لجريدة عمان:
2025-02-27@07:15:21 GMT

النقاط العمياء.. تموضعات مهلكة

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

النقاط العمياء؛ هي مشروعات غير مكتملة البناء؛ أو هي مشروعات ناشئة تعرضت لوأد في مراحلها المبكرة بقصد أو بجهل، أو هي مشروعات تاهت عنها بوصلة التوجيه والاهتمام والعناية. وقد لا نبالغ في وصف النقاط العمياء عندما نقول إنها مشروع جريمة غير مكتملة الأركان، وعدم اكتمال أركانها يعود إلى قدرة الفرد إلى تصحيح أخطائه قبل أن تتعمق، ويصبح حلها صعبا، ويأتي هذا التوصيف في مجمله ليعكس مدى الحسرة على ما لم يتم نموه ليؤتي ثماره بالصورة التي ينبغي أن تكون، ويحدث ذلك لأن هناك حلقة مفرغة أو مفقودة أثرت بصورة مباشرة على اكتمال النشأة والتطور لذات المشروع.

والإشكالية هنا أكثر ليس فقط في مجموع ما تم ذكره أعلاه؛ ولكن في الخسارة الكبرى التي يتعرض لها الطرف الآخر، سواء أكان هذا الطرف فردا أو جماعة، أو مؤسسة، مع التسليم من أن الطرف الأول هو فرد أوكلت إليه مهمة من المهمات، من قبل هؤلاء جميعهم أو متفرقين، ولم يكمل مهمته على الوجه الذي يكمل استحقاقات المهمة في كل مراحل النمو والنشأة، ووجود هذه الصورة في مشاريعنا المختلفة - كأفراد أو مجموعات أو مؤسسات - بقدر ما تعكس عن خلل بنيوي في مختلف العلاقات القائمة بين أي طرفين، فإنها تستحضر النقاط التالية: صانع النقاط العمياء وغذي توسعها، ومن له مصلحة ما في بقائها وديمومتها، ومتى يدرك المخطط خطورة بقائها، وحضور الهمة والسرعة في بحث أسباب النشأة والتطور، والعمل على إقصائها في أقل فترة ممكنة.في كل التجارب البشرية لا بد أن تكون النقاط العمياء حاضرة، سواء خاضعة لسياقات الحياة المختلفة أو سواء؛ من يحرص على نشأتها وتغذيتها بعد ذلك .. فالضعف الإنساني هو حالة فطرية غير منكرة، تتقصى كل الجوانب في حياة الإنسان؛ ولأنها حالة ضعف مستمرة، تصبح من المشقة بمكان أن يفرق فيها الإنسان بين مصالحه الخاصة الضيقة، وبين مصالح العامة الواسعة، والتي من المفترض أن يُحَيِّدَ الإنسان نفسه عن الوقوع في مصيدة الإخفاق فيها فيقع في المحظور، وهذه إشكالية موضوعية في كل العلاقات التي يقيمها الإنسان مع طرف ثان؛ سواء أكان طرفا بشريا مثله، أو طرفا مؤسسيا كما هي العلاقة مع بيئة العمل، حتى على مستوى المجموعات يحدث ذلك عن قصد، وعن غير قصد.

تدخل مسألة «تداخل المصالح» في توسعة رقعة النقاط العمياء، ذلك لأنها تدخل الخطط والبرامج في كثير من الضبابية وعدم وجود الرؤية الواضحة للتنفيذ، والمراجعة والتدقيق، وعدم المحاسبة أيضا، كما تسودها الكثير من القرارات الارتجالية التي لا تخضع كثيرا للتدقيق، ولعل مؤسسات القطاع العام أكثر تعرضا للنقاط العمياء، وذلك بحكم التغاضي عن مسألة تجاوز مفهوم الربح والخسارة المطبق بحذافيره في مؤسسات القطاع الخاص، ويعود ذلك إلى صورة نمطية شائعة عن مؤسسات القطاع العام وهي أن «الحكومة أم الجميع» وهذا مما يعمق من ثقافة عدم الاهتمام باستحقاقات الوظيفة التي تديرها المؤسسة العامة، ويبدو أن هذه الصورة النمطية شائعة في كثير من التجارب الإدارية في عدد من دول العام النامي على وجه الخصوص.

تلعب أهمية التخصص دورا محوريا في تقليص مساحات النقاط العمياء في مختلف الوظائف الإدارية والفنية، بالإضافة إلى استمرار عمليات التدريب والتأهيل، والاستفادة من التجارب الناجحة من مختلف الدول؛ شريطة أن تخضع هذه التجارب أولا؛ للمختبر الفني الخاضع لظروف البيئة المحيطة، فلا يصح - على سبيل المثال - تنفيذ خطة دولة متقدمة تقنيا وفنيا وإداريا على دول لا تملك المستوى الأدنى من ذلك كله، فهذا من شأنه أن يعمق من مستوى المشكلة، وبدلا من تضييق مساحات النقاط العمياء في المؤسسات يعمل على توسيعها بصورة أكثر، وذلك لخلل بنيوي يعود إلى المستوى المهني لدى الأفراد في المجتمعات الأقل تطورا.

كثيرا ما تعاني المؤسسات من حالات الإحباط التي تصيب بعض الموظفين الطموحين، وذلك عندما يتقدمون بمقترحاتهم فلا يجدون ذلك التجاوب الكبير من قبل المسؤول المباشر أو من فريق العمل؛ حيث تدخل حالات الحسد و «اللوبيات» التي تخدم مصالحها الخاصة عن مصالح المؤسسة، وربما يحدث ذلك أكثر عندما تكون هناك حلقة مفرغة بين صاحب القرار وأصحاب الأفكار الإبداعية الذين تقلقهم مجموعة الإخفاقات التي يعيشونها في مؤسستهم، وحلقة الفراغ هذه يوجدها المسؤولون المباشرون لمجموعة هؤلاء المبدعين، حيث لا يكترث هؤلاء المسؤولون المباشرون بمجموعة المقترحات أو الأفكار الإبداعية التي يتقدم بها هؤلاء، وقد يرون فيها أفكارا غير منطقية أو أنها سوف تقلص من صلاحياتهم عند تطبيقها، أو سوف تعلي من شأن هؤلاء المبدعين، مما يوسع من حالات الشقاق والتنافر بين المؤسسة والعاملين فيها، فيكثر الانتقاد السلبي الذي يفضي؛ عادة إلى كثير من الترهل وعدم الإخلاص، فتتكاثر بذلك النقاط السوداء؛ وتضيع بين دهاليز الاختلافات خطط العمل الواضحة، فيأتي الموظف إلى المؤسسة، لا ليؤدي وظيفته بما يمليه عليه واجب المسؤولية، وإنما ليقبض عائدا ماديا على نهاية كل شهر، ولا يهمه بعد ذلك الغايات الكبرى التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها.

من هنا تأتي أهمية الدور الذي يلعبه صاحب القرار في إيجاد بيئة تناغمية لجميع أفراد المؤسسة مع مختلف المستويات الإدارية، وجعل الجميع في مستوى المسؤولية؛ فما يسعى إلى تحقيقه كبار المسؤولين؛ هو ذاته ما يشعر به صغار الموظفين، ومن هنا يأتي تبني الأفكار الطموحة التي تقلق صغار الموظفين، ولا تهمل إطلاقا مهما كانت فكرتها متواضعة، وذلك يأتي من باب الاهتمام بالجميع وتعزيز دورهم في المؤسسة، فالإهمال وعدم الاهتمام هو الذي يسرع في وجود نتوءات - نقاط سوداء - في بيئات العمل وتكاثرها مع مرور الزمن، وهذا ليس في صالح العمل، هذا بالإضافة إلى وضوح الأهداف التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها لدى كل موظف فيها؛ وليست محتكرة لدى المسؤولين فيها، ومعنى هذا أن صاحب القرار غير معذور عن ما يدور في مؤسسته من إخفاقات؛ خاصة اليوم في ظل تطور أدوات العمل، وقراءة وتقييم ما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي.

يمكن القول: إن مسألة نشأة النقاط السوداء، أمر مفروغ منه، وذلك لأسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها تجربة الخطأ والصواب التي يمر بها كل فرد في هذه الحياة؛ وهي الناتجة عن أسباب كثيرة؛ أغلبها حداثة التجربة عند كل فرد على حدة، وبالتالي فوجود هذه الحالة في البدايات الأولى لعمر التجربة، يكون مقبولا، أما استمراره مرفوضا بالمطلق، ويقاس ذلك على كل الأنشطة البشرية، وليس فقط في بيئات العمل، فحتى البيئات الاجتماعية معنية بذلك؛ فالمجتمع يهمه كثيرا أن ينشأ بين محيطه أفراد صالحون لرفعة شأنه، ويقينا لا يتمنى أن تكون بين مجموعة الأسرة التي يشرف عليها هناك أسرة غير نشطة تمثل على امتداد مساحته نقطة عمياء؛ بمعنى غير قادرة على أداء الدور الكامل المنوط بها مع بقية الأسر الفاعلة بين محيطه، وإلا عد ذلك تراجعا موضوعيا في مستوى الوعي الذي وصل إليه أفراد المجتمع.

وهنا يمكن المقارنة بين نشأة النقاط السوداء في بيئات العمل، والتقييم بعدم قبولها بالمطلق، وذلك لأن المؤسسات؛ أيا كان نوعها، وحجمها تقوم على خطط وبرامج وأهداف، حيث تنتفي هنا تجربة الخطأ والصواب، أما في البيئات الاجتماعية؛ فالأمر مقبول إلى حد ما، وذلك لأن المسألة هنا متوقفة على الجهد الشخصي الذات، فالفرد حر فيما يقوم به بين محيط أسرته، وعليه أن يستشعر واجب المسؤولية الاجتماعية في الأخذ بأفراد أسرته إلى مصاف النجاحات في الحياة، ولا يُسَلِّمْ أي أحد من أفرادها إلى مجموعة من المهالك في الحياة، وما أكثرها، فعليه هو أيضا أن يسعى وفق خطط وبرامج من شأنها أن تقلص الكثير من الإخفاقات التي قد يتعرض لها أفراد أسرته.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النقاط العمیاء

إقرأ أيضاً:

النقاط الخمس الحدودية: اسرائيل تمهّد لفرض معاهدة تنهي الصراع مع لبنان.

عاد إلى الواجهة السجال حول الدوافع المكشوفة والخفية التي حدت بإسرائيل على الاحتفاظ بهذه النقاط، على رغم علمها بأن ذلك خرق مفضوح للقرار 1701 الذي ترعى الإشراف على تنفيذه دول خمس في مقدمها الولايات المتحدة.
 
وكتب ابراهيم بيرم في" النهار": من المعلوم أن في بيروت من رأى في هذا الفعل الإسرائيلي تمهيدا لإقامة المنطقة العازلة التي طالما وردت في الخطاب الإسرائيلي، والتي لها أكثر من هدف ومقصد، منها منع عودة قسم من أهالي بلدات الحافة الأمامية ولاسيما في القطاعين الأوسط والشرقي، فضلا عن أن ثمة من وجد في المشهد كله تكرارا لتجربة "بوابات الجدار الطيب" التي لجأت إليها إسرائيل بعيد تفجر الحرب في لبنان، والتي انتهت بـ"الشريط الحدودي" الذي ظلت تحتفظ به إسرائيل حتى انسحابها عام 2000.
 
بالطبع ثمة من تحدث عن أن إسرائيل ستجعل من هذه النقاط الخمس منطلقا لنهج "نقطة الزيت" القابلة للاتساع والتمدد في العمق الجنوبي، ساعة تجد لها مصلحة، أو تكرارا لتجربة "البافر زون" التي نفذتها على الجبهة المصرية في حرب أكتوبر 1973، وخصوصا أن ثمة معلومات عسكرية تشير إلى أن إسرائيل تحتفظ في هذه النقاط بنحو ألف عسكري مع ترسانة من الأسلحة ومعدات الرصد المتطورة.
 
حيال كل هذه التقديرات، يقول الخبير الإستراتيجي العميد المتقاعد الياس فرحات: "المؤكد أن ثمة مقاصد عسكرية واستراتيجية تريدها تل أبيب من وراء احتفاظها بالنقاط الخمس، رغم علمها أن هذا السلوك خرق فاضح لمندرجات القرار 1701. ويبدو أن هدفها الأبرز هو الإثبات أنها خرجت من المواجهات الضارية مع "حزب الله" بمغانم ومكاسب، ودليلها العملي على هذا أنها ما انفكت تحتفظ بقسم من الأراضي الجنوبية، في تكرار لتجارب إسرائيلية سابقة مع لبنان ومصر والأردن وسوريا".
 
ويضيف فرحات: "يمكن إسرائيل أن تضع في هذه النقاط ألف جندي أو أقل إن شاءت، ولكن اللافت أن هذه النقاط غير متصلة بعضها ببعض، وهذا ما ينفي فرضية أنها منطقة عازلة. وفي رأيي أن ما نفذته إسرائيل هو أداء دفاعي وليس هجوميا، إذ تريد أن تثبت لمن يعنيهم الأمر أنها بسلوكها تحول دون تكرار تجربة 7 أكتوبر التي نفذتها حركة "حماس" مع الفصائل الأخرى في غزة من جهة، وتريد طمأنة مستوطني الجليل الأعلى من جهة أخرى، عساهم يتشجعون للعودة إلى منازلهم التي نزحوا منها قبل أكثر من عامين. أعتقد أن كلا الهدفين غير متحقق، إذ لا يمكن المقاومة إن شاءت الهجوم اتباع الأسلوب عينه الذي اتبعته في تجربة "طوفان الأقصى"، كما أن كل تلك الإجراءات لم تشكل عنصر اطمئنان للمستوطنين، بدليل أنهم لم يعودوا كلهم إلى منازلهم".
 
وردا على سؤال آخر، يقول: "يتعين أن ننظر إلى هذا الأداء الإسرائيلي العدواني من منظار آخر، وهو أن احتفاظ إسرائيل بالنقاط الخمس يُعدّ خرقا للسيادة اللبنانية والقرار 1701، وإذا ما أضفنا إليها النقاط الـ13 التي يعتبرها لبنان جزءا من أرضه، وأضفنا أيضا بلدة الغجر (خراج الماري) فضلا عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي نص القرار 1701 على تأليف لجنة دولية لتحديد وضعها والنظر في الدعوى اللبنانية التي تعتبرها أرضا لبنانية، فإن كل ذلك يرسم واقعا من شأنه أن يُرسي وضعا حدوديا صراعيا متوترا، وبالتالي تصير المطالبة بنزع سلاح المقاومة أمرا غير منطقي".
 
ويستنتج فرحات أن هذا السلوك الإسرائيلي في المنطقة الحدودية ليس تكرارا لتجربة بوابات الجدار الطيب الذي كان بداية هجوم إسرائيلي على لبنان، بل هو من الناحية العسكرية هجوم دفاعي وقائي، وهو ما يؤكد أن الهدف الأساسي والعاجل منه زيادة منسوب التلاعب في المعادلات الداخلية المحتدمة، حيث يسهل لها لاحقا تحقيق مطلبها بفرض معاهدة تنهي الصراع مع لبنان.
 

مقالات مشابهة

  • الصبيحي لوزير العمل .. كُن جريئاً واقبل مواجهتي على الهواء ولنترك الحكم للناس
  • إنسحاب إسرائيل من النقاط الخمس محور
  • أولمبي الشلف يحسم النقاط الثلاث على حساب مولودية وهران
  • 7 نقاط احتلال حدوديّة للعدو على طول الخطّ الأزرق
  • النقاط الخمس الحدودية: اسرائيل تمهّد لفرض معاهدة تنهي الصراع مع لبنان.
  • الطبلقي: النقاشات بالقاهرة تناولت بعض النقاط الخلافية.. واتفقنا على بعضها
  • ندوة حوارية حول دور الدفاع المدني السوري في دعم العمل التطوعي في طرطوس
  • "منتدى الرؤية".. شفافية ونقاش هادف
  • وزير الصحة: 56% من المناهج التي يدرسها الطلاب حاليًا ستختلف متطلبات سوق العمل بشأنها
  • تنبؤات العرافة العمياء لـ2025.. سيد العالم ولقاء أول بالفضائيين