المرأة.. صانعة الحكايات وساردة الأسطورة
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
هزاع أبوالريش (أبوظبي)
مثلت المرأة عبر الثقافات المختلفة حضوراً مهماً ومؤثراً في سرد الحكايات الشعبية، واستخدامها الخرافة في بناء السرد المحكي، ما أعطى وصفاً بليغاً وجمالية وإثارة للحبكة السردية في المرويات، وقدمت خلال هذا الأداء قوالب محملة بالقيم والتقاليد، وهو ما جعلها مصدراً ثقافياً وتعليمياً للطفل.
بداية يؤكد الدكتور عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، أن المرأة استخدمت الخرافة «الأسطورة» في بناء السرد المحكي لأنها هي مصنع الحكاية كما يقال، فالنساء كن يجلسن في البيت ويصنعن الحكايات من أجل أسلوب مميز في التربية، وهذا الأسلوب يسمى «التربية بالمثل»، أي أن بطل الحكاية دائماً يكون هو المثال والنموذج الذي يتربى على أخلاقه الطفل، وكما نعرف أن الحكاية تمر بأطوار، فبداية الحكاية في السنين الأولى للطفل تكون مغناة، ويأتي من ضمنها ما يسمى السجع الغنائي الذي تعتمد عليه الأم في تمرير كثير من الحكم وأساليب التربية عبر الأغنية مثل: «خريريفة مجيريفة- سبع قطيوات معلقات في التنّور، والتنور يبغي حطباً، والحطب في السَّمرة، والسَّمرة تبغي جدوماً..» إلخ، فمثل هذه الحكاية المغناة الطويلة يوجد بها الكثير من الإضاءات التربوية في الحقيقة.
ويضيف المسلم: النساء لديهن من البلاغة ما يؤهلهن لأن يكن أمهات مربيات وفضليات قادرات على نقل الرسالة التربوية في أعلى صورها ومراتبها العالية في المحتوى والمضمون القصصي، ولديهن من الثقافة الشعبية ما يجعلهن ذوات ثقة في جذب الطفل وتلقينه حتى يستفيد من هذه الأفكار التي تصب في خدمة مهاراته الحياتية، والتعلم منها.
وتابع المسلم: الكثير من إصداراتي وأبحاثي الأدبية تناولت قيمة المرأة ودورها في بناء مراحل الطفولة، وتأسيس الأبناء لأنهن المبدعات والمؤلفات الحقيقيات للحكايات، وكما يقال فهي المحور الرئيسي في الحكايات، وفي الكثير من الصوّر الشعبية للأبطال الخياليين. فالآن الروايات الشعبية تكاد تكون منحسرة تماماً، وهي غير منقولة بسبب انتقال ما يسمى بـ«الأدب الشعبي» للكتب، فأنا شخصياً دوّنت مئات الحكايات والخراريف والأساطير، وهذا إنما يدل على انتهاء هذه الحكايات من دورها الشفاهي وأصبحت الآن مكتوبة، وهذا ما حجم هذا الأمر. وفي اعتقادي فإن الحكايات الشعبية يمكن أن تعود الآن بشكل رسمي، وليس شعبياً، من خلال الجهود التي تقوم بها بعض المؤسسات الثقافية والمعنية بالتراث الإماراتي مثل معهد الشارقة للتراث في أيام الشارقة التراثية، أو في ملتقى الشارقة الدولي للراوي، وكذلك من خلال المدرسة التي أنشأها المعهد، وهي المدرسة الدولية للحكاية، حيث إنها تهتم بزيارة المدارس وفي العديد من المناسبات لإنتاج رواة جدد من الأطفال وأيضاً لتروي وتسرد لهم الحكايات الشعبية التي تمدهم بالأفكار، وتحسن من سلوكهم التربوي وتؤثر على أسلوب حياتهم بشكلٍ إيجابي وبنَّاء.
قوة الطرح
من جانبه، يقول الحكواتي عبدالناصر التميمي، إن البلاغة لدى النساء في نقل الحكايات وسرد القصص الشعبية، بلا شكل هي بلاغة موروثة نقلاً عن والدتها، والوالدة عن الجدة، فهذه التسلسلية جعلت هناك تراكمية ثقافية تعزز عملية الرؤية السردية والبلاغية في نقل الصورة الخيالية للمستمع، «الطفل»، فهذه التسلسلية أعطت للفكرة القصصية القوة في الطرح، لأنها جاءت بطريقة عفوية تناقلتها الأمهات من حينٍ إلى حين، وتعاقبت عليها الأفكار فخرجت منتظمة من أفواههن مسترسلة لتلامس مشاعر الابن وتؤثر عليه إيجاباً لينتفع من تلك الحكايات وتسكن في ذهنه ووجدانه. فمن هنا نجد أن البلاغة لدى النساء وخاصة في الحكايات الشعبية منقولة، فالمسألة تسلسلية تراكمية جاءت من غيرهن إليهن، وهكذا تستمر السردية في النقل من الجدة إلى الأم إلى البنت..إلخ. مضيفاً: غياب الأب وانشغاله بطلب الرزق منذ القدم، شكل حضور المرأة ودورها السردي في كيان الابن، وفي ضمير ثقافة الحكاية الشعبية لأنها حملت على عاتقها مسؤولية الأبناء، والاهتمام بهم، وكيفية إشغالهم حتى يناموا مبكراً كي تستطيع هي الانشغال بتفاصيل المنزل ومتطلبات الحياة اليومية دون أي توتر أو قلق وسط وجودهم، فخرجت تلك الحكايات لحاجة المرأة لهذه الطمأنينة وسرعة نوم الابن، بالإضافة إلى تسخير أسمى الرسائل الإنسانية البناءة وأنبلها لتدعم الحكاية وتجعلها قالباً محملاً بالقيم يدعم منظومة ثقافة الابن وممارساته الحياتية.
وسيلة تعبير
تبيّن فاطمة سلطان المزروعي، كاتبة وباحثة، أنه في الماضي استخدمت المرأة الحكاية والخرافة والأسطورة كوسيلة للتعبير عن المجتمع الذي تعيش فيه، حيث إن المرأة لديها الكثير من المسؤوليات المرتبطة بالعائلة وتربية أطفالها مما يحتم عليها البقاء بقرب أطفالها والاعتناء بهم وفق التقاليد والعادات، وبالتالي تنسج الحكايات الأسطورية وتسقط الأحداث عليها وفق ما يقتضيه الحدث سواء أكان للتسلية أو للتربية، فمثلاً عند سقوط سن الطفل تقوم الأسرة بدفنه إيماناً منها بأنه سوف يجلب الخير للطفل، وعند نوم الطفل تقوم الأم بالغناء بهدهدة معينة لها تأثير على نوم الطفل، وكذلك هناك عرف لدى الجدات في الماضي بنقلهن للقصص والخراريف مثل «بديحة» و«أم الدويس» و«سلامة وبناتها» وغيرها من الحكايات التي تهدف إلى تربية الطفل وتعزيز مفاهيم الخيال لديه وتناسب المجتمع البدوي، ما يجعلها مادة خصبة لتأليف الحكايات التي تنتشر عبر أفواه الناس وترحالهم.
وتضيف: كان النساء يستخدمن الشعر والأدب في التعبير عن أفكارهن ومشاعرهن بطريقة مبدعة وخلابة وكانت تلك القدرة على التعبير علامة على لغوية ومهارة تم اكتسابها عن طريق الوراثة والاحتكاك بأسرهن، كما أن العودة إلى الطبيعة البدوية الصحراوية تحفز الخيال وتشجع على اكتساب مهارات اللغة وتزوّد بالمفردات اللغوية، لذلك نجد أن أغلبية القصص تأتي من أفواه النساء.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: المرأة السرد التربية والتعليم الحکایات الشعبیة الکثیر من
إقرأ أيضاً:
معرض نيبو| انطلاقة جديدة لهيمنة مصر في صناعة وتصدير الذهب.. إيه الحكاية
انطلقت اليوم الأحد، فعاليات معرض نيبو الدولي للذهب والمجوهرات (NEBU GOLD EXPO)، والذي يهدف إلى دعم وتطوير صناعة وتجارة الذهب والمجوهرات في مصر وإفريقيا.
معرض نيبو 2024من جانبه، قال محيي عبد السلام، الخبير الاقتصادي، إن صادرات الذهب المصرية شهدت نموًا استثنائيًا بنسبة 95% خلال عام 2024 مقارنة بعام 2023، حيث من المتوقع أن تصل إلى 3 مليارات دولار بنهاية العام، مدفوعة بزيادة الطلب من أسواق رئيسية مثل الصين، الإمارات، وسويسرا، ومع بلوغ إجمالي الصادرات المصرية 42 مليار دولار هذا العام، يُمثل الذهب حوالي 7% من هذا الإجمالي، مما يبرز أهميته كقطاع حيوي في الاقتصاد المصري.
وأضاف عبد السلام لـ"صدى البلد"، أن معرض نيبو 2024 يُعد حدثًا استراتيجيًا لتعزيز مكانة مصر في صناعة الذهب، خاصة مع مشاركة الأسواق التركية والإيطالية لأول مرة، وهما من أكثر الأسواق تطورًا عالميًا، والأسواق الإفريقية والعربية، التي تضم أكثر من مليار نسمة، تمثل فرصة واعدة لرفع صادرات الذهب المصرية إلى ما بين 6 و15 مليار دولار في المستقبل.
وأكد أن زيادة صادرات الذهب لا تسهم فقط في تعزيز الاقتصاد، بل أيضًا في تقليل الفجوة الدولارية وتخفيف الأعباء المالية على الدولة، ومن الضروري الاستمرار في دعم هذا القطاع وتطويره لجذب المزيد من الاستثمارات وتحقيق نقلة نوعية في الصناعة المصرية.
ويشارك في المعرض 80 عارضًا، منهم 49 علامة تجارية مصرية و31 عارضًا دوليًا. للمرة الأولى، يضم المعرض جناحين مخصصين لكل من تركيا وإيطاليا، مما يُعزِّز البُعد الدولي للفعالية.
برنامج المشترين الدوليين: يستضيف المعرض 166 مشاركًا من 19 دولة، بهدف تعزيز التعاون التجاري وزيادة الصادرات المصرية.
مسابقة تصميم المجوهرات: شهدت المسابقة هذا العام مشاركة واسعة من مصر و13 دولة أخرى، مما يُبرز الإبداع والابتكار في تصميم المجوهرات.
معرض فني: يُقام معرض بعنوان “المجوهرات كانعكاس للهوية المصرية عبر التاريخ – الحقبة الفرعونية”، يُسلِّط الضوء على التراث المصري في تصميم المجوهرات.
أعرب الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، عن فخره بإقامة معرض “نبيو” 2024، مشيرًا إلى أن الحدث يُجسِّد التعاون المثمر بين الدولة والقطاع الخاص، ويعكس رؤية مصر لأن تكون مركزًا عالميًا لصناعة الذهب والمجوهرات.
وأكد الوزير أن قطاع الذهب والمجوهرات يُعَدُّ أحد الركائز الاقتصادية الهامة التي تُسهم في تحقيق التنمية المستدامة وزيادة الصادرات المصرية.
وشهد المعرض تطورًا ملحوظًا منذ انطلاقه في عام 2022، حيث بدأ بمشاركة 29 عارضًا على مساحة 3,000 متر مربع، وفي نسخته الحالية يمتد المعرض على مساحة 10,000 متر مربع، مما يعكس النمو المستمر والاهتمام المتزايد بصناعة الذهب والمجوهرات في مصر.
ويهدف معرض “نبيو” إلى تعزيز مكانة مصر في صناعة الذهب والمجوهرات على المستويين الإقليمي والدولي، وفتح آفاق جديدة للتصدير، بالإضافة إلى دعم المصممين ورواد الأعمال في هذا المجال.
ويُعَدُّ معرض “نبيو” 2024 فرصة ذهبية للتعرف على أحدث التصميمات والتقنيات في صناعة المجوهرات، والتواصل مع أبرز الخبراء والمصممين من مختلف أنحاء العالم.
ومن جانبه، قال هاني ميلاد رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن معرض نيبو الذى تنظم نسخته الرابعة الشعبة هذا العام حقق نجاحا كبيرا على مدار النسخ الثلاثة الماضية وسط التحديات الدولية والإقليمية، في وقت لاقت فيه بعض الدول صعوبة في عقد فعاليات معارض مشابهة له.
وأضاف أن المعرض هذا العام يقام تحت رعاية الدكتور المهندس مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، خلال الفترة من 15ــ17 ديسمبر الجارى بقاعة 3 بمركز مصر للمعارض بالتجمع الخامس.
وأشار إلى أن المعرض يقام هذا العام على مساحة 10.000متر مربع، ويضم 80 عارض، منهم 49 عارض محلي، و31 عارض دولي، ويضم أجنحة لعدة دول منها إيطاليا وتركيا.
وأقيمت النسخة الأولى من المعرض في الفترة من 19ـ21 فبراير 2022على مساحة 3000 متر، بإجمالي 29 عارض محلي. بإحدى قاعات فندق كامبينسكي بالقاهرة الجديدة، وتم تغيير الموعد ليتناسب مع أجندة المعارض الدولية للذهب والمجوهرات مع نهاية العام.
كما أقيمت النسخة الثانية في الفترة من 10ـ12 ديسمبر من نفس العام على مساحة 5000 متر مربع، بمركز مصر للمؤتمرات، بإجمالي 62 عارض، من بينهم 36 عارضا مصريا، و26 عارضا تركيًا. حيث شاركت تركيا بجناح خاص بها في المعرض الذي حقق نجاحًا كبيرا رغم انعقاده في نفس العام بعد النسخة الأولى.
وأقيمت النسخة الثالثة على مساحة 8000 متر مربع، في الفترة من26ـ28 نوفمبر 2023 بإجمالي 50 عارض، منهم 39 عارض محلي، 11 عارض دولي، ويرجع انخفاض عدد العارضين الدوليين لأسباب سياسية وجيوسياسية حيث كانت الحرب بين روسيا وأوكرانيا من جهة، ومن جهة أخرى كانت الحرب على غزة في أوج عنفها في بدايتها، فأثر ذلك على حركة التجارة الدولية بصفة عامة، وكذلك على سعر الذهب وعلى الحالة الاقتصادية للشعوب وسط تخوفات من استمرار الصراعات العسكرية المؤثرة.