أعرف الجميل الجميل أحمد الشهاوى مبدعا ثقيلا، صاحب مشروع متنوع الطلات، طيب الآثار. يُسمى نفسه خطأ النحاة، أو العاشق، الغريب، الوقت فى رمله، ابن شريعتين، كتاب الشك، ما بعد الغد، وما بعد الكلام.
يبدو شاعرا مُبهرا يُجبرك على الإنصات والتبتل أمام معانيه وكلماته المشاعر عندما يقول «أنا كُل الحروف التى لم يلدها اسمي/ البلاد التى فشل الجغرافيون فى وصل أياديها/ المأخوذ إلى ما وراء الظل».
ويطربك شجنا عندما يقول فى قصيدة له متسائلا: «ماذا لو مت وحيدا فى الليل؟/ من سيُكفن لغتي؟/ من سيكفكف دمع الكتب الصاحية على رأسي؟/ ومن سيلقن شعري/ شهادة أنى كنت بلا أشجار تنبت فى كفىَّ؟/ ماذا لو ضرب الضغط دماغي؟/هل تختل موازين الأرض/تموت طيور كانت تحيى من إيقاع كلامي/ماذا لو جرؤ الموت وجلس على ركبة كرسى لي/ وخط خطاب وفاة لا رحمة فيه ولا استمهال/ من سيمدد لوحا محفوظا فوق الصدر؟/ ومن سيُهيئ سفرى للنسيان الأبقى؟»
لكن هذا الشاعر الجميل له وجه آخر مُهم، ومُعلم هو وجه الباحث المستكشف المُتتبع للسير، والمستخلص للمخبوء، وهو ما يبوح به كتابه الجميل «سلاطين الوجد» الصادر عن المصرية اللبنانية حيث يتناول فيه استقراء لسير ونصوص ثلاثة من أهم أئمة الصوفية العظام الذين صاغوا تصوراتهم عن الحب الإلهى بنقاء وسحر خلاب، وهُم ذو النون المصري، وأبوبكر الشبلي، والنفّري.
يبدو الصوفيون نماذج مُحببة على التدين الشعبي، الخال من الغلو، فهُم لا يكفرون أحدا من أية ملة، وهم زاهدون فى المال والنفوذ، وهم بعيدون عن الصراعات والتناحر، وهم مشغولون بالله فقط.
وقد لاحظ الشهاوى أن المتصوفة فى مصر مثل غيرهم فى العالم الإسلامى مستهدفون ومطاردون ودائما يساء بهم الظن، رغم أن ما تركوه من نصوص وحكم وأقوال تصب جميعا فى باب التقرب من الله.
فذو النون المصرى ابن اخميم، الذى اعتبره البعض رأس الصوفية، عاش فى مصر فى القرن الثانى الهجري، وكان حديث عصره من الناس، فحنق عليه الفقهاء، ونقلوا عنه نقولات مزورة، حتى استدعاه الحليفة فى بغداد، فُحمل إليه مكبلا بالحديد.. ولكن ذا النون دخل على الخليفة فوعظه ونصحه، فأحبه الخليفة وقال للناس إنه رجل برىء مما يقولون.
وليس أدل على جمال ذى النون من تكرار بعض مأثوراته مثل «الكريم يعطى قبل السؤال، ويعذر قبل الاعتذار، ويعف قبل الامتناع». ومنها أيضا «من آنسه الله بقربه أعطاه أربع خصال: عزا من غير عشيرة، وعلما من غير طلب، وغنى من غير مال، وأنسا من غير جماعة». ومنها قوله « الأنس بالله نور ساطع، والأنس بالخلق غم واقع».
أما أبو بكر الشبلي، فهو متصوف كتوم، صاحب الحلاج لكنه لم يجهر بكلامه مخافة أن يساء فهمه ويُكفره العامة. وكان أبرز ما تعرض له الشبلى هو حجب نصوصه، حتى أن المصادر التى رصدتها نادرة، وهو ما دفع الباحث أحمد الشهاوى أن يجمع لنا بعض أشعاره ليكشف لنا كيف أنتجت بلادنا قبل قرون طويلة كل هذا الجمال فى الحب الإلهى والتسامح.
يقول «الشبلي» : «إن الذين بخير كُنت تذكرهم/ هُم أهلكوك وعنهم كُنت أنهاكا/ لا تطلبن حياة عند غيرهمُ/ فليس يُحييك إلا مَن توفاكا». ويقول أيضا «يُحبك قلبى ما حييت فإن أمُت/ يُحبك عظمٌ فى التراب رميمُ».
أما محمد بن عبد الجبار النفرّى فقد سبق وكتب عنه أدونيس أنه يضيء الكتابة العربية على إطلاقها بجمال بدائعه.
وفى تحليل مؤلف «سلاطين الوجد» فإن النفَّرى لديه لغة لا تشبه سوواه من الصوفيين، فهى جديدة فى حرفها ومعناها ووجدها، فهو يقول مثلا « إذا جئتنى فألق العبارة وراء ظهرك، وألق المعنى وراء العبارة، وألق الوجد وراء المعنى». وهو شخص عصى على التصنيف الأدبى الأكاديمي، موثوق بقلوب سامعيه، إذ يقول «يا عبد قيمة كل إمرىء حديث قلبه».
لقد كان الحب الإلهى محل فحص وارتياب من معسكرات التفتيش الدينى عبر العصور، لكنه انتصر، والدليل أن نصوصه وصلتنا.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد الجميل الجميل من غیر
إقرأ أيضاً:
باحث علمي: الصندوق الأسود سيكشف تفاصيل تحطم طائرة أذربيجان
أوضح الباحث العلمي والطبي الاستقصائي والمهتم بعلوم الطيران محمد عبدالله داوود ، أن الصندوق البرتقالي داخل الطائرات والذي يُعرف بالصندوق الأسود سوف يحدد أسباب حادث تحطم طائرة الركاب الأذربيجانية الذي وقع بالقرب من مدينة “أكتاو”، أمس.
وبين أن حقيقة المسببات سوف يكشفها الصندوق الأسود لتأكيد مدى صحة المعلومات الأولية التي رجحت سبب الحادثة باصطدام الطائرة بسرب من الطيور.
أخبار متعلقة "التعاون الإسلامي" تعزّي أذربيجان في ضحايا تحطم طائرةكازاخستان: مقتل 42 شخصًا في تحطم الطائرة الأذربيجانية على الأرجح25 ناجيًا من حادث تحطم الطائرة الأذربيجانية في كازاخستانوقال داوود لـ"اليوم"، إن هذا الحادث يعد من أسوا كوارث الطيران التي سجلت في نهاية عام 2024 ، وقد سبق ذلك احتراق طائرة تابعة للخطوط الجوية اليابانية (جابان إيرلاينز) بمطار هانيدا بطوكيو في بداية عام 2024 وتحديدًا في 2024-1-2 بعد اصطدامها بطائرة تابعة لخفر السواحل.باحث علمي: الصندوق الأسود سيكشف تفاصيل تحطم طائرة أذربيجانحوادث الطيرانوتابع : من خلال تاريخ عالم الطيران يتضح أن الخطأ البشري هو السبب الأكبر لحوادث الطيران، إذ كشفت دراسة تحليلية عالمية لأكثر من 1000 حادث طيران مميت في جميع أنحاء العالم، كان خطأ الطيار عاملا في أكثر بقليل من نصف – 53% – الحوادث.
واحتل الطيارون الترتيب الأول في كثير من الأحيان، ولكن يرتفع العدد إذا تمت إضافة أخطاء باقي العناصر البشرية المحتملة، مثل الأخطاء التي يقع فيها مهندسو أو فنيو ميكانيكا الطائرة ومراقبو الحركة الجوية.
كما قدرت “بوينغ” أن جميع الأخطاء البشرية يمكن أن تكون عاملا مشتركا في حوالي 80% من الحوادث ، ويمكن أن يؤثر الخطأ البشري سلبيا أيضا ويزيد من تفاقم الوضع، بجانب الأسباب الأخرى الرئيسية التي تسبب تحطم الطائرة ، إذا اتخذ الطيار قرارا خاطئا بشأن الطقس، على سبيل المثال، يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على جميع من هم على متن الطائرة.
ولفت داوود إلى أنه يتم تكوين فريق متخصص في تحقيقات كوارث الطيران من الدولة التابعة لها الطائرة، بجانب مشاركة وجود فريق من الخبراء العالميين في حوادث الطيران وسلامة النقل الجوي وفريق من شركة “إيرباص” المصنعة للطائرة.
كما يتم الرجوع إلى الصندوق الأسود، وهما صندوقان وليس صندوقًا واحدًا ويقعان غالباً فى مؤخرة الطائرة يسجلان ما يحدث للطائرة طوال فترة تشغيلها.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } باحث علمي: الصندوق الأسود سيكشف تفاصيل تحطم طائرة أذربيجانسلامة المسافرينفوظيفة الصندوق الأسود الأول حفظ ما يصل إلى أكثر من 3000 معطى مختلف من البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية المتغيرة بالرحلة مثل السرعة والارتفاع والموقع الجغرافى وأداء المحرك، إضافة إلى مواضع مفاتيح الأنظمة المختلفة وحالة الطيار الآلى وحالة مزود الطاقة الآلى ووضعية أسطح التحكم وغيرها من البيانات الحيوية.
فى حين وظيفة الصندوق الأسود الثانى تسجيل الأصوات داخل مقصورة القيادة، وكل صندوق مجهز بجهاز بث يعمل عندما ينغمر فى الماء ويطلق إشارات فوق صوتية للمساعدة على تحديد مكانهما وتبث هذه الإشارات على تردد 37,5 كيلوهرتز لمدة 30 يوماً من بدء تفعيله حتى تفرغ بطاريته، ويبلغ مدى البث حوالى 6000 متر ( 20000 قدم)، كما يمكن لأجهزة البحث المتطورة التقاط الإشارات الصوتية على مدى 3000 متر داخل الماء.
وأكد داوود في ختام حديثه: أنه من الناحية الإحصائية لا يوجد طيران أكثر أمانا، لكن هناك نصائح حاسمة من أجل السلامة أثناء السفر جوا، والتي ربما يهملها الكثير ممن يسافرون جوا بشكل متكرر.
وأشار إلى أن منها: المتابعة باهتمام لملخص عرض وسائل الأمن والسلامة، الذي تقدمه المضيفات في بداية كل رحلة ، وربط حزام الأمان عند الجلوس والانتباه جيدًا للوحة المضيئة الخاصة بوضع حزام الأمان.
إضفة إلى تجنب حدوث إصابات أثناء التحليق عبر الالتزام واتباع القيود المفروضة من جانب شركات الطيران الخاصة بمحتويات شنطة اليد أو الظهر التي يحملها المسافر إلى داخل الطائرة ، والالتزام بتنفيذ تعليمات شركة الطيران التي تسافر على متن طائراتها، بشأن جهاز الكمبيوتر المحمول والهاتف الذكي الخاص بالمسافر.