صمويل بايرز

ترجمة: أحمد شافعي

في إحدى حلقات مسلسل «الجناح الغربي» يسأل الرئيس جيد بارتليت مجلس الأمن الوطني «ما فضيلة الرد المتناسب؟ يضربون طائرة، فنضرب جهاز إرسال، صح؟ هذا هو الرد المتناسب». وفي غضب يقاطع الرئيس مساعديه وهم يحاولون أن يشرحوا له قائلا: «يفعلون كذا، فنفعل نحن كيت، وهذه تكلفة العمل، وكل شيء مأخوذ في الاعتبار، هل أنا محق أم أن شيئا غائب عني هنا؟» وفي ضيق من استجواب الرئيس حول فضائل الرد المتناسب يعترف رئيس هيئة الأركان المشتركة على مضض قائلا: «ليست له فضائل يا سيادة الرئيس، هذا كل ما في الأمر يا سيدي».

القصة الافتتاحية في هذا العمل العظيم الذي كتبه آهارون سوركين عبارة عن تأمل مسهب لحدود القوة العسكرية ومسؤولية القيادة. ففي مواجهة أزمة في الشرق الأوسط ناجمة عن إسقاط طائرة أمريكية فوق سوريا يتصادف أنها تحمل أحد أعضاء طاقم الرئيس الأمريكي، يجد القائد الأعلى الجديد صعوبة في ضبط رد فعله على هذه الإهانة الموجهة للقوة العسكرية الأمريكية. وفي النهاية، بعد أن يطلب من فريق أمنه الوطني التوصل إلى «رد متناسب لا يجعلني أعتقد أن ما نفعله هو حرمان شخص من المصروف»، يأمر الرئيس الأمريكي بشن ضربات دقيقة ليسلم من مخاوف الضحايا المدنيين وردة الفعل الدبلوماسية التي قد تصاحب غزوا عسكريا كاملا. ويذكِّره رئيس الأركان مثلما يذكِّر المشاهدين بأن «هذا ما ينبغي لأقوى بلد في العالم، الرد المتناسب، العقلاني، المسؤول، وهو ليس بالأمر التافه».

اليوم، تواجه الولايات المتحدة تحدي شن رد متناسب على العدوان الحوثي في البحر الأحمر وخليج عدن. فقد بلغ حصار الحوثيين لباب المندب بالمسيرات والصواريخ شهره التاسع الآن. وقد بعثت البحرية الأمريكية للتو مجموعتها الرابعة الحاملة للطائرات -أي (يو إس إس أبراهام لينكولن) ومرافقاتها- لحماية الشحن الدولي في المنطقة. وحتى الآن يظل الرد المفضل لإدارة بايدن هو توجيه البحرية إلى الوقوف في طريق الأذى وتوجيه السفن الحربية الأمريكية إلى اعتراض هجمات الصواريخ والمسيرات مباشرة بدلا من التعامل مع الأسباب الجذرية للأزمة، ومنها السياسة البائسة التي تتبعها الإدارة تجاه إيران. فقد أدت هذه السياسة إلى تقوية طهران وتمكينها من تمويل وتسليح الحوثيين. ولقد كان رد الإدارة على أزمة البحر الأحمر «منطقيا» و«مسؤولا» ومن المؤكد أنه لم يكن بـ«الأمر التافه»، ولكن المؤكد أيضا أن تخصيص موارد استراتيجية نادرة واستعمال ذخائر لا تعوض لمواجهة تهديد من الدرجة الثالثة يحتملان أي وصف إلا أن التناسب مع مصالح الولايات المتحدة.

على مدار الأشهر التسعة الماضية، قبلت الولايات المتحدة بمسؤولية الدفاع عن حرية البحار ونظام التجارة الدولي في مواجهة حصار الحوثيين. فقد كانت في المنطقة بالفعل مجموعتان من حاملات طائرات -بقيادة الحاملة جيرالد فورد والحاملة دوايت أيزنهاورـ حينما أعلن الحوثيون نيتهم بأن يهاجموا الشحن العابر لباب المندب دعما لحرب حماس ضد إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، تم توجيه حاملتي الطائرات ثيودور روزفلت وأبراهام لينكولن من المحيط الهادئ لإيقاف نزيف جرح الشحن العالمي المفتوح. وبذلك رفعت واشنطن باب المندب إلى مستوى معادل في الأهمية للمسارح الأورو-أطلنطية والشرق أوسطية والهندوهادية، أي المناطق الثلاث التي يستهدف البنتاجون أن يحتفظ فيها بحضور حاملات الطائرات على مدار الساعة. ومن خلال تبني موقف الدفاع المباشر عن الشحن المدني، اختارت الولايات المتحدة أن تنفق مليار دولار إضافي من ذخائرها النادرة صعبة المنال لإسقاط صواريخ الحوثيين ومسيراتهم بدلا من معالجة جذور المشكلة.

في واقع الأمر أن البيت الأبيض ووزارة الدفاع قد أقاما فعليا «محطة عدن» لتخدمها البحرية باستمرار، توسيعا لأسطول صغير موجود بالفعل. فهل يستحق التهديد الحوثي لـ14% من التجارة البحرية العالمية التي تمر في البحر الأحمر تخصيصا شبه دائم لثلث قوة الحاملات الأمريكية الخاصة بخطوط المقدمة؟ هل يبرر مبدأ حرية الملاحة إنفاق ذات الأسلحة التي تحتاج إليها البحرية في ردع الصين أو ربما الفوز في حرب عليها؟ باختصار، هل الرد متناسب مع مصالح أمريكا الاستراتيجية؟

تتوقف الإجابة على ما يعنيه أحدنا بـ«الرد المتناسب». تعريف التناسب الشائع والخاطئ -الذي يروجه مسلسل «الجناح الغربي»- هو أن الرد العسكري لكي يكون متناسبا فلا بد أن يوظف مستوى مماثلا من القوة للمستوى المستعمل ضدك. «ضربوا لنا طائرة، فضربنا لهم جهاز إرسال». ووفقا لهذا المعيار قد يُعد رد إدارة بايدن على تهديد الحوثيين متناسبا. فتوجيه البحرية باعتراض مسيرات الحوثيين وصواريخهم وتنفيذ ضربة جوية بين الحين والآخر انتقاما من هجمة ناجحة على سفن تجارية يكبح التوترات والتصعيد المحتمل ولا شك «هو متناسب، وعقلاني، ومسؤول، وليس بالأمر التافه». غير أن تعريف التناسب بالتكافؤ تزييف. فالتناسب في القانون الدولي مقياس لقبول الضحايا المدنيين والأضرار الجانبية نسبة إلى قيمة الهدف العسكري، وليس علاقة بين مستوى العنف المستعمل من جانبي صراع.

غير أنه على المستوى الاستراتيجي، يبقى السؤال المهم هو ما إذا كان الجهد الذي نبذله في البحر الأحمر، والموارد التي ننفقها، وتكاليف الفرصة التي تسنح من جراء ذلك متناسبة مع قيمة النتائج التي تحققت. والإجابة الأكيدة على هذا السؤال هي النفي. فبرغم جميع جهود الولايات المتحدة لمكافحة التهديد الحوثي، يظل باب المندب أخطر مما ينبغي بالنسبة للعديد من شركات الشحن، حيث انخفضت نسبة المرور فيه بقرابة 50% على الأساس السنوي، إذ تمر السفن برأس الرجاء الصالح بدلا منه. وقد شهدت قناة السويس انخفاضا في العائدات يقدر بملياري دولار من جراء ذلك. ولو أن تأمين حرية النقل في البحر الأحمر أمر حيوي للمصالح الأمريكية، فقد ثبت عجز استراتيجية بايدن عن مواجهة هذا التحدي. ولو أنه ليس مهما بالقدر الكافي لتبرير رد أقوى من أجل حل المشكلة الجذرية، فهو يقينا لا يبرر ربط ثلث قوة أمريكا من حاملات الطائرات من أجل معالجة سقيمة للأعراض إلى الأبد.

لقد اختارت إدارة بايدن عمليا أن تتبع استراتيجية بطيئة ومكلفة وعاجزة في معالجة التهديد الحوثي باسم الحفاظ على أن يكون رد الولايات المتحدة متناسبا ظاهريا مع مستوى العنف الذي مارسه الحوثيون حتى الآن. أما في حدود التناسب مع الأهداف الوطنية، فإن الاستراتيجية الراهنة ليست ملائمة. والنهج الأكثر ملاءمة -والأرجح نجاحا- كان ينبغي أن يتمثل في التصعيد ضد الحوثيين إلى ما يتجاوز قدرتهم على الرد ومحوهم من المشهد بسرعة وبتحيز شديد. وكان بيد بايدن أيضا أن يطلق يد حلفائه ليقوموا هم بذلك. أو كان يمكن للإدارة أن تتخذ خطوات حاسمة لقطع مصادر التمويل التي تحولها طهران إلى الحوثيين ووكلائها الآخرين. ويمثل أي من هذه الخيارات تصعيدا كبيرا في المدى القصير، لكنه على المدى البعيد سيعفي البحرية الأمريكية من مسؤولية أبدية لتغطية محطة عدن ووقف النزيف البطيء للترسانة الأمريكية الضرورية.

لكن نهج إدارة بايدن حيال البحر الأحمر يتسق مع عقلية ما بعد الحرب الباردة التي جسدها مسلسل «الجناح الغربي» وتفشَّت الآن في كثير ممن شاهدوه في نشأتهم. إن فرضية الكاتب آهارون سوركين الأساسية في الرد المتناسب هو أن ضبط النفس هو المسار الأليق بقوة عظمى من قبيل أمريكا، ينبغي أن تكون الولايات المتحدة حكما في صراعات العالم ولا ينبغي أن تتصرف تصرفات حاسمة لضمان مصالحها. وهكذا، فحينما يهدد الحوثيون بمحاصرة ممر بحري حيوي، تبعث الولايات المتحدة بحريتها إلى المشهد، لا لحل المشكلة، وإنما لتكتفي بمراقبة الأمور وضمان عدم خروجها عن السيطرة. و«هذا ما ينبغي لأقوى بلد في العالم» ولكن النتيجة تكون فشلا في ضمان مصالح أمريكا في المنطقة مع تحمل المخاطر وتكاليف الفرص بشكل غير متناسب إلى حد كبير مع القيمة المكتسبة.

فعسى أن يأخذ الرئيس القادم «الرد غير المتناسب» بعين الاعتبار.

صمويل بايرز المستشار الأول للأمن القومي في مركز الاستراتيجية البحرية، وسبق له العمل في البنتاجون مستشارا لقائدين للبحرية.

الترجمة عن «ذي ناشونال إنتريست»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

الرئيس الكوري الشمالي يصدق على معاهدة الشراكة الإستراتيجية مع روسيا

الثورة نت/
أصدر الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون مرسوما بالتصديق على معاهدة الشراكة الإستراتيجية بين كوريا الشمالية وروسيا الاتحادية.
وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية أن المعاهدة التي تم التوقيع عليها في الـ 19 من يونيو من العام الجاري تم التصديق عليها بشكل نهائي من خلال المرسوم الذي وقعه كيم.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع في التاسع من نوفمبر الجاري على قانون يصدق على المعاهدة المذكورة.
وحسب هذه المعاهدة فإنه ينبغي على الجانبين، مع الأخذ بعين الاعتبار للتشريعات في الدولتين والتزاماتهما الدولية، مواصلة الحفاظ وتطوير علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة، استناداً إلى مبادئ الاحترام المتبادل لسيادة الدول والسلامة الإقليمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، إضافة إلى المساواة وغيرها من مبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية والتعاون بين الدول.

وعلى وجه الخصوص تنص هذه المعاهدة على التوفير الفوري للمساعدة العسكرية وغيرها من أشكال التعاون في حال تعرض أحد الأطراف إلى هجوم عسكري، وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وإضافة إلى ذلك تتعهد الأطراف بعدم الدخول في اتفاقيات مع دول ثالثة تكون موجهة مباشرة ضد سيادة وأمن الطرف الآخر.

مقالات مشابهة

  • مستثمرو الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة يجمدون مشروعاتهم انتظارا للإدارة الأمريكية الجديدة
  • الحوثي يعلن استهداف حاملة الطائرات الأمريكية إبراهام
  • بالصواريخ.. الحوثيون: استهداف حاملة الطائرات الأمريكية أبراهام في البحر العربي
  • خبير يفند مزاعم رسوم عبور السفن بالبحر الاحمر
  • الرئيس الكوري الشمالي يصدق على معاهدة الشراكة الإستراتيجية مع روسيا
  • البحرية البريطانية تكشف عن حادث جديد في البحر الأحمر
  • إعلام واشنطن يقر بوفاة حاملة الطائرات الأمريكية
  • العليمي: نرفض ممارسات الحوثيين في البحر الأحمر
  • مع انتخاب المرشح الجمهوري دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية، أشارت مصادر مطلعة إلى العاصمة السياسية والتجارية وعاصمة المشاهير الجديدة المتوقعة في الولايات المتحدة. مع فوز ترامب.. ما هي العاصمة السياسية والتجارية وعاصمة المشاهير الجديدة في الولايات المتحدة؟ ا
  • البحرية الهولندية: تحذيرات اليمن تستدعي الجدية من السفن المرتبطة بإسرائيل