بينها ضبط النفس والاحتفاظ بحق الرد.. عرض لإجراءات عربية تطوّق إسرائيل
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
منذ أشهر عديدة، لم تعد جامعة الدول العربية تصدر بيانات الشجب والتنديد ردا على مجازر إسرائيل في قطاع غزة وغاراتها على سوريا ولبنان وتدنيسها للمسجد الأقصى المبارك.
وربما يعود نبذ كتاب الشجب والتنديد لظروف داخلية تعيشها الجامعة العربية، في زمن لم تعد فيه القضية الفلسطينية تحظى بالأولوية في بعض العواصم العربية المهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ومهما يكن فإن أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط الذي يتقاضى شهريا 42 ألف دولار أميركي، غاب عن واجهة الأحداث السياسية بعد أشهر قليلة من هجوم طوفان الأقصى الذي نفذته المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ردا على انتهاكات الاحتلال بحق الأقصى والمقدسات.
ولكن إذا كان الطوفان أخذ الجامعة العربية بشجبها وتنديدها، فإن الحكومات العربية لم تصمت أبدا إزاء الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على المجتمعات والحدود والمقدسات.
الرد.. الغائب المنتظرفي 2007، وعندما كان نائبا لوزير الخارجية شدد فيصل المقداد على أن سوريا تحتفظ بحق الرد على الانتهاك الإسرائيلي لأجوائها، مؤكدا أن دمشق هي التي "تختار زمان ومكان هذا الرد".
وحينها نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله "إن سوريا لم تتعود أن تسكت عن الرد على أي انتهاكات لكنها هي التي تختار متى وأين ترد"، مضيفا أن سوريا "سترد على أي عدوان إسرائيلي الآن ولاحقا".
كان ذلك، تشديدا من المقداد على مبدأ الاحتفاظ بحق الرد في الوقت المناسب الذي تتمسك به سوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي، إزاء كل عدوان إسرائيلي على أراضيها ومبانيها.
ولا يزال البلدان في حالة حرب من الناحية القانونية والسياسية حيث تواصل إسرائيل احتلال هضبة الجولان التي تؤكد الوثائق الدولية أنها جزء من سوريا.
وفي الفترة من 2016 إلى 2018 شنت إسرائيل أكثر من 200 غارة جوية على سوريا، وقصفت مرات عديدة مناطق حيوية مثل مطار دمشق الدولي ومنشآت عسكرية وأمنية.
وطيلة العقود الماضية، لم يحن الوقت المناسب لهذا الرد، ولكن سوريا لم تتخل عن هذا الرد ولم تفرط فيه أبدا بل ظلت تحتفظ به.
وقد بدا لمتابعين أن حركة حماس كسرت شوكة إسرائيل وأزالت رهبة جيرانها منها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما عبر رجال القسام الحدود في وضح النهار ودمروا مواقع ومنشآت وفرقا عسكرية وقتلوا أزيد 1200 عسكري ومستوطن إسرائيلي، ثم أسروا خلقا كثيرا وعادوا سالمين غانمين إلى قواعدهم وأنفاقهم.
لكن فيصل المقداد عاد في 2024 وقد أصبح وزيرا للخارجية ليقول إن دمشق لا تزال تحتفظ بحق الرد وفي الوقت الذي تراه مناسبا.
ففي تصريحات صحفية نقلتها قناة "روسيا اليوم: في فبراير/شباط الماضي، قال المقداد إن "سوريا خاضت حروبا ضد إسرائيل، ومستعدون لخوض حروب أخرى ولكن دمشق هي من تقرر متى وكيف".
مواعظ في زمن الحربوفق آخر تصنيف للجيوش من حيث القوة العسكرية، تحتل مصر المرتبة الـ15 على المستوى العالمي، متقدمة على إسرائيل التي تحتل المركز الـ17.
لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي يطالب قواته بضبط النفس وعدم الانجرار وراء الاستفزازات أيا تكن الظروف، في وضع إقليمي ملتهب ومتقلب.
وفي الـ 25 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحدث السيسي أمام حشد عسكري مهيب قائلا "وهنا يجب أن أؤكد أن مصر عبر التاريخ لم تتجاوز حدودها وكان هدفها الدائم هو الحفاظ على أرضها وترابها دون أن تمس، ومن المهم هنا أن أقول إن الجيش المصري بقوته وقدرته وكفاءته هدفه حماية مصر وأمنها القومي فحسب دون تجاوز".
ترتبط مصر بمعاهدة سلام مع إسرائيل تعود لعام 1979، لكن الأخيرة انتهكت مقتضياتها أو عرّضتها للخطر على الأقل عندما احتلت معبر رفح وشريط فيلادلفيا المحاذي لغزة.
وقد قررت مصر على الفور التحلي بضبط النفس وأعرضت عن هذا الاستفزاز الذي اعتقد مراقبون أنه يشكل منعطفا خطيرا قد يوسع الصراع.
وفي 27 مايو/أيار الماضي أطلق جندي إسرائيلي النار باتجاه عسكريين مصريين داخل أرضهم وقتل اثنين منهم وفق الإعلام العبري، فيما أعلنت القاهرة عن مقتل عنصر واحد.
وقد نقلت فايننشال تايمز حينها عن مسؤول مصري قوله إن حادث تبادل إطلاق النار في رفح كان بسيطا وليست له أي أهمية سياسية.
ولا تكتفي بمصر بضبط نفسها إزاء التصعيد، بل تنصح إسرائيل وحماس وحزب الله وإيران والحوثيين جميعا بضبط أنفسهم وعدم جر المنطقة إلى تصعيد خطير.
وترفض مصر الاعتداءات الإسرائيلية على سكان غزة وتعارض تهجيرهم بشكل قاطع وانخرطت في جهود قوية بمجلس الأمن الدولي للمطالبة بوقف حد لمجازر الاحتلال في القطاع.
وحتى الحين أدى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني معظمهم نساء وأطفال، إلى جانب تشريد وتجويع السكان وتدمير البنى التحتية والمرافق الحيوية في القطاع.
ومع تتالي المجازر اليومية في القطاع تطالب الحكومة المصرية إسرائيل بشكل متكرر بضبط النفس وعدم جر المنطقة إلى تصعيد خطير.
وردا على غارات إسرائيل على محافظة الحديدة اليمنية في أعقاب قصف الحوثيين لتل أبيب، "دعت مصر كافة الأطراف لضبط النفس والتهدئة، وتجنب الانزلاق لفوضى إقليمية".
وعندما ضربت إيران انطلاقا من أراضيها إسرائيل لأول مرة في أبريل/نيسان الماضي، طالب المصريون جميع الأطراف بضبط النفس واحتواء الصعيد لتجنيب المنطقة المزيد من الحرب.
وبعد تبادل حزب الله اللبناني وإسرائيل القصف لساعات عديدة متواصلة اليوم الأحد، أطلت الحكومة المصرية من جديد على العالم لوعظ جميع الأطراف وفق مبادئ ضبط النفس وتجنب الفوضى واحتواء التصعيد.
وقال مكتب الرئيس المصري، في بيان، إن السيسي حذر رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال تشارلز براون من "أن الوضع الإقليمي الراهن يتطلب وقفة حاسمة من المجتمع الدولي وجميع الأطراف الفاعلة، لبذل كافة المساعي وتكثيف الضغوط، لنزع فتيل التوتر".
تجنب الانزلاق.. مهمة أردنيةفي بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، لمّح وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى عدم إمكانية صمود اتفاقية وادي عربة للسلام بين الطرفين، قائلا إنها "ستكون وثيقة على رف يغطيه الغبار في خضم ما ترتكبه "إسرائيل" من جرائم.
وبشكل شبه يومي، تطالب المملكة الأردنية بعدم التصعيد، وتحذر من انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية تهدد أمنها واستقرارها، خاصة في ظل استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
واليوم الأحد حذرت وزارة الخارجية الأردنية من التصعيد المتزايد في جنوب لبنان وتداعياته الخطيرة، التي قد تؤدي إلى انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية تهدد أمنها واستقرارها، خصوصا في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وفي وقت سابق نقلت القناة الإخبارية الأردنية أن "جلالة الملك يؤكد ضرورة خفض التصعيد في المنطقة تجنبا للانزلاق نحو حرب إقليمية، ويشدد على أن الأردن لن يسمح بتعريض حياة شعبه للخطر".
ووفق الصحافة الإسرائيلية، فإن الأردن شارك في اعتراض صواريخ إيرانية كانت في طريقها إلى إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي.
لكن الحكومة الأردنية نفت ذلك، وقالت إنها لم ولن تسمح لأي طرف باستغلال أراضيها وأجوائها لمهاجمة طرف آخر.
أما الحكومة اللبنانية، فإنها لا تفقد الأمل في الشرعية الدولية، إذ تبادر إزاء كل اعتداء إسرائيلي لتذكير العالم بضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وبعد اجتماع طارئ مع حكومته اليوم الأحد، شدد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على ضرورة "وقف العدوان الإسرائيلي أولا"، مطالبا بتطبيق القرار 1701". وخلال الاجتماع، كشف ميقاتي أنه يجري "سلسلة من الاتصالات مع أصدقاء لبنان لوقف التصعيد".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات العدوان الإسرائیلی الإسرائیلی على إسرائیلی على المنطقة إلى بضبط النفس بحق الرد
إقرأ أيضاً:
بماذا تحلم إسرائيل في سوريا ما بعد الأسد؟
أنقرة (زمان التركية) – تشن إسرائيل حملة كبيرة لزعزعة الاستقرار والدمار في سوريا منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، مما يضع السلطة الجديدة في سوريا بمأزق كبير.
وانتهكت إسرائيل القانون الدولي بشكل صارخ وتجاهلت سيادة سوريا بقصفها البلاد بشكل متهور واستيلائها بشكل غير قانوني على المزيد من الأراضي السورية.
فور الإطاحة بنظام الأسد، شنت القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية مئات الهجمات مما أدى إلى القضاء على بقية جيش النظام السابق. ولم تكتفي تل أبيب بالسيطرة على مرتفعات الجولان المحتلة فحسب، بل سرعان ما سيطرت القوات البرية الإسرائيلية على المزيد من الأراضي في جنوب غرب سوريا وإنشاء “منطقة عازلة” بها.
وتزعم إسرائيل أن كل هذه الخطوات ضرورية من أجل أمنها القومي، حيث طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بنزع سلاح جنوب سوريا محذرا من أن القوات المرتبطة بالحكومة السورية الجديدة يجب أن تبقى خارج هذه المنطقة من سوريا، في حين تعهد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بإبقاء قوات الاحتلال لبلاده في سوريا لفترة غير محددة من الزمن.
وفي نهاية فبراير/ شباط الماضي، أعلن كاتس أن إسرائيل “لن تسمح لجنوب سوريا بأن يصبح جنوب لبنان”.
يرى العديد من المراقبين أن موقف إسرائيل بعد تغيير النظام في سوريا هو محاولة لمنع الاستقرار وإعادة الإعمار والتنمية في البلد الذي مزقته الحرب وليس مخاوف أمنية مشروعة.
وذكر يوسف جان، المحلل في برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون، خلال العريضة التي تقدم بها لموقع The New Arab أن الأمر بمثابة نزعة توسعية أكبر من كونه دفاعي ومن الصعب زعم غير ذلك.
ما تريده إسرائيل في نهاية المطاف ألا تصبح سوريا دولة قوية نهائيا بصرف النظر عمن يتولى إدراتها.
وفي ضوء التطورات الإقليمية مثل الضعف الشديد لحزب الله في لبنان العام الماضي وسقوط الأسد في سوريا، تحاول إسرائيل خلق حقائق جديدة على الأرض في منطقة الشام. وفي هذا النظام الذي تفرضه إسرائيل، لن تكون أي دولة أو جهة فاعلة غير حكومية في وضع يمكنها من تحدي الهيمنة العسكرية لإسرائيل أو إجبار تل أبيب على دفع ثمن موقفها من الإبادة الجماعية في غزة أو توسعها في مبادرتها الاستعمارية في الضفة الغربية أو عدوانها الذي لا يمكن تصوره في لبنان.
وذكرت كارولين روز، مديرة معهد نيو لاينز، أن إسرائيل تفضل جارا ضعيفا وغير مستقر لن يهدد بهجوم مضاد أو هجوم مضاد عبر الحدود.
وأفاد كرم شعار، مدير الاستشارية المحدودة وكبير الباحثين غير المقيمين في معهد نيو لاينز، أن ما تحاول إسرائيل تحقيقه هو في الأساس إرسال إشارات واضحة إلى حكومة دمشق مفادها “نحن أعداء ونريد أن تستمر هذه العلاقة على هذا النحو” قائلا: “أعتقد أن هذا في الواقع يخدم مصالح إسرائيل، فما الذي يمكن أن يكون أفضل من وجود دولة ضعيفة ومجزأة لدرجة أنها يمكن أن تقول الكثير من الأشياء السلبية لك، لكنها لا يمكن أن تؤذيك بشكل فعلي؟ ليس لديهم القدرة على إيذائك. هذا عدو مثالي، وجميع السياسيين بحاجة إلى عدو. بالتأكيد عدو ضعيف، وهذا يساعد الإسرائيليين في الحصول على الدعم من الولايات المتحدة. هذا يساعدهم في الحصول على الدعم من الاتحاد الأوروبي من خلال تصوير أنفسهم كضحايا “.
التصدي لتركيا في سوريااحتمال وجود تحالف عسكري بين تركيا وسوريا ما بعد الأسد يهدد رؤية إسرائيل لسوريا وبالتالي بقية بلاد الشام، فاللاعبون/المخططون الإسرائيليون يشعرون بالقلق من أن تلعب أنقرة دورا في حماية سوريا من عدوان تل أبيب وربما ردع إسرائيل عن الهجمات المستقبلية.
في هذا الإطار، فإن أحد الأهداف الرئيسية وراء قصف إسرائيل والاستيلاء الأراضي في سوريا هو منع تركيا من خلق بصمة عسكرية في البلد الذي مزقته الحرب.
وفي الوقت الذي يتهم فيه المسؤولون الإسرائيليون أنقرة بالرغبة في “حماية” سوريا، فإنهم يعربون عن قلقهم الشديد بشأن عواقب نفوذ تركيا المتزايد في سوريا. ويمكن اعتبار تنفيذ إسرائيل هجمات دمرت البنية التحتية العسكرية في سوريا في الأسابيع الأخيرة على أنها طريقة تل أبيب لمنع تركيا من إقامة موقع عسكري في سوريا.
قاعدة التيفور الجوية، التي تتمتع بموقع استراتيجي في غرب تدمر في وسط سوريا ويستخدمها النظام المخلوع منذ سنوات عديدة، تربط دمشق وحمص ببعضهما البعض. لذا فإن إسرائيل مصممة على تدمير جزء كبير من هذه القاعدة عبر الضربات الجوية الأخيرة. واستهدفت تل أبيب في عمليات عسكرية أخرى البنية التحتية الدفاعية في أماكن أخرى من سوريا، بما في ذلك في دمشق وحماة.
تدمير إسرائيل لهذه البنية التحتية العسكرية يعمل على تقويض قدرة أنقرة على إرسال مسيرات ومعدات لوجستية ثقيلة وأنظمة دفاع جوي إلى هذه المناطق من سوريا.
وردا على هذه الضربات الجوية، انتقد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إسرائيل لتأجيجها عدم الاستقرار في المنطقة “عن طريق التسبب في الفوضى وتغذية الإرهاب”. وذهب فيدان إلى حد وصف إسرائيل بأنها أكبر تهديد للأمن في الشرق الأوسط.
وفي تعليق منها على الأمر، أوضحت روز أن إسرائيل حاولت جعل تركيا تُعيد التفكير في إنشاء منشآت عسكرية دائمة أو شبه دائمة في سوريا وتعميق العلاقات الدفاعية مع الحكومة المؤقتة قائلة:”نفذت إسرائيل هجمات على قاعدة تيفور بعد أنباء عن تركيب تركيا لأنظمة دفاع جوي بالقاعدة. وزعم نتنياهو أن الوقت محدود لشن الهجوم لتجنب استهداف الوجود التركي”.
وعلى الرغم من هذا، أكد فيدان أن تركيا لا تريد مواجهة الإسرائيليين وأن الحكومة المؤقتة بقيادة أحمد شرع في سوريا يمكنها وضع سياساتها الخاصة ضد إسرائيل.
وفي خطوة مثيرة، استضافت أذربيجان، التي تجمعها علاقات وطيدة مع كل من تركيا وإسرائيل، مباحثات تهدف لخفض التصعيد بين أنقرة وتل أبيب في سوريا. وذكر مكتب نتنياهو في بيانه أن الطرفين طرحا مصالحهما في المنطقة واتفقا على مواصلة مسار الحوار للحفاظ على الاستقرار الأمني. وأعلن الوفد الإسرائيلي في أذربيجان أن خط تل أبيب الأحمر سيكون قاعدة تركية في منطقة تدمر. وصرح مسؤول إسرائيلي أن “مسؤولية حكومة دمشق منع مثل هذه الأنشطة التركية وأن أي نشاط يعرض إسرائيل للخطر سيهدد إدارة الشرع”.
حقيقة أن الولايات المتحدة مثل أذربيجان هي حليف وثيق لكل من تركيا وإسرائيل يدل على أن واشنطن لديها مصلحة في تهدئة التوترات بين أنقرة وتل أبيب في سوريا.
وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد تطرق قبل يومين من اجتماع الوفدين التركي والإسرائيلي في أذربيجان إلى دور تركيا في سوريا ما بعد الأسد خلال لقائه مع نتنياهو في المكتب البيضاوي. وأشاد ترامب بعلاقته الرائعة مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي وصفه بأنه “زعيم قوي و ذكي حقق شيئا لم يستطع أي شخص آخر تحقيقه.
وكانت تلك إشارة، على الأقل في نظر ترامب، إلى تركيا التي نسقت عملية الإطاحة بنظام الأسد في أواخر العام الماضي.
وطالب ترامب نتنياهو بحل أي مشكلات عالقة مع تركيا قائلا: “كما تعلمون، لدي علاقة جيدة جدا مع تركيا وقادتها وأعتقد أنه يمكننا حلها. آمل ألا تكون هذه مشكلة. ولا أعتقد أنها ستكون مشكلة”.
على الرغم من أن البيت الأبيض في تحالف وثيق للغاية مع إسرائيل في الحرب على قطاع غزة، فإن قضية دور تركيا في سوريا ما بعد الأسد يمكن أن تكون مصدر توتر بين ترامب ونتنياهو. فعلى عكس وجهة نظر إسرائيل لأنقرة في سوريا باعتبارها تهديدا خطيرا لمصالح إسرائيل، يبدو أن ترامب يتخذ موقفا إيجابيا بشأن دور تركيا في سوريا.
على الأقل في الوقت الحالي، لا يبدو أن مثل هذه التوترات حول سوريا في العلاقات التركية الإسرائيلية على وشك الحل على الرغم من جهود واشنطن وباكو للحد من الاحتكاك بين أنقرة وتل أبيب، فعد فترة وجيزة من اجتماع الوفدين في أذربيجان، صرح أردوغان في خطابه في منتدى أنطاليا الدبلوماسي بأن “تركيا لن تسمح بانجرار سوريا إلى دوامة جديدة من عدم الاستقرار” واتهم إسرائيل بمحاولة تقويض “الثورة” التي أطاحت بالأسد.
ومستقبلا، من المرجح أن تكلف الديناميكيات النابعة من صراع تركيا وإسرائيل على النفوذ في سوريا ستُكلّف الكثير من أجل تشكيل عملية الانتقال الهشة في البلد الذي مزقته الحرب وموقعه في النظام الجيوسياسي في المنطقة.
يؤكد مهران كفراما، الأستاذ الحكومي في جامعة جورج تاون في قطر، أن تحول سوريا لدولة ضعيفة ومنهارة بعد عام 2011 جعلها ساحة حرب لدول كإيران وروسيا وقطر والمملكة العربية السعودية وأن سوريا تحولت لمنطقة تنافس بين تركيا وإسرائيل في ظل الظروف الجديدة بالوقت الراهن قائلا: “لا يريد أي من الطرفين صراعا مفتوحا في هذه العملية ولا يريدان مواجهة الولايات المتحدة. وتهدف الهجمات الإسرائيلية في سوريا إلى زيادة التكلفة اللوجستية لنشر القوات التركية في البلاد وضمان أن تصبح المرافق غير صالحة للاستخدام لأي أغراض عسكرية في المستقبل “.
إضعاف إيران في سوريا وإشراك الدروز
لا تزال سياسة إسرائيل الخارجية تجاه سوريا تركز إلى حد كبير على إيران على الرغم من أن سقوط الأسد لم يقضِ كليا على نفوذ إيران في سوريا، فضمان ألا تكون سوريا مرة أخرى قناة سلاح لحزب الله أو دولة توفر أي عمق استراتيجي للجماعة اللبنانية المدعومة من طهران هو أولوية قصوى لصانعي السياسة الإسرائيليين.
ويرى جان أنه على الرغم من أن الحكومة السنية الجديدة في دمشق ليست من المعجبين بطهران فإن إسرائيل لا تترك الأمر للصدفة. لذا تستهدف إسرائيل الكيانات التي تشتبه بارتباطها بإيران وبقايا حزب الله.
وترى تل أبيب أنه لا يمكن السماح لسوريا بأن تصبح ممرا للأسلحة أو نقطة ارتكاز استراتيجية لإيران. وتصر تل أبيب على بناء منطقة عازلة في سوريا يمكنها حماية إسرائيل من أي جماعة تعتبرها معادية سواء كانت جماعات مرتبطة بإيران أو قوات مدعومة من تركيا مرتبطة بالحكومة السورية الجديدة.
وأوضح جان أن تواصل إسرائيل مع الدروز في سوريا هو جزء من مساعيها لإقامة منطقة عازلة قائلا: “إسرائيل تريد أكثر من مجرد النجاح التكتيكي على المدى الطويل، فهى تسعى إلى تحويل سوريا ما بعد الحرب إلى دولة تعترف بالخطوط الحمراء الأمنية لها وحتى هيمنتها في الجولان. حاليا ، تراهن من خلال الاستيلاء على الأراضي على إمكانية التفاوض لاحقا بالتخلي عن بعض الأجزاء من المنطقة العازلة بل والاعتراف بها مقابل الضمانات”.
يبدو أن إسرائيل تحرز بعض التقدم في سوريا في الوقت الحالي، غير أن هناك بعض المخاطر التي تتعرض لها تل أبيب، حيث يحذر بعض الخبراء من أن مثل هذا النهج من المرجح أن يأتي بنتائج عكسية مشيرين إلى أن إسرائيل تحاول تعزيز العلاقات مع الأقلية الدرزية السورية من خلال الاستيلاء على المزيد من الأراضي في سوريا وقصف أجزاء من البلاد.
ويرى جان أن سعى اسرائيل لتشكل سوريا ما بعد الأسد يبدو ناجحا بالوقت الراهن حيث تسيطر إسرائيل على جنوب سوريا وتم طرد إيران وتتصرف تركيا بحذر ولا يمكن لدمشق أن تتراجع، غير أن هناك مشكلة وهى أن الاحتفاظ بهذه المنطقة على المدى الطويل محفوف بالمخاطر.
وأشار جان إلى انزعاج بعض الجماعات الدرزية من سيطرة إسرائيل على المنطقة واندلاع بعض المواجهات بالفعل قائلا: “الاستراتيجية التي تؤمن الحدود اليوم يمكن أن تأتي بنتائج عكسية إذا كانت تنفر الحلفاء المحليين أو توحد السوريين. وقد يزداد الضغط الدولي أيضا. لا يزال لروسيا قوات في سوريا وقد لا تتسامح مع وجود إسرائيلي دائم”.
بغض النظر عن كيفية تطور هذه الديناميكيات، من الواضح أن إسرائيل تعتقد أنها تعزز مصالحها الإقليمية من خلال تعميق الانقسامات العرقية والدينية في سوريا للحد من احتمال قيام دولة سورية قوية وموحدة تنبثق من سقوط الأسد. وإذا امتلكت الجماعات الدرزية في السويداء منطقة حكم ذاتي، فقد يشكل هذا التطور سابقة من شأنها أن تدفع مجتمعات الأقليات الأخرى إلى زيادة مطالبها بالحكم الذاتي.
هذا النهج تجاه سوريا، الذي ترغب تل أبيب من خلاله تفكيك الدولة العربية، له جذور عميقة في تاريخ إسرائيل، حيث يعود تاريخ عقيدة “تحالف الأقليات” بالسياسة الخارجية الإسرائيلية، التي تتعامل بهاا تل أبيب مع مجتمعات الأقليات في الدول العربية مثل لبنان والعراق والسودان، إلى عقود.
التطبيع السوري مع إسرائيللدى واشنطن رغبة في رؤية التطبيع بين إسرائيل وسوريا. وقد أعرب مبعوث ترامب الخاص لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، عن هذا الأمر.
وإذا انضمت الحكومة السورية الجديدة إلى اتفاقات أبراهام، فسيتعين فهم ذلك في سياق نقاط ضعف البلاد ورغبة دمشق في اكتساب الشرعية في نظر الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، إذ يبدو أن رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية هو الأولوية القصوى للشرع والمقربين منها. وهذا يتطلب تحسين صورة الحكومة السورية، التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام، في واشنطن والعواصم الأوروبية.
لذلك ليس من المستبعد أن يجبر الضغط الغربي والإسرائيلي دمشق على قبول شكل من أشكال التطبيع مع تل أبيب.
ويوضح كفراما أن الإدارة السورية الجديدة أظهرت ترددا واضحا أو افتقار للقدرة فيما يتعلق بالاعتداءات الاسرائيلية أو سرقة المعدات العسكرية السورية وما يعكس اهتمام دمشق في الوقت الراهن على الأقل بتعزيز قوتها السياسية أكثر من الدفاع عن المصالح الوطنية للبلاد قائلا: “إذا كان هذا هو الحال بالفعل، فيمكننا أن نرى أن تطبيع في العلاقات بين سوريا وإسرائيل بحوافز اقتصادية ودبلوماسية كافية من واشنطن “.
إذا وافقت دمشق على التطبيع مع إسرائيل، فستكون هناك تكاليف عالية تدفعها حكومة الشرع. ويؤكد شعار أنه حتى وإن أبدت اسرائيل استعدادا لإبرام اتفاق سلام مع دمشق، فإن الشرع سيكون “مترددا جدا” في قبوله نظرا لمعرفته برد الفعل على مثل هذا الاتفاق للسلام.
وأضاف شعار أنه لا يعتقد أن تقترح إسرائيل هذا إن لم تسترد سوريا جميع الأراضي المحتلة نظرا لأن هذا الأمر سيضع الشرع في مأزق.
هذا وأفاد جان أن استمرار احتلال إسرائيل للأراضي السورية “أزال محادثات السلام السورية الإسرائيلية من على الطاولة” حتى وإن أعلن الشرع انفتاحه بشكل عامعلى التطبيع مع تل أبيب مشيرا إلى أن عدوان إسرائيل بعد الأسد على سوريا “قضى على أي فرصة للتطبيع مع دمشق على الأقل في المدى القصير”.
وشدد جان أن هضبة الجولان لا تزال تشكل عقبة أساسية قائلا: “وكما ذكر الشرع في فبراير، فإن هذه القضية حساسة من الناحية السياسية لدرجة لا يمكن حتى طرحها في ظل مواصلة إسرائيل لاحتلال أراضي سورية. ولم تحتفظ إسرائيل بالجولان فحسب، بل توسّعت إلى ما أبعد من ذلك “.
وأكد جان أن كل صاروخ يسقط على الأراضي السورية يزيد من غضب الشعب ويجعل التطبيع انتحارا سياسيا لدمشق وأنه لا يمكن لأي زعيم سوري، وخاصة زعيم يحاول تعزيز شرعيته بعد الحرب، أن يتحدث عن السلام في ظل الطائرات الإسرائيلية لبلاده وهو ما يجعل التطبيع غير ممكن على المدى القريب.
Tags: أحمد الشرعاتفاقيات أبراهامالتطبيع بين سوريا واسرائيلالتطورات في سورياالدروزالغارات الاسرائيلية على سوريا