جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-30@05:37:05 GMT

شُبهات الماعز والوعي المثقوب

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

شُبهات الماعز والوعي المثقوب

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

حاولت الثَقافة اليونانية القديمة الخروج من ضَبابِّية تجريد الحزن لديها إلى واقعية تَشخيصه في محفل "أغنية الماعز" وتجسيد أحزانهم في ذلك الحيوان عبر طقوس دينيةٍ تنتهي بذبحه، وهي رمزيةٍ للعب على الوعي الذاتي المتصل بالجانب المادي في تفاعل الروح مع الجسد وتُوحي بنهاية الأحزان، حتى باتت تُعرف بالتراجيديا في السرديات القصصية الحزينة، والحقيقة أن الحزن لا يُذبح بموت الماعز مثلما يُذبح الموت المُجسَّد في الآخرة بعد الانتهاء من الحساب، وإنما هو عزاءٍ مؤقت وأمنية دنيوية استأثر بها وعي العامَّة في محاولة إقناع النفس بإقصاء الحزن، لما تعود به من راحة وهمية وطمأنينة زائفة وإن كانت لحظية.

لِكثرة التفكُّر في غُموض الوعي، فقد اعتقد الكثير بأنَّه وهمٌ كالسراب لا وجود له، والواقع أنه موجود ولكنه مفهوم لا يُعرف له تفسير ثابت وتحليل صلب أو تعريفٍ متفق عليه، إذ يختلف الانطباع من إنسانٍ إلى آخر وتحدد الفطرة قابليته ومن حيوان إلى آخر وتحدد الغريزة أهميته، فإذا تسنى لأحدنا مشاهدة منظرٍ جميل لمروجٍ خضراء شاسعة وبجانبه يقف ماعزٌ يرقب نفس الحدث فإنَّ وقع تلك المشاهد وبكل تأكيدٍ سيختلف بين الإنسان والحيوان وهذا المثال مبني على قصة حقيقية، وربما يكون الانطباع الأول لدى الماعز بالهروب والعودة إلى القطيع هو الأكثر ترجيحًا من أكل الأعشاب والحشائش، بينما قد يُفكر الإنسان بأكل الماعز نفسه وكلا الانطباعين حرَّكتهما الغريزةِ والفطرة، وفجأة تلاشت السهول المروج الخضراء.

وهكذا تَسرَّب من ثقوب وعينا تصديقُ كل قِصة تسبقها مقولة "مبني على قصةٍ حقيقية" وهو أمر شائع في عالم الروايات والسينما، لنشرع بفرضية أن كل ما نقرأه ونراه حقيقيًا وكل المشاهد واقعية وقد حدثت بالفعل، وإن لم تحدث إلّا في خيال الكاتب أو المؤلف المحتمل معايشته للقصة أو جزء منها ومُعظمها من وحي الخيال وإن فرض المحال ليس بمحال، ولازلنا نتابع معتقدين بأنها حدثت بالفعل، كما إن احتمال كذب المؤلف وارد جدًا بما أنه سيُضفي على حبكةِ قصته لمسة التشويق المطلوبة قياسًا على "أعذبُ الشعر أكذبه" كما يظهر في السينما الهندية، وقد يصل في مرحلةٍ من مراحل نبوغه التأليفي إلى سبر غور تفكير قطيعٍ من الماعز مثلًا وتشبيه وعيه الذاتي بالوعي الإنساني، أو إيصال راعي القطيع في مرحلة يأسٍ إلى حدود الكفر أو الإلحاد وقد لا يكون للمؤلف قصد من وراء ذلك ولكن وقع تلك المشاعر على المتلقي سيحدث التأثير العميق المنشود.

لا يُمكننا اليوم نُكران التقارب بين سينما بوليوود الهندية وهوليوود الأمريكية، ونلاحظ انعكاسات هذا التفاهم والتعاون على مستوى الممثلين الهنود المشاركين في السينما الأمريكية التي ما انفكت تسيء للإسلام عمومًا والمسلمين خصوصًا والعرب تحديدًا ولا زالت تفعل ولا يخفى ذلك على المُتابع كما لا يخفى سلوك بوليوود الهندية مؤخرًا نفس النهج من خلال مجموعة غير قليلةٍ من أفلامها، إذ تُظهر علامات تبطين الإساءة للإسلام والمسلمين لا سيما الأفلام التاريخية إبان الحكم المغولي الإسلامي للهند مع إهمال فضائل تلك المرحلة، ويتبين فيها التزييف والتدليس المتعمد بكل جلاء والأمثلة عليها كثيرة ولكن نتجاوز ذكرها تجنبًا للترويج لها.

مُعظم القِصص التي تتخذ مسار السردية الذاتية إن لم يكن كلها تتبنى القانون الأزلي للخير والشر وهي أبسط صورة لاستدراج الوعي وتضع المُتابع في حالةِ تعاطف وترجيح أحد الأطراف المُتضادة، وبالتالي سيُعمد إلى شيطنة الطرف المُمثل للشر ليكون مكروهًا ويتوجب عليه نيلُ جزاءه وغالبًا ماتميل النهاية إلى كفَّة الطرف الذي يُمثل الخير، وهذه الصورة النمطية التقليدية تتشكل في الوعي الإنساني السليم منذ بداية القصة وربما قبل بدايتها مع ظهور إشارة "مبني على قصة حقيقية" حيث تستحوذ هذه المقولة بسرعة قياسية على الذهن، وتُدخل انفعالات المتابع في دائرة التصديق التام والقبول الكامل بأن ما يشاهده هو أقرب للواقع منه للخيال أو الكذب.

وكل ذلك في حيثيات تلك القصة بشخوصها وزمانها ومكانها لا يزال في النطاق التجريدي وهو مقبول جدًا في حدودها، ولكن ما هو غير معقول أن تخرج القصة من حدود إطارها الكتابي أو التمثيلي إلى نطاق التشخيص الواقعي لتسقط شخصية واحدة مُنتقاه بعناية على المجتمع وكأنها تُمثله وفجأةً تلاشت القصة الطويلة مع استيقاظ المعرفات القمَّامة، فتتدخل أقلامها الطفيلية والتي لاغرض لها سوى التكاثر على أجساد الماعز في حياته وبعد مماته وتحللهِ بالنَّيل من الشخصية التي مثلت دور الشر وتعميمها بكل صلافةٍ على الجميع، وكأنها ترغب بالانتقام من تلك الشخصية بإخراجها من القصة وتجسيدها على الواقع ومواصلة الانتقام منها بتأليب الرأي العام حولها ويأبى الكفيل لتلك الأقلام إلا أن تكون النهاية على الواقع مناصرة للشر ومناقضة للقانون الأزلي، وهذا افتِعالٍ في منتهي المكر والعنصرية.

لا يمكن سَوق الشعوب الواعية خلف آراءِ رعاعٍ لا يعلمون شيئًا عن النقد الفني والأدبي، وأفواهٍ صفراء لا يُعلم عنها شيء سوى سعيها الدؤوب لإشاعة البغضاء والكراهية في المجتمعات النقية، عندما تستهدفها في ظاهر كلمة حقٍ أريد بها باطل، وقد بان عوار تلك الأسماء والمُعرفات وبات غرضها معلومًا لدى البعيد قبل القريب، فهي وبكل بساطة لا تتردد في النيل من بلادٍ بأسرها وسياستها العامة بناءً على أسخف وأتفه الأسباب، وحتى لو وصل بها الأمر للاستعانة بأقصوصة لاتخلو من الخرافة أو التلفيق، وبما أن ذلك قد عُلم وأصبح واقعًا وتأكدت لنا توجهات الأقلام القمَّامة المأجورة فإننا وصلنا هنا إلى النهاية السعيدة للقصة، وهي مرحلةٍ متقدمة من الحصانة بحيث لم يعد ينطلي على وعينا أباطيلها وتضليلها، ولكن تبقَّت هناك شرذمة أشبه بقطيع الماعز يسوقها الراعي بعصاه وكلبه تحت ترهيب وترغيب الكفيل حيثما شاء وكيفما أراد وجب إيقاظ الوعي لها، فإذا نزعنا عصا الراعي من يده وحجبنا عنه كلبه فإنَّ القطيع من حوله سيتشتت، وهو ماعلينا فعله في مواجهة المعرفات الوهمية التي ترعى حول الحمى وتعتاش بالمفتريات والإفتآت على القيل والقال وتتغذى على الشبهات وتكره الطيبات وتُحرم الحلال.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لهذه الأسباب يخفق الاحتلال في كسب الرأي العام العالمي بمعركة الوعي

رغم ما خاضته دولة الاحتلال من عمليات عسكرية وحروب دموية في العديد من الجبهات القتالية حولها، لكنها ما زالت تبدي خسارتها لما تعتبرها "معركة الوعي" في ظل غياب الخطاب العالمي المتعاطف معها، مقارنة بالانتقادات الواسعة النطاق لسلوكها الهمجي في غزة.

غادي عيزرا المدير السابق لمركز المعلومات الوطني، ومؤلف كتاب "11 يومًا في غزة"، تساءل على الفور "لماذا لا توجد جوقة عالمية موحدة تطالب حماس بإلقاء السلاح، أو إطلاق سراح المختطفين، أو حتى الاستسلام، مع أن هذا سيكون مشروعا بالفعل، لأننا نخوض حرباً معقّدة، مع وجود 100 مختطف في جحيم غزة، لكن الخطاب العالمي للوعي يميل لصالح حماس".

وأضاف في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن "أحد أسباب الخطاب العالمي الشامل المتعاطف تجاه حماس أن حملة التوعية التي تشنها دولة الاحتلال لا تتم إدارتها، لأن هناك الكثير من الهيئات الرسمية التي تقوم بعمل مهم لصالحها، لكن المشكلة أن أياً منها لا يعمل كجزء من حملة توعية منظمة، لأنه لا يوجد من يثق بهم، سواء رئيس منظومة الاتصالات الرسمية، ولا أي جهة أخرى، وهذا أمر غريب للغاية".

وأوضح أنه "عندما تفكر كيف من الممكن تصور أن يشنّ الاحتلال حملة عسكرية دون أن يتدخل رئيس أركان الجيش في تفاصيلها، مع أنه من سيملي سياسة القوة النارية، ويضمن أن القوات البحرية والجوية والبرية تعمل كجزء من منطق عملياتي واحد، هذا لا يمكن، وكذا الحال في حملة الدعاية والتوعية، لأن الاحتلال يخوض حملة موازية، لكنها هذه المرة لكسب القلوب والعقول، وليس لكسب الأرض والإنجازات العسكرية، مع أنه في هذه الحالة يفتقر لوجود "رئيس أركان لمعركة الوعي".



وأكد أن "الاحتلال يفتقر لمن يستيقظ في الصباح، وتتلخص مهمته بتنسيق كل العوامل التي تنقل المعلومات للمجتمع الدولي، صحيح أن دولة الاحتلال قوية، وقادرة على الدفاع عن مصالحها، ومواجهة أعدائها، لكن عليها أن تضمن أن يكون صوتها موحداً وواضحاً ومتماسكاً، وهي الوظيفة التي ستحدد سياسة الوعي في عوالم السياسة والأمن، وكذلك في المجالات المدنية والاقتصادية التي تتعلق بحياة الإسرائيليين".

وأشار أنه "بافتقار الاحتلال لهذه الإدارة السليمة لمعركة الوعي لن يستمع الجمهور الآخر، غير الإسرائيلي، إلى وجهة نظره بشكل أكبر، وهو عامل من شأنه أن يتعامل مع تعزيز القدرات التكنولوجية في العقد المقبل، حتى لا نعتمد بشكل كامل في لحظات الأزمة على آلاف العاملين، دون إدارة سليمة، ومثل هذا العامل وحده لن يضمن لنا الانتصار في معركة الوعي، بل إنه ليس ضمانة بأن نتجاوز دائمًا "عتبة الضوضاء" العالمية، بطريقة تجعل من الأسهل على العالم سماع أصواتنا".

ودعا إلى "حسن توجيه الموارد المحدودة في دولة الاحتلال، لأن ذلك سيساعد في بناء أنماط عمل سريعة، ويضمن أن حملة الوعي بأكملها ستستمر، مع العلم أن هذه الاستراتيجية تخدم أهدافها العامة، وليس فقط مصلحة تنظيمية ضيقة لهذا الحزب أو ذاك، سواء في الائتلاف أو المعارضة، وبدون هذا، لن يكون هناك فائدة من كل المؤثرين والمواهب والمعلقين المتنوعين في شبكة الانترنيت الذين يعملون على ترويج رواية الاحتلال في العالم الافتراضي".

وختم بالقول إن "هؤلاء المتحدثين الفائقين لصالح الاحتلال عبر شبكات التواصل ووسائل الإعلام، ممن لا يملكون سياسة واضحة وواعية يشبهون طائرة إف15 بدون مقر عسكري عام لتوجيهها، مما يجعلها قوة تدميرية فتاكة، ولكن بدون سياسات عامة توجهها".

مقالات مشابهة

  • مدربة في الوعي المالي تكشف عن أفضل الطرق للاستثمار .. فيديو
  • وصول أولى دفعات الماعز لمزرعة الوسطى جواً
  • وكيل هيئة الرقابة الإدارية: نحرص على المشاركة في معرض الكتاب لنشر الوعي والتثقيف ضد الفساد
  • «المصرية للكتاب»: معرض القاهرة الدولي يركز على تنمية الوعي لدي الشباب
  • الذكاء الوجداني والوعي التكنولوجي في نقاشات ملتقى فتيات "أهل مصر" بالبحر الأحمر
  • افتتاحية: معارض الكتب وبناء الوعي
  • كريستوفر نولان يستعد لتصوير فيلمه الجديد على جزيرة الماعز بصقلية
  • «قافلة الشباب».. مبادرة لزيادة الوعي بالتغيرات المناخية في معرض الكتاب
  • ملتقى الكيانات الشبابية.. دينا الهلالي: التدريب والتثقيف والوعي السياسي البوابة الحقيقية للتمكين
  • لهذه الأسباب يخفق الاحتلال في كسب الرأي العام العالمي بمعركة الوعي