عربي21:
2024-09-13@10:50:57 GMT

عن ظاهرة الانتقال بين الأحزاب السياسية التركية

تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT

تصنف معظم الأحزاب السياسية التركية على أنها أحزاب "جماهيرية" لا أيديولوجية، بما يعني أن هوية هذه الأحزاب وشروط عضويتها ليست مرتبطة بأيديولوجيا معينة، وإن كانت متأثرة ببعضها أو أقرب لإحداها. ويعني ذلك أن هذه الأحزاب تضم بين جنبيها وفي عضويتها عدة تيارات سياسية و/أو فكرية، وليست نسيجا واحدا متناغما. ينطبق ذلك مثلا على أكبر حزبين في البلاد، حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهوري؛ أكبر أحزاب المعارضة.



الاستثناءات التي يمكن ذكرها لهذه القاعدة العامة قليلة، يأتي في مقدمتها الأحزاب الإسلامية مثل السعادة وبدرجة أقل الرفاه مجددا؛ حديث التأسيس، والأحزاب القومية مثل الحركة القومية، بينما يمكن النظر لباقي الأحزاب على أنها أحزاب جماهيرية تخاطب الكل التركي وليس شريحة أيديولوجية معينة، مثل حزبي الديمقراطية والتقدم والمستقبل وحتى حزب الجيد المنشق عن الحركة القومية، بل كذلك الأحزاب "الكردية" اليسارية التي تضم تقليديا القوميين الأكراد الأقرب للعمال الكردستاني، وكذلك تيارات يسارية تركية وآخرين.

ولذلك، فإن ظاهرة الانتقال من حزب لآخر حاضرة في الحياة السياسية التركية بشكل كبير ومتكرر، وخصوصا بين الأحزاب الشبيهة أو القريبة لبعضها البعض، بينما يندر أن تكون هناك انتقالات من حزب لنقيضه السياسي والأيديولوجي. ولعل فترات الانتخابات، ما قبلها وما بعدها، هي الفترات الأكثر خصوبة بالنسبة لـ"موسم الانتقالات" بين الأحزاب، حيث يستقيل الكثيرون من أحزابهم للانتقال لأحزاب أخرى، ظاهرة الانتقال من حزب لآخر حاضرة في الحياة السياسية التركية بشكل كبير ومتكرر، وخصوصا بين الأحزاب الشبيهة أو القريبة لبعضها البعض، بينما يندر أن تكون هناك انتقالات من حزب لنقيضه السياسي والأيديولوجي. ولعل فترات الانتخابات، ما قبلها وما بعدها، هي الفترات الأكثر خصوبة بالنسبة لـ"موسم الانتقالات" بين الأحزابوتنشط الأحزاب السياسية -ضمن حملاتها الانتخابية- لضم أكبر عدد ممكن من السياسيين والناشطين في أحزاب أخرى إليها، كجزء من الحملة الانتخابية والإيحاء بأنها قوية ومنتشرة ومرغوبة من الجميع.

ولعل حزب العدالة والتنمية، بما هو حزب مستمر في حكم تركيا منذ 2002، صاحب حصة الأسد من هذه الانتقالات، وهو أمر منطقي ومتوقع في ظل المعادلات السياسية والحزبية في البلاد، وأهمية الاستحقاقات الانتخابية عموما.

مؤخرا، وخلال احتفاله بذكرى تأسيسه الـ23، انضم لحزب العدالة والتنمية (المؤسَّس في 14 آب/ أغسطس 2001) نائبان برلمانيان و13 رئيس بلدية في عموم البلاد (بلديات فرعية أو أحياء في المدن الكبرى)، وهو أمر أثار جدلا واهتماما واسعين، لا سيما وأنه يأتي بعد الانتخابات المحلية التي تراجع فيها الحزب للمركز الثاني للمرة الأولى في تاريخه، ما أنعش تقييمات تراجع حضوره وشعبيته وطرح علامات استفهام حول مستقبله.

والحقيقة أن موضوع انتقال نواب البرلمان أو رؤساء البلديات أو غيرهم من السياسيين من حزب لآخر له عدة أسباب مرتبطة بالشخصيات والأحزاب السياسية في آن معا، وأهمها:

أولا، الخلافات مع الأحزاب وقياداتها. ولا فرق هنا بين الخلافات الحقيقية على الرؤى والبرامج والخطاب والممارسة السياسية وخياراتها ومنظومة التحالفات، وبين الخلافات المدّعاة للتغطية على الأسباب الحقيقية. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا السبب ليس مقتصرا على فترات الانتخابات وإنما يحصل في أيِّ وكلِّ وقت.

ثانيا، حسابات المصالح والسعي للمناصب، وهو السبب الأكثر حضورا في الانتقالات المقصودة، إذ ينتقل السياسي عادة لحزب يضعه في وضع أفضل مما كان عليه في حزبه السابق، فيرشحه (هو أو أحد أقاربه) لانتخابات ما أو يعينه في منصب رفيع في هيئات الحزب القيادية أو غير ذلك. ولا يمنع هنا أن تلتقي حسابات المصالح والمناصب في الحزب الجديد المنتقل إليه مع خلافات في الحزب السابق المنتقل منه. كما أنه من المنطقي والمتوقع أن تكون الأحزاب المنتقل إليها أقوى وأكثر حضورا عادة من الأحزاب المنتقل منها، لكن لهذه القاعدة استثناءات كما سنفصّل بعد قليل.

أهم المصالح المتوخاة من الانتقال هو الترشح للانتخابات، البرلمانية أو المحلية، حيث ينتقل السياسي الطموح الراغب بالترشح من حزبه الذي ارتأى ترشيح غيره لحزب آخر وعده بالترشح، لا سيما إذا ما كانت فرصه في الفوز معقولة
ولعل معظم الأمثلة على هذا النوع من الانتقالات في السنوات الأخيرة مرتبط بحزب العدالة والتنمية تحديدا. فقد ضم الحزب إليه الكثير من الأسماء والشخصيات المعارضة والمنتقدة له، واضعا إياهم في مناصب وأماكن رفيعة داخله، وفي مقدمة هؤلاء نعمان كورتولموش الذي كان رئيسا لحزب صوت الشعب المعارض (بعد حزب الفضيلة الذي خرج منه)، ثم أصبح نائبا لرئيس الحكومة ونائبا لرئيس الحزب ثم وكيلا له ثم رئيس البرلمان حاليا، وسليمان صويلو الذي أصبح نائبا لرئيس الحزب ثم وزيرا للداخلية لسنوات طويلة.

ثالثا، التكتيكات الانتخابية، وعلى وجه التخصيص فإن أهم المصالح المتوخاة من الانتقال هو الترشح للانتخابات، البرلمانية أو المحلية، حيث ينتقل السياسي الطموح الراغب بالترشح من حزبه الذي ارتأى ترشيح غيره لحزب آخر وعده بالترشح، لا سيما إذا ما كانت فرصه في الفوز معقولة. وهنا يستوي في الأمر مدى قوة الحزب الجديد أو ضعفه مقارنة بالحزب السابق، إذ أن المعيار هنا هو فرصة الترشح لا قوة الحزب.

هذه الظاهرة المتكررة كان أبرز مثال لها في الانتخابات الأخيرة حزب "الرفاه مجددا" برئاسة فاتح أربكان، الذي اتبع تكتيكا انتخابيا غريبا في عدة محافظات، حيث استمال وضم إليه عددا من الشخصيات المعروفة في حزب العدالة والتنمية التي رفضت قيادة الحزب ترشيحها، فاستقالت منه وانضمت للرفاه مجددا وترشحت باسمه وفاز بعضها بهذه الطريقة. وهذا ما حدا بالرئيس أردوغان لتركيز انتقاداته وهجومه على هذا الحزب تحديدا في مرحلة ما بعد الانتخابات واتهامه بالانتهازية السياسية.

الانتقالات تأتي بقرارات أصحابها وليس أصوات الناخبين، فإنها أولا تتعرض لانتقادات من قبيل "خيانة أصوات الناخبين" الذين اختاروا الشخص الفلاني المرشح على قوائم الحزب الفلاني ليقرر هو بعد الفوز الانتقال لحزب آخر
ومن هذه التكتيكات الانتخابية أن الذي خرج من حزبه فقط للترشح يمكن أن يعود له بعد أن يهدأ غبار معركة الانتخابات وتتحدد النتائج، فاز أم خسر، وتحديدا إذا ما فاز حيث سيكون حزبه السابق مرحبا به غالبا. وهذا تحديدا ما حصل مع حزب الرفاه مجددا، الذي استقال منه بعد الانتخابات وحتى اللحظة 13 رئيس بلدية من أصل 63 رئيس بلدية فازوا على قوائمه.

وفي الخلاصة، فإن انتقال السياسيين بين الأحزاب ظاهرة متكررة ومتوقعة، ولكنها ظهرت بحجم أكبر نسبيا بعد الانتخابات الأخيرة بسبب سياقها المميز واختلاف نتائجها، ولذلك فقد تمحورت في معظمها حول حزب العدالة والتنمية نفسه، الذي تراجعت نتيجته في الاستحقاق الأخير.

وعليه، ولأن الانتقالات تأتي بقرارات أصحابها وليس أصوات الناخبين، فإنها أولا تتعرض لانتقادات من قبيل "خيانة أصوات الناخبين" الذين اختاروا الشخص الفلاني المرشح على قوائم الحزب الفلاني ليقرر هو بعد الفوز الانتقال لحزب آخر؛ ربما لم يكن الناس لينتخبونه فيما لو ترشح على قوائمه. ولذلك أيضا، وبشكل مفهوم، فليس للأمر علاقة أو تأثير مباشر على شعبية الأحزاب في الشارع وحضورها وفرصها في الانتخابات التالية. ما يحصل، عادة، هو استكمال "التكتيكات الانتخابية" وعودة بعض المياه لمجاريها كما يقال، فهي في جوهرها مناورات سياسية وليست ظواهر انتخابية أو شعبية.

x.com/saidelhaj

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأحزاب تركيا بلديات البرلمان تركيا البرلمان أحزاب مرشحين بلديات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب العدالة والتنمیة الأحزاب السیاسیة السیاسیة الترکیة بعد الانتخابات أصوات الناخبین بین الأحزاب لحزب آخر من حزب

إقرأ أيضاً:

أبو الغالي يقدم تفاصيل جديدة عن "النزاع التجاري" الذي أفضى إلى تجميد عضويته في "البام"

عاد صلاح الدين أبو الغالي، عضو الأمانة العامة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، في بيان ثان، إلى النزاع التجاري الذي قدم أساسا لتجميد عضويته في قيادة الحزب، مهددا ببدء ملاحقة قضائيين ضد قياديين بسبب تلميحاتهم إلى تورطه في قضية « نصب واحتيال »، مطالبا رئيس الفريق النيابي لحزبه، أحمد التويزي، بالتراجع عن نصريحاته في هذا الشأن.

أبو الغالي الذي بث بيانا أول كال فيه انتقادات شديدة إلى المنسقة الوطنية لحزبه، فاطمة الزهراء المنصوري، قدم في بيانه الثاني تفاصيل جديدة عن هذا النزاع التجاري الذي شمل عضوين آخرين في حزبه وهما عبد الرحيم بنضو، وإبراهيم مجاهد، وكلاهما مسوؤلان كبيران في هذا الحزب.

ردا على التعليقات التي قيلت بشأن قضيته في ندوة أربعة أعضاء للمكتب السياسي يتقدمهم زميله عضو القيادة الجماعية، المهدي بنسعيد، أمس الأربعاء، أوضح أبو الغالي عائلته « تمتلك 9 هكتارات من الأراضي في مديونة منذ حوالي 40 سنة، والمسؤول عنها والمكلّف بها قانونيا هو شقيقي عبد الصمد، الموقع على الوعد بالبيع، والمعتمد لتدبير عقارات العائلة، وهذه الهكتارات التسعة موضوعة تحت الرهن لفائدة أحد البنوك المغربية… وفي سنة 2022، اتفق شقيقي عبد الصمد مع مسؤول جهوي، على أن يبيعه ستة (6) من تلك الهكتارات، على أساس أن يقدّم مبلغ البيع إلى موثّق، وهو أحد أعضاء البام بدوره، ليستكمل مسطرة أداء دين البنك لرفع الرهن البنكي، وباقي الحجوزات، وتمكين المشتري من تملّك العقار المُباع، وعلى هذا الأساس، أُنجز وعدٌ بالبيع مدّة صلاحيته 6 شهور مغلقة… والحال أن الأمر طال حوالي سنتين دون تمديد للوعد بالبيع أو إتمامه، وجراء ذالك تكبّد شقيقي عبد الصمد خسارة مالية جسيمة ارتفعت فيها فوائد دين البنك لأكثر من مليار سنتيم! ولكي يخرج شقيقي من هذه الوضعية المأزومة، إتخذ قرار اللجوء إلى مشترٍ آخر بعد انتهاء صلاحية الوعد بالبيع المذكور لأكثر من سنة ونصف، ليتمكن من أداء دين البنك ووقف نزيف الفوائد، ورفع اليد عن الحجوزات الأخرى، خصوصاً أن البنك كان قد هدد باللجوء لبيع العقار المرهون بالمزاد العلني ».

يشدد أبو الغالي على أن « الخلاف التجاري بين متعاملين اثنين هما: عبد الصمد أبو الغالي والمسؤول الجهوي، وأن صلاح الدين أبو الغالي عضو القيادة الجماعية للبام لا علاقة قانونية له بالملف، ليس هو من باع ولا من اشترى، بل شقيقه عبد الصمد المعني المباشر بالملف ».

متحدثا عن « أساليب غامضة » يجري بواسطتها تقديم قضيته، ينتقد هذا المسؤول الحزبي « حديث أربعة أعضاء من المكتب السياسي عن « شكايات » هكذا بالعموميات، وبطريقة غامضة وملبسة وملتوية بشكل مقصود للإيحاء بأن الشكايات ذات صلة بملفات الفساد، رغم محاولة تبرئة الذمة بالاعتراف بأن « القضية عبارة عن مشكل تجاري خاص » »، مضيفا أن « الأمر وصل إلى حد انتحال صفة وكيل الملك وتوجيه تهمتي « النصب والاحتيال »، ثم انتحال صفة القاضي وإصدار حكم بالإدانة ».

مستغربا من صدور هذه التعليقات « في شبه « باشوية » أنشئت داخل حزب الأصالة والمعاصرة »، يؤكد أبو الغالي على أن « ليست هناك قضية أصلا، ويتحدثون عن شكاية، ولا وجود لأي شكاية لدى المصالح القانونية المختصة، وإلاّ كانوا وزعوا نسخاً منها ». ويخلص إلى أن « الهدف هو افتعال قضية الغاية منها تلطيخ سمعتي لإبعادي قسريا في هذه المحطة السياسية بالذات، التي تستفرد منسقة القيادة الجماعية فاطمة الزهراء المنصوري(..) بكل ما يتعلق بمشاورات التعديل الحكومي، بدل تشكيل لجنة لذلك ».

وجدد أبو الغالي انتقاداته إلى قرار تجميد عضويته، وإحالة قضيته على اللجنة الوطنية للأخلاقيات، معتبرا أن
« ليس من الأخلاقيات، البتة، إدخال التجارة في الحزب، وإلا ستتحوّل الأحزاب إلى تجار وسماسرة ومتربّحين، تماما مثلما كنّا ننادي بالتصدي لإدخال الدين في السياسة ». مشيرا إلى أنه « يمكن لأي عضو بالحزب أن يتأكد من الوجوه الساعية إلى التوتير والإقصاء وحتى التصفية، لتخلو للبعض كل الأجواء داخل الحزب، خصوصا في هذه الفترة بالذات، المقبلة على مشاورات التعديل الحكومي، خوفاً من إبعاد أحدهما من الاستوزار ».

كلمات دلالية أبوالغالي أحزاب البام المغرب المنصوري سياسية

مقالات مشابهة

  • في ذكرى تأسيس الحزب.. “الإصلاح اليمني” يطالب بإيقاف التدهور الاقتصادي وتفعيل الحياة السياسية
  • إسلاميو الأردن وانتخابات 2024.. انتصروا لغزة فانتصر لهم الناخبون
  • الأحزاب السياسية .. ودورها فى رفع الوعى وبناء الوطن
  • الهندرة الحزبية ضرورة للإصلاح السياسي
  • انتخابات الاقليم: هل النتائج محسومة سلفا لصالح الأحزاب الحاكمة؟
  • أبو الغالي يقدم تفاصيل جديدة عن "النزاع التجاري" الذي أفضى إلى تجميد عضويته في "البام"
  • لهذه الأسباب تقدم الإسلاميون في انتخابات الأردن
  • الأردن: جبهة العمل الإسلامي تفوز بالأكثرية في الانتخابات
  • «الخروج من عنق الزجاجة».. الأحزاب السياسية تعدد مكاسب حزمة التسهيلات الضريبية الجديدة
  • الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين تتصدر الانتخابات البرلمانية في الأردن