النووي الأمريكي من غزة وحتى هيروشيما
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
قصفت أمريكا الشعب الياباني بالقنابل النووية لمرة واحدة، ولكنها لم تطرد يابانيا واحدا من أرضه، ولم تشرد يابانيا من بيته، ولم تستول على مصانع اليابانيين ومزارعهم، ولم تحتل مدنهم وقراهم، ولم تتركهم لاجئين في شتى أصقاع الأرض، بلا وطن، وبلا هوية، ولم تواصل أمريكا ذبح اليابانيين على مدار الوقت، ومطلع كل شهر، وكأن الموت الأمريكي قدر اليابانيين الذين شنوا هجومهم العسكري على بير الهاربر، فاستحقوا القنابل النووية التي قتلت عشرات آلاف البشر.
ما يتساقط على رأس الفلسطينيين من قنابل إسرائيلية وصواريخ هي أكثر وحشية وإرهابا من القنابل النووية الأمريكية التي ألقيت على هيروشيما، وهذه السكين الإسرائيلية تواصل الحز على العنق الفلسطيني دون انقطاع، ودون توقف، ودون رحمة، منذ أن وطأت أول قدم صهيونية أرض فلسطين، واشتبكت مع الفلاحين الفلسطينيين، الذين رفضوا ترك أراضيهم للعصابات اليهودية سنة 1908م، لتتواصل المجازر بحق الشعب الفلسطيني من ثورة 1919م، وحتى ثورة البراق 1929م، ومن ثم ثورة 1936، وما تلتها من مجازر بريطانية صهيونية، بحيث لم يخل يوم دون أن يراق دم الفلسطينيين، ودون أن يخترق الخنجر الصهيوني أحشاء مستقبلهم.
أمريكا قصفت اليابان بقنبلتين نوويتين، لمرة واحدة، واكتفت بذلك، ولكن إسرائيل لم تكتف بقصف الفلسطينيين بالتهجير من ديارهم، واغتصاب مدنهم وقراهم سنة 1948م، وهذه أكثر وحشية من القنبلة النووية، بل لاحقتهم على طول الوقت بالتآمر تارة، وبافتعال المعارك تارة أخرى، حتى صار الدم الفلسطيني المراق في الشوارع من علامات الشرق، ومن مقومات الوجود الإسرائيلي، وهم يشكلون المجموعة الإرهابية 101، بقيادة الإرهابي شارون، سنة 1951م، والتي واصلت اقتحام غزة، وتصفية المدنيين، وقتل المواطنين، خلال اصطفافهم أمام مراكز الأونروا لتوزيع المساعدات، وهذه قنبلة نووية أخرى، حتى جاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سنة 1956م، ليذبح الجيش الإسرائيلي كل عنق وصلت إليها السكين الإسرائيلية، وهذه قنبلة نووية ثالثة.
سنة 1967م، ذبح الصهاينة من المصريين والسوريين والأردنيين مئات آلاف العرب، وذبح الصهاينة من سكان غزة عدة آلاف، لتتواصل المجازر بحق سكان غزة والضفة الغربية منذ ذاك التاريخ وحتى يومنا هذا دون توقف، فمن الغارات على الأردن، إلى الغارات والتصفيات في المدن اللبنانية، وحتى حصار بيروت 1982م، ليتجاوز عدد المعتقلين الفلسطينيين مليون معتقل، ويتجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين مئات آلاف الشهداء مع انتفاضة الحجارة 1978م، ومن ثم انتفاضة الأقصى 2000م، وما تلى ذلك من اقتحام للضفة الغربية سنة 2002م.
ومن ثم شن المعارك العنيفة على غزة 2009م، وعدوان 2012م، وعدوان 2014م، وما تلى ذلك من ذبح للفلسطينيين في الضفة الغربية خلال انتفاضة 2015م، ومن ثم المعارك اليومية على حدود غزة، حتى جاءت معركة طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023م، وهذه المعركة بحد ذاتها فاقت بإرهابها ما تعرضت له اليابان من قنابل نووية.
هذا الاستعراض السريع للمجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، جاء للتذكير أن أمريكا ألقت على اليابان قنبلتين نوويتين لمرة واحدة، فقتلت من قتلت، ودمرت ما دمرت، ليحيا الشعب الياباني بعد ذلك فوق أرضه، وفي مصانعه ومزارعه بلا عدوان أمريكي مباشر، وهذا ما لم يتحقق للفلسطينيين الذين ما زالوا يتلقون القنابل الإسرائيلية، ويُذبحون بأحدث ما أنتجته الصناعات الحربية الأمريكية، دون توقف، ودون رادع، ودون وازع من أخلاق، أغلقت عليها الأمم المتحدة الأدراج، بفعل الفيتو الأمريكي.
ومن المفارقات المقززة في هذه المقارنة، أن القنابل النووية الأمريكية التي ألقيت على اليابان، كانت من إبداع الصناعات الإرهابية الأمريكية، وقد يكون بعض يهود أمريكا جزءاً من صناعة القنبلة النووية الأمريكية، ليتلقى الشعب الفلسطيني في القرن الواحد والعشرين، قنابل أمريكية الصنع، شارك في تطويرها وتهويل تفجيراتها صهاينة، يحملون الجنسية الأمريكية، ولكن ولاءهم وانتماءهم لإسرائيل.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
اغتيال قادة حزب الله ستزيده شراسة وهذه هي الأسباب
مقدمة الترجمة
ما هو التأثير طويل الأمد لسياسة الاغتيالات الإسرائيلية على نفوذ وقوة حزب الله؟ في مقالهما المنشور بمجلة "فورين أفيرز"، يجادل كل من "سارة إي. باركنسون"، الأستاذة المشاركة للعلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة جونز هوبكنز، و"جوناه شولهوفر-فول"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة لايدن والأستاذ الزائر في مركز أبحاث "تحولات العنف السياسي" بجامعة غوته فرانكفورت ومعهد فرانكفورت لأبحاث السلام؛ أن تلك السياسة من المرجح أن تزيد من نفوذ حزب الله على المدى الطويل، مستشهدين بتاريخ لبنان القريب حين أدى الاحتلال الإسرائيلي للبلاد إلى ظهور وتقوية المنظمات المناهضة لإسرائيل وفي مقدمتها حزب الله نفسه.
وخلال مسيرة حزب الله، كانت قوة الحزب وشراسته تتزايد مع استهداف إسرائيل لقياداته، تماما كما حدث بعد اغتيال الأمين العام الأسبق عباس الموسوي حين بدأ الحزب باستهداف المصالح الإسرائيلية حول العالم لأول مرة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف نفهم عقلية الأمين العام الجديد لحزب الله نعيم قاسم؟list 2 of 2"هذي مش إسرائيل يا زلمة!".. حوار مع منير شفيقend of listوبعيدا عن لبنان، يجادل الكاتبان أن سياسة القتل المستهدف نادرا ما نجحت في تحقيق أهدافها بإضعاف المنظمات المسلحة وتقويضها، في المقابل فإنها تورط مرتكبيها، وفي مقدمتهم إسرائيل والولايات المتحدة، في انتهاكات واضحة للقانون الدولي وقوانين الصراعات المسلحة.
نص الترجمةفي 27 سبتمبر/أيلول، اغتالت إسرائيل حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، بإسقاط ما بين 60 إلى 80 قنبلة خارقة للتحصينات على حي مكتظ بالسكان في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأسفرت الضربة عن مقتل العديد من قادة حزب الله، وجنرال في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وما لا يقل عن 33 مدنيا، فضلا عن إصابة 195 آخرين.
يمثل هذا الهجوم، والهجمات الأخرى التي أعقبته، والغزو البري الإسرائيلي للبنان، ختاما لحالة من التصعيد المستمر منذ عام ضد قيادات حزب الله.
وخلال ذلك الوقت، قتل الجيش الإسرائيلي مئات المسلحين وآلاف المدنيين، من بينهم ما لا يقل عن 20 قائدا عسكريا ومسؤولا رفيع المستوى في الحزب اللبناني، بما في ذلك خليفة نصر الله المتوقع، هاشم صفي الدين. وفي الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الحملة الإسرائيلية كانت ناجحة، حيث قال: "لقد قضينا على آلاف الإرهابيين، بما في ذلك نصر الله نفسه، ورديف نصر الله، ورديف رديفه".
الأمين السابق لحزب الله حسن نصر الله (يمين) وهاشم صفي الدين (وكالات)وفقا لمنطق نتنياهو والعديد من المسؤولين الإسرائيليين الآخرين، فإن هذه الاغتيالات أو عمليات القتل المستهدف سوف تساعد على تدمير حزب الله إلى الأبد، لكن الواقع هو أنها من غير المرجح أن تحقق هدفها، فحزب الله هو جماعة راسخة عمرها 40 عاما تتمتع بقاعدة اجتماعية كبيرة، وهو أيضا حزب سياسي ممثل في البرلمان والحكومة في لبنان ويحظى بدعم كبير من إيران؛ ما يمكّنه من التكيف والصمود.
لذلك، لربما تنجح إسرائيل في إضعاف الحزب مؤقتا، لكنه من المرجح أن يعيد توحيد صفوفه، والأهم أن القادة الجدد سوف يسعون للانتقام من إسرائيل من أجل إثبات جدارتهم، وإظهار أن الحزب لا يزال فاعلا مُهِمّا وقادرا على التأثير.
وحتى لو نجحت حملة الاغتيالات الإسرائيلية في إضعاف حزب الله بصورة دائمة، فمن المحتمل أن تظهر مجموعة أخرى لملء الفراغ، فعلى مر التاريخ، عندما تسببت الاغتيالات المستهدفة في إلحاق أضرار لا يمكن إصلاحها بالجماعات المسلحة، سرعان ما ظهرت مجموعات جديدة لتحل محلها. ويرجع هذا إلى كون تلك الاغتيالات تكتيكا وليست حلا سياسيا؛ ما يعني أنها لا تكاد تفعل شيئا لحل القضايا الأساسية التي تحرك الصراع.
في غضون ذلك، تُخلّف الاغتيالات عمدا أو خطأ قتلى في صفوف المدنيين ودمارا للبنية التحتية، كما تعمل على تضخيم المظالم الشعبية وتغذي منابع تجنيد المسلحين، فضلا عن كونها تعطل المفاوضات. وبعبارة أخرى، تعمل الاغتيالات في نهاية المطاف على إطالة أمد العنف بدلا من إنهائه كما تهدف للوهلة الأولى.
عواقب غير مقصودةعلى مدار أكثر من نصف قرن، اغتالت إسرائيل قادة الجماعات المسلحة بوسائل متنوعة، مستخدمة غارات فرق الكوماندوز والسيارات المفخخة والضربات الجوية. وقد سلطت هذه الهجمات الضوء على ما يطلق عليه بعض الباحثين والإستراتيجيين العسكريين "جز الرؤوس"، وتعني قتل أو أسر زعماء الجماعات المسلحة على أمل إضعاف قدرة هذه الجماعات وتحفيز انهيارها.
لكن "القتل المستهدف" أو "جز الرؤوس" ليست مصطلحات رسمية في القانون الدولي، ويراها الكثير من الخبراء مجرد تعبيرات ملطفة عن "الإعدام خارج نطاق القضاء" الذي تحظره قوانين الصراع المسلح.
لكن أنصار هذه التكتيكات، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة، يزعمون أنها وسيلة فعالة عسكريا ومبررة أخلاقيا لإضعاف الجماعات المسلحة المنظمة وهزيمتها، ويدّعي منطقهم أن مثل هذه الضربات يمكن أن تقضي على أفراد ضروريين لعمل منظمة مسلحة مع تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين إلى أدنى حد.
ولكن عمليات القتل المستهدفة، حتى في ظل التفسيرات الأميركية والإسرائيلية، يجب أن تحترم مبدأ التناسب، والذي يعني أن المكسب العسكري للعملية يجب أن يبرر الخسائر المدنية الناجمة عنها. وقد كتب قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية "أهارون باراك" رأيه في هذه القضية عام 2006 قائلا: "خذ الحالة المعتادة لمقاتل أو قناص يطلق النار على جنود أو مدنيين من شرفته. إن إطلاق النار عليه يكون متناسبا حتى لو أدى ذلك إلى إيذاء جار مدني بريء أو أحد المارة، ولكن هذا ليس هو الحال إذا تم قصف المبنى من الجو وتضرر العشرات من سكانه والمارين إلى جواره".
بموجب أغلب تفسيرات قوانين الصراع المسلح، بما في ذلك تفسير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن العديد من الأشخاص الذين تقتلهم إسرائيل يتمتعون بـ"وضع محمي". ووفقا لهذه القراءات أيضا، فإن الأشخاص العاملين أو المتطوعين في الخدمات الاجتماعية والأجنحة السياسية لحزب الله يعتبرون غير مقاتلين، ما لم يشاركوا بشكل مباشر في الأعمال العدائية.
ولكن إسرائيل والولايات المتحدة لديهما تفسير أكثر تساهلا لما يشكل مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية. على سبيل المثال، في هجوم شنته إسرائيل في 16 أكتوبر/تشرين الأول على مبنى البلدية في مدينة النبطية اللبنانية، قُتل رئيس البلدية المنتخب (كان مرشحا على قائمة مشتركة لحزب الله وحركة أمل) وعدد من المسؤولين الآخرين في لجنة الأزمة التابعة لخدمات الطوارئ في المدينة.
وحتى لو لم تقتل الضربات الإسرائيلية سوى المقاتلين، فإن عمليات القتل المستهدف أو الاغتيالات تواجه مشكلة أخرى، وهي أنها ترتد بنتائج عكسية. ورغم أن الأبحاث حول هذا التكتيك أسفرت عن مجموعة من النتائج المتناقضة، ويرجع هذا جزئيا إلى المعايير المتباينة لحالة النجاح، فإنها تشير عموما إلى أن مثل هذه الهجمات تفشل في تحقيق أهدافها بعيدة الأمد.
على سبيل المثال، لم تنجح الحملات الأميركية في أفغانستان والعراق وباكستان والصومال وسوريا واليمن في تحقيق مبتغاها، وتقدم أفغانستان تحديدا مثالا واضحا على ذلك، فوفقا لـ"ديبالي موخوبادياي"، الأستاذة في جامعة جونز هوبكنز، والخبيرة الرائدة في الحرب الأميركية في أفغانستان؛ وقعت الولايات المتحدة في فخ عادة ما يحدث في مثل هذه العمليات، وهو التركيز على الانتقام والمكاسب السياسية القصيرة الأجل بدلا من إيجاد حلول دائمة.
يزعم أنصار عمليات القتل المستهدف أن الهجمات ضد الأفراد المشاركين بنشاط في التخطيط للعنف وتنفيذه تقلل من قدرة المنظمة وتؤدي إلى انهيار الروح المعنوية لأفرادها، وتدعي الحكومة الإسرائيلية أن عملياتها الحالية في لبنان تحقق هذه الأهداف بالضبط.
ولكن حزب الله أثبت قدرته على الصمود في مواجهة هذه التهديدات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى كونه راسخا مؤسسيا وبيروقراطيا. وعادة ما تمتلك الجماعات مثل حزب الله إجراءات وخططا للخلافة في حال ترقية قياداتها أو وفاتهم أو تركهم لمناصبهم لأي سبب، ناهيك بكون وحداتها عادة ما تُنظم مثل الخلايا بحيث لا يؤثر مقتل كبار القادة على قدرات الجماعة بشكل دائم.
في أعقاب اغتيال كبير، من المؤكد أن الجماعات المستهدفة ربما تعاني من انقطاع الاتصالات والارتباك والحزن والارتياب، ومع ذلك، حتى لو قُتل قائد متوسط المستوى أو شخصية عسكرية مهمة أو قائد كبير، فإن النواب يكونون منتظرين في الكواليس مستعدين لتولي مهامهم بينما يمكن للمقاتلين مواصلة الهجمات. الدليل على ذلك أنه منذ وفاة حسن نصر الله -على سبيل المثال- أطلق حزب الله مئات الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار على القواعد العسكرية الإسرائيلية والمدن الكبرى مثل حيفا وصولا إلى مقر إقامة نتنياهو نفسه.
في الواقع، قد تكون الجماعة التي فقدت شخصيات رئيسية أكثر تصميما على إثبات قدراتها وإعادة بناء قوتها. لقد أطلق حزب الله نيرانه عبر الحدود اللبنانية-الإسرائيلية لأول مرة في أعقاب جنازة الأمين العام لحزب الله عباس الموسوي، الذي اغتالته إسرائيل عام 1992، وفيما يبدو دفع موت الموسوي قادة حزب الله إلى الرد وتدشين عمليات متطورة ضد الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان المحتل، بل وعلى المستوى الدولي.
وقد ربط "أوري ساغي"، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بين عامي 1991 و1995، اغتيال الموسوي بشكل مباشر بتصعيد حزب الله لهجماته الدولية، بما في ذلك تفجير السفارة الإسرائيلية والمركز الثقافي اليهودي في الأرجنتين عامي 1992 و1994.
وبعد مرور أكثر من عقد على اغتيال الموسوي، أصبح حزب الله أكثر قوة وأعظم قدرة، فيما قادت سنوات الجمود الدموي في الجنوب اللبناني إلى انسحاب إسرائيل من لبنان في نهاية المطاف عام 2000. ورغم استمرار إسرائيل في سياسة "الاغتيالات" أو "القتل المستهدف" منذ ذلك الحين، فإنها لم تثمر شيئا سوى زيادة نفوذ حزب الله. وفي 12 يوليو/تموز عام 2006، شن الحزب غارة عبر الحدود نجح خلالها في قتل وأسر عدد من الجنود الإسرائيليين؛ ما تسبب في نشوب حرب واسعة في وقت لاحق من الشهر نفسه.
يمكن أن تؤدي الاغتيالات أيضا إلى ترقّي قادة أكثر تشددا أو أكثر فاعلية، وقد أدى اغتيال الموسوي إلى صعود نصر الله الأكثر كاريزمية من سلفه، وباعتباره أمينا عاما، يُنسب إلى نصر الله -إلى جانب كبير الإستراتيجيين العسكريين في حزب الله عماد مغنية- الفضل في تحويل الجماعة من ميليشيا محلية إلى جيش غير حكومي أقوى من القوات المسلحة اللبنانية.
وعلى نحو مماثل، قد تؤدي الاغتيالات إلى دعوة جهات خارجية إلى تقديم الدعم المالي والفني، فعندما قتلت إسرائيل عماد مغنية عام 2008، أصبح مستشارو الحرس الثوري الإيراني أكثر انخراطا في العمليات اليومية لحزب الله.
المرشد الإيراني الأعلي علي خامئني (يمين) والأمين السابق لحزب الله حسن نصر الله (وكالات) ملء الفراغالمفارقة هي أنه حتى عندما تنجح الاغتيالات في إلحاق أضرار مؤقتة بالهيكل القيادي للجماعات المستهدفة، فإن ذلك يقود إلى المزيد من العنف. ففي المجموعات التي تستخدم التقسيمات والهياكل الخلوية، ربما تنشأ فصائل ذات مصالح وأجندات مستقلة، وعادة ما يستخدم القادة الصاعدون العنف في التنافس على الاهتمام والموارد والمكانة، وهي الممارسة التي يطلق عليها علماء السياسة اسم "المزايدة". والنتيجة هي أن هجمات المجموعة المستهدفة غالبا ما تصبح أقل قابلية للتنبؤ وأكثر حساسية.
لقد حدث ذلك بالفعل من قبل في لبنان. ففي عام 1982، غزت إسرائيل لبنان بهدف استئصال منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المسلحة الفلسطينية، التي كانت تطلق الصواريخ وتشن الغارات العسكرية من جنوب لبنان على شمال إسرائيل، وقتلت إسرائيل وسجنت القادة الفلسطينيين، إلى جانب آلاف المدنيين، تاركة الوحدات العملياتية الفلسطينية بلا قائد وبدون تنسيق، ومع احتلال إسرائيل لجنوب لبنان حتى مدينة صيدا الساحلية، نشأت فصائل فلسطينية محلية غير مرتبطة بهياكل القيادة والسيطرة التقليدية، وقد عملت هذه الفصائل مع نظيرتها اللبنانية، محدثة دمارا هائلا في صفوف القوات الإسرائيلية والمتعاونين معها.
ونتيجة لذلك، اضطرت إسرائيل عام 1985 إلى الانسحاب إلى المنطقة الحدودية، والتي استمرت في احتلالها حتى عام 2000. رغم ذلك، لا يزال لبنان يعيش إرث تلك الحرب إلى اليوم. وقد برز أحد القادة الفلسطينيين، الذين استهدفتهم إسرائيل في غارة في أكتوبر/تشرين الأول على مخيم عين الحلوة في صيدا، في خضم فراغ السلطة الذي ساد في الثمانينيات.
وتوضح عواقب غزو إسرائيل للبنان في عام 1982 حقيقة صارخة أخرى، وهي أن إضعاف جماعة ما أو حتى هزيمتها بشكل دائم من شأنه أن يؤدي إلى ظهور جماعات جديدة. وقد وفرت هزيمة الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي سببا لوجود حزب الله، ففي أغسطس/آب 1982، أُجلي أكثر من 14 ألف مقاتل فلسطيني من بيروت، في أعقاب وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، بصحبة الزعماء السياسيين الفلسطينيين إلى دمشق وتونس؛ ما ترك فراغا واضحا قام لملئه حزب الله.
عقاب جماعيواحد من المبررات الرئيسية لعمليات القتل المستهدف هو الادعاء بأنها تقلل من أعداد القتلى المدنيين، لكن الحقيقة أن هذه العمليات سببت دمارا وإصابات واسعة في صفوف المدنيين. فقد أدت الغارة الجوية التي قتلت نصر الله إلى تدمير مبنى كامل في أحد أكثر الأحياء اكتظاظا بالسكان في لبنان، كما أدى الهجوم الإسرائيلي في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الذي استهدف وفيق صفا، ضابط الاتصال بين حزب الله وأجهزة الأمن اللبنانية، إلى انهيار مبنى سكني من 8 طوابق في وسط بيروت؛ ما أسفر عن مقتل 22 شخصا وإصابة 117 آخرين.
وتزعم الحكومة الإسرائيلية أنها كثيرا ما تستخدم المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والمنشورات التي تُلقيها من الجو لحث السكان على إخلاء المناطق المستهدفة قبل مهاجمتها، لكن منظمة العفو الدولية أفادت في أكتوبر/تشرين الأول أن إشعارات الإخلاء حتى إنْ وصلت فإنها غالبا ما تكون غير واضحة أو لا تمنح المدنيين الوقت الكافي لمغادرة المنطقة.
وحتى تلك العمليات التي يشيد بها المحللون العسكريون لتطورها التقني تفتقر إلى الدقة اللازمة لتجنب إلحاق الضرر بالمدنيين على نطاق واسع. وقد اندهش العديد من المراقبين، على سبيل المثال، عندما فجرت إسرائيل في سبتمبر/أيلول في وقت واحد آلاف أجهزة النداء "البيجر" واللاسلكي التي يستخدمها حزب الله، ولكن هذه الهجمات قتلت وأصابت العشرات من الناس الذين لا ينتمون إلى الحزب. ووصف مدير وكالة الاستخبارات المركزية ووزير الدفاع الأميركي الأسبق "ليون بانيتا" هذه الهجمات بأنها "شكل من أشكال الإرهاب".
وفي كثير من الحالات، لا يستطيع المدنيون الذين يريدون الفرار أن يفعلوا ذلك، وقد لا يكون كبار السن أو المرضى أو المعاقون قادرين على الفرار. وفي بلد يعيش فيه ما يقرب من نصف السكان في حالة من الفقر، فإن العديد من الناس لا يمتلكون القدرة المالية اللازمة لإخلاء منازلهم والفرار.
وبالنظر إلى هذه الحقائق، تصبح هذه الهجمات بمثابة عقاب جماعي للمدنيين. والمفاجأة هي أن الحكومة الإسرائيلية تعي ذلك تماما، وهي تأمل أن تؤدي تلك المصاعب إلى تأليب المدنيين على حزب الله. ففي أكتوبر/تشرين الأول، هدد نتنياهو لبنان بـ"الدمار والمعاناة تماما مثل غزة" ما لم يَثُر الناس ضد حزب الله. ووفق رؤية نتنياهو، إذا ألقى الناس باللوم على حزب الله في تدمير بلدهم، فإنهم سوف يساعدون إسرائيل على استهداف أعضاء الجماعة وتفكيك نفوذها.
غارات إسرائيلية ليلية على جنوب لبنان (مواقع التواصل الاجتماعي)ولكن هذا التحول من غير المرجح أن يحدث، بل إن العكس تماما هو الصحيح، فإسرائيل قوة أجنبية غزت لبنان 3 مرات بالفعل، وشنت العديد من العمليات العسكرية المدمرة الأصغر حجما. وخلال الاحتلال الذي دام من عام 1982 إلى عام 2000 فرضت إسرائيل سياسة وحشية على جميع سكان الجنوب اللبناني، وسجنت الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين، وأذكت التوترات الطائفية من خلال الاستعانة بجيش جنوب لبنان ذي الأغلبية المسيحية. وقد أدى الاحتلال، إلى جانب القمع والصعوبات التي رافقته، إلى حشد مجندين جدد لصفوف حزب الله وغيره من الأحزاب والجماعات السياسية المسلحة في لبنان.
إن تجربة المدنيين للضربات الإسرائيلية العشوائية في كل مكان تقريبا، تؤثر أكثر من أي شيء آخر على وعيهم وقراراتهم، وتعمل هذه الهجمات على ترسيخ قناعات أنصار حزب الله المدنيين، بل إن بعض الذين لم يقاتلوا من قبل ربما يصبحون على استعداد للانضمام للقتال، ويقررون أن الوصول إلى الأسلحة والرواتب والمعلومات هو أفضل طريق لديهم، وخاصة عندما قد يتم قتلهم عشوائيا رغم محاولتهم تجنب الأعمال العدائية المتصاعدة، تماما كما حدث بين عامي 1982 و2000، حينما احتشدت قطاعات أكبر من السكان اللبنانيين ضد إسرائيل.
بشكل عام، يشير السجل المتعلق بالقتل المستهدف أو الاغتيالات إلى أن هجمات إسرائيل على حزب الله من غير المرجح أن تدمره، فبعد كل شي استخدمت إسرائيل هذا التكتيك ضد الحزب لعقود من الزمن، وبدلا من الانهيار، أثبت حزب الله قدرته على الصمود والتكيف. وقد أدت محاولات قطع رأس القيادة إلى المزيد من العنف والتوسع التنظيمي وزيادة النفوذ الإيراني.
لا أحد يعرف هذا أفضل من الشعب اللبناني نفسه، ففي أكتوبر/تشرين الأول قال رامي مرتضى، سفير لبنان لدى المملكة المتحدة، ردا على تهديد نتنياهو بتحويل لبنان إلى غزة: "إن الهجمات الإسرائيلية سوف تعمل على ترسيخ مكانة حزب الله، وسوف تزيد من الإحباط بين السكان. والأهم أنها سترسخ ما يردده حزب الله منذ أربعين عاما وهو أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة".
هامش:
استُخدمت لفظتَا "الاغتيالات" و"القتل المستهدف" بمعنى واحد في هذا المقال، وهما ترجمة لمصطلح "Targeted killings".