لجريدة عمان:
2024-09-13@09:02:14 GMT

النقاط العمياء.. تموضعات مهلكة

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

النقاط العمياء؛ هي مشروعات غير مكتملة البناء؛ أو هي مشروعات ناشئة تعرضت لوأد في مراحلها المبكرة بقصد أو بجهل، أو هي مشروعات تاهت عنها بوصلة التوجيه والاهتمام والعناية. وقد لا نبالغ في وصف النقاط العمياء عندما نقول إنها مشروع جريمة غير مكتملة الأركان، وعدم اكتمال أركانها يعود إلى قدرة الفرد إلى تصحيح أخطائه قبل أن تتعمق، ويصبح حلها صعبا، ويأتي هذا التوصيف في مجمله ليعكس مدى الحسرة على ما لم يتم نموه ليؤتي ثماره بالصورة التي ينبغي أن تكون، ويحدث ذلك لأن هناك حلقة مفرغة أو مفقودة أثرت بصورة مباشرة على اكتمال النشأة والتطور لذات المشروع.

والإشكالية هنا أكثر ليس فقط في مجموع ما تم ذكره أعلاه؛ ولكن في الخسارة الكبرى التي يتعرض لها الطرف الآخر، سواء أكان هذا الطرف فردا أو جماعة، أو مؤسسة، مع التسليم من أن الطرف الأول هو فرد أوكلت إليه مهمة من المهمات، من قبل هؤلاء جميعهم أو متفرقين، ولم يكمل مهمته على الوجه الذي يكمل استحقاقات المهمة في كل مراحل النمو والنشأة، ووجود هذه الصورة في مشاريعنا المختلفة - كأفراد أو مجموعات أو مؤسسات - بقدر ما تعكس عن خلل بنيوي في مختلف العلاقات القائمة بين أي طرفين، فإنها تستحضر النقاط التالية: صانع النقاط العمياء وغذي توسعها، ومن له مصلحة ما في بقائها وديمومتها، ومتى يدرك المخطط خطورة بقائها، وحضور الهمة والسرعة في بحث أسباب النشأة والتطور، والعمل على إقصائها في أقل فترة ممكنة.في كل التجارب البشرية لا بد أن تكون النقاط العمياء حاضرة، سواء خاضعة لسياقات الحياة المختلفة أو سواء؛ من يحرص على نشأتها وتغذيتها بعد ذلك .. فالضعف الإنساني هو حالة فطرية غير منكرة، تتقصى كل الجوانب في حياة الإنسان؛ ولأنها حالة ضعف مستمرة، تصبح من المشقة بمكان أن يفرق فيها الإنسان بين مصالحه الخاصة الضيقة، وبين مصالح العامة الواسعة، والتي من المفترض أن يُحَيِّدَ الإنسان نفسه عن الوقوع في مصيدة الإخفاق فيها فيقع في المحظور، وهذه إشكالية موضوعية في كل العلاقات التي يقيمها الإنسان مع طرف ثان؛ سواء أكان طرفا بشريا مثله، أو طرفا مؤسسيا كما هي العلاقة مع بيئة العمل، حتى على مستوى المجموعات يحدث ذلك عن قصد، وعن غير قصد.

تدخل مسألة «تداخل المصالح» في توسعة رقعة النقاط العمياء، ذلك لأنها تدخل الخطط والبرامج في كثير من الضبابية وعدم وجود الرؤية الواضحة للتنفيذ، والمراجعة والتدقيق، وعدم المحاسبة أيضا، كما تسودها الكثير من القرارات الارتجالية التي لا تخضع كثيرا للتدقيق، ولعل مؤسسات القطاع العام أكثر تعرضا للنقاط العمياء، وذلك بحكم التغاضي عن مسألة تجاوز مفهوم الربح والخسارة المطبق بحذافيره في مؤسسات القطاع الخاص، ويعود ذلك إلى صورة نمطية شائعة عن مؤسسات القطاع العام وهي أن «الحكومة أم الجميع» وهذا مما يعمق من ثقافة عدم الاهتمام باستحقاقات الوظيفة التي تديرها المؤسسة العامة، ويبدو أن هذه الصورة النمطية شائعة في كثير من التجارب الإدارية في عدد من دول العام النامي على وجه الخصوص.

تلعب أهمية التخصص دورا محوريا في تقليص مساحات النقاط العمياء في مختلف الوظائف الإدارية والفنية، بالإضافة إلى استمرار عمليات التدريب والتأهيل، والاستفادة من التجارب الناجحة من مختلف الدول؛ شريطة أن تخضع هذه التجارب أولا؛ للمختبر الفني الخاضع لظروف البيئة المحيطة، فلا يصح - على سبيل المثال - تنفيذ خطة دولة متقدمة تقنيا وفنيا وإداريا على دول لا تملك المستوى الأدنى من ذلك كله، فهذا من شأنه أن يعمق من مستوى المشكلة، وبدلا من تضييق مساحات النقاط العمياء في المؤسسات يعمل على توسيعها بصورة أكثر، وذلك لخلل بنيوي يعود إلى المستوى المهني لدى الأفراد في المجتمعات الأقل تطورا.

كثيرا ما تعاني المؤسسات من حالات الإحباط التي تصيب بعض الموظفين الطموحين، وذلك عندما يتقدمون بمقترحاتهم فلا يجدون ذلك التجاوب الكبير من قبل المسؤول المباشر أو من فريق العمل؛ حيث تدخل حالات الحسد و «اللوبيات» التي تخدم مصالحها الخاصة عن مصالح المؤسسة، وربما يحدث ذلك أكثر عندما تكون هناك حلقة مفرغة بين صاحب القرار وأصحاب الأفكار الإبداعية الذين تقلقهم مجموعة الإخفاقات التي يعيشونها في مؤسستهم، وحلقة الفراغ هذه يوجدها المسؤولون المباشرون لمجموعة هؤلاء المبدعين، حيث لا يكترث هؤلاء المسؤولون المباشرون بمجموعة المقترحات أو الأفكار الإبداعية التي يتقدم بها هؤلاء، وقد يرون فيها أفكارا غير منطقية أو أنها سوف تقلص من صلاحياتهم عند تطبيقها، أو سوف تعلي من شأن هؤلاء المبدعين، مما يوسع من حالات الشقاق والتنافر بين المؤسسة والعاملين فيها، فيكثر الانتقاد السلبي الذي يفضي؛ عادة إلى كثير من الترهل وعدم الإخلاص، فتتكاثر بذلك النقاط السوداء؛ وتضيع بين دهاليز الاختلافات خطط العمل الواضحة، فيأتي الموظف إلى المؤسسة، لا ليؤدي وظيفته بما يمليه عليه واجب المسؤولية، وإنما ليقبض عائدا ماديا على نهاية كل شهر، ولا يهمه بعد ذلك الغايات الكبرى التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها.

من هنا تأتي أهمية الدور الذي يلعبه صاحب القرار في إيجاد بيئة تناغمية لجميع أفراد المؤسسة مع مختلف المستويات الإدارية، وجعل الجميع في مستوى المسؤولية؛ فما يسعى إلى تحقيقه كبار المسؤولين؛ هو ذاته ما يشعر به صغار الموظفين، ومن هنا يأتي تبني الأفكار الطموحة التي تقلق صغار الموظفين، ولا تهمل إطلاقا مهما كانت فكرتها متواضعة، وذلك يأتي من باب الاهتمام بالجميع وتعزيز دورهم في المؤسسة، فالإهمال وعدم الاهتمام هو الذي يسرع في وجود نتوءات - نقاط سوداء - في بيئات العمل وتكاثرها مع مرور الزمن، وهذا ليس في صالح العمل، هذا بالإضافة إلى وضوح الأهداف التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها لدى كل موظف فيها؛ وليست محتكرة لدى المسؤولين فيها، ومعنى هذا أن صاحب القرار غير معذور عن ما يدور في مؤسسته من إخفاقات؛ خاصة اليوم في ظل تطور أدوات العمل، وقراءة وتقييم ما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي.

يمكن القول: إن مسألة نشأة النقاط السوداء، أمر مفروغ منه، وذلك لأسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها تجربة الخطأ والصواب التي يمر بها كل فرد في هذه الحياة؛ وهي الناتجة عن أسباب كثيرة؛ أغلبها حداثة التجربة عند كل فرد على حدة، وبالتالي فوجود هذه الحالة في البدايات الأولى لعمر التجربة، يكون مقبولا، أما استمراره مرفوضا بالمطلق، ويقاس ذلك على كل الأنشطة البشرية، وليس فقط في بيئات العمل، فحتى البيئات الاجتماعية معنية بذلك؛ فالمجتمع يهمه كثيرا أن ينشأ بين محيطه أفراد صالحون لرفعة شأنه، ويقينا لا يتمنى أن تكون بين مجموعة الأسرة التي يشرف عليها هناك أسرة غير نشطة تمثل على امتداد مساحته نقطة عمياء؛ بمعنى غير قادرة على أداء الدور الكامل المنوط بها مع بقية الأسر الفاعلة بين محيطه، وإلا عد ذلك تراجعا موضوعيا في مستوى الوعي الذي وصل إليه أفراد المجتمع.

وهنا يمكن المقارنة بين نشأة النقاط السوداء في بيئات العمل، والتقييم بعدم قبولها بالمطلق، وذلك لأن المؤسسات؛ أيا كان نوعها، وحجمها تقوم على خطط وبرامج وأهداف، حيث تنتفي هنا تجربة الخطأ والصواب، أما في البيئات الاجتماعية؛ فالأمر مقبول إلى حد ما، وذلك لأن المسألة هنا متوقفة على الجهد الشخصي الذات، فالفرد حر فيما يقوم به بين محيط أسرته، وعليه أن يستشعر واجب المسؤولية الاجتماعية في الأخذ بأفراد أسرته إلى مصاف النجاحات في الحياة، ولا يُسَلِّمْ أي أحد من أفرادها إلى مجموعة من المهالك في الحياة، وما أكثرها، فعليه هو أيضا أن يسعى وفق خطط وبرامج من شأنها أن تقلص الكثير من الإخفاقات التي قد يتعرض لها أفراد أسرته.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النقاط العمیاء

إقرأ أيضاً:

مؤسسة الكهرباء: بدء التشغيل التجريبي للتيار بمديرية بعدان في إب

الثورة نت/..

أعلنت المؤسسة العامة للكهرباء عن التشغيل التجريبي للتيار الكهربائي في خط إب – طبيع بمديرية بعدان ابتـداءً من يوم غد الجمعة.

ودعت المؤسسة في بيان كافة المواطنين في القرى والعزل المجاورة لمرور التيار الكهربائي، إلى تجنب الاقتراب من الشبكة الكهربائية وخطوط النقل، أو البناء بالقرب منها حفاظاً على أرواحهم.

واعتبرت المؤسسة بيانها هذا، إخلاء لمسؤوليتها عن أي أضرار قد تلحق بمن يخالف قواعد السلامة الكهربائية.

مقالات مشابهة

  • الكهرباء تعلن خبر سار لابناء اب..!
  • مؤسسة الكهرباء: بدء التشغيل التجريبي للتيار بمديرية بعدان في إب
  • أمين عام جبهة العمل الأردنية يكشف لـعربي21 أهم القوانين التي يسعون لتغييرها
  • رياض محرز يغيب عن تدريبات الأهلي الجماعية
  • تبسيط الإفراجات وحد للغرامة.. ما تفاصيل التسهيلات الضريبية التي أعلنت عنها الحكومة؟
  • تبسيط الإفراجات و حد للغرامة.. ما تفاصيل التسهيلات الضريبية التي أعلنت عنها الحكومة؟
  • انعقاد مجلس حكومي بعد غد الخميس وهذه أبرز النقاط بجدول أعماله
  • النقاط الـ 5 في خطة ترامب للبيت الابيض
  • في حماة… وضع مخبز عين الكروم بالخدمة
  • فتاة تكتشف خداع خوالها لوالدتها العمياء من خلال تطبيق توكلنا.. فيديو