فلسطين وقرار محكمة العدل الدولية
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
جاء قرار محكمة العدل الدولية الصادر (19 يوليو 2024م) مؤكداً على حقوق الشعب الفلسطيني في حريته واستقلاله وتقرير مصيره، وأكد بطلان كل الإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الصهيوني من الاستيلاء على الأراضي بالقوة، فالقرار (242) (أكد على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، ودعا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية المسلحة من الأراضي المحتلة في السنوات الأخيرة)، وأيضا بطلان كل الإجراءات الهادفة إلى تغيير الأوضاع الديمغرافية والسكانية فيها من (بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي، ودعم الاستيلاء عليها بواسطة المستوطنين) ونقل السكان وكذلك جميع الإجراءات التشريعية والإدارية، حيث أشار القرار إلى : انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، واحتلالها الطويل واستيطانها للأراضي المحتلة وضمها منذ عام 1967م وكذلك اتخاذها تدابير لتغيير التركيبة الديمغرافية لمدينة القدس واعتمادها تشريعات وتدابير للفصل والتمييز العنصري.
حينما صدر قرار مجلس الأمن رقم (242) الذي إدان احتلال الصهاينة الأراضي العربية المخصصة لدولة فلسطين بموجب قرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة، اثار الصهاينة والمتصهينون ضجة كبيرة حوله، لأنه نص على (انسحاب إسرائيل من أراضي عربية محتلة) ولم ينص على انسحابها من الأراضي العربية المحتلة وصدق الناس ذلك وأنه لو كان نص على الانسحاب من الأراضي العربية لما ترددت إسرائيل في الانسحاب واستمرت قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدانة احتلال إسرائيل للأراضي والاستيلاء عليها بالقوة، وسيطرت على الضفة الغربية وقطاع غزة وسارعت في بناء المستوطنات، وحولت غالبية الشعب الفلسطيني إلى لاجئين في المنافي، وفي الداخل محاصرين بالمستوطنات والجدر في مخالفة صريحة وواضحة للقانون الدولي الذي بموجبه وجدت إسرائيل وسمح لها أن تستوي على أرض فلسطين بالقوة والإجرام والظلم والطغيان، وهنا تؤكد المحكمة (أن وجود حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير لا يمكن أن يخضع لشروط من جانب السلطة القائمة بالاحتلال نظرا لطابعه كحق غير قابل للتصرف، وأن انتهاك إسرائيل لحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة ولحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير لها تأثير مباشر على شرعية استمرار ووجود إسرائيل وهذه الشرعية تتعلق بمجمل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967م.
القرارات الدولية، والصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات محكمة العدل الدولية تتحدث عن انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة ومنح دولة فلسطين حق تقرير المصير، وأن تواجد القوات الإسرائيلية بغير حق، لأنها دولة احتلال يجب مقاومتها والتصدي لها، السلطة الفلسطينية ذهبت للتفاوض مع اليهود للحصول على الحكم الذاتي تحت هيمنة وتحكم الصهاينة بكل شيء حتى أنهم يستطيعون منع الحماية الأمنية للسلطة الفلسطينية من مغادرة منازلهم ومقار أعمالهم.
وبينما يستند الفلسطينيون إلى القانون الدولي وأن القرار (242) يعني الانسحاب الكامل وغير المنقوض والمشروط من سائر الأراضي المحتلة عام 1967م يستند الكيان الصهيوني إلى القوة العسكرية والدعم اللا محدود من الحلف الصليبي. بالإضافة إلى التلاعب بالألفاظ، وهي منهجية المكر والخداع اليهودي منذ الأزل، ولذلك يفسرون الانسحاب بالجزئي الذي لا يشمل الكل، لأن القرار خلا من “ال” التعريفية، فنص على انسحاب قوات إسرائيلية مسلحة من أرض احتلت في الصراع الأخير. وحتى في الاتفاقات الثنائية بين سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني يستخدمون مصطلحات تخدم أهدافهم: فيستبدلون كلمة الانسحاب: (التي تعني المغادرة من المكان والجر على الأرض، يستبدلون ذلك بمصطلح إعادة الانتشار : وعاد: إليه وله وعليه بعد الانصراف عنه، وانتشر الشيء: انبسط وتفرق، كما جاء في القاموس الوجيز. فاليهود يوزعون قوات الأمن والجيش على المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وتعيد احتلالها متى شاءت، ومفهوم الحكم الذاتي: مفهوم شخصي لا يتعلق بالأرض المخصصة لإقامة دولة فلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وإنما يخدم وجود الكيان الصهيوني كسلطة احتلال، لاستمرار سيطرتها وممارسة الفصل العنصري على أصوله.
ومن العجيب أن الاحتلال الصهيوني وضع حكماً ذاتياً بصورة عجيبة، وحتى تسمية سلطة لأنظمة الحكم الذاتي، فالسلطة الفلسطينية لها السيطرة على المواطنين الفلسطينيين الذين تحددهم سلطات الاحتلال باستثناء الفلسطينيين الذين يعيشون في كافة الأراضي الفلسطينية كالقدس وغيرها من المناطق التي تخضع للاحتلال، وحتى سلطة الحكم الذاتي في الضفة وغزة قسمت سلطات الاحتلال كما يوضح د. خيري مريكب في كتابه “تطورات القضية الفلسطينية” حيث قسمت إلى (ثلاث مناطق (أ) تظم المدن الفلسطينية دون القدس وهي مجموعة من الجزر يصعب حصرها وتقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية وتمثل 10 % من الأراضي الفلسطينية وتم حصر 98 % من سكان الشعب الفلسطيني في المنطقة (ب) وهي أغلب القرى الفلسطينية ومعسكرات اللاجئين، السيطرة المدنية للفلسطينيين والأمنية لإسرائيل ومساحتها 26 % من الضفة، وهي جزر مبعثرة لا يجمع بينها أي تواصل جغرافي بواسطة الطرق الالتفافية والمستوطنات، أما المنطقة (ج) فهي خاصة بالحدود والمستوطنات والقدس، وشبكة الطرقات والمناطق العسكرية والاستراتيجية ومساحتها 64 % وتمثل منطقة الحكم الذاتي فقط 280كم من 670كم مساحة الأراضي المحتلة بكثافة سكانية هي 900.000 شخص لكل كم في منطقتين بعيدتين بأكثر من 100كم، صـ335، 336.
هذه هي مجمل مفاوضات السلطة الفلسطينية وحقيقة المكر والخداع اليهودي الذي يمارس الاحتلال والاستعمار بأقذر أنواعه وأشكاله من استقلال واستعباد وتمييز عنصري، حيث حول السلطة الفلسطينية إلى شرطي يعمل على حماية الاحتلال وممارسة البطش والتنكيل لكل من يشكل تهديدا على منظومة الأمن الصهيونية بالإضافة إلى تقديم المطلوبين أمنيا وفقا للجنة المشتركة التي تجمع الأجهزة الأمنية الصهيونية وسلطة الحكم الذاتي، ولا غرابة إذا شاهدنا وزير الداخلية والأمن الفلسطيني ينحني أمام وزير الأمن الإسرائيلي ويبلغه بأخذ احتياطاته لأن هناك مقاومين قد تسللوا إلى القدس للقيام بعمل فدائي، لكن الصهاينة لم يأخذوا استعداداتهم مما أدى إلى قتل بعض خنازير الصهاينة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
هيرست: بإمكان إسرائيل حظر كل الأفلام.. الصوت الفلسطيني لن يُخمد
نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا لرئيس تحريره الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، تحدث فيه عن تأثير الاحتلال الإسرائيلي على الإعلام الغربي فيما يتعلق بالرواية حول حرب الإبادة في قطاع غزة.
وقال هيرست بعد حذف هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" فيلما بعنوان " "غزة: كيف تنجو في محور الحرب"، إنه "بإمكان إسرائيل أن تحظر كل الأفلام التي تريد. لا يمكن للصوت الفلسطيني أن يُخمد".
وتابع أنه "في وسط تراجع هائل في الدعم العالمي، ينتاب إسرائيل وأنصارها حالة من الهلع، فراحوا يعملون على مدار الساعة لإخفاء الدليل على جرائمها".
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
في كل الضجة التي أثيرت حول وثائقي البي بي سي بعنوان "ٌغزة: كيف تنجو في ساحة حرب" لم تُكتب كلمة واحدة حول ما الذي يقوله لنا هذا الفيلم حول الطريقة التي ينجو بها الفلسطينيون من حرب ظلت تدور رحاها لسنة ونصف.
لا يبدو أن أياً من الأصوات التالية سُمعت في خضم النزاع الذي نشب حول عرض هذا الفيلم.
امرأة تهرب وهي تحمل في يدها قارورة ماء فارغة، بعد صدور أمر إسرائيلي آخر بالإجلاء، تصيح بأعلى صوتها دون أن توجه كلامها إلى أحد بعينه: "لعنكم الله جميعاً. الله يلعنك يا [قائد حماس يحيى] السنوار.
غلام يقول للكاميرا بصوت متجهم: "رأينا الناس أمواتاً أمام أعيننا. أحدهم أمعاؤه تتدلى من بطنه. هل نحن في مكان آمن؟"
زكريا، ولد في الحادية عشرة من عمره يحصل على قوت يومه من العمل في غسيل سيارات الإسعاف في مستشفى الأقصى، يشرح كيف يعمل جنباً إلى جنب مع الإعلاميين والأطباء والمسعفين قائلاً: "أحب أن أعمل متطوعاً. أود أن أتطوع في إحدى وحدات الإسعاف."
مسعف يضع سماعات على رأس كوسيلة لعزل نفسه عن الجحيم الذي يتأجج من حوله، يقول متأملاً: "أحتاج لغسل هذا القميص. الأطفال أنقياء وأبرياء. رؤيتهم وهم جرحى من أصعب الأمور التي يشهدها المرء. السماعات هي أهم شيء على الإطلاق. إنها تساعدني على الهرب من الحرب، وبؤس المستشفى، والتفجيرات، والموتى، والجرحى".
رفع محمد طاهر، جراح العظام والأعصاب من لندن، ذراعاً بترها من ولد عمره عشر سنين، وقال: "انظر إلى ما يفعله الإسرائيليون بالأطفال في غزة. هذا ما وصل إليه الحال. لا حول ولا قوة إلا بالله."
ولكن هذا، بالطبع، هو الغرض من إلغاء وثائقي كهذا ينال سمعة إسرائيل.
ولا يقتصر الأمر على إلغاء الوثائقي، بل وأي وسيلة يتمكن الفلسطينيون من خلالها من التعبير عن الوحشية غير العادية التي يعانونها على أيدي أمة تأسس وجودها على التظلم – على كونهم ضحايا قرون من معاداة السامية الأوروبية، وضحايا المحرقة، وضحايا الهجوم الذي شنته حماس يوم السابع من أكتوبر 2023.
جماعة البي بي سي
تركز الغضب مثل شعاع الليزر على عبد الله اليازوري، راوي الفيلم الذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، وذلك أنه في نظر آلة الدعاية الإسرائيلية ارتكب ثلاث خطايا كبرى: أما الأولى والأهم فهي أنه مازال على قيد الحياة. أكثر من 14،500 طفل لم يبقوا على قيد الحياة.
أما خطيئته الثانية فهو أن يتحدث الإنجليزية بطلاقة، مما يكسبه صدقية لدى الجمهور الغربي. هذا أمر يحتكره أنصار إسرائيل، ولابد من إبقائه كذلك.
خطيئة عبد الله الثالثة هي أنه موضوعي وغير سياسي. فهو الذي يبلغ البيانات التي تصدر عن الجيش الإسرائيلي بعد كل مذبحة يرتكبها جنوده ضد المدنيين.
العبارة الوحيدة التي ينطق بها عبد الله ولا تكاد تجد أحداً خارج غزة يختلف معها هي: "هل خطر ببالك ما الذي ينبغي أن تفعله إذا ما تعرض عالمك للتدمير؟"
الإنقاذ، ووضع حد لكابوس ظهور أصوات ذات مصداقية من غزة ضمن برامج ساعات الذروة في تلفزيون البي بي سي، جاء من خلال معلومة تفيد بأن والد عبد الله كان يشغل منصب نائب وزير الزراعة في الحكومة التي تديرها حماس.
تداعت البي بي سي كما لو كانت علبة من الورق.
والد الغلام، واسمه أيمن اليازوري، تكنوقراط، ومع ذلك تم الترويج على نطاق واسع من قبل المعلقين والمنصات الإخبارية في بريطانيا بأنه مسؤول كبير في حماس، أو زعيم في الإرهاب.
ولكن، وكما كشف عن ذلك موقع ميدل إيست آي الشهر الماضي، لليازوري خلفية علمية وليس خلفية سياسية. كان قد عمل من قبل في وزارة التعليم الإماراتية – والتي لا تحب ولا توظف أي شخص يرتبط من قريب أو بعيد بالإخوان المسلمين. واليازوري حاصل على الدكتوراه من جامعة بريطانية.
لو تشكلت أي حكومة في غزة بعد هذه الحرب، فإنها سوف تدار من قبل تكنوقراط من مثل اليازوري.
بالنسبة للجيش الإسرائيل، كل من يعمل في غزة – سواء كان تكنوقراط أو أستاذ جامعي، أو مسعف، أو صحفي، أو موزع إغاثة – فهو هدف. لقد تعمد جنوده قتل أصحاب هذه المهن. والأدلة التي تثبت ذلك وفيرة.
ولكن بالنسبة للمجتمع الدولي، والذي يتضمن بريطانيا، يعتبر التكنوقراط من مثل اليازوري الحل الوحيد لحكم غزة ما بعد الحرب. لا البي بي سي ولا القناة الرابعة، لو كانوا صادقين في التزامهم بمواثيق الخدمة العامة، يجوز لهم اعتماد الدعاية والأخبار الكاذبة التي تبثها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في ضبط سياستهم التحريرية.
زعم سخيف
لا تعتبر أي من المؤسستين الإعلاميتين المذكورتين جميع الفلسطينيين في غزة مذنبين وينبغي أن يبادوا، وإن كان ذلك هو الرأي السائد داخل إسرائيل. ينبغي أن تكون المؤسستان قادرتين على التمييز بين موظف حكومة وعضو في حماس، وكذلك من هو بالفعل عضو في الجناح العسكري، كتائب القسام، المنظمة التي تحظرها بريطانيا وبلدان أخرى باعتبارها جماعة إرهابية.
قامت القناة الرابعة أيضاً بإجراء مقابلة مع عبد الله.
جاء في بيان صادر عن القناة هذا الشهر ما يلي: " في صيف عام 2024 تنامى إلى علم فريق مراسلي الشؤون الخارجية المتمرس في القناة الرابعة أن والده يشغل منصباً تكنوقراطياً في حكومة حماس واتخذوا قراراً بعدم ظهوره على شاشة القناة مرة أخرى."
وأضاف البيان: "بمجرد أن تنامى ذلك مؤخراً إلى علم فريق كبار المسؤولين في القناة الرابعة، تم اتخاذ إجراء بتوفير سياق إضافي إلى النسخة المحفوظة في الإنترنيت للتقارير الذي ظهر فيها عبد الله."
وبهذا يتم التعامل مع عبد الله ومع والده كما لو كانا رائحة كريهة. ولكن لم يصدر عن أي منهما ما هو خطأ.
كما لا يوجد ما يثبت أن حماس تدخلت بأي شكل من الأشكال للتأثير على وثائقي البي بي سي، والذي كتب نصه في لندن. لو أن حماس كان لها أي علاقة به لربما لم يظهر فيه المقطع التالي: "لقد قتلوا أطفالنا، وقتلوا نساءنا، بينما [السنوار] مختبئ تحت الأرض."
لا نعرف ما هي آراء الأب حول حركة حماس. ولكن دعونا نفترض أنه يدعم أهدافها. هل يعني ذلك تلقائياً أن ابنه غير مؤهل للظهور في برنامج الغاية منه هي تقديم الرواية الفلسطينية، وخاصة أن الرواية الإسرائيلية يتم التعبير عنها يومياً بشكل كامل ومتكرر؟
من الحقائق المعروفة جيداً في المجتمع الفلسطيني أن الأبناء لا يتبعون بشكل تلقائي المعتقدات السياسية لآبائهم، ومن الشائع أن تجد الأبناء في فتح والآباء في حماس.
شقيق الزعيم الفتحاوي جبريل رجوب، واسمه نايف رجوب، من رموز حماس، وابن الزعيم الحمساوي البارز حسن يوسف، واسمه مصعب يوسف، يُحتفى به من قبل الإسرائيليين لانقلابه على الحركة، وكثيراً ما يقتبسون أقواله بحرية.
ولذلك من السخافة أن يزعم أحد أن الابن يحمل أوزار والده.
معايير مختلفة
من واجب البي بي سي والقناة الرابعة تحري الحياد في جميع ما يصدر عنهما من مادة تحريرية. وهذا يعني تطبيق نفس المعايير التحريرية على الإسرائيليين والفلسطينيين.
ولكنهما لا يفعلان ذلك.
في الذكرى السنوية الأولي لهجوم حماس يوم السابع من أكتوبر، عرضت البي بي سي برنامجاً وثائقياً حول شهادات الناجين من مهرجان نوفا للموسيقى. كان الوثائقي، وعنوانه "لسوف نرقص ثانية" يدمي قلب من يشاهده.
ولكن لم يكن أحد ليجرؤ على التشكيك بصدقية الشهادات التي قدموها من خلال الإشارة إلى ما فعلته عائلاتهم أو فعله آباؤهم. ولم يُسأل أي من الشهود الذكور، وهم في سن الخدمة العسكرية، عما فعلوه كجنود.
بدلاً من ذلك، قيل ما يلي: "ما يقرب من 3500 مشارك ذهبوا إلى مهرجان نوفا الموسيقي، والمعروف باسم يونيفيرسو باراليلو، قتل من بينهم 364 بينما أخذ منهم 44 رهائن."
استخدام كلمة "قتل" صياغة مبررة بالكامل لوصف ما جرى يوم السابع من أكتوبر لمدنيين عزل كانوا يحضرون مهرجاناً موسيقياً، ولكن الوثائقي الذي عن غزة يقول فقط إن أكثر من 46،800 فلسطيني ماتوا في غزة.
وهكذا يتم تطبيق معايير تحريرية مختلفة تماماً، ناهيك عن أن وثائقي "غزة: كيف تنجو في ساحة حرب" لم يبق سوى أربعة أيام على الهواء ثم سُحب.
دعونا نكون واضحين إزاء هذا الذي يجري.
يستحيل أن تكون إسرائيل قد تمكنت من شن حرب تضمنت بشكل منتظم ومفتوح وجريء ارتكاب جرائم حرب – مثل منعها حالياً دخول المساعدات الإغاثية، وقطعها للكهرباء والماء عن غزة بهدف إجبار حماس على إطلاق سراح جميع الرهائن – بدون التزام وسائل الإعلام الرئيسية بالصمت.
تشتري إسرائيل هذا الصمت من خلال ما لم تزل منذ عقود تقدمه من رعاية وامتيازات لأعداد كبيرة من المحررين، رجاء أن ينتهي المطاف بواحد أو اثنين من هؤلاء في مواقع مهمة داخل غرف التحكم بالمحتوى. وهي تفعل نفس الشيء مع جميع النجوم السياسية الصاعدة في كل واحد من الأحزاب السياسية الكبرى.
ولا تتورع عن ممارسة التخويف والترهيب معهم كلما تمكن الصوت الفلسطيني من اختراق الحجب التي تفرضها.
في الحالات النادرة التي يحدث فيها ذلك، فإن الصوت الفلسطيني لا يقل فصاحة واتزاناً وصلاحاً عن صوت أي شعب مضطهد عبر التاريخ.
"ليس لدينا أرض أخرى"
لقد كتبت تقارير من مسافر يطا، تلك القرى الواقعة جنوب تلال الخليل في الضفة الغربية المحتلة، والتي أعلنها الجيش الإسرائيلي ميداناً للرماية، مثلها مثل مناطق أخرى كثيرة، عندما لم يحظ خبر الطرد الجماعي المستمر للفلسطينيين بانتباه العالم.
بعد أن تدمر الجرافات بيوتهم، يلجأ سكان القرى في مسافر يطا إلى الكهوف يتخذونها سكناً.
تطلب جذب الاهتمام بما يجري لهذه القرى فيلماً وثائقياً بعنوان "لا أرض سواها" من إنتاج فريق يتضمن المخرج الفلسطيني باسل أدرى والصحفي الإسرائيلي يوفال آبراهام. فاز فيلمهم بجائزة في مهرجان برلين للأفلام ثم مؤخراً فاز بأوسكار.
استغرق إخراج هذا الوثائقي إلى النور سنين، وهو فيلم يوثق شهادات على التصميم السلمي والهادئ لما يقرب من ألف فلسطيني (نصفهم من الأطفال) في ثمان قرى على البقاء في قراهم. بدأ العمل في الفيلم في عام 2019.
تقف النساء في مواجهة الجنود. ويجلس الأطفال التلاميذ في فصلهم الدراسي عندما تهجم جرافات الجيش على كوخهم، فتجبرهم على القفز من الشبابيك للنجاة بأنفسهم.
تسأل امرأة فلسطينية جندياً إسرائيلياً ألا يشعر بالخزي وهو يهدم بيتها، فيرد عليها قائلاً: "هذا هو القانون. ولماذا أشعر بالخزي."
تُسأل قروية أخرى لماذا لا تغادر، فتجيب: "ليس لنا أرض أخرى."
تم تسجيل الفيلم قبل هجوم حماس في أكتوبر 2023. كل العنف الذي يظهر فيه هو عنف تمارسه الدولة الإسرائيلية. لا يوجد لدى الفلسطينيين في جنوب تلال الخليل سوى الكلمات وحقهم الأخلاقي في أن يبقوا على أرضهم لمواجهة التمدد المستمر للدولة الإسرائيلية داخل الضفة الغربية المحتلة.
إخفاق الدعاية
ما تفعله إسرائيل ينتهك جميع القوانين الدولية.
ومع ذلك، حينما فاز هذا الفيلم بإحدى الجوائز الكبرى في مهرجان برلين، أثار عاصفة سياسية في ألمانيا.
بررت وزيرة الدولة للثقافة في ألمانيا، كلوديا روث، تصفيقها لمخرجي الفيلم حينما تسلما الجائزة بالقول إنها كانت تصفق للإسرائيلي فقط، وليس للفلسطيني. سرعان ما تحول موقفها العنصري ذلك باعترافها إلى كارثة في العلاقات العامة.
أنهى أبراهام خطاب تسلمه للجائزة بالدعوة إلى وقف لإطلاق النار في غزة وإلى "حل سياسي لإنهاء الاحتلال" – فقط لا غير.
وصف عمدة برلين كاي فيغنر الخطابات التي ألقيت في ختام مهرجان برلين بأنها "مغرقة في النسبية لدرجة لا تحتمل". وأضاف في حسابه عبر منصة إكس: "إن المسؤولية الكاملة عن المعاناة الشديدة في إسرائيل وفي قطاع غزة تتحملها حماس."
طالب موفد من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كلوديا روث بالاستقالة، بينما اقترح سياسي من الحزب الديمقراطي الحر بأنه ينبغي ألا يتلقى مهرجان الأفلام تمويلاً من الدولة بعد اليوم.
انتقد مدير المهرجان المنتهية ولايته، الإيطالي كارلو تشاتريان، المؤسسة السياسية الألمانية متهماً إياها باستخدام خطاب معاداة السامية سلاحاً من أجل تحقيق مكاسب سياسية. كما واجه مهرجان برلين لهذا العام دعوات بالمقاطعة بسبب صمته إزاء غزة وبسبب الطريقة التي تعامل بها مع ردود الفعل المناهضة لفيلم "لا أرض سواها".
الخبر السار هو أن الدعاية الإسرائيلية لم تعد تجدي نفعاً. فالرأي العام في جميع البلدان الغربية التي تمارس وسائل إعلامها ومهرجاناتها هذه الرقابة يتحول سريعاً ضد إسرائيل ولصالح الفلسطينيين.
يبدو هذا التوجه أكثر حدة في الولايات المتحدة حيث يتعاطف 59 بالمائة من الديمقراطيين مع الشعب الفلسطيني – ما يمثل ارتفاعاً قدره 16 نقطة عن السنة الماضية – بينما يتعاطف 21 بالمائة مع إسرائيل، ما يمثل انخفاضاً قدره 14 نقطة. في الولايات المتحدة ككل، ارتفعت النسبة المئوية للأمريكيين الذين يتعاطفون مع الفلسطينيين ست نقاط عما كانت عليه في العام الماضي لتصل إلى 33 بالمائة، بينما وصل الدعم الذي تحظى به إسرائيل إلى أدنى معدلاته خلال 24 سنة. 46 بالمائة فقط من الأمريكيين الذين استطلعت آراؤهم قالوا إنهم يتعاطفون مع إسرائيل.
إن التبدل في الدعم الشعبي غير مسبوق في كل العقود التي شهدها هذا الصراع. لا عجب إذن أن تصاب إسرائيل وجيشها وداعموها بالهلع. إنهم في الجانب الخطأ من التاريخ.
عندما ينتهي هذا الصراع في آخر المطاف ويكون للفلسطينيين دولتهم التي يستحقونها عن جدارة، سوف ينظر إلى هذه الحقبة الزمنية باعتبارها أحلك ساعات إسرائيل ووسائل الإعلام الغربية الليبرالية.
أين كنتم وماذا كنتم تفعلون عندما كانت غزة والضفة الغربية المحتلة تتعرض للسحق وتُحول إلى رماد. هذا ما سوف يسأله أبناء الجيل القادم لآبائهم. سوف يكون مثيراً للاهتمام أن نسمع الإجابة.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)