أمدرمان تنزف – لا للحرب لازم تقيف
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
صلاح جلال
(١)
معركة مدينة أمدرمان الباسلة أمس الثلاثاء ٨ أغسطس أمتدت من أبوعنجة والموردة العباسية وأمدرمان القديمة من الشهداء وبيت المال وأبوروف إلى ود نوباوى الهجرة وكبجاب والقماير إلى غرب الحارات حتى سوق صابرين وشملت أجزاء من أمدرمان الجديدة معارك فى خمسة محاور إستخدمت فيها كل أنواع الأسلحة من كلاشنكوف وكاتيوشا وأربجى وهاون ودانات مدافع ومضادات طيران وقصف جوى بالطائرات والمسيرات ، شتت المعركة شمل الأسر الأمدرمانية حيث خرجوا من بيوتهم هائمين على وجهوهم مشياً على الأقدام بحثاً عن الأمان والمأوى فى مشهد تنفطر له القلوب النبيلة والنفوس الشريفة التى تعرف معنى العزة والكرامة الإنسانية .
(٢)
معركة الأمس روعت المدنيين خاصة النساء والأطفال وكبار السن وهدمت مزيد من المنازل ونزحت المئات من الأسر الصابرة رقيقة الحال المتعففة التى صبرت فى منازلها لضيق ذات اليد لتحَمْل نفقات النزوح أو اللجوء لدول الجوار كما فعل الميسورين من المواطنين ، نزيف أمدرمان أمس يشكل إنتهاك صارخ لحقوق الإنسان وللقانون الإنسانى الدولى ، وعدم مراعاة الطرفين المتحاربين لإلتزاماتهم تجاه سلامة المدنيين فى ميدان القتال
فى معركة الأمس أرتقت أرواح كثيرة إلى بارئها من المدنيين أكتظت بجثامينهم مستشفى النو ، وطرفى الحرب يكبرون الله وهم يقتلون بعضهم البعض ويسمون قتلاهم شهداء ، الحرب العبثية الراهنة بالأمس تدخل يومها ١١٥ ومنتصف شهرها الرابع وهى أسطع تعبير عن مكر التاريخ وسخرية القدر ، وكل الشواهد تقول لن يكون فيها نصر حاسم ، وأن إستمرارها ليست لكسبها ولكن لمزيد من سفك الدماء وخراب العمران، إنهاء هذه الحرب فوراً هى الواجب المقدس لكل أبناء وبنات الوطن المخلصين يقع عليهم واجب لجم المتفلتين الذين لايضعون أى تقدير لحرمة القتل والدمار ومعاناة المواطنين .
(٣)
واجب الساعة الآن نهوض كل المجتمع بكل أطيافة السياسية والمجتعية من مهنيين وقيادات طرق صوفية وزعماء القبائل وحركة نسوية أن يصطفوا جميعا وينهضوا فى وثبة إنسان واحد للضغط على طرفى الحرب وفرض وقفها فوراً ، مهما كانت التكلفة والتنازلات وأن تتم هزيمة دعاة الحرب ومناصريها وتصفيد شياطين العنف من الإنس الطامحين والجن المتأبلسين وتقييدهم بإرادة الأخيار ، للوصول لوقف دائم لإطلاق النار منذ الأمس ضرورة وليست إختيار ، واجب وليست نافلة، على قيادات أهل السودان وحكمائِه إستنهاض كل صلاحهم وفلاحهم لوقف هذه الحرب اللعينة فوراً ، وجر أطرافها حتف أنوفهم لطاولة السلام.
(٤)
ومن بغى منهم وخرج على إجماع أهل الرأى وسادة المجتمع ، يتم التصدى له من كل الأطراف حتى يفئ لأمر الله بالسلام وحقن الدماء وإيقاف خراب العمران وهى من أفعال السفهاء الشياطين المردة الخارجين على الإجماع ، يجب أن يرتفع الصوت الجهير للقوى المدنية مجلجلاً ، معلناً فى الإعتصامات السلمية بالأقاليم الآمنة ، والوقفات الإحتجاجية بطول البلاد وعرضها ، وأن تفتح أبواب النضال المدنى على مصراعيها لمكافحة دعاة الحرب وحشد الشعب تحت شعار لاللحرب لازم تقيف وبلورتها فى حركة نضال مدنى جسور وحقيقى، تلتف حولها أوسع قاعدة شعبية، لإسقاط إرادة الحرب كما أسقطت نظام الإنقاذ المباد بإرادة ماضية وتصميم حاسم .
(٥)
بعد مجزرة أمدرمان المروعة أمس ندعوا المجتمع الإقليمى والدولى خاصة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقى وأصدقاء السودان وجيرانه لتكثيف الضغوط على المتحاربين بمزيد من العقوبات الذكية ، التى تستهدف القيادات العلانية على رأس مؤسسات الحرب والمستترة التى تحرض لزيادة الإشتعال وتعمل على التعبئة الإثنية والجهوية لتفخيخ روابط المجتمع الطبيعية ودفعه للحرب الأهلية الشاملة ، يجب رصد كل الفاعلين فى مجال إستمرار الحرب وتصعيدها وفرض عقوبات تستهدف أشخاصهم وممتلكاتهم والتنظيمات التى ينتمون لها،ويتحدثون بإسمها ، كما نناشد كل موظفى الخدمة المدنية والدبلوماسيين عدم الإنصياع لأى قرارات أو توجيهات تثير الفتنة فى المجتمع وتؤدى لإستمرار الحرب وإتساعها بدعوى التوجيهات والأوامر ومن يفعل منهم ذلك يجب أن يتحمل مسئوليته القانونية والأخلاقية عن تصرفاته، كما يجب أن تنتظم أعمال الجبهة المدنية لوقف الحرب فى كافة الوسائط الإعلامية من خلال النشطاء لنشر رسالة السلام والمحبة وتحجيم خطاب الحرب والكراهية ، والتبليغ عن الداعين للحرب فى كل الوسائط والبلدان التى يقيمون فيها كإرهابيين يدعون للقتل وسفك الدماء خاصة الذين يقيمون فى الدول الغربية ،التى تجرم قوانينها تلك الممارسات ولها نظم تحكم النشر والتصريح فى الوسائط وفق نظم المعلوماتية المجازة فى برلماناتهم الديمقراطية ، فمن لم تقيده أخلاقه وتربيه أسرته يجب ان يواجه بقوة القانون ليؤدبه ويردعه عن سفك الدماء هناك مجموعات كلب السرة الذى يجرى خلف كل عربة منطلقة إذا وقفت يعود أدراجه ، هؤلاء نشطاء القطيع الذين يفكرون بآذنيهم إذا إنقطعت التعبئة السالبة وقف نشاطهم الهدام .
(٦)
ختامة
أمدرمان مدينة مجاهدة ولدت تحت ظلال السيوف والرماح عصية على الإنكسار ، فقد ظهر بالأمس معدنها فتحت قلوبها قبل أبوابها للفارين من نيران الحرب بالترحاب وقسمة اللقمة والمفرش ومشاركة السقف الذى يقى النساء والأطفال من الأمطار ، معدن أمدرمان مختبر من زمان ، مدينة مجرتقة بالدماء لاترهبها الحرب وجبروتها فهى ضريح المهدى الإمام وقبة الشيخ دفع الله ومسجد الطيار و السيد المحجوب والشيخ قريب الله وسوار الدهب، مدينة سيف الدين الدسوقى الأنثى الباذخة وعبدالله محمد زين فى الضريح الفاح طيبوا عابق واللواء أبوقرون وحمدتو وسيد الشعراء عبدالله البنا الحرب صبر واللقاء ثبات أمدرمان الازهرى والمحجوب والصادق المهدى وعبدالخالق محجوب ومحمود محمد طة ومنصور خالد وفاطمة احمد ابراهيم وسارا الفاضل وخالده زاهر وحواء الطقطاقة ، لن تنكسر أمدرمان ستنهض كطائر الفينيق من رمادها وتتحدى التاريخ، لأنها مدينة من نور ولكن الجهلاء ودعاة الحرب لا يعلمون.
صلاح جلال
٩ أغسطس 2023
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
المرأة.. ذلك الكاىٔن المحير!!
فى رائعة أناتول فرانس، «الرجل الذى تزوج امرأة بكماء»، نجد أحد القضاة ذوى السمعة الحسنة والعقل الراجح قد تزوج بإحدى النساء ذوات الحسب الرفيع، لكنها للأسف كانت بكماء لا تنطق بكلمة، فتمنى من شغاف قلبه أن يعالجها، فقد كانت غاية فى الفتنة والأنوثة، وكل ما كان ينقصها هو صوتها الذى تخيله عذباً رقراقاً وكان على استعداد أن يضحى بالغالى والنفيس فى سبيل أن تستعيد قدرتها على التحدث، وبالفعل حقق الله أمنيته إذ عثر على مبتغاه فى صورة طبيب بارع استطاع أن يعالج تلك الزوجة الفاتنة.
ولكن -واأسفاه- فقد تبخرت أحلام الزوج فى السعادة، إذ فوجئ بأن زوجته الفاتنة تلك ما إن استعادت صوتها حتى تحولت إلى كائن ثرثار أنانى، إذ كل ما كان يشغل عقللها زينتها وملابسها وأحدث الصيحات.. إلخ. وطفقت تثرثر طوال الوقت فيما ينفع وما لا ينفع فبدت له كائناً أجوف يعذبه بالثرثرة الفارغة التى كاد يفقد عقله على أثرها!! ولم يجد حلاً لإنهاء عذابه هذا سوى بأن جعل الطبيب الذى عالج زوجته من قبل يعطيه دواء أصابه بالصمم، كى لا يسمع زوجته الثرثارة إلى الأبد!!
وبعيداً عن سخرية «أناتول» اللاذعة فى روايته تلك وإظهاره للمرأة فى تلك الصورة التى قد تغضب عزيزاتى ذوات تاء التأنيث، نجد أن المرأة كاىٔن محير منذ أن خلقه الله من ضلع آدم الأعوج، وبغض النظر عن أنها كانت سبباً رئيسياً فى خروج آدم من الجنة، فإنه لا يمكن أن تختزل كل مثالبها في مجرد الثرثرة.
فالمرأة قد تكون سبباً في أن يعيش الرجل حياة أشبه بالنعيم وتزخر بالنجاح بما حباه الله لها من الفطنة والعقل والذكاء يصدق فيها قول رسولنا الكريم: «خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة»، أو تكون على النقيض من ذلك، إذ تحول حياة الرجل إلى عذاب مقيم، فتكون سبباً فى شقاىٔه الأبدى، بكثرة طلباتها ونزواتها وغيرتها ممن حولها من النساء، وتكون غير قنوع بما رزقها الله به، للدرجة التى قد يجن معها الزوج، خصوصاً فى هذا الزمان الأغبر الذى طال فيه الغلاء كل شىء وتحول الرجل إلى مجرد كائن مسكين إزاء متطلبات المعيشة التى تكوى الجباه وتحنى الظهور، ما جعل حديث رسولنا الكريم «رفقاً بالقوارير» ينطبق على الرجال قبل النساء!!
وقد شاع العديد من النظريات والافتراضات الطريفة فى محاولة لفهم المرأة ومدى اختلافها عن الرجل، ولعل أطرفها ما تصوره الطبيب النفسى الأمريكى جون جراى من أن النساء قادمات من كوكب مغاير للذى جاء منه الرجال، فالنساء جئن من كوكب «الزهرة»، فى حين أن الرجال أتوا من «المريخ»، لذا فهما كائنان من كوكبين مختلفين صفاتهما مختلفة ومشاعرهما مختلفة رغم تشابههما فى نسق التكوين العام، فعقل المرأة يختلف كلياً عن الرجل ومشاعر المرأة جياشة تختلف تماماً عن الرجل الذى يميل إلى التفكير بعقله لا من خلال العاطفة، لذا يجب ألا تقاس الأمور من خلال منظور واحد لأى منهما، فهما كائنان مختلفان تمام الاختلاف ينتميان إلى كوكبين مختلفين، التقيا على كوكب ثالث وهى الأرض، لذا فكل منهما يجب أن يقدم على فهم الآخر باعتبار أنه كائن مغاير له فى كل شىء ومن هنا يتلاقيان فى نقطة مشتركة يسودها التفاهم والود والتعاطف ما يحقق السعادة لكل منهما على السواء.
لذا لا تجزع أيها الرجل، فبعيداً عن تلك الثرثارة فى رائعة أناتول فرانس التى أفقدت زوجها عقله، فثمة فرصة سانحة كى تحيا بسعادة مع ذلك المخلوق الزهرى المحير المسمى بـ«المرأة» دون أن تصيب نفسك بالصمم!!