هل تمثل الإستراتيجية الأمريكية في البحر الأحمر «ردا متناسبا»؟
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
صمويل بايرز
ترجمة: أحمد شافعي
في إحدى حلقات مسلسل «الجناح الغربي» يسأل الرئيس جيد بارتليت مجلس الأمن الوطني «ما فضيلة الرد المتناسب؟ يضربون طائرة، فنضرب جهاز إرسال، صح؟ هذا هو الرد المتناسب». وفي غضب يقاطع الرئيس مساعديه وهم يحاولون أن يشرحوا له قائلا: «يفعلون كذا، فنفعل نحن كيت، وهذه تكلفة العمل، وكل شيء مأخوذ في الاعتبار، هل أنا محق أم أن شيئا غائب عني هنا؟» وفي ضيق من استجواب الرئيس حول فضائل الرد المتناسب يعترف رئيس هيئة الأركان المشتركة على مضض قائلا: «ليست له فضائل يا سيادة الرئيس، هذا كل ما في الأمر يا سيدي».
القصة الافتتاحية في هذا العمل العظيم الذي كتبه آهارون سوركين عبارة عن تأمل مسهب لحدود القوة العسكرية ومسؤولية القيادة. ففي مواجهة أزمة في الشرق الأوسط ناجمة عن إسقاط طائرة أمريكية فوق سوريا يتصادف أنها تحمل أحد أعضاء طاقم الرئيس الأمريكي، يجد القائد الأعلى الجديد صعوبة في ضبط رد فعله على هذه الإهانة الموجهة للقوة العسكرية الأمريكية. وفي النهاية، بعد أن يطلب من فريق أمنه الوطني التوصل إلى «رد متناسب لا يجعلني أعتقد أن ما نفعله هو حرمان شخص من المصروف»، يأمر الرئيس الأمريكي بشن ضربات دقيقة ليسلم من مخاوف الضحايا المدنيين وردة الفعل الدبلوماسية التي قد تصاحب غزوا عسكريا كاملا. ويذكِّره رئيس الأركان مثلما يذكِّر المشاهدين بأن «هذا ما ينبغي لأقوى بلد في العالم، الرد المتناسب، العقلاني، المسؤول، وهو ليس بالأمر التافه».
اليوم، تواجه الولايات المتحدة تحدي شن رد متناسب على العدوان الحوثي في البحر الأحمر وخليج عدن. فقد بلغ حصار الحوثيين لباب المندب بالمسيرات والصواريخ شهره التاسع الآن. وقد بعثت البحرية الأمريكية للتو مجموعتها الرابعة الحاملة للطائرات -أي (يو إس إس أبراهام لينكولن) ومرافقاتها- لحماية الشحن الدولي في المنطقة. وحتى الآن يظل الرد المفضل لإدارة بايدن هو توجيه البحرية إلى الوقوف في طريق الأذى وتوجيه السفن الحربية الأمريكية إلى اعتراض هجمات الصواريخ والمسيرات مباشرة بدلا من التعامل مع الأسباب الجذرية للأزمة، ومنها السياسة البائسة التي تتبعها الإدارة تجاه إيران. فقد أدت هذه السياسة إلى تقوية طهران وتمكينها من تمويل وتسليح الحوثيين. ولقد كان رد الإدارة على أزمة البحر الأحمر «منطقيا» و«مسؤولا» ومن المؤكد أنه لم يكن بـ«الأمر التافه»، ولكن المؤكد أيضا أن تخصيص موارد استراتيجية نادرة واستعمال ذخائر لا تعوض لمواجهة تهديد من الدرجة الثالثة يحتملان أي وصف إلا أن التناسب مع مصالح الولايات المتحدة.
على مدار الأشهر التسعة الماضية، قبلت الولايات المتحدة بمسؤولية الدفاع عن حرية البحار ونظام التجارة الدولي في مواجهة حصار الحوثيين. فقد كانت في المنطقة بالفعل مجموعتان من حاملات طائرات -بقيادة الحاملة جيرالد فورد والحاملة دوايت أيزنهاورـ حينما أعلن الحوثيون نيتهم بأن يهاجموا الشحن العابر لباب المندب دعما لحرب حماس ضد إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، تم توجيه حاملتي الطائرات ثيودور روزفلت وأبراهام لينكولن من المحيط الهادئ لإيقاف نزيف جرح الشحن العالمي المفتوح. وبذلك رفعت واشنطن باب المندب إلى مستوى معادل في الأهمية للمسارح الأورو-أطلنطية والشرق أوسطية والهندوهادية، أي المناطق الثلاث التي يستهدف البنتاجون أن يحتفظ فيها بحضور حاملات الطائرات على مدار الساعة. ومن خلال تبني موقف الدفاع المباشر عن الشحن المدني، اختارت الولايات المتحدة أن تنفق مليار دولار إضافي من ذخائرها النادرة صعبة المنال لإسقاط صواريخ الحوثيين ومسيراتهم بدلا من معالجة جذور المشكلة.
في واقع الأمر أن البيت الأبيض ووزارة الدفاع قد أقاما فعليا «محطة عدن» لتخدمها البحرية باستمرار، توسيعا لأسطول صغير موجود بالفعل. فهل يستحق التهديد الحوثي لـ14% من التجارة البحرية العالمية التي تمر في البحر الأحمر تخصيصا شبه دائم لثلث قوة الحاملات الأمريكية الخاصة بخطوط المقدمة؟ هل يبرر مبدأ حرية الملاحة إنفاق ذات الأسلحة التي تحتاج إليها البحرية في ردع الصين أو ربما الفوز في حرب عليها؟ باختصار، هل الرد متناسب مع مصالح أمريكا الاستراتيجية؟
تتوقف الإجابة على ما يعنيه أحدنا بـ«الرد المتناسب». تعريف التناسب الشائع والخاطئ -الذي يروجه مسلسل «الجناح الغربي»- هو أن الرد العسكري لكي يكون متناسبا فلا بد أن يوظف مستوى مماثلا من القوة للمستوى المستعمل ضدك. «ضربوا لنا طائرة، فضربنا لهم جهاز إرسال». ووفقا لهذا المعيار قد يُعد رد إدارة بايدن على تهديد الحوثيين متناسبا. فتوجيه البحرية باعتراض مسيرات الحوثيين وصواريخهم وتنفيذ ضربة جوية بين الحين والآخر انتقاما من هجمة ناجحة على سفن تجارية يكبح التوترات والتصعيد المحتمل ولا شك «هو متناسب، وعقلاني، ومسؤول، وليس بالأمر التافه». غير أن تعريف التناسب بالتكافؤ تزييف. فالتناسب في القانون الدولي مقياس لقبول الضحايا المدنيين والأضرار الجانبية نسبة إلى قيمة الهدف العسكري، وليس علاقة بين مستوى العنف المستعمل من جانبي صراع.
غير أنه على المستوى الاستراتيجي، يبقى السؤال المهم هو ما إذا كان الجهد الذي نبذله في البحر الأحمر، والموارد التي ننفقها، وتكاليف الفرصة التي تسنح من جراء ذلك متناسبة مع قيمة النتائج التي تحققت. والإجابة الأكيدة على هذا السؤال هي النفي. فبرغم جميع جهود الولايات المتحدة لمكافحة التهديد الحوثي، يظل باب المندب أخطر مما ينبغي بالنسبة للعديد من شركات الشحن، حيث انخفضت نسبة المرور فيه بقرابة 50% على الأساس السنوي، إذ تمر السفن برأس الرجاء الصالح بدلا منه. وقد شهدت قناة السويس انخفاضا في العائدات يقدر بملياري دولار من جراء ذلك. ولو أن تأمين حرية النقل في البحر الأحمر أمر حيوي للمصالح الأمريكية، فقد ثبت عجز استراتيجية بايدن عن مواجهة هذا التحدي. ولو أنه ليس مهما بالقدر الكافي لتبرير رد أقوى من أجل حل المشكلة الجذرية، فهو يقينا لا يبرر ربط ثلث قوة أمريكا من حاملات الطائرات من أجل معالجة سقيمة للأعراض إلى الأبد.
لقد اختارت إدارة بايدن عمليا أن تتبع استراتيجية بطيئة ومكلفة وعاجزة في معالجة التهديد الحوثي باسم الحفاظ على أن يكون رد الولايات المتحدة متناسبا ظاهريا مع مستوى العنف الذي مارسه الحوثيون حتى الآن. أما في حدود التناسب مع الأهداف الوطنية، فإن الاستراتيجية الراهنة ليست ملائمة. والنهج الأكثر ملاءمة -والأرجح نجاحا- كان ينبغي أن يتمثل في التصعيد ضد الحوثيين إلى ما يتجاوز قدرتهم على الرد ومحوهم من المشهد بسرعة وبتحيز شديد. وكان بيد بايدن أيضا أن يطلق يد حلفائه ليقوموا هم بذلك. أو كان يمكن للإدارة أن تتخذ خطوات حاسمة لقطع مصادر التمويل التي تحولها طهران إلى الحوثيين ووكلائها الآخرين. ويمثل أي من هذه الخيارات تصعيدا كبيرا في المدى القصير، لكنه على المدى البعيد سيعفي البحرية الأمريكية من مسؤولية أبدية لتغطية محطة عدن ووقف النزيف البطيء للترسانة الأمريكية الضرورية.
لكن نهج إدارة بايدن حيال البحر الأحمر يتسق مع عقلية ما بعد الحرب الباردة التي جسدها مسلسل «الجناح الغربي» وتفشَّت الآن في كثير ممن شاهدوه في نشأتهم. إن فرضية الكاتب آهارون سوركين الأساسية في الرد المتناسب هو أن ضبط النفس هو المسار الأليق بقوة عظمى من قبيل أمريكا، ينبغي أن تكون الولايات المتحدة حكما في صراعات العالم ولا ينبغي أن تتصرف تصرفات حاسمة لضمان مصالحها. وهكذا، فحينما يهدد الحوثيون بمحاصرة ممر بحري حيوي، تبعث الولايات المتحدة بحريتها إلى المشهد، لا لحل المشكلة، وإنما لتكتفي بمراقبة الأمور وضمان عدم خروجها عن السيطرة. و«هذا ما ينبغي لأقوى بلد في العالم» ولكن النتيجة تكون فشلا في ضمان مصالح أمريكا في المنطقة مع تحمل المخاطر وتكاليف الفرص بشكل غير متناسب إلى حد كبير مع القيمة المكتسبة.
فعسى أن يأخذ الرئيس القادم «الرد غير المتناسب» بعين الاعتبار.
صمويل بايرز المستشار الأول للأمن القومي في مركز الاستراتيجية البحرية، وسبق له العمل في البنتاجون مستشارا لقائدين للبحرية.
الترجمة عن «ذي ناشونال إنتريست»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
عسكريون غربيون يتحدثون عن القدرات اليمنية
وقال الأميرال في البحرية اليونانية فاسيليوس جريباريس، في تصريح اليوم الجمعة، إن اليمنيين أثبتوا قدرتهم على تكييف التكنولوجيا بما يسمح بتوجيه الصواريخ نحو أهدافها.
أما مدير إداري للاستخبارات والمخاطر في شركة أمبري البريطانية "جوشوا هاتشينسون"، فقد أوضح أن القوات المسلحة اليمنية تتبع تكنولوجيا تسمح بالاشتباك في الميل الأخير مع الهدف، حيث من الصعب على السفن المستهدفة اتخاذ إجراءات مراوغة أو تخفي، .
مبيناً أن إيقاف تشغيل نظام التعريف لا يعني أن السفينة لن تستهدف أو لن تتعرض للإصابة.
وأضاف هاتشينسون أن السفن المُستهدفة هي ما تديره امريكا وبريطانيا و"إسرائيل" أو التابعة لها،.
لافتاً إلى أن اليمنيون واضحون للغاية بشأن من يستهدفون والسفن خارج هذا النطاق يُسمح لها بالمرور عبر البحر الأحمر،.
مؤكداً أن الوضع في البحر الأحمر درامي، مضيفاً: "إنها انفجارات، إنها صواريخ".
بدوره أشار رئيس مجموعة أبحاث النقل البحري في كلية بليموث للأعمال "ستافروس كارامبيريديس" إلى أن الضربات الجوية لأمريكا والتحالف لا تأثير كبير لها على قدرات اليمنيين، .
كاشفاً بأنه ما تزال سفن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة و"إسرائيل" تبحر حول رأس الرجاء الصالح.
في السياق أفادت صحيفة ذا ناشيونال عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن الرحلة حول رأس الرجاء الصالح تضيف 30% من الوقت الإضافي، حيث تكلف الرحلة قرابة مليون دولار تكاليف وقود إضافية لكل تحويل.
إلى ذلك ذكر الرئيس التنفيذي للمملكة المتحدة لشؤون النقل البحري والشحن والخدمات اللوجستية لدى شركة مارش "لويز نيفيل" أن أقساط التأمين تصل %2 من قيمة السفينة لعبور واحد، وهو ما أكده المدير المسؤول في شركة هاباغ لويد البحرية "نيلز هاوبت" الذي أفاد أن أقساط التأمين ماتزال مرتفعة للغاية وتكلف 1-7% من القيمة المؤمنة على السفينة لكل رحلة.
ونوه "نيلز هاوبت" إلى أن هناك شركات شحن قليلة تقبل تأمين المخاطر وما تزال العديد من المنافسين تتجنب البحر الأحمر، مبيناً أن هذا الوضع لن ينتهي على المدى القريب وسيبقي حتى العام 2025.
بدورها قالت صحيفة "ذا ناشيونال" إن بيانات بنك أوف أميركا أظهرت ارتفاع الأسعار بأكثر من الضعف في 2024 بفعل العمليات في البحر الأحمر، موضحة أن العمليات اليمنية بدأت عرض مذهل وقد بلغت نحو 297 عملية حتى 18 نوفمبر الماضي بحسب منظمة ACLED.