فقد احتفظت الولايات المتحدة بالملف بيدها، وفوضت بعض الدول، مثل قطر ومصر وتركيا، بإدارة المفاوضات. وخلال ما يقارب عشرين عامًا من سيطرة حماس على قطاع غزة، وما تخللها من حروب وحصار ومحاولات للحلول السياسية، كانت الولايات المتحدة الطرف الأكثر تأثيرًا، بل والمقرر في كثير من الأحيان، في مسار ونتائج هذا الحراك السياسي.
ليست وسيطًا نزيهًا
ادعت الولايات المتحدة دومًا أنها وسيط بين الطرفين، وأنها تسعى للوصول إلى حلّ عادل للقضية الفلسطينية، وأن جهدها منصب على إنجاز ما عُرف بحل الدولتين. ولكن المدقق في سلوك الولايات المتحدة يجد أنها لم تكن يومًا وسيطًا نزيهًا، بل كانت دائمًا تساند الاحتلال في سياساته، وتدعم كل إجراءاته التي تقوض كل الفرص لإقامة دولة فلسطينية. ولعلّ الشواهد التالية جزء مما يؤكّد ذلك:
توفير الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي للاحتلال باستمرار، دون ربطه بتطور المسار السياسي أو التقدم في عملية التسوية.الامتناع عن ممارسة أي ضغوط على الاحتلال، في أي مرحلة، لدفعه نحو أي حل منصف ولو بشكل محدود للفلسطينيين. توفير الحماية الدائمة لإسرائيل أمام المؤسسات الدولية، خصوصًا في مجلس الأمن، واستخدام حق النقض "الفيتو" مرات عديدة ضد القرارات التي تخدم المصالح والحقوق الفلسطينية، ولصالح تهرب إسرائيل من التزاماتها الدولية. الاستمرار في التغطية على جرائم الاحتلال ومجازره بحق الفلسطينيين، وكانت الإدارة الأميركية جاهزة دائمًا لغسل أيادي قادة الاحتلال بعد كل جريمة يرتكبونها، وخاصة الحروب على غزة منذ 2008 وحتى اليوم. غض الطرف عن الاستيطان الذي ابتلع الضفة الغربية، والتسامح مع جرائم المستوطنين، مما يعني تقويض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية على أراضي الضفة وغزة. دعم السياسات الإسرائيلية التي تعرقل الحلول السياسية وتحول دون الوصول إلى أي تسوية سياسية. ومن الأمثلة على ذلك، التسامح مع، إن لم تكن المشاركة في، اغتيال القيادات الفلسطينية والرموز الوطنية، بدءًا من ياسر عرفات وصولًا إلى إسماعيل هنية. مساعدة إسرائيل في الهروب من الاستحقاق الفلسطيني. مواجهة كل المحاولات والجهود الفلسطينية، السياسية والقانونية والنضالية، الهادفة لتجسيد الدولة الفلسطينية والحصول على الشرعية الدولية لها، ومواجهة هذه المحاولات على الساحة الدولية، وفي المؤسسات الدولية ذات الصلة.التضليل العميق والخداع الإستراتيجي
استخدمت الولايات المتحدة منذ ثلاثين عامًا وحتى اليوم إستراتيجية واحدة في التعامل مع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وهي ذاتها التي تستخدمها اليوم في المفاوضات الدائرة لوقف حرب الإبادة في قطاع غزة. يمكن وصف هذه الإستراتيجية بـ"التضليل العميق والخداع الإستراتيجي"، حيث تقوم هذه الإستراتيجية على الإيهام بأن الولايات المتحدة جادة وملتزمة بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومن أهم مرتكزات هذه الإستراتيجية:
النفاق السياسي والفجوة بين الخطاب والممارسة: بينما تعبّر الولايات المتحدة بشكل متكرر عن رغبتها في وقف الحرب وعقد صفقة تبادل للأسرى، تستمر في تقديم كل الدعم اللازم لجيش الاحتلال وحكومته. ولا تتورع الإدارة الأميركية عن الاستمرار في الكذب، على قاعدة النازي جوزيف جوبلز "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس"، وتفرض على أطراف كثيرة أن يصدقوا كذبها ويتعاملوا معه وكأنه حقيقة.
الاستخفاف بالحقوق السياسية الفلسطينية: تغاضت الولايات المتحدة تمامًا عن معاناة الفلسطينيين، ولم تقدم لهم أي التزامات تذكر. واستخدمت الدول العربية والإسلامية، وحتى بعض الدول الأوروبية، لإلهاء الفلسطينيين بالقضايا التفصيلية والثانوية وصرف النظر عن القضايا السياسية الجوهرية.
ازدواجية المعايير: تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بشكل مطلق، وتعتبر أمنها ثابتًا لا يتغير، وتعتبر الرواية الإسرائيلية مقدمة على غيرها. في المقابل، تَصِمُ النضال الفلسطيني وفصائله بالإرهاب، وتصف أعمال المقاومة المشروعة بالوحشية، وتشارك في ملاحقة المقاومين وقياداتهم بكل الوسائل الممكنة، بما فيها التصفية الجسدية، دون الالتزام بأي قوانين أو أعراف دولية.
المشاركة في إدارة الصراع: تعمل الولايات المتحدة على تمكين الاحتلال من تحقيق أهدافه قصيرة وبعيدة المدى، ومساعدته في كسب الوقت لإنجازها. وهي اليوم تستخدم نفس الإستراتيجية التي استخدمتها في إدارة مفاوضات التسوية "أوسلو"، حين وفرت للاحتلال ثلاثين عامًا لتعميق احتلاله واستيطانه وتهويده للأرض، عبر إلهاء الفلسطينيين والعرب بالمفاوضات، وإقامة مؤسسات السلطة والدولة ومؤتمرات السلام.
على الفلسطينيين أن يتعلموا من تجربتهم الطويلة مع الرعاية الأميركية، وهم مطالبون ببذل كل الجهد لوضع حد لهذا التلاعب الأميركي بقضيتهم، خاصة عندما يكون الوقت من دم. كما يجب عليهم إعادة ترتيب صفوفهم، وبناء برامجهم وسردياتهم وأدواتهم، بما يساعد على البحث بشكل جاد عن مسارات بديلة تفرض معادلات مختلفة، وتدفع باتجاه إشراك رعاة دوليين آخرين، لعلهم يكونون أكثر جدية وإنصافًا.
يجب أن يُنظر إلى السلوك الأميركي في مفاوضات وقف الحرب على غزة ضمن إطار إدارة المعركة واستكمال أهداف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وينبغي التعامل مع الولايات المتحدة كشريك كامل فيها.
على الدول العربية والإسلامية، وأصدقاء الشعب الفلسطيني، أن يكونوا صرحاء مع شعوبهم والعالم بحقيقة الموقف الأميركي، ويساعدوا الفلسطينيين على التخلّص من قهر هذه الرعاية والوساطة الزائفة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
هشام الحسيني: قصة رجل دين مسلم في قلب السياسة الأميركية
في ظاهرة لافتة وغير مسبوقة، أصبح هشام الحسيني أول رجل دين مسلم يلقي كلمة في حفل تنصيب رئيس أميركي، عندما اختاره الرئيس المنتخب دونالد ترامب ليشارك في الاحتفال بتنصيبه. ظهور الحسيني في هذه المناسبة أثار جدلًا واسعًا وتساؤلات عميقة حول دور الإسلام والمسلمين في الحياة العامة والسياسية الأميركية، خصوصًا في ظل التوترات المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط والهجرة.
بداية المسيرة: من العراق إلى أميركاولد الحسيني في العراق وهاجر إلى الولايات المتحدة منذ ما يزيد على 46 عامًا، هربًا من الأوضاع السياسية القمعية في ظل حكم صدام حسين. استقر في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، والتي تضم واحدة من أكبر الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة. هناك، أسس عام 1995 مركز كربلاء التعليمي الإسلامي، الذي أصبح نقطة تجمع روحية وثقافية للاجئين العراقيين والعرب والمسلمين الذين فروا من صراعات الشرق الأوسط.
دور بارز في السياسة والمجتمع الأميركيبرز الحسيني كصوت مؤثر خلال حرب العراق في 2003، حيث دعم الإطاحة بنظام صدام حسين، وتعاون مع جهات حكومية أميركية مثل وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية لتسهيل التواصل مع الجالية العراقية الأميركية. هذا الانخراط جعله شخصية محورية تظهر بانتظام في وسائل الإعلام الوطنية مثل فوكس نيوز وسي إن إن.
رسائل التسامح والتحديات السياسيةتميزت خطب الحسيني برسائلها التي تربط بين الإسلام والمسيحية واليهودية، مما ساهم في بناء جسور التفاهم بين الأديان. رغم ذلك، أثارت آراؤه حول قضايا مثل المثلية والماريغوانا الجدل، لكنها في الوقت نفسه أكسبته دعم بعض الجمهوريين المحافظين الذين يرون في هذه المواقف تقاربًا مع قيمهم الأخلاقية.
اختيار تاريخي: دور الإسلام في حفل تنصيب ترامباختيار الحسيني للتحدث في حفل تنصيب ترامب حمل دلالات سياسية واجتماعية كبيرة. فمن جهة، يعكس هذا الاختيار رغبة الجمهوريين في تعزيز دعمهم بين الجالية العربية والمسلمة، خاصة في ولايات متأرجحة مثل ميشيغان. ومن جهة أخرى، يثير التساؤلات حول تعقيد العلاقة بين الدين والسياسة في الولايات المتحدة، خصوصًا أن الحسيني سبق أن تعاون مع جماعات مؤيدة لإسرائيل خلال دعمه لإسقاط صدام حسين، لكنه لاحقًا أصبح ينتقدها بشكل علني، مما وضعه في مرمى الانتقادات من بعض الجهات المحافظة.
ردود الفعل: إشادة وجدلاختيار الحسيني لم يمر دون اعتراضات، حيث هاجمته بعض الجماعات الموالية لإسرائيل، مثل المنظمة الصهيونية الأميركية، التي وصفته بأنه "متعاطف مع إيران وحزب الله"، وطالبت بسحب الدعوة. في المقابل، يرى العديد من قادة العرب والمسلمين الأميركيين في ظهوره خطوة رمزية تعزز تمثيلهم في المجال العام الأميركي، وتفتح الباب أمام مشاركة أكبر في الحياة السياسية.
ديربورن: مركز التأثير العربي والإسلاميوجود الحسيني في ديربورن، التي تُعد مركزًا للجالية العربية الأميركية، يعكس قوة تأثير هذه المدينة في السياسة الأميركية. هذه الجالية التي دعم جزء كبير منها ترامب بسبب سياساته تجاه الشرق الأوسط، أصبحت رقمًا صعبًا في المعادلة الانتخابية الأميركية، ويمثل الحسيني أحد الأصوات التي تعكس تطلعاتها وتحدياتها.
الإسلام في الحياة السياسية الأميركية: سؤال مفتوحيمثل ظهور الحسيني في حفل تنصيب ترامب نقلة نوعية لدور المسلمين في الولايات المتحدة، ويثير تساؤلات حول إمكانية دمج الجالية الإسلامية في النظام السياسي الأميركي. هل يمثل هذا الاختيار بداية لتحول في نظرة الحزب الجمهوري للمسلمين؟ وهل يمكن أن يؤدي هذا الانفتاح إلى تعزيز التفاهم بين الأديان والثقافات في المجتمع الأميركي؟
بين السياسة والدينقصة هشام الحسيني تبرز كأحد الأمثلة المعقدة على تداخل الدين بالسياسة في الولايات المتحدة. فهي ليست فقط قصة نجاح شخصي، بل تعكس التحولات الكبيرة التي يشهدها المجتمع الأميركي في ظل التنوع المتزايد. سواء كان ظهوره على منصة التنصيب خطوة تكتيكية أم تعبيرًا حقيقيًا عن انفتاح أكبر، فإن هذه اللحظة تبقى محطة فارقة في تاريخ ومستقبل المسلمين في أميركا.