الإنسانية قبل التنفيس والمنافسة
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
لا يمكن للمرء إنكار قوة المال في تحقيق راحة الفرد بتوفير مستلزمات الرفاهية والعيش الرغيد، فهل يمكن الجزم بأن الثروة سبيل لسعادة الإنسان وأمانه النفسي والاجتماعي؟ لا بد أنها فكرة جديرة بالنقاش إذا ما وضعنا في الاعتبار طموح الإنسان مهما بلغ من الثروة ومهما أحرز من نجاحات، ثم اعتبارات أخرى تتعلق باتصال الفرد بغيره وضرورة تفاعله مع مجتمعه الذي يعيش فيه؛ إذ لا يمكن تحقق السعادة لوحيد حتى وهو غارق في النعيم! مع الغنى يحضر التنافس كما يحضر الخصوم في ملعب المال والأعمال، ومع الثروة والنفوذ يتأرجح الأغنياء بين حرص وترف، جشع وبذخ، وكل هذا السياقات تضع هؤلاء القلة تحت مجهر المجموعات الشعبية التي تحاول التنفيس بالمراقبة أحيانا، وبالتنفيس - عن تحديات حياتها اليومية وسعيها للرزق الممكن بشق الأنفس- بالسخرية من الأغنياء المتنفذين في بخلهم أو حتى إنفاقهم، لا يبدو الأمر مستهجنا إن لم يتجاوز التنافس ميدانه المهني ومعاييره الرقمية، ولن يكون مستهجنا إن لم تتجاوز السخرية موضوع التبذير أو التقتير ظاهرتين سلبيتين يمكن لأي معيار قيمي إخضاعهما للنقد والتحليل، لكن الخطورة والشر في أن يجنح التنافس إلى الجريمة أو أن تتطرف السخرية المجتمعية لانتهاك إنسانية المستهدف موضوع السخرية، وفي الحالتين لا يجد الإنسان مع الثروة أمانه الواقعي أو أمانه النفسي الاجتماعي متمثلا في احترام خصوصيته وصون حياته ومكتسباته.
رجل الأعمال البريطاني مايك لينش الملقب بـ(بيل جيتس بريطانيا) الذي صار حديث هذا الأسبوع بعد فقدانه في البحر هو وآخرين أثناء احتفاله التاريخي يوم الجمعة الماضي بخلاصه من تهم ومتابعات قانونية عالمية لشركاته في رحلة قضائية دامت مدة 12 عاما وانتهت بتسليمه لأمريكا من قبل بريطانيا قبل تبرئته من المحكمة الفيدرالية في سان فرانسيسكو يوليو الماضي، وقبل إعلان السلطات العثور على جثته وجثة ابنته البالغة من العمر 18 عاما يوم الأربعاء بين ضحايا الحدث المأساوي الغريب الذي سمي بـ «البجعة السوداء» رغم ترقب الإعلام العالمي حدوث المعجزة والعثور على الملياردير البريطاني وابنته أحياء بعد غرق يخت الملياردير قبالة سواحل صقلية بإيطاليا، والحديث يطول حول نظرية المؤامرة وإمكانية سعي الخصوم لتصفية الرجل والتخلص منه، خصوصا مع ظروف حادثة الغرق التي تدعو للاستغراق في أمر إمكانية تدبير الحادث.
حملة المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية التي لم يركز فيها المتنافسون على خططهم بقدر التركيز على النيل من الآخر بالسخرية منه، وإن كان هذا يبدو متوافقا مع شخصية دونالد ترامب الذي لم يتورع عن المقارنة بين ملامحه وملامح منافسته كامالا هاريس مدعيا بأنه يعتقد بأنه الأجمل!، أو تعليقه الآخر في أنه «غير متأكد من أن كامالا سوداء أو هندية» مشككا في هويتها العرقية! ولعل خصومه من الحزب الديمقراطي قرروا اللعب بنفس الأداة «التنمر» مصرحين بأن التنمر والسخرية هي أكثر ما قد يستفز ترامب، لذلك لم يجد الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون بأسا من أن يذكر ترامب بأنه أصغر منه سنا انتقاما من سخرية ترامب السابقة من أداء بايدن بسبب العمر «لقد أكملت الـ 87 منذ يومين، أنا أكبر شخص على قيد الحياة في عائلتي ما زال على قيد الحياة، وعلى الرغم من ذلك ما زلت أصغر من دونالد ترامب»! .
عرس القرن الذي نظمه موكيش أمباني أغنى أغنياء آسيا لزفاف أصغر أبنائه أنانت كان موضوعا لوسائل الإعلام مدة أشهر هي فترة احتفال العائلتين بهذا الزواج الذي سمي بعرس القرن لشدة الفحش والثراء والإنفاق على تكاليف الحفل، لكن الغريب أن الجماهير أهملت فكرة الإسراف في الإنفاق، أو تعطيل حركة السير في المدينة، وبذخ مراسم الحفل بل أنها أثنت على كل ذلك مع حضور أغلب أغنياء ومشاهير العالم لحفل الزفاف، وتم التركيز بلا إنسانية على الوزن الزائد للشاب الغني، بل تجاوز الأمر ذلك إلى إطلاق إشاعات حول طلاقه بعد أقل من شهرين بسبب رفض العروس لوزنه الزائد! ثم تمادى آخرون للتعليق حول انزعاج العروس من «شخير» الزوج، متناسين في غمرة الانشغال بتعظيم الإشاعات عن الفكرة الإنسانية في تجريح هذا الشاب الذي يعاني مرضا يمنعه من التحكم بالوزن، بل بالغ بعضهم لتأكيد أن العروس ما كانت لترتبط به لولا ثروته، متجاهلين أنها وريثة شركة تصنيع الأدوية راديكا ميرشانت مما يجعلها كذلك من أغنى الأغنياء، وكأن الأغنياء بلا قلوب وبلا عاطفة إلا التجرد لجمع المال، ما الذي يدفع الجموع للسعي للتجريح والتنمر؟ هل هي محاولة واهمة للنيل من فجاجة الطبقية المجتمعية واستعلاء الرأسمالية وقسوتها؟!
ختاما؛ لم يعد من السهل التشبث بالقيم والثوابت العليا في هذه القرية الصغيرة المفتوحة على كل محفزات الوعي ومشتتاته معا، ومع تعاظم تقدير المادة ومتعلقاتها في عالم يضج بالحروب وتنهكه المآسي صار الحديث عن الإنسانية بكل أشكالها أمرا حتميا لا بد من تعزيزه وتمكين أدواته في كل المجالات تربويا وإعلاميا ومجتمعيا، ربما يمكن حينها الاطمئنان إلى تواصلية الطبقات الاجتماعية دون ضغائن وأحقاد، وتكاملية التنافسية الاقتصادية دون عداء واستهداف، وربما يبقى كل ذلك سنة كونية لصراعات التدافع والإحلال.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
انطلاق الحملة القومية الثالثة لتحصين الماشية ضد الحمى القلاعية في البحيرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت مديرية الطب البيطري بالبحيرة بقيادة الدكتور محمد مصطفى سالم، انطلاق فعاليات الحملة القومية الثالثة لعام 2024 لتحصين الماشية من الأبقار والجاموس والأغنام والماعز ضد مرضي الحمى القلاعية وحمى الوادى المتصدع وذلك بدءًا من اليوم السبت ولمدة شهر بجميع مراكز ومدن وقرى المحافظة.
من جانبها وجهت الدكتورة جاكلين عازر، محافظ البحيرة مسئولي الوحدات المحلية بتقديم كافة التسهيلات والدعم اللازم لفرق الأطباء البيطريين، لضمان تنفيذ أهداف الحملة وتحقيق المستهدف منها للحفاظ على الثروة الحيوانية وزيادة إنتاجياتها.
وأكدت ضرورة تكثيف حملات الإرشاد والتوعية لمربي الماشية، لتعريفهم بأهمية تحصين ماشيتهم من خلال إجراء التحصينات الدورية والإبلاغ عن الإشتباه في أية أمراض وبائية، وذلك للعمل على تعظيم الإنتاج لدى المربين و المزارعين و حائزى الثروة الحيوانية.