وأنا أشاهد مقاطع الفيديو الكثيرة عن أمهات شهداء غزة وهن يستقبلن أبناءهن الشهداء بالتسليم والإيمان التام لله، ويرددن: «الحمد لله الذي اصطفانا، فداءً للأقصى وفلسطين»، كنتُ أتساءل في قرارة نفسي عن سر هذه القوة والصلابة، وعن الأسباب التي أوصلتهم إلى هذا التسليم؛ ثم توصلت إلى سبب وجيه لا ثانيَ له وهو أنّ أهل غزة تربّوا على الإيمان، الذي رضعوه من صدور أمهاتهم، كما أنّ هناك نشاطًا ملحوظًا في تحفيظ النشء القرآن الكريم وتعليمه مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، إضافة بالطبع إلى الظروف القاسية التي عاشها أهل غزة؛ والتي صنعت منهم رجالًا تسلحوا بإيمان ثابت بالله؛ ويعود الفضل في ذلك لقادة غزة وعلمائها الحافظين لكتاب الله، الذين خرّجوا أجيالًا تؤمن بأنّ وعد الله حق، ومستعدة للشهادة في سبيل الله.
بالتأكيد لستُ الوحيد الذي شغله إيمان أهل غزة، بعد انتشار كلّ تلك المقاطع؛ فالموضوع أصبح عالميًّا، وبدأ الغربيون - خاصة الأمريكان - يبحثون عن الإسلام ويقرأون القرآن للتعرف على مصدر هذه القوة في أمهات الشهداء، اللاتي اتصفن بالصلابة والقوة والإيمان والسكينة في تلك اللحظات الحرجة؛ فما من امرأة غزاوية إلا وهي شهيدة أو زوجة شهيد أو أم شهيد أو أخت شهيد أو ابنة شهيد، وفي أحيان غير قليلة تجمع امرأة واحدة كلّ هذه الألقاب، وكثيرٌ من الأمهات في غزة حملن أولادهن مرتين؛ الأولى حين وضعنهم من بطونهن، والثانية حين ودّعنهم شهداء. ولا يخفى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورًا مهمًّا في نشر تلك المشاهد للعالم خاصة لفئة الشباب؛ ومن هنا اهتم الكيان الصهيوني بتوجهات هذه المواقع لدراسة ردود فعلها عن طوفان الأقصى. وممّا ذكرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» مثلا بعد شهرين فقط من بداية «الطوفان»، أنّ الشباب في أمريكا الذين يبحثون عن مغزى للحياة وجدوا ضالتهم في اعتناق الإسلام، وأنّ موقع «تيك توك» ضج بفيديوهات توثّق اعتناق الشباب الأمريكي للإسلام، كان أبرزهم الناشطة الأمريكية ميجان رايس، التي أسلمت بعد أيامٍ قليلة من إعلان دعمها لصمود الشعب الفلسطيني في غزة، وبحثها عن سرّ هذا الصمود، بدعوتها إلى التأمل في القرآن الكريم. ومن ضمن المقاطع التي نشرتها، فيديو تقول فيه: «إنّ الفلسطينيين مصرّون على التوجه إلى الله بالشكوى والحمد، حتى وهم يحملون جثامين أطفالهم بين أيديهم. مثل هذه المشاهد تظهر إيمانًا قويًّا ثابتًا على عكس مَنْ يدّعون المحبة والرحمة وهم مجرد كذابين منافقين»؛ أما أليكس وهي شابة شهيرة تقدّم محتوى مميزًا في «التيك توك» فقد ذكرت أنّ أهم سبب لإسلامها، مشاهدتها للفلسطينيين الذين يتعرضون للقتل اليومي، ومع ذلك لا يشككون في دينهم أو معتقداتهم، وعلقت على ذلك قائلة: «لو حدث لي ما حدث لهم، لكنتُ طرحتُ عدة أسئلة حول وجود إله أصلًا!»، وأكدت أنّ أول ما أعجبها واستغربته بسبب حملات الغرب ضد الإسلام، وهي تقرأ القرآن، اهتمام الإسلام بحقوق النساء، وتشديده على ضرورة الالتزام بمطالبهن، وأنهن متساويات في الحقوق والواجبات مع الرجال.
لم تكن ميجان رايس وأليكس الوحيدتين اللتين تحدثتا عن إيمان وصمود أهل غزة؛ فهناك كثيرون غيرهما، إلا أنّ ما جمع بين هؤلاء، الاندهاش الشديد من ذلك الإيمان الذي جعل الفلسطينيين يرددون من وسط الدمار والقتل: «الحمد لله»، مبدين تعجّبهم من سحر تلك الكلمة وقوة إيمانهم وصبرهم بعد فقْد ذويهم؛ مما دفع هؤلاء الناشطين للبحث وقراءة القرآن ثم اعتناق الإسلام. ولم يسلم هؤلاء الذين انخرطوا في حملة قراءة القرآن الكريم من انتقادات شديدة من طرف صهاينة ومؤيدين للصهيونية ولـ«إسرائيل»، وطالبوهم بعدم نشر أيِّ شيء عن الإسلام، بزعم أنه «دين خطِر»؛ لكن ميجان وأليكس أكدتا أنهما ستستمران في دراسة القرآن ونشره وتعريف الأمريكيين به، ونشر قصص صمود أهالي غزة، كما أنهما تشاركان في حملات مقاطعة شركات ومطاعم تدعم «إسرائيل».
تنقل صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن علماء متخصصين في دراسة الإسلام، أنّ عملية «طوفان الأقصى» التي كانت تمثل «في ظاهرها» ضربة قوية للمسلمين في الولايات المتحدة، كانت فعليًا «حافزًا» لجعل الأمريكيين فضوليين ومهتمين بفهم الإسلام. ولم يفتها أن تشير إلى قوة وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أشارت إلى أنه في السنوات التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، اعتمد الدعاة المسلمون على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الإسلام، حيث يروِّجون له «بلغة إنجليزية لا تشوبها شائبة» بطريقة إيجابية وموضوعية ومحبة للسلام، وأنّ الشباب الأمريكي يتهافتون مؤخرًا على منصة «تيك توك»، وانخرطوا «مسرورين» في قراءة القرآن، وكانوا في غاية الحماس بشأنه، حتى إنّ البعض منهم اعتنق الإسلام. بل وذهبت الصحيفة إلى أبعد من ذلك بالقول إنّ الدين الإسلامي عثر هذه المرة على جمهور «مثالي» من الشباب المولودين بين منتصف التسعينيات وأوائل عام 2010، الذين وجدوا في القرآن وعلومه منطلقًا لوجهات نظرهم العالمية.
لقد مثّل أهل قطاع غزة بعزيمتهم والإيمان الذي تحلوا به في مواجهة الإبادة التي يتعرضون لها، صورة ناصعة البياض للدين الإسلامي الحقيقيّ. وبذلك الشموخ والكبرياء الذي استقبلت به الأمهات الفلسطينيات نبأ استشهاد أبنائهن؛ فقد جسّدن نماذج للخنساء؛ لذا فلا غرابة أبدًا أن يتساءل العالم عن سر ذلك الإيمان، وهو في الواقع إيمان نفتقده -نحن المسلمين- لأنّ فهمنا للدين قاصرٌ للأسف الشديد، فلم نأخذ منه إلا القشور. وفي اعتقادي أنّ مسلمي العالم الجدد سيكونون أفضل إسلامًا منا نحن، الذين أخذنا الدين بالوراثة وبشهادة الميلاد فقط، وكأنّ ذلك كفيلٌ لنا بضمان رضا الله علينا. ولكن هل اكتفينا بالتدين الشكلي وانتهى الأمر؟! لو كان الأمر كذلك ربما كان الأمر هيّنًا؛ لكن وُجِد فينا للأسف من يحارب المجاهدين وينتقص من الشهداء ويتناولهم بألسنةٍ حِدادٍ لدرجة الشماتة في قتلهم. فهل يمكن أن ينصر الله مثل هؤلاء ويمكنهم في الدنيا؟! وهل مجرد التلفظ بكلمة «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» مع محاربة المسلمين يكفي للدلالة على إسلام المرء؟!
لقد قدّم أهل غزة لنا جميعًا درسًا بليغًا بأنّ نجاح أيِّ أمة لا يكون إلا بالإيمان، ولا مبالغة إذا ردّدنا ما قاله أحد الأصدقاء: لو وُزِن إيمان أهل غزة بإيمان أهل الأرض جميعًا لرجح إيمان أهل غزة، ولا نبالغ أيضًا إنْ قلنا إنّ غزة - بتضحيات أهلها - وهبت للأمة العزة والكرامة والإباء.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إیمان ا
إقرأ أيضاً:
آل الشيخ: برنامج ضيوف خادم الحرمين يؤكد ريادة المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين
أكد وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد د. عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ أن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة يأتي تأكيدًا لريادة المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين، وحرصها على إتاحة الفرصة لمسلمين من مختلف أنحاء العالم لأداء مناسك العمرة، وزيارة المسجد النبوي الشريف؛ تعزيزًا لوحدة المسلمين وتقوية أواصر الأخوة الإسلامية.
جاء ذلك خلال لقاء وزير الشؤون الإسلامية، المشرف العام على البرنامج مساء الأربعاء، كبار ضيوف برنامج الدفعة الثانية لهذا العام، وذلك في مقر الاستضافة بالقرب من المسجد الحرام، عقب جولة تفقدية لمتابعة سير أعمال الخدمات المقدمة لهم، وفقًا لتوجيهات القيادة الرشيدة ـ حفظها الله ـ التي تولي اهتمامًا بالغًا بضيوف الرحمن، ليؤدوا مناسكهم بيسر وسهولة.
أخبار متعلقة طقس المملكة.. استمرار هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطةحتى 8 صباحًا.. ضباب خفيف إلى متوسط على أجزاء من 5 مناطقكما التقى أعضاء اللجان العاملة بالبرنامج، واطلع على الخدمات المقدمة لضيوف البرنامج، واستمع إلى شرح مفصل عن أعمال اللجان، والتأكد من تقديم الخدمات على أكمل وجه.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } ضيوف برنامج خادم الحرمين لدى وصولهم مكة المكرمة - إكس الشؤون الإسلاميةتحيات القيادة للضيوففي مستهل اللقاء، رحب وزير الشؤون الإسلامية بضيوف البرنامج في بلدهم الثاني المملكة العربية السعودية، ناقلًا لهم تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ـ حفظهما الله ـ داعيًا الله أن يتقبل منهم عمرتهم وصالح أعمالهم.
وأكد أن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة يأتي تأكيدًا لريادة المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين، وحرصها على إتاحة الفرصة لمسلمين من مختلف أنحاء العالم لأداء مناسك العمرة، وزيارة المسجد النبوي الشريف؛ تعزيزًا لوحدة المسلمين وتقوية أواصر الأخوة الإسلامية.
وأوضح أن البرنامج لا يقتصر على أداء المناسك، بل يعد منصة لتعميق الروابط الإسلامية، وتعزيز التواصل بين الشعوب المسلمة.
وأشار إلى أن وزارة الشؤون الإسلامية تنفذ البرنامج وتقدم جميع التسهيلات اللازمة وسط منظومة متكاملة لضيوف خادم الحرمين الشريفين، حتى يؤدوا مناسكهم بيسر وطمأنينة.
ودعا الله عز وجل أن يجزي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد خير الجزاء على ما يقدمانه من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين، وأن يبارك في جهودهما في خدمة ضيوف الرحمن، وأن يديم على المملكة وبلاد المسلمين الأمن والأمان والاستقرار.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } ضيوف برنامج خادم الحرمين لدى وصولهم مكة المكرمة - إكس الشؤون الإسلاميةلحظات مميزة في المملكةأعرب عدد من ضيوف البرنامج عن شكرهم وامتنانهم لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - على استضافتهم لأداء مناسك العمرة وزيارة الحرمين الشريفين.
وأشاروا إلى أنهم يعيشون لحظات مميزة في ضيافة خادم الحرمين الشريفين، وهو ما يعكس اهتمام المملكة الكبير بضيوف الرحمن.
كما أشادوا بالمشروعات والتوسعات الضخمة في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، التي تأتي في إطار رؤية المملكة 2030.
وأكدوا أن جهود المملكة في تعزيز الوسطية والاعتدال، ونشر قيم التسامح والتعايش، تمثل نموذجًا يحتذى به.توفير أرقى الخدمات لضيوف الرحمنكما أشاد الضيوف بالخدمات النوعية التي تقدمها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد.
وأشاروا إلى أن زيارة الوزير إلى مقار إقامتهم تعكس حرص قيادة المملكة على توفير أرقى الخدمات لضيوف الرحمن، داعين الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وأن يوفقهما لما فيه خير الإسلام والمسلمين.