جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-04@14:12:12 GMT

بين العمل التطوعي والمنظم "3- 3"

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

بين العمل التطوعي والمنظم '3- 3'

 

عبيدلي العبيدلي **

 

قضية في غاية الأهمية ينبغي التوقف عندها عند مناقشة دور العمل التطوعي ونظيره المنظم في المنظمات التي لا تتوخي الربح. فهناك من يقف مدافعا عن الأول ورافضا الثاني، وبالقدر ذاته هناك من يحارب الأول ويدعو للاكتفاء بالثاني فقط.

في مجال المنظمات غير الربحية، فإن التعبئة الاستراتيجية للعمل التطوعي ليست مجرد ضرورة لوجستية، ولكنها حجر الزاوية في النجاح التشغيلي.

تقليديا، شهد الميدان وجهة نظر مستقطبة في استراتيجيات إدارة المتطوعين. فمن ناحية، يؤكد المدافعون عن العمل التطوعي المنظم على الحاجة إلى النظام، والقدرة على التنبؤ، والاتساق، بحجة أنَّ هذه العناصر ضرورية لضمان الاستدامة على المدى الطويل، والإدارة الفعَّالة للموارد، والامتثال للمتطلبات القانونية والتمويلية. يرتكز هذا النهج على الإجراءات المعمول بها والتخطيط التفصيلي والتنفيذ المنهجي، والتي تعتبر ضرورية للمشاريع التي تتطلب درجات عالية من الدقة والموثوقية.

وعلى العكس من ذلك، يسلط مؤيدو التطوع التلقائي الضوء على الحاجة الماسة إلى المرونة والاستجابة السريعة والمشاركة الشعبية. ويجادل هؤلاء،  بأنه في عالم يمكن أن تظهر فيه الأزمات الاجتماعية والبيئية فجأة، فإن قدرة المنظمات غير الربحية على التصرف بسرعة وبشكل تكيفي يمكن أن تحدث فرقا بين تخفيف المصاعب الفورية والاستجابة بعد فوات الأوان. يسمح التطوع التلقائي للمؤسسات بالاستفادة من الفرص غير المتوقعة، والانخراط مع المجتمعات بطريقة شخصية ومباشرة أكثر، وابتكار حلول سريعة.

ومع ذلك، فإنَّ الالتزام الصارم بنهج واحد غالبًا ما يعني إهمال نقاط القوة في النهج الآخر. تفترض هذه المقالة أن الإستراتيجية الأكثر فعالية للمنظمات غير الربحية ليست الاختيار بين التطوع المنظم أو العفوي، ولكن دمج كليهما. من خلال الجمع بين موثوقية الأنظمة المهيكلة والقدرة على التكيف مع المبادرات التلقائية، يمكن للمنظمات غير الربحية الوفاء بمهمتها بقوة أكبر، وتلبية احتياجات المجتمع، والاستجابة للأزمات بفعالية. يعد هذا النهج المتكامل بتعظيم التأثير، وتعزيز مشاركة المتطوعين، وتوسيع نطاق جهودهم عبر مجموعة أوسع من السيناريوهات.

 

دحض نموذج النهج الواحد:

غالبا ما يجادل منتقدو النهج المزدوج بأن وجود الكثير من البنية يمكن أن يخنق الإبداع والاستجابة السريعة، وهما أمران حاسمان في حالات الأزمات أو عند اغتنام الفرص العابرة. على العكس من ذلك، قد يؤكد مؤيدو التنظيم الصارم أن الكثير من العفوية يؤدي إلى الفوضى وعدم الكفاءة والتخفيف المحتمل لأهداف المنظمة غير الربحية. ومع ذلك، فإن هذه المنظورات تتجاهل الطبيعة التكاملية لكلا النهجين.

يوفر العمل التطوعي المنظم العمود الفقري للموثوقية والكفاءة، وهو أمر بالغ الأهمية للمشاريع طويلة الأجل والامتثال للمتطلبات التنظيمية والتمويلية.

من ناحية أخرى، يسمح التطوع التلقائي للمنظمات بالاستجابة بسرعة للتحديات أو الفرص غير المتوقعة، مما يعزز القدرة على التكيف والمشاركة المجتمعية.

الدعوة إلى نهج مختلط:

الحجة الأكثر إقناعا لدمج العمل التطوعي المنظم والعفوي داخل المنظمات غير الربحية هي اتساع نطاق الفعالية الذي يسمح به. يمكن هذا التآزر المؤسسات من الحفاظ على تقدم مطرد نحو أهدافها مع الاحتفاظ بالمرونة لتلبية الاحتياجات الفورية أو الابتكار عند ظهور الفرص.

1.  المرونة داخل الأطر: يمكن للمنظمات غير الربحية تصميم برامج تطوعية تتضمن أنشطة أساسية ومنظمة مع فرص مدمجة للمشاركة التلقائية. على سبيل المثال، قد يقوم الصليب الأحمر بتدريب المتطوعين على أدوار محددة مع الحفاظ أيضا على فريق الاستجابة السريعة للكوارث غير المتوقعة.

2.  التخطيط والاستجابة المتوازنة: من خلال إنشاء أدوار وعمليات واضحة إلى جانب القنوات المفتوحة للعمل الفوري، يمكن للمنظمات غير الربحية ضمان أن تكون الجهود التلقائية فعالة ومتوافقة مع مهمة المنظمة. وقد تجلى هذا النهج بشكل فعال خلال الاستجابة العالمية لوباء كوفيد-19، حيث استكملت الخدمات الصحية المنظمة بدعم مجتمعي عفوي ومجموعات مساعدة متبادلة.

3.  التكامل الثقافي: يمكن للمنظمات غير الربحية تعزيز ثقافة تقدر الموثوقية والاستجابة. وهذا ينطوي على تدريب القادة على التعرف على متى يجب دعم الهيكل ومتى يسمحون بالمرونة، وتشجيع العقلية التي تحتضن التخطيط والقدرة على التكيف بنفس القيمة.

 

خاتمة

يمثل دمج العمل التطوعي المنظم والعفوي داخل المنظمات غير الربحية تطورا حاسما في فلسفة وممارسة إدارة المتطوعين. يتجاوز هذا النهج الهجين الانقسامات التقليدية من خلال دمج موثوقية الأنظمة المهيكلة مع مرونة الإجراءات التلقائية، وبالتالي إنشاء نموذج تطوعي أكثر مرونة وتكيفا. لا يعزز هذا النموذج قدرة المنظمات غير الربحية على التنقل في تعقيدات بيئاتها التشغيلية فحسب، بل يضمن أيضًا أن تظل ذات صلة وتستجيب لاحتياجات المجتمع المزمنة والناشئة.

تتمتع المنظمات التي تمزج بنجاح أساليب التطوع هذه بميزة استراتيجية فريدة. فهي تحافظ على الزخم في المشاريع الطويلة الأجل من خلال خطط جيدة التنظيم، وفي الوقت نفسه، تحتفظ بالقدرة على التعبئة بسرعة استجابة للتحديات أو الفرص غير المتوقعة. علاوة على ذلك، يلهم هذا التآزر تجربة تطوعية أكثر ثراء، ويعزز المشاركة والالتزام الأعمق من خلال استيعاب تفضيلات ومهارات المتطوعين المتنوعة.

في نهاية المطاف، فإن الدعوة إلى اتباع نهج متوازن لإدارة المتطوعين في المنظمات غير الربحية تدور حول إدراك أن أقوى الأنظمة هي تلك المرنة بما يكفي للتكيف مع التحديات الجديدة بينما تكون مستقرة بما يكفي للبناء على النجاحات السابقة. من خلال الدفاع عن نموذج يقدر كلا من القدرة على التنبؤ والعفوية، يمكن للمنظمات غير الربحية أن تخدم مجتمعاتها بشكل أفضل، وتحقق مهامها، وتمهد الطريق لمستقبل لا يكون فيه العمل التطوعي مؤثرا فحسب، بل يتماشى أيضا بشكل ديناميكي مع المناظر الطبيعية المتطورة للحاجة والدعم. وبالتالي، فإن هذا التوليف الاستراتيجي ليس مجرد مثال نظري، ولكنه ضرورة عملية للقطاع غير الربحي المزدهر في العالم المعاصر.

** خبير إعلامي

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مهنيون يتناولون إفطار رمضان على رأس العمل

خولة علي (أبوظبي) 
في شهر رمضان الكريم، تتجلى أسمى معاني الالتزام والمسؤولية لدى المهنيين الذين تفرض عليهم طبيعة عملهم الاستمرار في أداء واجباتهم خلال وقت الإفطار، هؤلاء الأفراد، الذين يعملون في قطاعات حيوية مثل الصحة، الأمن، المواصلات والطيران، وغيرها، يقدمون نموذجاً حياً للتفاني في خدمة المجتمع، حيث تظل احتياجات الآخرين أولوية لديهم، هنا نتوقف عند بعض المهنيين لنتعرف على طبيعة عملهم وكيفية مواجهة تحديات العمل في شهر الصوم. 

وجبات الصائمين 
الإفطار في موقع العمل ليس مجرد لحظة لتناول الطعام، بل شهادة على قوة الروح الجماعية والانسجام بين الزملاء، الذين يتشاركون هذا الوقت الخاص وسط أجواء عملية مليئة بالمسؤولية، وربما عمل الشيف الإماراتية فاطمة العجمي رئيس الطهاة التنفيذي في الإمارات لتمويل الطائرات والعمل على تجهيز وجبات الإفطار للصائمين، يجعلها دائماً على أتم الاستعداد لمواجهة ضغوطات العمل، والتعامل معها باحترافية عالية، وتشير العجمي إلى أن المطبخ في رمضان مليء بالتحديات خصوصاً في المطابخ المركزية التي تزود الطائرات بكميات كبيرة من الطعام للمسافرين، حيث تواجه ضغط العمل في المطبخ من خلال التخطيط المسبق والتنظيم الجيد مع فريق العمل لضمان سير العملية بسلاسة، مع تعزيز الروح الإيجابية في بيئة العمل، قائلة «أركز على تنظيم المهام بين الفريق ومتابعة التحضيرات لضمان تقديم تجربة مميزة للضيوف»، موضحة أنها تفتقد أحياناً للمة العائلة على مائدة الإفطار في رمضان، جراء العمل، إلا أنها عندما تتمكن من مشاركة الإفطار مع عائلتها، تشعر بفرحة خاصة تعزز من ارتباطها بالشهر الكريم.
صبر وقوة 
في شهر رمضان الفضيل، تتخذ الرحلة المهنية لعبد العزيز الكندي مهندس صيانة الطائرات طابعاً مختلفاً، حيث يضيف الصيام بعداً روحياً ويعزز من التزامه وتفانيه، وفي ساعات العمل الطويلة، وظروف وتحديات العمل، يتعامل مع أدق المهام التي لا تقبل التأجيل أو الخطأ، ومع ذلك، يجد في الصيام قوة خفية تمنحه الصبر والقدرة على التوازن بين متطلبات عمله وروحانية الشهر الكريم. ويرى الكندي أن العمل خلال شهر رمضان يُعد تحدياً فريداً، خاصة مع ساعات الصيام الطويلة، أما في الحالات الطارئة التي تتزامن مع وقت الإفطار، فإنه يكسر صيامه على تمر وكوب ماء، ليتمكن من أداء مهامه بكفاءة، مؤمناً بأن العمل في مثل هذه الظروف يُعد نوعاً من العبادة.
ويلفت الكندي قائلاً : «رغم أن لمة العائلة على مائدة الإفطار لا تُعوض، إلا أنني أعتبر العمل عبادة وأحرص على تعويض وقتي مع الأهل بعد انتهاء الدوام، لمشاركتهم أجواء وروحانية الشهر الفضيل». 
تأهب مستمر
ويوضح عبيد آل علي، أحد رجال الدفاع المدني، أن طبيعة عمله تتطلب استعداداً دائماً لمواجهة الطوارئ في أي وقت، مما يجعل الصيام خلال شهر رمضان تحدياً إضافياً، ويقول «في مركز الإطفاء، نحن دائماً في حالة تأهب، ننتظر جرس الإنذار الذي قد يعلن عن أي مهمة جديدة، سواء كانت إخماد حريق أو إنقاذ أرواح، وهذه المهام لا تعرف توقيتاً، ولا نعلم متى سنعود منها».
ويشير آل علي، قائلاً: خلال شهر رمضان، نواجه العديد من الحوادث المنزلية بسبب تحضير طعام الإفطار أو السحور، ومن أكثر الحوادث التي نراها الحرائق الناتجة عن ترك الأواني على النار من دون رقابة، ومشكلات الأجهزة الكهربائية التي تستخدم بكثافة أثناء إعداد الوجبات، أو اشتعال الشفاطات المليئة بالزيوت، نتيجة عدم تنظيفها بانتظام، حتى المطاعم، خلال أوقات الذروة، قد تتعرض لحوادث مشابهة، لذلك، نحرص دائماً على التوعية بأهمية اتباع إجراءات السلامة.
أمن وسلامة
وحول كيفية التعامل مع الطوارئ خلال وقت الإفطار، قال آل علي «أوقات الإفطار ليست استثناءً في عملنا، فنحن على أهبة الاستعداد على مدار الساعة، وفق خطة وزارة الداخلية لتعزيز الأمن والسلامة، حيث نعمل وفق منهجية تضمن أفضل الممارسات في مجال الإطفاء والوقاية بهدف حماية الأرواح والممتلكات، وفرقنا جاهزة دائماً للتعامل مع الطوارئ في أي وقت».
مهمات إنسانية 
أيضاً المسعفون يواصلون خدمة أفراد المجتمع في ساعات الذروة خلال رمضان، حيث تقول المسعفة لمياء آل شهيل، التي تتولى مهمة قيادة إحدى سيارات الإسعاف، إن العمل خلال شهر رمضان يمنحها دافعاً إضافياً، حيث تجد في بذل الجهد والنشاط شعوراً متجدداً بالحيوية والرغبة في خدمة الآخرين. 
وترى أن الصيام لا يشكل عائقاً، بل يزيدها عزيمة وإصراراً على تقديم العون والإسعاف للمحتاجين، مما يعكس الروح الإنسانية العالية التي تتحلى بها هي وزملائها. وتؤكد آل شهيل أن شهر رمضان يشهد زيادة ملحوظة في بعض الحالات الطارئة، أبرزها الأزمات التي يتعرض لها مرضى السكري أو ارتفاع ضغط الدم، وغيرها، حيث إن، الصيام لساعات طويلة، قد يؤدي إلى انخفاض مستوى السكر بشكل مفاجئ، مما يستدعي تدخلاً علاجياً سريعاً. 

أخبار ذات صلة «المنافسة» تشعل عروض السيارات خلال رمضان آيتن تعيش قصة حب مع «الحلانجي»

حيطة وحذر
عن التحديات التي يواجهها كرجل إطفاء في رمضان، أشار عبيد آل علي، إلى أن طبيعة عمله تحرمه أحياناً من مشاركة عائلته الإفطار، حيث يتواجد في الميدان لوقت طويل، إلا أنه يسعد بمهام عمله وأهميتها في إنقاذ حياة الناس، وفي ختام حديثه، دعا آل علي أفراد المجتمع إلى أخذ الحيطة والحذر، خاصة خلال شهر رمضان، والالتزام بإجراءات السلامة لتجنب الحوادث المنزلية، ليصبح الشهر الفضيل أكثر أماناً وسلاماً للجميع.
تدخل سريع
تؤكد المسعفة لمياء آل شهيل، أن الفرق الإسعافية تتعامل مع هذه الحالات بحذر واهتمام خاص، إذ يتطلب الأمر تقديم الرعاية بسرعة للحد من المضاعفات، مع التدخل السريع للسيطرة على المرض، مؤكدة أن زيادة الوعي حول تنظيم أوقات الأكل وانتظام مواعيد الأدوية يسهم في تقليل مثل هذه الحالات خلال الشهر الفضيل.

مقالات مشابهة

  • "السيب التطوعي" يبدأ توزيع 600 وجبة إفطار صائم يوميًا
  • الأمم المتحدة تطالب الحوثيين بالإفراج عن المختطفين
  • قدمتها جمعية العمل التطوعي.. لوحة (شكراً) لرئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع
  • الأمم المتحدة: «الحوثي» يعوق العمليات الإنسانية للشعب اليمني
  • مهنيون يتناولون إفطار رمضان على رأس العمل
  • الأمم المتحدة: تخفيض التمويل الأمريكي للمنظمات الأممية سيكون له عواقب مدمرة
  • فساد المنظمات الإغاثية في اليمن.. أين تذهب أموال الجوعى؟
  • "المنظمات الأهلية الفلسطينية": قرار إسرائيل بوقف المساعدات لغزة سيكون له تداعيات خطيرة
  • خبراء: العمل التطوعي في رمضان محطة لتعزيز التضامن المجتمعي
  • «التعاون الإسلامي» تقدم مرافعة للعدل الدولية حول عدم التزام إسرائيل تجاه المنظمات الأممية