بداية عهد الأفلام العربية في السينما التركية
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
يغالب إبراهيم وشقيقه الزحام في فرح ابن عمهما الشعبي كي يصلا إليه ليوقع لهما على ورقة تتعلق بالميراث، يصر العريس على أن يغني إبراهيم أغنية فيرتجل بعض الكلمات التي تشعل مواقع التواصل الاجتماعي ويجد نفسه نجما رغما أنفه.
يغالب إبراهيم أضواء الشهرة وإغراءاتها من أجل العودة مع أفراد أسرته إلى بيتهم الواقع في منطقة نائية لجؤوا إليها بسبب مشكلة تعرضت لها زوجته الطبيبة، فيلاحقه المعجبون ويتعرض لمواقف مربكة، قبل أن تنقلب حياته وحياة أسرته رأسا على عقب في فيلم "بيت الروبي" للمخرج المصري بيتر ميمي، إنتاج عام 2023.
بدأ عرض الفيلم في دور السينما التركية هذا الشهر في مشهد جديد وغريب على الساحة الثقافية والفنية التركية، فهو أول فيلم عربي يعرض جماهيريا هناك منذ عام 1948، أي منذ أكثر من 7 عقود كاملة، وفي هذا بعض الدلالات السياسية وكثير من الدلالات الثقافية كما سنبين في هذا المقال قبل أن نتعرض لمستوى الفيلم الفني.
آن الأوان لأن يتعرف المشاهد التركي عن قرب على الثقافة والتاريخ العربيين عبر شاشة السينما في بلاده من خلال هذه الأفلام العربية المترجمة في ظل عهد جديد للأفلام العربية في السينما التركية
الدلالات السياسية والثقافيةمن الناحية السياسية، فهذه الخطوة تشي بوضوح أن التقارب بين أنقرة والقاهرة يمضي على قدم وساق، وقد بلغ قطار التطبيع بين البلدين محطة التطبيع الثقافي والفني.
إن فيلم "بيت الروبي" ليس مجرد فيلم كوميدي عادي، بل هو من إخراج بيتر ميمي مخرج مسلسل "الاختيار" بأجزائه الثلاثة، والذي حمل رواية السلطة للأحداث السياسية والعنيفة التي مرت بها مصر خلال السنوات العشر الماضية.
كما أن منتج الفيلم هو تامر مرسي الرئيس السابق للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تستحوذ على معظم الإنتاج الدرامي والإعلامي والسينمائي في مصر تقريبا ومحسوبة على المخابرات العامة.
لم يثر الفيلم أي قضايا ذات أبعاد سياسية، لكنه يشير بوضوح إلى رغبة الجانبين في تطوير العلاقات في كافة الملفات، خاصة تلك التي لا تثير قضايا خلافية عميقة بين البلدين.
ولهذا يمكن أن ننظر لعرض الفيلم من زاوية أخرى، وهو حضور الشركة الرئيسية في مصر والمدعومة من الدولة في قاعات السينما التركية، وهي خطوة تمهد ربما لخطوات أخرى على الصعيدين الفني والسينمائي، ففي حال نجاح التجربة على مستوى الإيرادات والحضور الجماهيري لن نستغرب أن نجد أفلاما مصرية أخرى تعرض في تركيا.
وبعيدا عن الجانب السياسي، فإن وجود اللغة العربية في دور السينما التركية ليس أمرا عاديا، وذلك لأن تركيا تعتز بلغتها أيما اعتزاز، ورغم التقارب العربي التركي الذي مضى عليه سنوات عديدة الآن فإن دور السينما والدولة التزمت بالقرار الصادر عام 1948 بمنع الأفلام العربية من دخول السوق التركي.
وتنحصر الأفلام المعروضة في دور السينما التركية على الأفلام التركية أو الإنجليزية ذات ترجمة مكتوبة للأفلام المخصصة للكبار، أما الأفلام الإنجليزية المخصصة للأطفال فهي مدبلجة للغة التركية.
وليس سرا أن هناك مناكفات واستقطابا مجتمعيا تركيا بين من لا يرى بأسا من حضور اللغة العربية في الفضاء العام -سواء على مستوى يافطات المحلات أو التعليم- وبين من يعارض هذا لأسباب قومية أو عنصرية ولا يرى بأسا في الوقت نفسه من حضور اللغة الإنجليزية، وبالتالي فإن عرض فيلم باللغة العربية في عدة مدن تركية -بما فيها العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول- هو خطوة ثقافية مهمة لصالح حضور اللغة العربية في المجال العام.
كنت قد دعوت العام الماضي في هذه الزاوية إلى أن تستثمر شركات التوزيع السينمائي التركية في الأفلام العربية مستفيدة من الحضور العربي الكثيف في البلاد على صعيد السياحة والمقيمين، وهذا أمر مفيد اقتصاديا للأتراك ولا شك، ولكنه أيضا يبني جسورا بين الشعوب العربية والشعب التركي تساهم في تعزيز التفاهم بينهم، كما أن التشابه بين المزاج التركي والمزاج العربي في الدراما والموسيقى كبير ويصل إلى حد التطابق، وهو الأمر الذي جعل المسلسلات التركية تلقى هذا الرواج لدى المشاهدين العرب خلال السنوات الماضية.
المستوى الفنيأما على مستوى الفيلم الفني فلم يخاطر الفيلم بطرح أي قضايا أو موضوعات جديدة واكتفى بالرهان التقليدي على 3 عناصر أساسية من أجل تحقيق أقصى نجاح جماهيري ممكن، العنصر الأول هو تقديم نجمين جماهيريين وليس نجما واحدا وهما كريم عبد العزيز وكريم محمود عبد العزيز، وكان بوسع كل منهما أن ينفرد ببطولة الفيلم بسهولة، لكن يبدو أن رغبة المنتج في عدم المخاطرة كانت أقوى من أي حسابات أخرى.
أما العنصر الثاني فكان الرهان على الكوميديا التي يتطلع إليها المشاهد العربي وتميز الأفلام المصرية عن غيرها من بقية الأفلام العربية وتضمن مشاهدة عربية متعددة الجنسيات.
والرهان الثالث كان على دخول مناطق اهتمام الشباب، وهي مسألة نجوم وسائل التواصل الاجتماعي وهاجس الشهرة والتعبير عن الذات الذي يعتري الأجيال الجديدة، وبهذا قدم الفيلم خلطة يصعب أن تفشل جماهيريا وتحقق الحد الأدنى المطلوب من الحضور إلى قاعات السينما.
من الملاحظ أيضا أن الفيلم اكتسى طابعا عائليا على صعيد القصة التي تدور عن أسرة إبراهيم الروبي الصغيرة والأسرة الممتدة وهي عائلة الروبي مثل أسرة شقيقه وابن عمهما.
كما خلا الفيلم من مشاهد العري أو ما تسمى المشاهد الجريئة، وهو ما ضمن له أن يكون مناسبا للأسر والعائلات وصغار السن رغم أن تصنيفه بحسب اللوائح والقواعد المنظمة هو لمن هم فوق 13 سنة.
لقد كان الخطاب الدرامي التركي للمشاهد العربي يسير في طريق ذي اتجاه واحد خلال السنوات الماضية تعرّف وتأثر فيها المشاهد العربي بالثقافة والتاريخ التركيين اللذين يحملان كثيرا من التقاطعات مع الثقافة والتاريخ العربيين.
وقد آن الأوان لأن يتعرف المشاهد التركي عن قرب على الثقافة والتاريخ العربيين عبر شاشة السينما في بلاده من خلال هذه الأفلام العربية المترجمة في ظل عهد جديد للأفلام العربية في السينما التركية.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: اللغة العربیة فی الأفلام العربیة دور السینما
إقرأ أيضاً:
في اليوم العالمي للغة العربية.. رحلة لغة الضاد التي توجت بحروف من نور تضيء بآيات القرآن الكريم وسياسة الاعتماد الدولي بعد سنوات عجاف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يوافق اليوم الأربعاء، 18 ديسمبر من كل عام، الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، تقديرًا لهذه اللغة العظيمة، "لغة الضاد"، ومكانتها الكبيرة، تحت شعار "العربية والذكاء الاصطناعي: تحفيز الابتكار وصون التراث الثقافي".
وتعد اللغة العربية هي لغتنا التي شرفها الله تعالى بأن أنزل بها القرآن الكريم من فوق سبع سماوات؛ وعلينا أن نعتز جميعا باللغة العربية وأهمية الحفاظ على هذه اللغة، وتعلمها.
ويهدف اليوم العالم للغة العربية، إلى تعزيز استخدام اللغة العربية، والاعتراف بمكانتها الثقافية، والإرثية في العالم، ويعد هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء على أهمية اللغة العربية في التواصل العالمي، وفي الثقافة والفكر العربي.
تاريخ الاحتفال
قررت الأمم المتحدة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر من كل عام؛ لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في ديسمبر عام 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة، بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية، والمملكة العربية السعودية، خلال انعقاد الدورة 190 لـ "المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو".
وصدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 878 الدورة التاسعة المؤرخ في 4 ديسمبر 1954، والذي يجيز الترجمة التحريرية فقط إلى اللغة العربية، ويقيد عدد صفحات ذلك بأربعة آلاف صفحة في السنة، وشرط أن تدفع الدولة التي تطلبها تكاليف الترجمة، وعلى أن تكون هذه الوثائق ذات طبيعة سياسية، أو قانونية تهم الدول العربية.
هذا الأمر تطور في عام 1960؛ حيث اتخذت منظمة اليونسكو قرارًا يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تُنظَّم في البلدان الناطقة بالعربية، وبترجمة الوثائق والمنشورات الأساسية إلى العربية.
بينما في عام 1966، تم اعتماد قرار يقضي بتعزيز استخدام اللغة العربية في اليونسكو، وتقرر تأمين خدمات الترجمة الفورية إلى العربية، ومن العربية إلى لغات أخرى، في إطار الجلسات العامة.
وفي عام 1968، تم اعتماد اللغة العربية تدريجياً كـ "لغة عمل" في منظمة اليونسكو، التابعة لـ الأمم المتحدة، مع البدء بترجمة وثائق العمل، والمحاضر الحرفية، وتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى اللغة العربية.
وبعد هذا التاريخ، استمر الضغط الدبلوماسي العربي، وتحديدا من دولة المغرب الشفيفة، بالتعاون مع بعض الدول العربية الأخرى، إلى أن تمكنوا من جعل اللغة العربية تُستعمل كلغة شفوية خلال انعقاد دورات الجمعية العامة في سبتمبر 1973.
وبعد إصدار جامعة الدول العربية في دورتها الستين قرارا يقضي بجعل اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة، وباقي هيئاتها، ترتب عنه صدور قرار الجمعية العامة رقم 3190 خلال الدورة 28 في ديسمبر 1973 يوصي بجعل اللغة العربية لغة رسمية للجمعية العامة وهيئاتها.
وفي أكتوبر من عام 2012، وعند انعقاد الدورة 190 لـ المجلس التنفيذي لليونسكو، تقرر تكريس هذا اليوم 18 ديسمبر من كل عام ليكون اليوم العالمي للغة العربية، واحتفلت اليونيسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم.
وفي 23 أكتوبر من عام 2013، قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية "آرابيا" التابعة لليونسكو، اعتماد اليوم العالمي للغة العربية، كأحد العناصر الأساسية في برنامج عملها لكل سنة.
لغة عالمية
قالت الأمم المتحدة، في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية 2024، إن العربية لغة عالمية ذات أهمية ثقافية جمّة، إذ يبلغ عدد الناطقين بها ما يربو عن 450 مليون شخص، وهي تتمتع بصفة لغة رسمية في نحو 25 دولة، ومع ذلك، فإن المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت باللغة العربية لا يتجاوز نسبة 3%؛ مما يحد من إمكانية انتفاع ملايين الأشخاص به.
وتابعت المنظمة، أن العربية هي كذلك لغة شعائرية رئيسة لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية حيث كتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى، فضلًا عن ذلك، مثَّلت اللغة العربية كذلك حافزًا إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، كما أتاحت إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الإفريقي.
كما قالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو"، أن اليوم العالمي للغة العربية الذي تنظمه اليونسكو يوفر منبرًا تفاعليًا يعزز الحوار والتبادل والتفاهم، وذلك احتفاءً بأهمية اللغة العربية على الصعيد العالمي، فضلًا عن السعي إلى جمع المتحدثين من مختلف الفئات وتعزيز الروابط الثقافية.