وزير الثقافة الفلسطيني يثمن أدوار الملك محمد السادس في حماية القدس
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
ثمن وزير الثقافة الفلسطيني، عماد حمدان، اليوم الأحد، خلال زيارته لمقر وكالة بيت مال القدس الشريف بالرباط، الأدوار المقدرة، التي يضطلع بها الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في حماية القدس والحفاظ على طابعها الحضاري.
وذكر بلاغ لوكالة بيت مال القدس الشريف أن حمدان أعرب، خلال جلسة عمل جمعته بالمدير المكلف بتسيير الوكالة، محمد سالم الشرقاوي، حضرها السفير الفلسطيني المعتمد لدى المملكة المغربية، جمال الشوبكي، عن أمله في أن تتظافر الجهود لتثبيت الرواية والسردية الفلسطينية، وحماية اله وية العربية والإسلامية للمدينة المقدسة.
وأضاف المصدر ذاته أن المسؤول الفلسطيني أكد على رغبة وزارة الثقافة في دراسة كل إمكانيات التعاون والشراكة مع وكالة بيت مال القدس الشريف في المجالات ذات الاهتمام المشترك، مشيدا بحضور الوكالة ونشاطها في القدس.
وأشار البلاغ إلى أن الوزير الفلسطيني كان قد زار المعرض الدائم للجنة القدس المقام بمقر الوكالة بالرباط، واستمع إلى عروض عن المركز الثقافي المغربي في القدس وعن برامج وأنشطة الوكالة في دعم الأنشطة والمراكز الثقافية الرئيسية في المدينة.
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بملتقى النيلين
"والدي آمون رع منحني أربع معجزات في السنة السادسة من حكمي، وإن الذين أتوا من قبلي لم يروا مثل هذا. فقد أتى الفيضان مثل لص الماشية وفاضت الأرض، لقد ازدهر الزرع وغرقت الفئران والأفاعي واختفى الجراد وامتلأت المخازن بالغلال. أعظم ما منحني إياه والدي آمون، وهو لم يمنح لأي ملك من قبلي، أن أقوم بقطع رؤوس أعدائي. أعدائي من الأقواس التسعة مقيدون تحت حذائي".
هذه الكلمات نُقِشَت في "لوح فيضان النيل" بأمر الملك المحارب تهارقا خامس ملوك الأسرة 25 والملقب بـ"سيد الأرضين" في عام جلوسه، ووزعت نسخ عديدة من اللوح في كل أرجاء مملكة كوش تباهيا بعظمة الملك الذي امتدت إمبراطوريته من مصر حتى دولة آشور وامتد حكمه أكثر من ألفي عام. مملكة كوش مهد الحضارة النوبية وعاصمتها نبتة (منطقة مدينتي كريمة ومروي بالسودان الآن).
عند احتدام حرب السودان الحالية بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، أطلق السودانيون اسم عرب الشتات أو "شتات الصحراء" على القوات التي استعان بها الدعم السريع في ما يعرف بالفزع "تنادي القبائل للنصرة". وتصادف أن يطابق الاسم الحافر للحافر اسم أحد الجيوش التسعة التي نقشها الملك تهارقا على "لوح الفيضان" لأعدائه وحفر أخبار انتصاراته عليهم على جدران المعابد.
إعلاننعم، لم يأت الفيضان في عام حرب السودان هذه لكن لص الماشية تسلل في غفلة من تهارقا ووطّن شيعته في أركان الخرطوم الأربعة استعدادا للانقضاض على الحرث والنسل.
بعد هزيمة تهارقا لهم لم ينس "شتات الصحراء"، كما نعتهم السودانيون، ثأرهم وعادوا مجددا في منتصف أبريل/نيسان 2023 في بزات عسكرية عصرية تزين أكتافهم نجوم وسواعدهم شارات كتب عليها بخط الثلث "قوات الدعم السريع".
استباحت هذه القوات أرض السودان في غياب الملك تهارقا، نهبوا ودمروا منزله الكائن عند ملتقى النيلين بالخرطوم والموسوم بمتحف السودان القومي، وسطوا على ذهب مملكته الذي يحفظه في "الغرفة المحصنة" أمام عينيه وهو يراقب عاجزا عن الحراك والقتال بسبب وزنه الذي يقارب 7 أطنان ثم غادروا وقد تركوه وحيدا في باحة منزله.
يقول الأمين العام السابق للهيئة العامة للآثار والمتاحف الدكتور حاتم النور "على ضفة النيل الأزرق وفي أمان الله حافظا لتاريخ الشعب السوداني وهويته، واحدة من أهم المؤسسات الثقافية في أفريقيا والعالم، هنا حيث يجتمع التاريخ المعرفي والفكري في السودان. عندما نشأت الجماعة والقبيلة وتطورت إلى مشيخة ثم صارت دولة وإمبراطورية. عندما دافع كاشتا عن عقيدة شعبه، عندما وحد بعنخي (أول ملوك مملكة كوش) النيل من المنبع إلى المصب، عندما تجلت أخلاق المكان بدفاع تهارقا عن أورشليم. في ذلك الزمان ذكرنا الله في الكتاب المقدس".
لم يكن هدف قوات الدعم السريع عودة الديمقراطية للسودان أو القضاء على الإسلاميين كما يدعون، بل كانوا يسعون إلى تدمير ما يسمونها "دولة 56" (المهيمنة على الحكم منذ الاستقلال)؛ إلى تدمير إرثها العمراني والأكاديمي والثقافي وسرقة تاريخها.
تقول البروفيسورة غالية جار النبي مديرة الهيئة القومية للآثار والمتاحف للجزيرة نت:
"منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تعرض كثير من المتاحف والمواقع الأثرية لمخاطر متعددة إذ إنها تقع في قلب مركز النيران بين الطرفين المتحاربين. ففي الخرطوم حيث انطلقت الشرارة الأولى توجد 4 متاحف للآثار والتراث جميعها كانت في مرمى النيران، لاحقا اتضح أن كميات كبيرة من القطع نُهِبَت من مستودع الآثار الذي يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تمثل كل الحقب التاريخية التي مرت على السودان منذ أقدم العصور الحجرية حتى العهد الإسلامي بما فيها ذهب ومجوهرات ملوك وملكات نبتة ومروي قد نُهِبَت".
وتكمل قائلة "ليس هذا فحسب، بل دمرت القطع المتبقية التي لم تنهب، مما يؤكد أن هذه العملية عملية ممنهجة ومدروسة لطمس الهوية السودانية وليست مجرد عملية نهب عابرة. أما في دارفور حيث توجد 3 متاحف جميعها تعرضت للنهب والتدمير في أول شهور الحرب، نهب متحف نيالا ودمر وكذلك متحف الجنينة ومبنى ومتحف السلطان علي دينار بالفاشر. الشيء ذاته حدث لمتحف الجزيرة بود مدني عندما اجتاحت قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة. ومن بين المتاحف التي دُمِّرَت ونهبت مقتنياتها متحف بيت الخليفة بأم درمان الذي يضم مقتنيات فترة حكم الخليفة عبد الله التعايشي، ومتحف السودان القومي للأثنوغرافيا، ومتحف القصر الجمهوري بعد تدمير وحرق جزء من مبنى القصر التاريخي".
إعلانوبحسب جار النبي، تعرضت أيضا مواقع أثرية للتدمير أو النهب خلال النزاع، منها مواقع أثرية بارزة مثل جزيرة مروي وجبل البركل، المدرجين على قائمة التراث العالمي لليونسكو. وفي بداية شهور الحرب قام أفراد من قوات الدعم السريع باقتحام مبنى متحف السودان القومي الذي يُعد من أكبر المتاحف في السودان ومن أهم المتاحف في أفريقيا، وأظهرت مقاطع فيديو أفرادا منهم يعبثون بمقتنيات من المتحف كما أظهرت الصور جنود الدعم وهم يتجولون بحديقة المتحف ومبنى الإدارة، بحسب مديرة الهيئة القومية للآثار والمتاحف.
وحصل التدمير للمواقع الأثرية على اهتمام عربي ودولي، وكتب رئيس مكتبة قطر الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري عما حدث للآثار السودانية من نهب على صفحته الشخصية بالفيسبوك تغريدة بعنوان "السودان، جرح الحضارة النازف، تدمير المتحف القومي السوداني"، فقال "كم كنت محظوظًا أن أزور هذا البلد العظيم أكثر من مرة، أن أسير بين آثاره التي تروي مجد أمم سادت وخلّدت اسمها في سجل الإنسانية. رأيت بعيني كيف يقف التاريخ شامخًا هناك، في تلك الأهرامات الشاهدة على عظمة حضارة كوش، في المعابد التي تهمس بأسرار الملوك العظماء، في كل حجر يحكي قصة شعب عريق. نيران الحرب لم تكتفِ بقتل الإنسان في السودان، بل امتدت إلى ذاكرته، إلى تاريخه، إلى روحه، فهدمت، ونهبت، وأحرقت. إن ما يحدث في السودان ليس مجرد حرب على السلطة، بل هو جريمة في حق الحضارة، إنه لأمر محزن أن نشهد هذا الدمار، أن نرى التاريخ يُباد تحت أقدام الطامعين، وأن يُسرق ما لا يُعوّض، ويُطمس ما لا يُقدّر بثمن".
تدمير ممنهج لذاكرة السودان البصريةما حدث لمتاحف السودان من نهب ممنهج يدحض بوضوح فرية نشوب حرب السودان بغتة، فالتي تحدث بغتة عادة ما يكون موضوعها القتال لا النهب وتدمير تراث الدولة منذ شهر الحرب الأول.
تقول أمينة متحف السودان القومي نسيبة محجوب عثمان:
"بعد تحرير منطقة المقرن كانت أول تقارير لجنة حصر المفقودات أنه تم تدمير كثير من الآثار الموجودة وسرقة ما يقارب 500 ألف قطعة أثرية من داخل المخازن وما زال حصر المفقودات مستمرا".
إذن، قضى تهارقا على أعداء مملكته السبعة لكن شتات الصحراء وبعض قبائل غرب أفريقيا عادوا ليثأروا لأسلافهم، لم تنج من بطشهم حتى المتاحف التي توثق للثورة المهدية على الاستعمار البريطاني. دمروا متحف شيكان ومتحف حوش الخليفة عبد الله التعايشي المجتمعي الذي يحتوي على غنائم جيش المهدي في معاركه مع الاحتلال.
إعلانتقول أمينة متحف بيت الخليفة نعمات محمد الحسن عبد الرحمن أبو ريدة:
"نهبوا قطعا لها ثقل بوزن المتحف ومحتوياته التي تعود إلى عام 1880، دمروا المدافع غنائم معركة شيكان، نهبوا الأسلحة البيضاء والأسلحة النارية، نهبوا الزي الرسمي لجميع أنصار الإمام المهدي والخليفة عبد الله من بعده، دمروا الخطابات المتداولة في فترات مختلفة، نهبوا العملة المتداولة في فترتي الإمام المهدي ومن بعده الخليفة التعايشي، ولم تسلم حتى النقود الورقية التي صكت في أيام حصار الخرطوم بواسطة الجنرال غوردون وأدوات الطعام والزينة. سرقوا عدة الحرب الخاصة بالسلطان علي دينار ومطبعة الحجر التي غنمها الأنصار في حروبهم ضد الأتراك والمصريين، وأخيرا سرقوا قطعة نادرة عبارة عن كأس من قرن الخرتيت وهو الكأس الخاص بالخلفية عبد الله التعايشي الذي يكشف إذا كان الشراب مسموما".
نعم صمدت آثار السودان على مر آلاف السنين أمام عوامل التعرية في العراء ثم تناولتها أيد سودانية حاذقة واعتنت بها وحفظتها في متاحف مجهزة لكنها لم تنج من الحرب.
كذلك لم ينج متحف السودان للتاريخ الطبيعي الذي يقع في قلب مدينة الخرطوم ويتبع إداريا لجامعة الخرطوم ويعتبر قسما من أقسام كلية العلوم، الذي يضم عينات لمختلف أنواع الحيوانات جمعت من بيئات سودانية مختلفة بالإضافة إلى حفريات وعينات جيولوجية وعينات لأنواع متعددة من نباتات وأعشاب عطرية وطبية.
وتقول مدير متحف التاريخي الطبيعي بجامعة الخرطوم سارة عبد الله ان المتحف يحتوي على عينات مرجعية تجعله من أهم متاحف التاريخ الطبيعي في العالم، وتتابع للجزيرة نت قائلة "يضم المتحف حيوانات حية من زواحف وطيور وثدييات بالإضافة إلى العينات البحثية من ثعابين سامة وعقارب والتي تخص مركز أبحاث الكائنات السامة بجامعة الخرطوم. كل هذا الثراء لم يجد من يعتني به، الحيوانات افتقدت من يطعمها منذ انطلاق أول رصاصة فماتت".
كيفية استعادة الآثار المنهوبة!تقول مديرة الهيئة القومية للآثار والمتاحف البروفيسورة جار النبي "في يوم 22 يوليو/تموز 2024 تلقيت اتصالا من أحد معارفي في جوبا أن شخصا اتصل به وأخبره أن لديهم كمية من القطع الأثرية يريدون تسويقها، طلبوا مساعدته على بيعها وأرسلوا له صورا لكميات كبيرة من القطع الأثرية وذكروا له أن هذه القطع موجودة في منطقة سوق النعام وبعضها في منطقة أويل. قام هذا الشخص بالاتصال بي وطلب مني أن يكون الأمر سرا وأن نتصرف بمنتهى الحرص لأنه يخشى على نفسه وأسرته. كانت تحركاتنا سرية مع الجهات الأمنية فقط، وكان الخوف من أن يقوم اللصوص بإخفاء أو تدمير المقتنيات إذا شعروا أنهم ملاحقون".
وفي خطوة توضح اهتمام الدولة السودانية بالآثار، قامت الهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية بمشاركة "اليونسكو" وعدد من الوكالات الدولية في يناير/كانون الثاني 2023 بنقل تمثال الملك تهارقا من باحة متحف السودان القومي إلى البهو الداخلي تحت إشراف فريق عمل إيطالي متخصص. تقول البروفيسورة جار النبي "نحن اليوم نحتفل بنقل الملك تهارقا، لأنه سيد العروش الأرضية كما لقب نفسه، وهو الحاكم القوي في مملكة كوش".
إعلانوتستطرد جار النبي "قمنا بتكوين لجنة لحصر المنهوبات وحجم الدمار الذي لحق بالمتاحف وإعداد تقرير واف لرفعه إلى الجهات المعنية بتتبع الآثار المنهوبة واستعادتها. تم الاتصال بمنظمات عالمية متخصصة في تتبع الآثار المسروقة بالإضافة إلى الإنتربول ومنظمة اليونسكو لمنع بيعها وتداولها، كما حدث بالنسبة لآثار العراق وسوريا فقد تمت إعادة كثير من آثارهم المسروقة عن طريق هذه المنظمات. أيضا، هنالك مبادرة من جمعية الدراسات النوبية لجمع تمويل دولي لتقييم حجم الضرر والتلف والسرقة التي حدثت للمتاحف والآثار في السودان".
غدا سينهض تهارقا ماردا ترتعد منه الفرائص، معلنا تاريخا جديدا للسودان، مستردا ثرواته المنهوبة، يتقدمه جنوده الآتون "كنسمة الريح، كطيور الكايتس التي تضرب على الهواء بأجنحتها. حتى قوات النخبة ليست أفضل منهم فكلهم نخبة".