لجريدة عمان:
2025-05-02@13:09:03 GMT

إيمان أهل غزة

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

وأنا أشاهد مقاطع الفيديو الكثيرة عن أمهات شهداء غزة وهن يستقبلن أبناءهن الشهداء بالتسليم والإيمان التام لله، ويرددن: «الحمد لله الذي اصطفانا، فداءً للأقصى وفلسطين»، كنتُ أتساءل في قرارة نفسي عن سر هذه القوة والصلابة، وعن الأسباب التي أوصلتهم إلى هذا التسليم؛ ثم توصلت إلى سبب وجيه لا ثانيَ له وهو أنّ أهل غزة تربّوا على الإيمان، الذي رضعوه من صدور أمهاتهم، كما أنّ هناك نشاطًا ملحوظًا في تحفيظ النشء القرآن الكريم وتعليمه مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، إضافة بالطبع إلى الظروف القاسية التي عاشها أهل غزة؛ والتي صنعت منهم رجالًا تسلحوا بإيمان ثابت بالله؛ ويعود الفضل في ذلك لقادة غزة وعلمائها الحافظين لكتاب الله، الذين خرّجوا أجيالًا تؤمن بأنّ وعد الله حق، ومستعدة للشهادة في سبيل الله.

وفي اعتقادي أنّ أهم أسباب النجاح، أنّ القادة والعلماء كانوا القدوة؛ لذا فإنّ الشباب اتبعوهم؛ والناس - كما يقال - على دين ملوكهم.

بالتأكيد لستُ الوحيد الذي شغله إيمان أهل غزة، بعد انتشار كلّ تلك المقاطع؛ فالموضوع أصبح عالميًّا، وبدأ الغربيون - خاصة الأمريكان - يبحثون عن الإسلام ويقرأون القرآن للتعرف على مصدر هذه القوة في أمهات الشهداء، اللاتي اتصفن بالصلابة والقوة والإيمان والسكينة في تلك اللحظات الحرجة؛ فما من امرأة غزاوية إلا وهي شهيدة أو زوجة شهيد أو أم شهيد أو أخت شهيد أو ابنة شهيد، وفي أحيان غير قليلة تجمع امرأة واحدة كلّ هذه الألقاب، وكثيرٌ من الأمهات في غزة حملن أولادهن مرتين؛ الأولى حين وضعنهم من بطونهن، والثانية حين ودّعنهم شهداء. ولا يخفى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورًا مهمًّا في نشر تلك المشاهد للعالم خاصة لفئة الشباب؛ ومن هنا اهتم الكيان الصهيوني بتوجهات هذه المواقع لدراسة ردود فعلها عن طوفان الأقصى. وممّا ذكرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» مثلا بعد شهرين فقط من بداية «الطوفان»، أنّ الشباب في أمريكا الذين يبحثون عن مغزى للحياة وجدوا ضالتهم في اعتناق الإسلام، وأنّ موقع «تيك توك» ضج بفيديوهات توثّق اعتناق الشباب الأمريكي للإسلام، كان أبرزهم الناشطة الأمريكية ميجان رايس، التي أسلمت بعد أيامٍ قليلة من إعلان دعمها لصمود الشعب الفلسطيني في غزة، وبحثها عن سرّ هذا الصمود، بدعوتها إلى التأمل في القرآن الكريم. ومن ضمن المقاطع التي نشرتها، فيديو تقول فيه: «إنّ الفلسطينيين مصرّون على التوجه إلى الله بالشكوى والحمد، حتى وهم يحملون جثامين أطفالهم بين أيديهم. مثل هذه المشاهد تظهر إيمانًا قويًّا ثابتًا على عكس مَنْ يدّعون المحبة والرحمة وهم مجرد كذابين منافقين»؛ أما أليكس وهي شابة شهيرة تقدّم محتوى مميزًا في «التيك توك» فقد ذكرت أنّ أهم سبب لإسلامها، مشاهدتها للفلسطينيين الذين يتعرضون للقتل اليومي، ومع ذلك لا يشككون في دينهم أو معتقداتهم، وعلقت على ذلك قائلة: «لو حدث لي ما حدث لهم، لكنتُ طرحتُ عدة أسئلة حول وجود إله أصلًا!»، وأكدت أنّ أول ما أعجبها واستغربته بسبب حملات الغرب ضد الإسلام، وهي تقرأ القرآن، اهتمام الإسلام بحقوق النساء، وتشديده على ضرورة الالتزام بمطالبهن، وأنهن متساويات في الحقوق والواجبات مع الرجال.

لم تكن ميجان رايس وأليكس الوحيدتين اللتين تحدثتا عن إيمان وصمود أهل غزة؛ فهناك كثيرون غيرهما، إلا أنّ ما جمع بين هؤلاء، الاندهاش الشديد من ذلك الإيمان الذي جعل الفلسطينيين يرددون من وسط الدمار والقتل: «الحمد لله»، مبدين تعجّبهم من سحر تلك الكلمة وقوة إيمانهم وصبرهم بعد فقْد ذويهم؛ مما دفع هؤلاء الناشطين للبحث وقراءة القرآن ثم اعتناق الإسلام. ولم يسلم هؤلاء الذين انخرطوا في حملة قراءة القرآن الكريم من انتقادات شديدة من طرف صهاينة ومؤيدين للصهيونية ولـ«إسرائيل»، وطالبوهم بعدم نشر أيِّ شيء عن الإسلام، بزعم أنه «دين خطِر»؛ لكن ميجان وأليكس أكدتا أنهما ستستمران في دراسة القرآن ونشره وتعريف الأمريكيين به، ونشر قصص صمود أهالي غزة، كما أنهما تشاركان في حملات مقاطعة شركات ومطاعم تدعم «إسرائيل».

تنقل صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن علماء متخصصين في دراسة الإسلام، أنّ عملية «طوفان الأقصى» التي كانت تمثل «في ظاهرها» ضربة قوية للمسلمين في الولايات المتحدة، كانت فعليًا «حافزًا» لجعل الأمريكيين فضوليين ومهتمين بفهم الإسلام. ولم يفتها أن تشير إلى قوة وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أشارت إلى أنه في السنوات التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، اعتمد الدعاة المسلمون على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الإسلام، حيث يروِّجون له «بلغة إنجليزية لا تشوبها شائبة» بطريقة إيجابية وموضوعية ومحبة للسلام، وأنّ الشباب الأمريكي يتهافتون مؤخرًا على منصة «تيك توك»، وانخرطوا «مسرورين» في قراءة القرآن، وكانوا في غاية الحماس بشأنه، حتى إنّ البعض منهم اعتنق الإسلام. بل وذهبت الصحيفة إلى أبعد من ذلك بالقول إنّ الدين الإسلامي عثر هذه المرة على جمهور «مثالي» من الشباب المولودين بين منتصف التسعينيات وأوائل عام 2010، الذين وجدوا في القرآن وعلومه منطلقًا لوجهات نظرهم العالمية.

لقد مثّل أهل قطاع غزة بعزيمتهم والإيمان الذي تحلوا به في مواجهة الإبادة التي يتعرضون لها، صورة ناصعة البياض للدين الإسلامي الحقيقيّ. وبذلك الشموخ والكبرياء الذي استقبلت به الأمهات الفلسطينيات نبأ استشهاد أبنائهن؛ فقد جسّدن نماذج للخنساء؛ لذا فلا غرابة أبدًا أن يتساءل العالم عن سر ذلك الإيمان، وهو في الواقع إيمان نفتقده -نحن المسلمين- لأنّ فهمنا للدين قاصرٌ للأسف الشديد، فلم نأخذ منه إلا القشور. وفي اعتقادي أنّ مسلمي العالم الجدد سيكونون أفضل إسلامًا منا نحن، الذين أخذنا الدين بالوراثة وبشهادة الميلاد فقط، وكأنّ ذلك كفيلٌ لنا بضمان رضا الله علينا. ولكن هل اكتفينا بالتدين الشكلي وانتهى الأمر؟! لو كان الأمر كذلك ربما كان الأمر هيّنًا؛ لكن وُجِد فينا للأسف من يحارب المجاهدين وينتقص من الشهداء ويتناولهم بألسنةٍ حِدادٍ لدرجة الشماتة في قتلهم. فهل يمكن أن ينصر الله مثل هؤلاء ويمكنهم في الدنيا؟! وهل مجرد التلفظ بكلمة «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» مع محاربة المسلمين يكفي للدلالة على إسلام المرء؟!

لقد قدّم أهل غزة لنا جميعًا درسًا بليغًا بأنّ نجاح أيِّ أمة لا يكون إلا بالإيمان، ولا مبالغة إذا ردّدنا ما قاله أحد الأصدقاء: لو وُزِن إيمان أهل غزة بإيمان أهل الأرض جميعًا لرجح إيمان أهل غزة، ولا نبالغ أيضًا إنْ قلنا إنّ غزة - بتضحيات أهلها - وهبت للأمة العزة والكرامة والإباء.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إیمان ا

إقرأ أيضاً:

الفضالي يكرم الفائزين بمسابقة القرآن الكريم بجمعية الشبان العالمية بمطروح

في احتفالية مميزة، كرم السفير أحمد الفضالي، رئيس المركز العام لجمعيات الشبان العالمية، الفائزين من حفظة القرآن الكريم بجمعية الشبان العالمية بمطروح. وقد أقيمت الاحتفالية بحضور المهندس حسين السنينى، السكرتير العام المساعد، نائبًا عن محافظ مطروح، تحت إشراف مديرية أوقاف مطروح، وبمشاركة الشيخ حسن عبد البصير، وكيل وزارة الأوقاف، والدكتورة دار السلام حسين، مدير عام مديرية التضامن الاجتماعي، والكابتن إبراهيم قدورة، رئيس مجلس إدارة جمعية الشبان العالمية بمطروح، بالإضافة إلى أسر المكرمين.

في كلمته، أكد المستشار أحمد الفضالي على أهمية الدور الذي تقوم به الجمعيات في زيادة الوعي وبناء الإنسان، مشيرًا إلى أن هذه الأنشطة تسهم في إنشاء جيل يحمل كتاب الله ويسعى لخدمة وطنه. وأعرب الفضالي عن ضرورة تكاتف الجميع خلف القيادة السياسية لمواجهة التحديات المتزايدة التي تواجه الأمة العربية ومصر بشكل خاص.

خلال الاحتفالية، نقل المهندس حسين السنينى تحيات اللواء خالد شعيب، محافظ مطروح، مرحبًا بضيوف المحافظة ومهنئًا جميع المكرمين من حفظة كتاب الله تعالى. واعتبر السنينى هؤلاء الفائزين نماذج مشرفة يحتذى بها بين الشباب، داعيًا الله أن ينفع بهم مجتمعهم ووطنهم، ويجزيهم ومن علمهم خيرًا على اجتهادهم في حفظ القرآن الكريم.

ومن جانبه أكد الكابتن إبراهيم قدورة رئيس مجلس إدارة جمعية الشبان العالمية بمطروح أن تكريم حفظة القرآن الكريم اليوم هو ما ببشر بالخير وإرسال روح الطمأنينة فينا وخلق جيل قادر على الحفاظ على وطننا الغالى من كل المخاطر والتحديات التى تحتاج منا أن تكاتف على تربية أبناء لبناء إنسان يساعد في بناء الأوطان

من جهته، أكد الكاتب هشام العقاري أن هذا الجيل يبعث الأمل ويعزز الهوية المصرية، مشددًا على أهمية القيم الإسلامية السامية في تشكيل النشء الصحيح. وأشار العقاري إلى ضرورة الوحدة الوطنية بين جميع أبناء الوطن لمواجهة المخاطر والتحديات التي تهدد مصر والأمة العربية.

ومن جانبها، أكدت الدكتورة دار السلام حسين، وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بمطروح، أن جمعية الشبان تلعب دورًا فعالًا في بناء البراعم من خلال الأنشطة المختلفة، بما في ذلك المسابقات التي تنظمها الجمعية سنويًا لتحفيز الشباب على حفظ كتاب الله.

وأوضح صالح العشيبي، عضو مجلس إدارة جمعية الشبان بمطروح، أن الجمعية كرمت هذا العام أكثر من 600 فائز من المشاركين في المسابقة الكبرى لحفظة القرآن الكريم، وذلك تحت رعاية اللواء خالد شعيب، محافظ مطروح.

وتؤكد هذه الاحتفالية على أهمية دور المؤسسات المجتمعية في تعزيز القيم الدينية والوطنية، وتوفير بيئة ملهمة للشباب المصري.

مقالات مشابهة

  • لسان الأمة أم فخّ القومية.. معركة اللغة العربية في دول المغرب الكبير
  • أمين الفتوى: مصادر التشريع في الإسلام أربعة.. والقرآن والسنة الأصل
  • دفع الله الحاج.. او الرجل الذي يبحث عنه البرهان ..!!
  • هل يجب على المسلم حفظ القرآن الكريم كاملاً؟.. دار الإفتاء توضح
  • الفضالي يكرم الفائزين بمسابقة القرآن الكريم بجمعية الشبان العالمية بمطروح
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • الفرق بين الريح والرياح في القرآن.. الشيخ الشعراوي يوضح معلومات لا تعرفها
  • الدكتور ربيع الغفير يحذر من الناقل للكذب: يُسمى في القرآن صاحب الإفك
  • القصة الكاملة للمقاتل السوري مجدي نعمة الذي بدأت محاكمته اليوم بباريس
  • ما هو الشهر الحرام المذكور في القرآن؟ .. وهل يقصد به ذي القعدة؟