على خلفية المشادة التى حدثت بين الفنان محمد فؤاد وطبيب مستشفي عين شمس التخصصي، وبغض النظر عن المخطئ من الطرفين فى حق الآخر، فإن هذه الواقعة التى نالت انتشارا واسعا بحكم أن أحد طرفيها فنان مشهور، هى مجرد "خناقة" تحدث يوميا بين الاطباء وأهالي المرضي فى كل المستشفيات الحكومية بل والخاصة على مستوى الجمهورية.
فإذا بحثنا عن الأسباب فإننا سننحاز لفرضية أن يطمئن أهل المريض على حالة مريضهم، وأن يجدوا من يقوم بذلك دون تذمر أو استعلاء أو حتى توتر تحت الضغط العصبي لساعات العمل الطويلة، فالطب فى المقام الأول هو مهنة سامية ومهنة إنسانية أقسم على الإخلاص لها كل خريج من خريجي كليات الطب.
"أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي، وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال باذلًا وسعي في استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عورتهم، وأكتم سرهم، وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله.. "الكلمات السابقة جزء من قسم "أبقراط" الذى يقسم عليه الاطباء عند تخرجهم، نسبة الى الطبيب اليوناني الشهير أو"أبو الطب"كما يطلقون عليه.
الكلمات لخصت معني أن تكون طبيبا. فالطب فى المقام الأول مهنة سامية ورسالة لأنها تختص بأرواح عباد الله، ومن ثم فهي ليست مهنة للتجارة والجشع واستغلال ظروف المرضي، وإنما مهنة "انسانية" تستطيع أن تحصل من خلالها على الرزق الوفير، دون أن يكون ذلك على حساب "أوجاع " المرضي.
هناك بالطبع من الأطباء من يؤمن بهذه الرسالة السامية، ويسعى بكل ما أوتي من قوة لبذل الجهد لتكريس هذه القيمة، ولنا فى قامات طبية كبيرة المثل الاعلى ومنهم الدكتور مجدي يعقوب والدكتور هاني الناظر رحمه الله، والذى كان برغم خضوعه لجلسات العلاج الكيماوي قبل وفاته بأيام يقوم بالرد على أسئلة متابعيه على صفحته على الفيس بوك، وأيضا طبيب الغلابة الدكتور محمد مشالي وغيرهم الكثير ممن نصادفهم فى رحلة البحث عن العلاج من مرض ما.
صحيح أن موازنة الصحة ما زالت غير كافية، وهو الامر الذي ينعكس بوضوح فى معظم المستشفيات الحكومية، ناهيك بالطبع عن نقص الكوادر البشرية من الأطباء وهيئات التمريض بسبب هجرتهم للعمل بالخارج، وهى المشكلة التى تفاقمت فى الأعوام الأخيرة خاصة مع ضعف رواتب الأطباء، وتدني مستوي بيئة العمل، ولكن ذلك لا يعني التقاعس عن أداء الواجب الانساني قبل المهني، فرب كلمة طيبة تداوي انزعاج وقلق أهل المريض، وكلنا بالطبع لمسنا ونلمس تعامل هذين النوعين من الأطباء ومن البشر بشكل عام.
منظومة الصحة حالة معقدة تتشابك فيها الاعتمادات المالية مع كفاءة الإدارة فى مهنة سامية تختص بأرواح المرضي، وبالتالي فإن البحث عن الحلول للمشكلة يتطلب وضع حلول غير تقليدية، ليس من بينها بالطبع زيادة أعداد الأطباء من خلال تخفيض الحد الأدني لكليات الطب فى الجامعات الأهلية والخاصة الى 79% لأن ذلك سيكون ضرره أكثر من نفعه، فالمتفوق علميا يمتلك مهارات ذهنية هى فى الأساس مهارات مهنة "الطب".
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
الطبيب النرويجي مادس جيلبرت: ما يحدث في غزة إبادة جماعية
عبّر الطبيب النرويجي مادس جيلبرت، العائد مؤخرًا من قطاع غزة، عن صدمته البالغة إزاء ما شاهده من كارثة إنسانية وصحية يعيشها القطاع، واصفًا الوضع بأنه «استهداف ممنهج وإبادة جماعية ضد الفلسطينيين».
وأكد «جيلبرت» خلال حديثه مع الإعلامية منى عوكل في مداخلة هاتفية عبر قناة القاهرة الإخبارية، أن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تدمير البنية التحتية الطبية، قائلاً: «ما رأيته في غزة يتجاوز حدود الإنسانية، وهناك استهداف مباشر للمستشفيات وعربات الإسعاف، وهذا لا يمكن تفسيره إلا كجزء من عملية تطهير عرقي وجرائم حرب مستمرة ضد الشعب الفلسطيني».
وأشار الطبيب النرويجي إلى أن القطاع الصحي في غزة يواجه تحديات غير مسبوقة بسبب النقص الحاد في المعدات الطبية والإمدادات الحيوية، فضلاً عن الدمار الهائل الذي طال المستشفيات ومراكز الإسعاف نتيجة القصف المستمر.
وتابع: «المجتمع الدولي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتحرك العاجل. يجب وقف إطلاق النار فورًا، وفتح المعابر الإنسانية، والسماح بدخول المساعدات والإمدادات الطبية بشكل عاجل.
بدون هذا، نحن نترك الأطقم الطبية تعمل في ظروف مستحيلة، ونحكم على آلاف المدنيين بالموت البطيء».