جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-13@08:56:44 GMT

شُبهات الماعز والوعي المثقوب

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

شُبهات الماعز والوعي المثقوب

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

حاولت الثَقافة اليونانية القديمة الخروج من ضَبابِّية تجريد الحزن لديها إلى واقعية تَشخيصه في محفل "أغنية الماعز" وتجسيد أحزانهم في ذلك الحيوان عبر طقوس دينيةٍ تنتهي بذبحه، وهي رمزيةٍ للعب على الوعي الذاتي المتصل بالجانب المادي في تفاعل الروح مع الجسد وتُوحي بنهاية الأحزان، حتى باتت تُعرف بالتراجيديا في السرديات القصصية الحزينة، والحقيقة أن الحزن لا يُذبح بموت الماعز مثلما يُذبح الموت المُجسَّد في الآخرة بعد الانتهاء من الحساب، وإنما هو عزاءٍ مؤقت وأمنية دنيوية استأثر بها وعي العامَّة في محاولة إقناع النفس بإقصاء الحزن، لما تعود به من راحة وهمية وطمأنينة زائفة وإن كانت لحظية.

لِكثرة التفكُّر في غُموض الوعي، فقد اعتقد الكثير بأنَّه وهمٌ كالسراب لا وجود له، والواقع أنه موجود ولكنه مفهوم لا يُعرف له تفسير ثابت وتحليل صلب أو تعريفٍ متفق عليه، إذ يختلف الانطباع من إنسانٍ إلى آخر وتحدد الفطرة قابليته ومن حيوان إلى آخر وتحدد الغريزة أهميته، فإذا تسنى لأحدنا مشاهدة منظرٍ جميل لمروجٍ خضراء شاسعة وبجانبه يقف ماعزٌ يرقب نفس الحدث فإنَّ وقع تلك المشاهد وبكل تأكيدٍ سيختلف بين الإنسان والحيوان وهذا المثال مبني على قصة حقيقية، وربما يكون الانطباع الأول لدى الماعز بالهروب والعودة إلى القطيع هو الأكثر ترجيحًا من أكل الأعشاب والحشائش، بينما قد يُفكر الإنسان بأكل الماعز نفسه وكلا الانطباعين حرَّكتهما الغريزةِ والفطرة، وفجأة تلاشت السهول المروج الخضراء.

وهكذا تَسرَّب من ثقوب وعينا تصديقُ كل قِصة تسبقها مقولة "مبني على قصةٍ حقيقية" وهو أمر شائع في عالم الروايات والسينما، لنشرع بفرضية أن كل ما نقرأه ونراه حقيقيًا وكل المشاهد واقعية وقد حدثت بالفعل، وإن لم تحدث إلّا في خيال الكاتب أو المؤلف المحتمل معايشته للقصة أو جزء منها ومُعظمها من وحي الخيال وإن فرض المحال ليس بمحال، ولازلنا نتابع معتقدين بأنها حدثت بالفعل، كما إن احتمال كذب المؤلف وارد جدًا بما أنه سيُضفي على حبكةِ قصته لمسة التشويق المطلوبة قياسًا على "أعذبُ الشعر أكذبه" كما يظهر في السينما الهندية، وقد يصل في مرحلةٍ من مراحل نبوغه التأليفي إلى سبر غور تفكير قطيعٍ من الماعز مثلًا وتشبيه وعيه الذاتي بالوعي الإنساني، أو إيصال راعي القطيع في مرحلة يأسٍ إلى حدود الكفر أو الإلحاد وقد لا يكون للمؤلف قصد من وراء ذلك ولكن وقع تلك المشاعر على المتلقي سيحدث التأثير العميق المنشود.

لا يُمكننا اليوم نُكران التقارب بين سينما بوليوود الهندية وهوليوود الأمريكية، ونلاحظ انعكاسات هذا التفاهم والتعاون على مستوى الممثلين الهنود المشاركين في السينما الأمريكية التي ما انفكت تسيء للإسلام عمومًا والمسلمين خصوصًا والعرب تحديدًا ولا زالت تفعل ولا يخفى ذلك على المُتابع كما لا يخفى سلوك بوليوود الهندية مؤخرًا نفس النهج من خلال مجموعة غير قليلةٍ من أفلامها، إذ تُظهر علامات تبطين الإساءة للإسلام والمسلمين لا سيما الأفلام التاريخية إبان الحكم المغولي الإسلامي للهند مع إهمال فضائل تلك المرحلة، ويتبين فيها التزييف والتدليس المتعمد بكل جلاء والأمثلة عليها كثيرة ولكن نتجاوز ذكرها تجنبًا للترويج لها.

مُعظم القِصص التي تتخذ مسار السردية الذاتية إن لم يكن كلها تتبنى القانون الأزلي للخير والشر وهي أبسط صورة لاستدراج الوعي وتضع المُتابع في حالةِ تعاطف وترجيح أحد الأطراف المُتضادة، وبالتالي سيُعمد إلى شيطنة الطرف المُمثل للشر ليكون مكروهًا ويتوجب عليه نيلُ جزاءه وغالبًا ماتميل النهاية إلى كفَّة الطرف الذي يُمثل الخير، وهذه الصورة النمطية التقليدية تتشكل في الوعي الإنساني السليم منذ بداية القصة وربما قبل بدايتها مع ظهور إشارة "مبني على قصة حقيقية" حيث تستحوذ هذه المقولة بسرعة قياسية على الذهن، وتُدخل انفعالات المتابع في دائرة التصديق التام والقبول الكامل بأن ما يشاهده هو أقرب للواقع منه للخيال أو الكذب.

وكل ذلك في حيثيات تلك القصة بشخوصها وزمانها ومكانها لا يزال في النطاق التجريدي وهو مقبول جدًا في حدودها، ولكن ما هو غير معقول أن تخرج القصة من حدود إطارها الكتابي أو التمثيلي إلى نطاق التشخيص الواقعي لتسقط شخصية واحدة مُنتقاه بعناية على المجتمع وكأنها تُمثله وفجأةً تلاشت القصة الطويلة مع استيقاظ المعرفات القمَّامة، فتتدخل أقلامها الطفيلية والتي لاغرض لها سوى التكاثر على أجساد الماعز في حياته وبعد مماته وتحللهِ بالنَّيل من الشخصية التي مثلت دور الشر وتعميمها بكل صلافةٍ على الجميع، وكأنها ترغب بالانتقام من تلك الشخصية بإخراجها من القصة وتجسيدها على الواقع ومواصلة الانتقام منها بتأليب الرأي العام حولها ويأبى الكفيل لتلك الأقلام إلا أن تكون النهاية على الواقع مناصرة للشر ومناقضة للقانون الأزلي، وهذا افتِعالٍ في منتهي المكر والعنصرية.

لا يمكن سَوق الشعوب الواعية خلف آراءِ رعاعٍ لا يعلمون شيئًا عن النقد الفني والأدبي، وأفواهٍ صفراء لا يُعلم عنها شيء سوى سعيها الدؤوب لإشاعة البغضاء والكراهية في المجتمعات النقية، عندما تستهدفها في ظاهر كلمة حقٍ أريد بها باطل، وقد بان عوار تلك الأسماء والمُعرفات وبات غرضها معلومًا لدى البعيد قبل القريب، فهي وبكل بساطة لا تتردد في النيل من بلادٍ بأسرها وسياستها العامة بناءً على أسخف وأتفه الأسباب، وحتى لو وصل بها الأمر للاستعانة بأقصوصة لاتخلو من الخرافة أو التلفيق، وبما أن ذلك قد عُلم وأصبح واقعًا وتأكدت لنا توجهات الأقلام القمَّامة المأجورة فإننا وصلنا هنا إلى النهاية السعيدة للقصة، وهي مرحلةٍ متقدمة من الحصانة بحيث لم يعد ينطلي على وعينا أباطيلها وتضليلها، ولكن تبقَّت هناك شرذمة أشبه بقطيع الماعز يسوقها الراعي بعصاه وكلبه تحت ترهيب وترغيب الكفيل حيثما شاء وكيفما أراد وجب إيقاظ الوعي لها، فإذا نزعنا عصا الراعي من يده وحجبنا عنه كلبه فإنَّ القطيع من حوله سيتشتت، وهو ماعلينا فعله في مواجهة المعرفات الوهمية التي ترعى حول الحمى وتعتاش بالمفتريات والإفتآت على القيل والقال وتتغذى على الشبهات وتكره الطيبات وتُحرم الحلال.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حسناء عارية فوق حصان من أجل خير العامة والفقراء!

إنجلترا – من بين القصص التاريخية، واحدة فريدة في معانيها وتفاصيلها، وهي عن سيدة نبيلة فائقة الجمال، كانت زوجة حاكم محلي بإنجلترا. هذه السيدة ضحت بأن ركبت حصانا وتجولت في الشوارع عارية تماما.

القصة جرت في القرن الحادي عشر في مدينة كوفنتري الواقعة بغرب إنجلترا وكان يحكمها وقتها الملك “إدوارد المعترف”، آخر الملوك الأنجلو سكسون.

الحسناء غوديفا كانت زوجة للكونت ليوفريك إيرل ميرسيا “968 – 1057″، وهو أحد الحكام الاقطاعيين، وكان خاضعا للملك إدوارد المعترف.

تقول القصة إن الملك “إدوارد المعترف”، لم يجد كما هي العادة في ذلك العصر، ما يملأ به خزانته الفارغة إلا فرض ضرائب جديدة على رعاياه. الكونت ليوفريك سارع إلى تنفيذ المرسوم الملكي، وتم إبلاغ السكان بأن الضرائب التي سيتعين دفعها منذ الآن فصاعدا ستكون الضعف تقريبا.

الفلاحون والعامة من الفقراء تضرعوا للكونت وناشدوه بحرارة أن يعفيهم من هذه الزيادة في الضرائب التي ستضاعف من فقرهم وتعاستهم، إلا أنه أصر على موقفه ورفض مطالبهم الملحة والمتكررة.

غوديفا، زوجة الكونت، وكانت تُعرف بتدينها الشديد ولطفاها البالغ وتعاطفها مع البسطاء من السكان، قررت التدخل وناشدت زوجها إلغاء الضرائب الجديدة المرهقة والثقيلة.

لورفيك انزعج من إلحاح زوجته الحسناء والطيبة، ومن أجل التخلص من مناشداتها أخبرها أن طلبها سيستجاب إن هي ركبت حصانا عارية وقطعت المدينة من أقصاها إلى أقصاها.

كان الكونت يتوقع أن ترفض زوجته النبيلة والمتدينة هذا العرض الذي سيعرضها للعار، لكنه صدم من هول المفاجأة حين أعلنت له أنها موافقة.

صبيحة اليوم التالي، خلعت جوديفا ملابسها بالكامل، وغطت عريها بشعرها الطويل والكثيف، وركبت حصانا جابت به أطراف المدينة.

الرواية تقول إن السكان الذين يكنون احتراما وتقديرا كبيرين لهذه السيدة، غضوا أبصارهم ونكسوا رؤوسهم حين مرت أمامهم، ولم يرفعوها إلا بعد أن توارت في البعيد.

في رواية أخرى، الحسناء غوديفا بنفسها طلبت في اليوم السابق من سكان كوفنتري، إغلاق جميع الأبواب خلفهم والبقاء في منازلهم، وناشدتهم عدم النظر إلى الخارج حتى من ثقوب الأقفال. القصة تقول إن التضحية أتت أكلها، ووفى الكونت بوعده بعدم زيادة الضرائب.

بعد ذلك صمتت القصة المتداولة، إلا أن الزوجين مع كل ما جرى، استمرا في العيش معا في وئام ومحبة، وتمتعت رسميا مدينة كوفنتري بإعفاء من الضرائب لفترة طويلة.

أهالي مدينة كوفنتري التي تبعد عن العاصمة لندن بمسافة 150 كيلو مترا، يواصلون تكريم وإحياء ذكرى ابنة مدينتهم الشهيرة، ويرسمون صورا معبرة لها، ويضعون صورتها على البطاقات البريدية والهدايا التذكارية، ويقيمون احتفالات على شرفها يرتدي المشاركون فيها أزياء القرن الحادي عشر.

الشعراء على مر القرون كانوا يلهجون بذكرها وبجمالها، فيما كان الفنانون يصورنها في لوحاتهم، حسناء شابة بشعر فضفاض تجلس عارية على حصان.

المفاجأة أن المؤرخين كما هو الحال دائما يفسدون مثل هذه الحكايات النادرة والمثيرة. هؤلاء لا يشدهم جمال القصة بل ينقبون عن حقيقتها، وقد توصلوا بالفعل إلى تأكيد أن السيدة غودفينا امرأة حقيقية وجدت آثار لها وصور على نوافذ زجاجية ملونة قديمة، لكنها في تلك الصور تظهر من دون شعر طويل فضفاض.

المؤرخون يقولون أيضا إنهم لم يتوصلوا إلى أي دليل مكتوب عن واقعة ركوبها حصانا وهي عارية. علاوة على ذلك تظهر السجلات أن عمر غودفينا أثناء تلك الأحداث حوالي 60 عاما، ما يفسد أيضا جمال القصة ونكهتها الفريدة.

السيرة الحقيقة للسيدة غوديفا وزوجها الكونت ليوفريك، تشير إلى أنهما شيدا في عام 1043 ديرا في مدينة  كوفنتري، وأن غودفينا كانت متدينة وتقية وقد تبرعت بسخاء للكنيسة حتى أنها تبرعت قبل وفاتها بجميع أراضيها للدير الذي رعته. غودفينا وزوجها مدفونان في هذا الدير، إلا أن هذه السيدة وجدت لها مكانا أبديا في قلوب الكثيرين الذين شغفوا بأسطورتها.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • «ملتقى الشارقة للسرد» يختتم نسخته الـ 20 في تونس
  • حسناء عارية فوق حصان من أجل خير العامة والفقراء!
  • مياه أسيوط تطلق حملة توعية تحت عنوان بناء الوعي وترسيخ القيم  
  • هل خدعت ترامب؟.. قرط كامالا هاريس خلال المناظرة الرئاسية يثير جدلا واسعا.. ما القصة؟
  • ندوة تناقش تعزيز الوعي المالي لطلبة المدارس والاستفادة من التجارب الدولية والإقليمية
  • «مستقبل وطن» يستعد لإطلاق مبادرة رحلات سياحية لتنمية الوعي السياحي للطلاب
  • عضو بـ«الشيوخ»: طرح محو الأمية على طاولة الحوار الوطني يرفع مستوى الوعي
  • محمود فوزي: حريصون على تنمية الوعي السياسي والنيابي لدى الشباب
  • رائحة كريهة تجتاح بغداد.. ما القصة؟
  • حماية المستهلك: مبادرة المؤسسات الصديقة تعزز الوعي وتخفض نسبة الشكاوى