لجريدة عمان:
2024-09-13@09:07:20 GMT

إيذاء «الرِّيف» والمدن المعبأة بالتَّائِهِين

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

المجتمع ينتج بنفسه وحدته وتحولاته - (ميشال فريتاغ)

إن السمة الغالبة للمجتمعات الريفية أن أنشطتها الإنتاجية تقوم على قاعدة ثقافية هي هوية ساكنيها، فالهوية الثقافية هي المصدر الجوهري لنشاط المجتمعات، إذ نلاحظ أن منشأ فكرة «التعاونيات» الزراعية مثلا، هو مظهر جلي لمعنى العمل التضامني، قالب تنظيمي ليس لصالح تطوير البنية الإنتاجية فقط بل أكثر للحفاظ على الخصائص الثقافية لجغرافيا الريف، إبداع حقيقي ناحية تنمية المجتمع المصغر عبر تحسين معالم التكيف توظيفا لأساليب معرفية قد لا تنتمي إليه لكنها تعزز من شعوره بالأرض كسمة مركزية في الهوية الريفية.

إن ما يقال في غالب دراسات الاجتماع الاقتصادي حول تطوير الريف، والانتقال بفضائه الإنتاجي إلى معنى حداثي تغفل عن حقيقة مهمة، وهي أن الريف هو أكثر مكون اجتماعي استجابة للمتغيرات الاقتصادية والسياسية، كون بنيته المركزية تقوم على معنى جماعي، فسكان المناطق الريفية (بالذات الزراعية منها) يرتبطون ببعضهم البعض عبر التضامن والتكافل وتقوم أشغالهم على قاعدة صلبة من توظيف لمنظومتهم الثقافية وعدم التفريط في حقيقة وجودهم الاجتماعي، والدعوات لصالح إلحاق الريف بالمدينة تؤذي الريف إذ تنخرط في محاكاة مؤسلبة لطبيعة الحياة فيه، وتنتخب من مدخرات التنظير في الاقتصاد مظاهر لا تنطبق البتة على واقعه، وهو تنظير يعتقد بأنه ولتطوير البنى الاجتماعية الموصوفة بالتأخر فإنه لزاما على صناع السياسات أن ينتقلوا بالريفيين من منطقة منخفضة التمدين إلى «حضرنة» أثبت واقعنا العربي أنها تنتهي إلى مدن معبأة بالتائهين، وهنا مكمن الأذى.. كيف؟

إن صورة الريف في الذاكرة العربية رومانسية، كونها منطقة تعيش حالة من العزلة عن عقيدة التطور الحضاري، أي أنها مظهر تذكاري أو نسخة مؤجلة لحقيقة ساكني المدينة، وهذا ما صنع صورة سلبية عن حقيقة الريف، صحيح أنه يستدعى في الذاكرة متى ما تعانفت المدينة على أهلها، ليستعاد كحالة مؤيتبة (من يوتوبيا) يستعاد باستمرار عبر العودة إليه هربا من هيجان المدينة، هجيانها الحضري، لكن هذا الأمر خلق حالة من الثنائية في التفكير الاجتماعي العربي، فمن ناحية نعود إلى الريف كحالة هروب إلى الجذور، دون أن نفكر بصورة موضوعية عن الطريقة التي يتدبرها أهلنا الذين ظلوا على وفاء مجيد للأرض، وعرفوا كيف يمتنون معاشهم بالصورة التي توافق احتياجاتهم ما منع عنهم إغواء الحضر فيهربوا إليه، ومن ناحية أخرى ظلت سياساتنا التنموية لا تتفهم حقيقة الريف والذي تغيب فيه فكرة التسليع بالمعنى الاستهلاكي، وتحضر بالمعنى الاكتفائي.

وعندما يتدخل العقل المستلب بمظاهر الحضرنة ليقول بضرورة تطوير الريف وتحسين معاش أهله، فإنه يتغافل عن حقيقة علنية، وهي أن القرية كوحدة من وحدات المجتمع الريفي وبسبب من هذا النوع من التدخلات تتفكك من كونها مجتمعا ويعيش توافقها حالة من القمع تتبدى في (الهجرة من الريف إلى المدينة) وهي هجرة مكلفة للريف والمدينة، إذ في الأولى تقطع سلاسل من انتماء ثقافي قادر على تطوير أدواته الإنتاجية، انتماء يعيشه أشخاص يستثمرون في هوية تمنع عنهم غوائل الحاجة والشظف، وفي الثانية تعجز المدينة أيا كانت بلاغتها الخدمية عن استيعاب هجرة سكان الريف إليها، ليعيشوا حالة من الغربة عن الإنتاج، حالة تتدرج حتى تقطع في القادم من هذا التكوين المتماسك والمتوفر على تمتين أدواته في الكفاية، تقطع فيه قدرته على العطاء.

إن الاشتغال على نظرية التنمية المستدامة ينبغي أن يعود في تأسيساته إلى معرفة نوع النمط الاجتماعي الذي يعيشه سكان كل منطقة، ففكرة الخدمات والتي غالبا ما يشار إلى حاجة الريف إليها يتم تقديمها بشكل لا يراعي الطبيعة الثقافية، نعم يحتاج الريف إلى المستشفيات مثلا، لتوفير خدمة طبية متقدمة يستفيد منها كبار السن، لكن أيضا يفضل أن يكون القائمون على أمر استشفاء هذه الفئة ممن ينتمون إلى هذا المجتمع ويعرفون طبائعه الغذائية والبدنية، وحينها ستصبح فاتورة تقديم هذه الخدمة أقل مما هي عليه بكثير، إذ ستجمع بين فئات متباينة القدرات لكنها متكاملة في التوجه، فالحياة في الريف تملك خصوصيتها عن المدينة وهذا من نافلة القول، لكن الجوهري أنه لو قمنا بتطوير سياساتنا الخدمية بحيث يصبح الجانب الثقافي قاعدة لتحسين الخدمات على تنوعها، فبهذا سنكون قد حافظنا على تماسك البنية الاجتماعية في جملة الجغرافيا التي نعيش، وسنصنع سياسات خدمية ترتكز على الخصوصية الثقافية في المنطقة محل الخدمة، ودعوتنا تقوم على الاهتمام أكثر بالاقتصاد الاجتماعي في الريف، وتوطين سياسات التنمية وتجديد السياسات الوطنية لتغيير وعيها بالريف.

أما تطور المدينة فسيظل يعتمد على بناء مستقبل متين ومتقدم في البيئة الريفية، فالمجتمعات قادرة على الإجابة عن أسئلة واقعها، واقعها كما عاشته وتفهمه، لكنها تفشل في إحسان إنتاجها وتوفيره لنفسها والآخرين عندما تتدخل سياسات تقضي على تنوع المجتمعات وتفصل أفرادها عن جذورهم المحلية، ولن نأتي بجديد إن قلنا إن التطور الاجتماعي بحاجة إلى فاعلية إبداعية وهي فاعلية لا يمكن تضمينها وعي الناس بل تنطلق من فهمهم لذاتهم وواقعهم.

والسؤال هنا: من يحتاج إلى التطوير، الريف أم المدينة (مدينة صنع السياسات)؟..

غسان علي عثمان كاتب سوداني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حالة من

إقرأ أيضاً:

مستجدات المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" بعدد من المحافظات والمدن الجديدة

عقد المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، اجتماعه الدورى لمتابعة موقف تنفيذ وحدات المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" بعدد من المحافظات والمدن الجديدة، وذلك بحضور مسئولى الوزارة، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وصندوق الإسكان الاجتماعى ودعم التمويل العقاري، ورؤساء أجهزة المدن الجديدة، ومديرى الإسكان بالمحافظات، وأعضاء المكتب الفنى للوزير.

وخلال الاجتماع، استعرض الوزير تقارير الزيارات الميدانية التى قام بها أعضاء مكتبه الفنى، لمواقع تنفيذ وحدات المبادرة الرئاسية بعدد من المحافظات، حيث وجه بأن تشتمل تقارير الزيارات الميدانية بشكل تفصيلي، على موقف تنفيذ الوحدات وأعمال المرافق وتنسيق الموقع والطرق، وجاهزية الموقع لاستقبال السكان، ووضع خطط زمنية محددة لإنهاء مختلف الأعمال، والمتابعة الدورية لموقف التنفيذ، وحصر المشروعات الخدمية بموقع الوحدات، أو فى محيطها، ومدى استيعابها لحجم السكان، وتوافر وسائل الانتقال إليها من موقع الوحدات، والتنسيق مع المحافظات فى هذا الشأن.

كما وجه وزير الإسكان، بضرورة توفير جميع الخدمات الأساسية لسكان وحدات المبادرة الرئاسية سكن لكل المصريين، والتنسيق مع الجهات المعنية لتقديم الخدمات، وحضور المختصين من مختلف جهات الوزارة فى اجتماعات المتابعة الدورية للتنسيق واتخاذ الإجراءات المناسبة لسرعة إنهاء وتسليم وحدات المبادرة الرئاسية.

وناقش المهندس شريف الشربيني، مع أعضاء مكتبه الفنى، تقارير زياراتهم الميدانية لمواقع تنفيذ وحدات المبادرة الرئاسية بعدد من المدن الجديدة، حيث وجه بضرورة الالتزام بالتوقيتات المحددة للانتهاء من تنفيذ مختلف مكونات المشروع بشكل متكامل، والتنسيق مع الجهات المعنية لتشغيل المبانى والمنشآت الخدمية، وتوفير وسائل الانتقال، والتنسيق، وإنهاء مربعات متكاملة من العمارات السكنية بالمشروع تباعاً لسرعة تسليم الوحدات للحاجزين.

ووجه الوزير بحسن اختيار شركات المقاولات الجادة للتعامل معها، وعدم التعامل مع الشركات غير الملتزمة بالمواعيد المحددة للتنفيذ، وعدم التهاون مع المقصرين، والمتابعة الدورية لموقف مختلف الأعمال، مشدداً على الالتزام بمعايير الجودة في تنفيذ مختلف مراحل المشروعات، وعدم التهاون فى جودة التنفيذ.

وأشار الدكتور وليد عباس، نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لقطاع التخطيط والمشروعات ـ المشرف على مكتب الوزير، إلى أنه تم خلال الاجتماع، استعراض موقف تنفيذ 3264 وحدة بمدينة غرب قنا، و6800 وحدة بمدينة قنا الجديدة، و180 وحدة بمدينة ملوى الجديدة، إضافة إلى 15636 وحدة بمحور منخفضى الدخل و144 وحدة بمحور متوسطى الدخل بمدينة المنيا الجديدة.

وأوضحت السيدة مى عبدالحميد، الرئيس التنفيذى لصندوق الإسكان الاجتماعى ودعم التمويل العقاري، أنه تم خلال الاجتماع، استعراض الموقف التنفيذى لوحدات المبادرة الرئاسية سكن لكل المصريين بمركزى (بني سليمان - بياض العرب)، بمحافظة بني سويف، ومنطقة جرزا القطورى بمركز العياط، بمحافظة الجيزة، ومنطقة حفر الباطن بمدينة الحمام، بمحافظة مطروح، ومنطقة أرض تحيا مصر، بمحافظة كفر الشيخ.

مقالات مشابهة

  • المركز الوطني للأرصاد : أمطار خفيفة على منطقة المدينة المنورة
  • ارتفاع عدد شهداء الريف الشمالي لـ(4) ولا يزال القصف متواصلاً
  • محافظ كفر الشيخ: نستهدف إقامة أسواق حضرية بكل المراكز والمدن
  • البنك الزراعي يطلق قوافل للتوعية بخدماته المصرفية والتمويلية لدعم سكان الريف
  • افتتاح مدرسة النور للتعليم الأساسي في مدينة درنة بعد صيانتها
  • كيف عززت «ابدأ» التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الريف؟.. تمويل ودعم فني وفرص عمل
  • مؤسسة النفط: نؤكد مواصلة دعمنا لجهود الإغاثة وإعادة الإعمار في درنة
  • مستجدات المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين" بعدد من المحافظات والمدن الجديدة
  • تعرف على مواقيت الصلاة في عدد من المحافظات والمدن اليوم
  • ذمار.. فرع هيئة مشاريع مياه الريف تسلم مشاريع في وصاب بتكلفة 227 ألف دولار