أشفق على جيل الشباب المحب للقراءة والمعرفة.. ثورة التكنولوجيا وتعدد وسائط المعلومات جعلته يلهث وراء الجديد والمثير، ويتجول هنا وهناك بين مواقع التواصل الاجتماعى توتير والفيس بوك والأنستجرام وغيرها، فوقت الشباب اليوم بالكاد يكفى لقراءة أعمال جيله من المبدعين أو الجيل السابق مباشرة، فما بين السعى وراء أسباب المعيشة الضاغطة والاستمتاع بقراءة عمل روائى جديد أو الأستماع لقطعة موسيقية مميزة أو لوحة تشكيلية متفردة نجد جمهورا من القراء يصارع تصاريف الساعات المتلاحقة دون قدرة هذا الجمهور على الألحاق بكل تلك التفاصيل الأنسانية التى تشكل وجدانه ومشاعره .
أقول ما سبق لأننى أقدم اليوم الكاتب الكبير «فتحى غانم».. أحد المبدعين الكبار الذين تواروا فى ظل الزمن والتاريخ ولكن مجلة «عالم الكتاب» استطاعت فى أحدث أعدادها، ان تعيد من جديد إحياء ذكراه من خلال ملف كامل عنه؛ وذلك بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده، حيث ولد كاتبنا الكبير فى 1924، وتضمن الملف إبداعه ومعاركه وكيف يقرأه كتاب ونقاد من أجيال مختلفة منهم: د.حسين محمود، ود.إبراهيم منصور، وسناء البيسي، وشريف صالح، وطاهر عبد الرحمن، وفيبى صبري، وشهدى عطية، كما كتبت د. زبيدة عطا زوجة الكاتب الراحل كلمة تحت عنوان «فنجان قهوة مع فتحى غانم» ذلك الكاتب الذى لم ينصفه أحد.
يقول الكاتب يوسف القعيد إن الكاتب الراحل فتحى غانم قد ظلم نفسه لأنه المسئول الأول عن عدم نشر أعماله الكاملة، أو طباعتها فى طبعات جديدة، لانه كان غير مهتم بما يكتب عن أعماله من نقد أو دراسات بحثية، حتى إن من كان يطلب منه طباعة أعماله كان يرد بأنه ليست له علاقة بهذا، مما زاد الموقف صعوبة بعد وفاته بأن يصبح الأمر فى يد الورثة.
أما زميلته فى المهنة والحياة الكاتبة الكبيرة سناء البيسى فترى ان
فتحى غانم الوحيد بين الأدباء المشتغلين بالصحافة الذى طغى مجده الأدبى على مجده الصحفي, فهو الأديب بالسليقة والصحفى بالدراسة الذى تحايل على الوظيفة والسياسة معا حتى يتحرر فى أدبه من كل الضغوط والقيود ليظل فى مختلف مراحل حياته ينظر إليهما على أنهما عملان على الهامش وليسا من الأعمال الرئيسية التى يمكن أن يشغل بهما نفسه ويعطيهما جهده الأساسى الذى كان يدخره دائما لأدبه, وكانت رؤيته الدائمة أن الأدب فوق السياسة واسمى منها مستشهدا بقول انجلز: لقد عرفت عن الثورة الفرنسية من قصة مدينتين لتشارلز ديكنز أكثر مما عرفته من عشرات المؤرخين الذين كتبوا عن هذه الثورة.. ومن هنا وعلى مدى خمسة وأربعين عاما ظل فتحى غانم يعتبر الصحافة عملا هامشيا, ووسيلة لنشر إنتاجه الأدبى والفكري, وموردا أساسيا للشخصيات والموضوعات والصراعات التى صورها فى رواياته المختلفة وأشهرها رباعية الرجل الذى فقد ظله, وزينب والعرش والأفيال أروع الأعمال الأدبية فى ثقافتنا فى القرن العشرين.. وإذا ما كان فتحى غانم قد وصل إلى مكانة رئيس تحرير الجمهورية وصباح الخير ووكالة أنباء الشرق الأوسط فذلك بفضل إنتاجه الأدبي, وأيضا لبعده عن الصراعات الصحفية الكبري.
وقد عدّ نقاد ومثقفون رواية «الرجل الذى فقد ظله»، هى الأبرز والأشهر فى مسيرة الروائى والصحفى الراحل فتحى غانم، وجاءت الرواية الفريدة بأسلوب الأصوات المتعددة الجديد وقتها.
ويضع نقاد وقراء للروايات فتحى غانم على رأس أهم الروائيين العرب فى القرن الـ20، بل ويذهب بعضهم لجعله فى مكانة لا تقل عن أديب نوبل نجيب محفوظ.
اعتمد الكاتب الراحل فى روايته الصادرة عام 1961 على تقنية السرد بالأصوات المتعددة للحدث الواحد، إذ بنى روايته على 4 أصوات يحكى كل منها من وجهة نظره الحدث نفسه عن الأشخاص ذاتهم، ولهذا سميت بالرباعية.
المفتتح هو صوت مبروكة الخادمة، التى تتزوج والد بطل الرواية الصحفى يوسف السيوفي، ومخدومها الذى تتزوجه هو المعلم البسيط المنتمى للطبقة المتوسطة فى عهد الملكية، فتنجب له ولداً، يصير عقدة ليوسف السيوفي، الذى تكرهه مبروكة لنذالته معها ومع أخيه، بعد أن يطردها يوسف مع ابنها من شقته عقب وفاة الوالد، لكنها تتوجه للنضال من أجل منع سقوط ضحايا جدد مثلها، بدوره يكرهها يوسف ويكره أخاه منها.
ويوسف هو بطل الحكاية لدى 3 شخصيات تحلقت حوله هم مبروكة الخادمة وسامية الحبيبة ومحمد ناجى اليد التى امتدت إليه لتصعد به، إلا أننا لا نسمع صوت يوسف بروايته عن نفسه إلا فى الختام، يأتى صوته دونما دفاع عن نفسه، وكأنما هو اعتراف مكمل لشهادات الشهود الثلاثة.
ثانى الشخصيات التى تحكى هى سامية، وتروى كيف استغلها يوسف ثم طردها من حياته، ثم يحكى محمد ناجى كيف ساعد يوسف فى تسلق درج الصعود المهنى بعد أن تملقه باعتباره أستاذه، قبل أن يدوس على رأسه فى النهاية.
هكذا يبدو يوسف فى حكايات الرواة الثلاثة: يحطم فى مسيرة صعوده كل المبادئ والأعراف الإنسانية، محاولاً التعلق بطبقة أعلى، عبر المصاهرة والزواج بالفتاة الأرستقراطية سعاد، تلميذة والده المعلم البسيط، التى ترفضه.
حينما يعلو صوت يوسف بحكايته فى الختام، لا ينكر هذا الانحطاط الذى سقط فيه، بل يبرز سمات وضيعة فيمن كانوا حوله، وأن منهم من لا يقل عنه فى سلوكه الرامى للصعود بأى ثمن، فهذه سامية الحسناء التى تحاول أن تشق طريقها فى عالم الفن والشهرة بأى طريقة، وتساعد يوسف ثم يتخلى عنها حينما لا تصير ذات قيمة بالنسبة إليه، وكذلك يفعل مع أستاذه محمد ناجي.
بالمقابل تصير الخادمة ـأرملة أبيه- مناضلة، على درب صديقه شوقي، الثورى المنحاز للطبقة المتوسطة المكافحة، المفتخر بانتمائه، محاولاً -عكس يوسف- أن تحصل الطبقات الدنيا على حقوقها بعدالة فى وطن عادل.
تخرّج غانم فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1944 ثم اختار الكتابة مهنةً له، وكانت «الجبل» فى بدايتها تحقيقا صحفيا، تحول إلى رواية، حينما بدأ بالعمل فى عدد من المجلّات والصحف مثل روز اليوسف، وصباح الخير، والجمهورية، ثم تولى رئاسة تحرير هذه الإصدارات، ومكنه التقلب فى هذه المواقع الاقتراب من مراكز صنع القرار، ما منحه فهما أعمق لطبيعة التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية.
تروى زوجته أنه كان شخصية هادئة غير اجتماعية بالمرة، قليل الاختلاط بالآخرين، باستثناء عدد من الأصدقاء هم الصحفى الشهير محمود أمين العالم والمؤرخ والضابط أحمد حمروش والفنان آدم حنين والصحفى صلاح حافظ، فى حين كانت هوايته الأثيرة لعب الشطرنج.
وأطلق اسم غانم المتوفى عام 1999 على الدورة العاشرة لملتقى الرواية العربية عام 2015.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجيل السابق القراء
إقرأ أيضاً:
تحليل سياسي يكتبه محمد مصطفى أبوشامة: وانتصرت «أمريكا أولاً».. وسقطت العولمة
أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية تقدماً كبيراً للرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب والمرشح الجمهورى على منافسته كامالا هاريس المرشحة الديمقراطية، وبات ترامب هو الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية، بحسب قناة «فوكس نيوز» التى استبقت الجميع معلنةً الخبر، قبل أن يطل علينا الرئيس القادم، والعائد إلى البيت الأبيض معلناً انتصاره، فى مفاجأة تؤكد من جديد ضلال استطلاعات الرأى، التى أوحت للعالم فى الأسابيع الأخيرة أن النتيجة أقرب إلى التعادل، ولكن الصناديق أظهرت اكتساح الترامبية للولايات المتحدة الأمريكية.
وحتى يتسنى لنا الاطلاع على النتائج الكاملة فى كافة الولايات الأمريكية، وتحليلها، كى نستطيع فهماً حقيقياً لما حدث فى الخامس من نوفمبر 2024، واتجاهات تصويت الناخبين، والتى عكست قرارهم بشأن ما عرضه عليهم كلا المرشحين من قضايا.
إذن ما الذى يعنيه فوز «ترامب»؟ الرجل الذى تمثل عودته رئيساً سابقةً لم تتكرر فى تاريخ الولايات المتحدة إلا مرة واحدة منذ 132 عاماً، بأن يحكم رئيس دورتين غير متتاليتين، سبقه الرئيس جروفر كليفلاند فى نهاية القرن التاسع عشر، كما سيكون ترامب أول رئيس فى التاريخ يفوز بعد إدانته جنائياً بارتكاب العديد من الجرائم الفيدرالية وعلى مستوى الولايات.
ترامب أولاً وأمريكا أيضاً
«أمريكا أولاً»، ليس شعاراً انتخابياً سينتهى أثره بعد أن يحقق هدفه، لكنه فلسفة حكم تبلورت بها (الترامبية) كظاهرة سياسية، اختبرها الشعب الأمريكى بين عامَى (2017 و2021)، وعاد ليختار صاحبها مجدداً لدواعٍ اقتصادية، بحسب اتفاق عام بين أغلبية المحللين، وإشراكهم الرأى مع عدم إغفال الأثر الكبير لـ«ذكورية» المجتمع الأمريكى كدافع رئيسى للتصويت ضد «هاريس».
والتصويت الذكورى سبق أن حقق لـ«ترامب» ولايته الأولى بعد فوزه أمام هيلارى كلينتون، ولا ننسى أنه عندما ترشح أمامه رجل خسر بالفعل، وفاز بايدن فى الانتخابات السابقة، هذا لا ينفى دور خطته السياسية، من الاقتصاد إلى المهاجرين، مروراً برفضه للإجهاض ودعواته المحافظة التى أيقظت شيئاً ما فى المجتمع الأمريكى، لقد أجاد ترامب اللعب على مشاعر الجماهير، ورسمت حملته صورة متميزة له؛ الرجل القوى المحافظ البارع اقتصادياً، الذى تخشاه دول العالم وتحاول قوى الشر اغتياله، فيما حصد دور البطولة بعد عملية اغتياله الفاشلة، وتحولت صورته بعد النجاة إلى أيقونة ترسخت فى المخيلة الأمريكية، تلك اللقطة التى رصدتها كاميرا مصور عبقرى، عندما نهض «ترامب» ثابتاً وشجاعاً رغم إصابته بعيار نارى، وهى صورة غسلت كل أخطائه وغفرت له ذنوبه أمام غالبية الأمريكيين.
وجاءت الفكرة
ليس استباقاً للحوادث، فالعالم كله بقى معلقاً طوال العام الأخير انتظاراً لهذا اليوم، عندما تنفض أمريكا يدها من مهرجان الانتخابات الرئيسية وتفيق لدورها الإمبراطورى.. كسيدة العالم وأقوى دولة فيه، بعد وصول ترامب، ما مصير هذا الدور فى ظل تراجعه الحاد خلال السنوات الماضية؟
يرى المفكّر الأمريكىّ جورج مودلسكىّ أن مدّة حياة أى «نظام عالمىّ» هى تقريباً 100 سنة، مقسّمة على 4 مراحل، لكلّ منها 25 سنة، المرحلة الأولى هى مرحلة الحرب الكبرى، الثانية هى مرحلة صعود المهيمن، الثالثة هى مرحلة فقدان المهيمن الشرعية والمصداقيّة فى عيون اللاعبين الدوليين. أما المرحلة الأخيرة فهى مرحلة فقدان مركز الثقل «Core» القدرة على إدارة أزمات وشئون النظام الذى أنتجه، وبذلك يصبح العالم «لا مركزيّاً».
وتحت عنوان «عندما تهوى الإمبراطوريات»، كتب فى وقت سابق المحرر العسكرى لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، موضحاً أن «تغيير الأمم يعنى تغيير المهيمن، وتغيير المهيمن يعنى مزيداً من الصراعات والحروب. ومزيد من الحروب يعنى أن التحوّلات والتغييرات فى موازين القوى العالميّة أصبحت واضحة ومؤثّرة». واستناداً لرأى مودلسكىّ حول دورة حياة النظام العالمى، يمكن لنا تصور حال النظام العالمى الحالى، فى ظل التراجع الملحوظ للدور الأمريكى (المهيمن)، والتخبط الواضح فى تعامله مع سائر الأزمات حول العالم.
الإمبراطورية الأمريكية!
وفى كتابه المهم «الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق» الصادرة طبعته الأولى عام ٢٠٠٣، عن دار الشروق المصرية، يعدد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى نقاط محددة، مزايا هذه الإمبراطورية والتى جعلتها مختلفة ومحصنة إلى حد الكمال، فيصفها قائلاً: «هذه الإمبراطورية الأمريكية تملك من عوامل القوى الاقتصادية والمالية ما يتفوق على سابقتها طول التاريخ. وتوظف لخدمة أهداف أقوى وأكبر منجزات التقدم الإنسانى فى كافة المجالات. وتملك سطوة فى السلاح لم تتوافر لغيرها.. مع وجود توافق حرج بين التكنولوجيا العسكرية والتكنولوجيا المدنية.
واستطاعت أن تعرض نوعاً من جاذبية النموذج يمهد لتوسعها وانتشارها بغواية فى أساليب الحياة تعزز وسائط القوى. كما تمكنت من أسلوب جديد فى السيطرة.. يقوم على نظام شديد الجرأة والجسارة إلى درجة الاقتحام واختراق خصوصيات الدول والشعوب.. والقدرة على خطف وعى الآخرين وارتهانه.. أسير إعلام مصور وملون.. مكتوب وناطق.. يعطى لنفسه احتكار وضع جدول اهتمامات الرأى العام العالمى وسحب الآخرين وراءه».
ويضيف الأستاذ هيكل أن «هذه الإمبراطورية عاشت حياتها بعيدة عن أى تهديد مباشر لأرضها وسكانها، وراكمت من أسباب القدرة والثروة مدداً وفيراً، وبالتالى قدراً ضخماً من المناعة والثقة بالنفس يزيد أحياناً عن الحد»، وهو ما يصل بنا إلى الحكمة الصوفية المأثورة التى وظفها هيكل فى موضعها بالتمام، مؤكداً: «عند التمام يبدأ النقصان، فكل كائن حى له أجل، ولهذا الأجل مراحل، طفولة وصبا وشباب وكهولة وشيخوخة وموت، وذلك قانون نافذ حتى على الإمبراطوريات باعتبارها كيانات حية».
وهو ما يتوافق مع رأى مودلسكى حول دورة حياة النظام العالمى، فهل تمثل عودة ترامب هذا النقصان؟، وهل ما نعيشه هو لحظة الشيخوخة الإمبراطورية للولايات المتحدة الأمريكية؟، هذا ما سنراه ونعيشه فى السنوات الأربع القادمة التى تمثل مرحلة فارقة فى تاريخ العالم.
الشرق الأوسط أولاً
وُصفت عدم قدرة الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن على إيقاف الحرب فى غزة بالمسألة المهينة لكبرياء بلاده كقوة عظمى، فيما مثَّل انسياقه التام وراء رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو تأكيداً على فقدان الهيبة بسبب توغل نفوذ اللوبى اليهودى وهيمنته على مفاصل الإدارة الأمريكية، فبات صانع القرار الأمريكى لا يملك إلا استرضاء إسرائيل على الدوام.
وبفعل التقارب بين «ترامب ونتنياهو»، سيكون للشرق الأوسط أولوية وبالتوازى معه ستكون الحرب فى أوكرانيا أيضاً مساراً عاجلاً للرئيس «ترامب»، بهما سيطوى صفحة الحروب المشتعلة فى العالم، ويتبقى لديه ملفان هما إيران والصين، وكلاهما سيكون للحصار الاقتصادى دور كبير فى تجحيم قدرات الدولتين، وإن كان من غير المستبعد توجيه ضربة إسرائيلية برعاية أمريكية لإيران، والتى ربما تكون قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض.
أمريكا أولاً، تعنى فى مرحلتها الأولى الانتهاء السريع من ترتيب الأولويات الخارجية، للتركيز الكبير فى الشئون الداخلية وتعزيز القدرات الاقتصادية والتكنولوجية، وهذا ما يعزز وجود شخص مثل إيلون ماسك فى الفريق الرئاسى لترامب، والذى خصه بتحية وتقدير كبير فى خطابه الذى ألقاه «ترامب» فى فلوريدا مقر حملته الرئاسية وهو يعلن انتصاره على «هاريس». أما عن ضحايا الترامبية، ممن يتأهبون لسنوات الخسائر، تأتى فى مقدمتهم أوكرانيا وتزاحمها إيران على المركز الأول، فيما تأتى القضية الفلسطينية ثالثة، وتجاهد دول الاتحاد الأوروبى للهروب من قائمة الضحايا المتوقعين. لا أدرى موقع لبنان على خارطة الضحايا، وإن كنت أتمنى الوصول لوقف إطلاق نار على جبهتها قبل مغادرة بايدن للبيت الأبيض.
أما داخلياً فسيبقى السؤال معلقاً، إلى أى مدى سيكون انتقام «ترامب» من أعدائه والذين لقَّبهم بـ«أعداء الداخل»؟ وقد سربت وسائل إعلام قائمة بالأسماء والمؤسسات ممن اختلفوا مع ترامب وكانوا طرفاً ضده خلال السنوات الأربع الماضية.
وختاماً، فقد فاز «ترامب» بفعل المزاج اليمينى المهيمن على المجتمعات الغربية، وإن كانت أخطاء الحزب الديمقراطى الكبرى هى التى مهدت الطريق له لتحقيق فوز ساحق، زلات ولاية بايدن، والإصرار على بقائه مرشحاً للحزب وتأخر الدفع بـ«هاريس» لمنافسته، حتى اختيار «هاريس» كان فى حد ذاته خطأ مركباً. فاز «ترامب»، لأنه الخيار الأقل ضرراً، كما ذكرت فى مقالى السابق، ويمثل اختياره رسالة واضحة من الشعب الأمريكى للعالم، يجب فهم محتواها جيداً، كى تمر سنوات حكمه بسلام.