التكيف مع تغير المناخ حتمية لا تقل أهمية عن تخفيف آثاره
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
كليمنس فويست ـ ماريا والدينجر
تميل المناقشات الدائرة حول سياسة المناخ إلى التركيز على الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. وهذا أمر منطقي، خاصة وأن هذه الغازات هي السبب الرئيسي وراء تغير المناخ. لكن الاحتباس الحراري الكوكبي من المتوقع أن يستمر حتى في ظل السيناريوهات الأكثر تفاؤلًا، وهذا يعني ضمنا الحاجة الـمُـلِـحّـة إلى إستراتيجيات شاملة للحد من التكاليف الاقتصادية، والمخاطر التي تهدد السلامة العامة، والتهديدات الصحية المرتبطة بأزمة المناخ المتصاعدة.
في حين يزعم بعض الخبراء أن التكيف الكامل أمر مستحيل؛ نظرًا للمخاطر الكبرى التي يفرضها الاحتباس الحراري الكوكبي، فإن هذا الرأي مضلل. من الـمُـسَـلَّـم به أن التكيف وحده من غير الممكن أن يعوض عن أسوأ آثار تغير المناخ، ولابد من تكثيف الجهود الحالية للحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي. لكن تجاهل الحاجة إلى تطوير وتنفيذ - والاستثمار في - إستراتيجيات الغرض منها حماية الشركات، والأسر، والمجتمعات من العواقب الحتمية المترتبة على تزايد ارتفاع حرارة كوكب الأرض هو تصرف غير مسؤول بدرجة شديدة.
تشكل الحماية من الفيضانات مثالًا رئيسيًا هنا. فمع تزايد تكرار الفيضانات وشدتها، أصبحت استعادة السهول الفيضية وغير ذلك من التدابير الاستباقية متزايدة الأهمية. ويجب أن يلعب التكيف الطويل الأمد أيضا دورا محوريا في مشاريع إعادة البناء بعد الكوارث. فبدلًا من إصلاح المنازل المتضررة مرارًا وتكرارًا، على سبيل المثال، قد يكون من الحكمة إعادة بنائها في مناطق أقل عُرضة للفيضانات.
لن تكون جهود التكيف فعّالة إلا بقدر فعالية الآليات المستخدمة لتمويلها. في حين يدعم كثيرون من دافعي الضرائب تمويل جهود إعادة البناء، فإن القيام بذلك من شأنه أن يخلق الحوافز للبناء في المناطق المعرضة للخطر. من الأفضل بدلا من ذلك إنفاق هذه الأموال على التدابير التي تحمي المجتمعات من الفيضانات في المستقبل، وليس فقط بناء مساكن جديدة في مناطق أكثر أمانًا، بل وأيضًا الاستثمار في البحوث والابتكارات الموجهة بغرض مساعدة القطاعات المتضررة من تغير المناخ، وخاصة الزراعة، على التكيف مع التهديد. كما تؤكد موجات الحر المتزايدة الخطورة على الحاجة الملحة إلى تدابير التكيف. برغم أن درجات الحرارة المرتفعة غير المسبوقة تفرض مخاطر صحية كبرى، وخاصة على كبار السن والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون من حالات مرضية سابقة، فإن بلدانا مثل ألمانيا لا تزال عازفة عن الاستثمار في أنظمة تكييف الهواء وغير ذلك من أساليب التبريد. لكن مثل هذه الأنظمة لا تتطلب الوقود الأحفوري؛ ويمكن تشغيلها بالطاقة الشمسية، التي تتوفر بكثرة خلال فترات ارتفاع الحرارة. الحرارة الشديدة خطيرة بشكل خاص على العاملين في العراء، وهذا يسلط الضوء على الحاجة إلى تحديث قوانين الصحة والسلامة المهنية. يجب إلزام الشركات باتخاذ التدابير اللازمة لحماية موظفيها، مثل توفير المناطق المظللة والوصول إلى مياه الشرب.
ولأن أصحاب الدخل المنخفض يعملون غالبا في ظروف عالية الخطورة، فإن التكيف مع المناخ يوفر فوائد اجتماعية بعيدة المدى. بيد أن القدرة على تنفيذ مثل هذه التدابير تقتصر إلى حد كبير على الأسر، والبلديات، والمناطق، والبلدان التي تتمتع بالموارد المالية والخبرة الفنية الكافية. في غياب استراتيجيات التكيف وآليات التمويل المناسبة، سيتحمل الأفراد الفقراء والمجتمعات الفقيرة وطأة تغير المناخ على نحو غير متناسب، وسوف يؤدي هذا إلى تعميق أشكال التفاوت الاقتصادي والاجتماعي على المستويين المحلي والعالمي.
من حيث المبدأ، ينبغي للأسر والشركات أن تتعامل مع تدابير التكيف كما تتعامل مع أي قرار استثماري آخر. وبدلًا من مُلاحقة كل خيار، ينبغي لها أن تركز على الخيارات التي تقدم أعظم قدر من القيمة، على غرار الطريقة التي يقيم بها رجال الأعمال النفقات المختلفة.
من المؤكد أن جهود التكيف تواجه عقبات عديدة، بما في ذلك انعدام اليقين بشأن مسار تغير المناخ في المستقبل والتكاليف المرتفعة المرتبطة بتعديل الهياكل والعمليات القائمة. علاوة على ذلك، قد تتسبب ندرة المعلومات حول تدابير التكيف الفعّالة وكيفية تنفيذها ضمن الأطر القانونية القائمة في رفع التكاليف. وكل هذا من شأنه أن يؤدي إلى تثبيط الاستثمار في التكيف، خاصة وأن الفوائد قد لا تتحقق إلا في الأمد المتوسط إلى البعيد. مع ذلك، يتعين على الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص أن تعمل على جعل جهود التكيف مع المناخ أولوية قصوى. ومن خلال توقع المخاطر واتخاذ خطوات استباقية لتعديل عملياتها، يصبح بوسع الشركات خفض تكاليف التنفيذ.
في الوقت ذاته، يتعين على صناع السياسات الاستثمار بكثافة في تشييد البنية الأساسية المرنة القادرة على الصمود، ودعم البحوث والإبداع، ونشر المعلومات الحيوية على الأسر والشركات والسلطات المحلية لمساعدتها على التأهب لمختلف التحديات المرتبطة بالمناخ، بما في ذلك الفيضانات، وموجات الحر، وغيرها من الأحداث الجوية القاسية.
إن التكيف ليس مجرد ضرورة عملية؛ بل هو حتمية أخلاقية. وعلى الرغم من أهمية الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، فإن جهود التكيف مهمة بذات القدر لضمان عدم تحمل السكان الأكثر ضعفًا في العالم وطأة التأثيرات الأشد تدميرًا المترتبة على تغير المناخ. وبوضع تدابير التكيف في قلب سياسات المناخ، إلى جانب جهود التخفيف، يصبح بوسعنا خلق مستقبل مرن وعادل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاستثمار فی تغیر المناخ جهود التکیف التکیف مع
إقرأ أيضاً:
القومي للمرأة يشارك في جلسة حول معالجة تغير المناخ والمساواة بين الجنسين
كتبت- نور العمروسي:
شارك المجلس القومي للمرأة، في فعاليات الجلسة رفيعة المستوى التي جاءت بعنوان "معالجة تغير المناخ والمساواة بين الجنسين في القطاع الخاص" ضمن فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ التاسع والعشرون (Cop29) والذي عقد في باكو-أذربيجان خلال الفترة من 11 حتي 22 نوفمبر 2024.
وشاركت مي محمود مدير عام تنمية مهارات المرأة بالمجلس (بكلمة مسجلة)، أشارت خلالها إلى أن المرأة على مستوى العالم تواجه العديد من أوجه عدم المساواة والتحديات التي تعوق تحقيق تمكينها في إطار أجندة تغير المناخ بشكل عام مثل عدم وصول النساء والفتيات إلى الموارد والتحكم فيها وعبء الرعاية غير المدفوعة والفرص الإقتصادية المحدودة والعنف ضد المرأة.
واستعرضت مي محمود، جهود مصر لمواجهة تداعيات التغير المناخي على المرأة، مشيرًا إلى الإستراتيجية الوطنية للمرأة لعام 2030 تحدد بوضوح دور المرأة في حماية البيئة والتمكين الإقتصادي، كما تتضمن تدخلات لتعزيز قدرة المرأة على التعامل مع المخاطر البيئية، وتغير المناخ والاستهلاك غير المستدام كما تتضمن الإستراتيجية الوطنية للتكيف مع تغير المناخ 2050 منظور لتمكين المرأة يتماشى مع الإستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية ٢٠٣٠.
وأكدت مي محمود، على أنه تم وضع سياسات تضمن المشاركة الفعالة للمرأة في تخصيص الموارد لمبادرات تغير المناخ، مضيفة، أن مصر هي الدولة الأولى في المنطقة التي تطلق "نموذج محفز سد الفجوة بين الجنسين في المنتدى الاقتصادي العالمي" والذى يركز على الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة وفي إطار هذا المحفز تم تعزيز الشراكات معَ القطاعِ الخاصِّ حيث التزمت 104 شركة بمبادئ تمكين المرأة وثلاثون شركةً تعمل علي تطبيق معاييرَ ختمِ المساواة.
وأختتمت الأستاذة مي محمود كلمتها بالاعراب عن فخرها لارتدائها تصميمًا صديقًا للبيئة مصنوع بتقنية (إعادة تشكيل الأقمشة غير المستخدمة) موضحة أن هذه التقنية انتشرت من القاهرة إلى السيدات بمحافظات الأقصر والمنيا والبحيرة من خلال السيدة صاحبة الفكرة وقد حققت منتجات هؤلاء السيدات نجاحاً كبيراً حيث يتم عرضها الآن في المتحف المصري الكبير، وهذا هو التمكين الحقيقي للمرأة
وشاركت في الجلسة كل من السيدة رومينا خورشيد علم ممثلة رئيس الوزراء الباكستاني لشؤون تغير المناخ والتنسيق البيئي، والسيدة تاتاكو أوهيابو الرئيس التنفيذي لشؤون الشركة العالمية والاستدامة "شركة Takeda Pharmaceutical" والأستاذة يسرا البكار ممثلة عن مؤسسة باثفايندر الدولية.
المجلس القومي للمرأة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ معالجة تغير المناخ والمساواة بين الجنسينتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة "القومي للمرأة" يُنظم فعاليات اللقاء التنسيقي لوحدات المرأة الآمنة أخبار "القومي للمرأة" يهنئ فريق مسار لفوزه ببرونزية دوري أبطال إفريقيا للسيدات أخبار "القومى للمرأة" يشيد بتخصيص مستشفيات الشرطة لعلاج السيدات والأطفال أخبار قومي المرأة يشكر الداخلية لفتح مستشفياتها للكشف بالمجان على النساء أخبار أخبار مصر