بوابة الوفد:
2024-09-13@08:55:32 GMT

مئوية «فتحى غانم»

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

أشفق على جيل الشباب المحب للقراءة والمعرفة.. ثورة التكنولوجيا وتعدد وسائط المعلومات جعلته يلهث وراء الجديد والمثير، ويتجول هنا وهناك بين مواقع التواصل الاجتماعى توتير والفيس بوك والأنستجرام وغيرها، فوقت الشباب اليوم بالكاد يكفى لقراءة أعمال جيله من المبدعين أو الجيل السابق مباشرة، فما بين السعى وراء أسباب المعيشة الضاغطة والاستمتاع بقراءة عمل روائى جديد أو الأستماع لقطعة موسيقية مميزة أو لوحة تشكيلية متفردة نجد جمهورا من القراء يصارع تصاريف الساعات المتلاحقة دون قدرة هذا الجمهور على الألحاق بكل تلك التفاصيل الأنسانية التى تشكل وجدانه ومشاعره .

 

أقول ما سبق لأننى أقدم اليوم الكاتب الكبير «فتحى غانم».. أحد المبدعين الكبار الذين تواروا فى ظل الزمن والتاريخ ولكن مجلة «عالم الكتاب» استطاعت فى أحدث أعدادها، ان تعيد من جديد إحياء ذكراه من خلال ملف كامل عنه؛ وذلك بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده، حيث ولد كاتبنا الكبير فى 1924، وتضمن الملف إبداعه ومعاركه وكيف يقرأه كتاب ونقاد من أجيال مختلفة منهم: د.حسين محمود، ود.إبراهيم منصور، وسناء البيسي، وشريف صالح، وطاهر عبد الرحمن، وفيبى صبري، وشهدى عطية، كما كتبت  د. زبيدة عطا زوجة الكاتب الراحل كلمة تحت عنوان «فنجان قهوة مع فتحى غانم» ذلك الكاتب الذى لم ينصفه أحد.

يقول الكاتب يوسف القعيد إن الكاتب الراحل فتحى غانم قد ظلم نفسه لأنه المسئول الأول عن عدم نشر أعماله الكاملة، أو طباعتها فى طبعات جديدة، لانه كان غير مهتم بما يكتب عن أعماله من نقد أو دراسات بحثية، حتى إن من كان يطلب منه طباعة أعماله كان يرد بأنه ليست له علاقة بهذا، مما زاد الموقف صعوبة بعد وفاته بأن يصبح الأمر فى يد الورثة.

أما زميلته فى المهنة والحياة الكاتبة الكبيرة سناء البيسى فترى ان

فتحى غانم الوحيد بين الأدباء المشتغلين بالصحافة الذى طغى مجده الأدبى على مجده الصحفي, فهو الأديب بالسليقة والصحفى بالدراسة الذى تحايل على الوظيفة والسياسة معا حتى يتحرر فى أدبه من كل الضغوط والقيود ليظل فى مختلف مراحل حياته ينظر إليهما على أنهما عملان على الهامش وليسا من الأعمال الرئيسية التى يمكن أن يشغل بهما نفسه ويعطيهما جهده الأساسى الذى كان يدخره دائما لأدبه, وكانت رؤيته الدائمة أن الأدب فوق السياسة واسمى منها مستشهدا بقول انجلز: لقد عرفت عن الثورة الفرنسية من قصة مدينتين لتشارلز ديكنز أكثر مما عرفته من عشرات المؤرخين الذين كتبوا عن هذه الثورة.. ومن هنا وعلى مدى خمسة وأربعين عاما ظل فتحى غانم يعتبر الصحافة عملا هامشيا, ووسيلة لنشر إنتاجه الأدبى والفكري, وموردا أساسيا للشخصيات والموضوعات والصراعات التى صورها فى رواياته المختلفة وأشهرها رباعية الرجل الذى فقد ظله, وزينب والعرش والأفيال أروع الأعمال الأدبية فى ثقافتنا فى القرن العشرين.. وإذا ما كان فتحى غانم قد وصل إلى مكانة رئيس تحرير الجمهورية وصباح الخير ووكالة أنباء الشرق الأوسط فذلك بفضل إنتاجه الأدبي, وأيضا لبعده عن الصراعات الصحفية الكبري.

وقد عدّ نقاد ومثقفون رواية «الرجل الذى فقد ظله»، هى الأبرز والأشهر فى مسيرة الروائى والصحفى الراحل فتحى غانم، وجاءت الرواية الفريدة بأسلوب الأصوات المتعددة الجديد وقتها.

ويضع نقاد وقراء للروايات فتحى غانم على رأس أهم الروائيين العرب فى القرن الـ20، بل ويذهب بعضهم لجعله فى مكانة لا تقل عن أديب نوبل نجيب محفوظ.

اعتمد الكاتب الراحل فى روايته الصادرة عام 1961 على تقنية السرد بالأصوات المتعددة للحدث الواحد، إذ بنى روايته على 4 أصوات يحكى كل منها من وجهة نظره الحدث نفسه عن الأشخاص ذاتهم، ولهذا سميت بالرباعية.

المفتتح هو صوت مبروكة الخادمة، التى تتزوج والد بطل الرواية الصحفى يوسف السيوفي، ومخدومها الذى تتزوجه هو المعلم البسيط المنتمى للطبقة المتوسطة فى عهد الملكية، فتنجب له ولداً، يصير عقدة ليوسف السيوفي، الذى تكرهه مبروكة لنذالته معها ومع أخيه، بعد أن يطردها يوسف مع ابنها من شقته عقب وفاة الوالد، لكنها تتوجه للنضال من أجل منع سقوط ضحايا جدد مثلها، بدوره يكرهها يوسف ويكره أخاه منها.

ويوسف هو بطل الحكاية لدى 3 شخصيات تحلقت حوله هم مبروكة الخادمة وسامية الحبيبة ومحمد ناجى اليد التى امتدت إليه لتصعد به، إلا أننا لا نسمع صوت يوسف بروايته عن نفسه إلا فى الختام، يأتى صوته دونما دفاع عن نفسه، وكأنما هو اعتراف مكمل لشهادات الشهود الثلاثة.

ثانى الشخصيات التى تحكى هى سامية، وتروى كيف استغلها يوسف ثم طردها من حياته، ثم يحكى محمد ناجى كيف ساعد يوسف فى تسلق درج الصعود المهنى بعد أن تملقه باعتباره أستاذه، قبل أن يدوس على رأسه فى النهاية.

هكذا يبدو يوسف فى حكايات الرواة الثلاثة: يحطم فى مسيرة صعوده كل المبادئ والأعراف الإنسانية، محاولاً التعلق بطبقة أعلى، عبر المصاهرة والزواج بالفتاة الأرستقراطية سعاد، تلميذة والده المعلم البسيط، التى ترفضه.

حينما يعلو صوت يوسف بحكايته فى الختام، لا ينكر هذا الانحطاط الذى سقط فيه، بل يبرز سمات وضيعة فيمن كانوا حوله، وأن منهم من لا يقل عنه فى سلوكه الرامى للصعود بأى ثمن، فهذه سامية الحسناء التى تحاول أن تشق طريقها فى عالم الفن والشهرة بأى طريقة، وتساعد يوسف ثم يتخلى عنها حينما لا تصير ذات قيمة بالنسبة إليه، وكذلك يفعل مع أستاذه محمد ناجي.

بالمقابل تصير الخادمة ـأرملة أبيه- مناضلة، على درب صديقه شوقي، الثورى المنحاز للطبقة المتوسطة المكافحة، المفتخر بانتمائه، محاولاً -عكس يوسف- أن تحصل الطبقات الدنيا على حقوقها بعدالة فى وطن عادل.

تخرّج غانم فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1944 ثم اختار الكتابة مهنةً له، وكانت «الجبل» فى بدايتها تحقيقا صحفيا، تحول إلى رواية، حينما بدأ بالعمل فى عدد من المجلّات والصحف مثل روز اليوسف، وصباح الخير، والجمهورية، ثم تولى رئاسة تحرير هذه الإصدارات، ومكنه التقلب فى هذه المواقع الاقتراب من مراكز صنع القرار، ما منحه فهما أعمق لطبيعة التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية.

تروى زوجته أنه كان شخصية هادئة غير اجتماعية بالمرة، قليل الاختلاط بالآخرين، باستثناء عدد من الأصدقاء هم الصحفى الشهير محمود أمين العالم والمؤرخ والضابط أحمد حمروش والفنان آدم حنين والصحفى صلاح حافظ، فى حين كانت هوايته الأثيرة لعب الشطرنج.

وأطلق اسم غانم المتوفى عام 1999 على الدورة العاشرة لملتقى الرواية العربية عام 2015.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الجيل السابق القراء

إقرأ أيضاً:

مفتي بلغاريا: نسير خلف النهج الوسطي ونتبنى رؤية المؤسسات الدينية المصرية

لا تنفصل المؤسسات الدينية فى بلغاريا الواقعة جنوب شرقى أوروبا عن مثيلاتها فى مصر، إذ تُعد دار الإفتاء المصرية والمؤسسات الدينية فى بلد الأزهر الشريف هى الرائدة فى مجال تجديد الخطاب الدينى فى أوروبا، وهى بمثابة الركن الأساسى الذى يضع اللبنة الأولى لمواجهة خطاب التطرّف والكراهية والإسلاموفوبيا، من خلال سعيها الدائم لتجديد الخطاب الدينى، بما يتناسب مع معطيات وأوضاع القارة العجوز.

وقال الشيخ مصطفى حجى، المفتى العام لجمهورية بلغاريا، إنه بفضل النّهج الوسطى الذى تتبعه دار الإفتاء المصرية، قامت المؤسسات الدينية فى بلغاريا بتبنى رؤيتها وتمكّنت من إيصال فكرة جيدة عن الإسلام. وتابع: «لذلك نرى إقبالاً ملحوظاً من قِبل المفكرين فى بلغاريا والغرب بشكل عام نحو اعتناق الإسلام، خاصة بعدما جربوا مرارة الحياة الحرة التى لا قيود ولا منهج لها».

ولفت إلى أنّ المسلمين يسعون لإظهار الصورة الحقيقية للإسلام فى جميع ربوع العالم، ويدافعون عن دينهم مهما كانت أوضاعهم، ومهما كان المكان الذى يعيشون فيه، فلا بد أن يتكاتفوا لتحقيق ذلك. وأضاف: «السبب الرئيسى لانتشار الإسلاموفوبيا فى أوروبا هو عدم معرفة حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة التى تحضّ دائماً على المحبة والإخاء والتسامح»، مؤكداً أن الإسلام هو الدين الوحيد الذى يستطيع أن يعيد كرامة الإنسان ويساعده فى أن يجد نفسه، ودار الإفتاء تلعب دوراً مهماً جداً فى إظهار تلك الصورة الحقيقية.

وأضاف: «يجب على العلماء أن يُسقطوا القضايا على الواقع، لإيجاد الفتوى المناسبة لهذه الأيام، وفى الوقت نفسه ندافع عن ديننا، لأننا نتعرّض لهجوم على الإسلام والمسلمين»، موضحاً أن بعض الأشخاص ممن يتحدّثون باسم الدين إذا لم يستطيعوا أن يصلوا إلى هدفهم بطريقة مقبولة لا يتردّدون فى استخدام العنف والقوة، وحتى استخدام السلاح، وهذا هو مبدأ التطرّف، محذّراً من أن استخدام العنف باسم أى أيديولوجيا شىء خاطئ وخطير.

وتحدّث «حجى» عن دور المؤسسات الدينية عامة والإفتائية خاصة فى مواجهة تلك التحديات، موضحاً أن الإسلام هو المنقذ الوحيد، وفيه إمكانية أن يقف أمام التحديات المعاصرة، وأن يساعد الناس لخروجهم من الضلال والابتعاد عن القيم الإنسانية، خاصة الشباب، من الأفكار المسمومة التى تؤدى إلى الفساد الأخلاقى، ولهذا السبب ينبغى التركيز على إيجاد الكوادر والدعاة لدعوة الإصلاح والرجوع إلى ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا، مشدّداً على ضرورة التعاون مع الخبراء فى علم النفس وعلم المجتمع وعلم السياسة، وكل الجهات التى من شأنها أن تُغير المجتمع إلى الأفضل، مؤكداً أنّ الإرشاد وتعليم الدين ينبغى أن يكون باللغة الحديثة المناسبة والبسيطة، حتى لا يصعب على الجيل الجديد فهمها.

وبشأن جهود مؤسسة الإفتاء الوطنية فى مواجهة التحديات، أكد المفتى العام لجمهورية بلغاريا أنهم يعيشون فى أوروبا ويتعايشون مع غير المسلمين لقرون طويلة، ورغم ذلك لا بد من بذل جهد أكبر للحفاظ على تلك المكتسبات، التى بتجاهلها سيعود التطرّف والإسلاموفوبيا مرة أخرى إلى الواجهة. وأضاف: «حينها لن تكون الأوضاع مستقرة، وسيتزعزع الأمن والأمان، ولذلك نحن ملتزمون بالتأكيد على اتباع المنهج الإسلامى الوسطى». وتابع: وذلك تطبيقاً للآية الكريمة «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ». وواصل: «فى حلقات القرآن لا نكتفى بقراءة القرآن فقط، بل نحاول أن نربى أطفالنا تربية إسلامية بالوسائل الحديثة، وأخيراً نقيم الدورات والمخيمات للطلاب، خاصة لطلاب الجامعات فى أماكن مختلفة، وفى ما بعد نستخدم المشاركين فى هذه المخيمات للعمل مع زملائهم والطلاب الصغار».

مقالات مشابهة

  • في مئوية الراحل حنا مينة.. الكاتب الذي دوّن تاريخ سوريا الحديث
  • سينما تكشف مافيا صناعة الداء إلى احتكار الدواء
  • الفلاح المصرى عصب مصر
  • فقه المصالح!
  • رئيس المشيخة الإسلامية في كرواتيا: القاهرة تحملت مسؤولية نشر تعاليم الإسلام في أوروبا
  • مفتي بلغاريا: نسير خلف النهج الوسطي ونتبنى رؤية المؤسسات الدينية المصرية
  • عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي (9)
  • عادل حمودة يكتب: لعبة الأمم فى الصومال.. آبى أحمد من رجل دولة إلى مهرج فى البلاط
  • «الجازى» يربك حسابات إسرائيل
  • لن أنسى حقيبته القماشية!!