الخليج الجديد:
2025-03-16@08:42:33 GMT

مفارقة التشفي في الغرب لصالح الصين

تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT

مفارقة التشفي في الغرب لصالح الصين

مفارقة التشفي في الغرب لصالح الصين

يجري التصفيق للصين في العالم العربي والإسلامي رغم مجازر الإيغور.

الخطاب السياسي الروسي والصيني في العلاقات الدولية يغيب عنه الشق الحقوقي مقابل وحدة الدول واستقرار الأنظمة.

لماذا يصفق الكثير من شعوب العالم لأنظمة غير ديمقراطية، روسيا والصين، بمواجهة الغرب وخاصة الولايات المتحدة؟

لماذا يتعاطف دعاة الديمقراطية في افريقيا والعالم العربي أكثر مع روسيا ويرحبون جدا بخسارة أوكرانيا ومعها الحلف الأطلسي؟

تخوض إدارة بايدن معركة شعارات الحرية إزاء القمع والديكتاتورية، غير أنها يجب أن تكون منسجمة مع نفسها، بتطبيق شعارات الحرية على أرض الواقع.

يعكس التشفي رفض الجيل الحالي لخطاب الغرب المزدوج والمتناقض في حقوق الإنسان، فلا يمكن للغرب الترويج لها ثم يتساهل مع خروقات الأنظمة العربية.

* * *

لماذا يصفق الكثير من شعوب العالم لأنظمة غير ديمقراطية مثل، روسيا والصين في مواجهة الغرب وبالخصوص الولايات المتحدة؟

سؤال يثير استفهاما كبيرا حول مشاعر الشعوب تجاه التطورات الجيوسياسية الجارية في الوقت الراهن، إلى مستوى يجعل الكثير من الناس تأمل في رؤية تحول الصين إلى الدولة الأقوى عالميا بدل الولايات المتحدة.

إلى جانب الاستفهام العريض، تحضر مسألة مدى طغيان العاطفة على المصلحة البراغماتية الحقيقية للشعوب. منذ عقود، ولاسيما إبان المد اليساري في العالم واشتداد الحرب الباردة، كان عدد من شعوب العالم تكن مشاعر غير ودية تجاه الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، لأن البعض له رؤية مختلفة لهذا الغرب، قائمة على ما هو أيديولوجي، بسبب المد اليساري وحركات التحرر في العالم وقتها.

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتقال العالم لمرحلة بناء الديمقراطية واتساع رقعتها في مناطق مثل أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية ومناطق افريقية، ورغم وقوع بعض النكسات مثل حالة الربيع العربي، عاد وبقوة الرهان على ضعف الغرب، مقابل دعم محور روسيا – الصين.

ويوجد عدد من الأمثلة الدالة في هذا الشأن. في هذا الصدد، ورغم شن روسيا حربا ضد أوكرانيا في خرق للقانون الدولي، بحجة حماية أمنها القومي، غير أن دعاة الديمقراطية في افريقيا والعالم العربي يتعاطفون أكثر مع روسيا ويرحبون بخسارة أوكرانيا ومعها الحلف الأطلسي.

وكم هي مثيرة بعض المقالات التي تعتبر انتصارات روسيا وضمها أراضي أوكرانية بمثابة انتصار للعالم العربي والإسلامي، ويحدث في مناطق افريقية كثيرة وأمريكا اللاتينية.

في الوقت ذاته، تزخر الصحافة العربية والافريقية بالتصفيق والترحيب المسبق بالريادة المرتقبة للصين للعالم، بدل الولايات المتحدة، وتبرز مقالات نقاط قوة الصين وضعف الولايات المتحدة، وفي بعض الأحيان تنهج تأويلا وتضخيما للمعطيات والوقائع خدمة لهذه الأطروحة وتبريرها. يجري التصفيق للصين في العالم العربي رغم مجازر الإيغور.

يحدث كل هذا في وقت، يطمح الكثير من مواطني العالم العربي والإسلامي وافريقيا، وكذلك باقي مناطق العالم بالحلم بالهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة وليس إلى روسيا والصين.

وإن كانت الصين قد بدأت مؤخرا تثير انتباه الحالمين بعالم أفضل في مجال الأعمال، ويغامر الشباب العربي بحياته بحثا عن الحلم الغربي، سواء في قوارب الموت التي تخلف مآسي، أو من خلال التحايل في وثائق الهجرة، أو الرهان السنوي على برنامج القرعة الأمريكي الخاص بالهجرة المنظمة.

ويحدث هذا في وقت، تحلم الشعوب العربية والإسلامية بتحقيق ديمقراطية على الطريقة الغربية وتناضل ضد أنظمة عربية لا تختلف عن النظام الروسي والصيني، بل إن النظامين الروسي والصيني، أسوأ من بعض الأنظمة العربية.

يحدث هذا كذلك في وقت يتوجه فيه دعاة حقوق الإنسان، ومنهم اليساريون إلى مؤسسات غربية مثل «أمنستي أنترناشيونال» والبرلمان الأوروبي ووزارة الخارجية الأمريكية لتقديم تظلمات، ولا يتوجهون إلى مؤسسات بكين وموسكو، لأن الخطاب السياسي الروسي والصيني في العلاقات الدولية يغيب عنه الشق الحقوقي مقابل وحدة الدول واستقرار الأنظمة.

إنها علاقة حب وكره في آن واحد، تستحق مزيدا من الدراسات القائمة على علم الاجتماع والإرث التاريخي والرؤية السياسية. لقد تناول عدد من الدراسات العربية والغربية هذه الظاهرة، التي تنسبها في الكثير من الأحيان إلى الأسباب السياسية وعلى رأسها، ما عانته الشعوب المذكورة من ويلات الاستعمار الغربي، وبالأخص الفرنسي والبريطاني، ثم سياسة الولايات المتحدة بغزو دول عربية وإسلامية مثل، العراق وأفغانستان والاعتداء على ليبيا، ودعم إسرائيل على حساب فلسطين.

ولا يمكن الاعتماد على العامل السياسي لوحده لتفسير هذه الرؤية السلبية تجاه الغرب، لاسيما مع الجيل الحالي، إذ يوجد عامل آخر وهو التناقض الصارخ في خطاب الغرب، المدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمتورط في الوقت ذاته في خروقات حقوق الإنسان والجرائم المالية.

يمكن تفسير سياسة التشفي برفض الجيل الحالي للخطاب المزدوج والمتناقض للغرب، في ملفات حساسة مثل حقوق الإنسان، إذ لا يمكن للغرب الترويج لحقوق الإنسان في مناطق معينة من العالم مثل العالم العربي، ثم يتساهل مع الخروقات التي تنفذها الأنظمة العربية.

فلا يمكن للغرب تبني سياسة متشددة في محاربة التهرب المالي في أوطانه، والتي لا تتسامح مع قادتها بينما يستقبل الأموال المهربة من العالم العربي من طرف من هم في السلطة، وهو يدرك أنها على حساب تفقير الشعوب ونهب ممتلكاتها.. أحيانا لا تُفاجئنا ازدواجية الخطاب، ويكون الغرب نفسه مسرحا لها.

في هذا الصدد، بينما كانت الولايات المتحدة تروج لخطاب الحرية والديمقراطية في الغرب، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وتحمل صفة «زعيمة العالم الحر»، كان الأمريكيون من أصل افريقي يعانون الويلات من عنصرية وتهميش وقتل في بعض الأحيان، كما حصل في ولايات الجنوب.

العالم يعيش تحولات جيوسياسية عميقة بعد الجائحة وحرب أوكرانيا. وينتقد الخطاب الغربي، خاصة الأمريكي ما يصفه بتحالف الديكتاتوريات بزعامة الثنائي الصيني – الروسي. وتطرح الإدارة الأمريكية الحالية مع الرئيس الديمقراطي جو بايدن معركة قيم الحرية في مواجهة أساليب القمع والديكتاتورية، غير أنها يجب أن تكون منسجمة مع نفسها كل الانسجام، من خلال تطبيق شعارات الحرية على أرض الواقع، في علاقاتها الدولية، من دون استثناء بذريعة المصالح العليا للأمن القومي.

*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب إسرائيل الصين روسيا حقوق الإنسان الاستعمار الغربي الولایات المتحدة العالم العربی حقوق الإنسان الکثیر من فی العالم لا یمکن

إقرأ أيضاً:

السؤال الذي يعرف الغرب الإجابة عنه مسبقا

لا يُمكن فصل السّيَاسات الدولية اليوم تجاه فلسطين أو تجاه كافة دول العالم الإسلامي عن الموقف من الإسلام في حد ذاته. تحكم السياساتِ الدولية بشكل عامّ مصالح وصراعاتٌ اقتصادية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعالم الإسلامي يُلاحَظ أن هناك عاملا خفيا يُغلِّف كل هذه السياسات له علاقة بكون هذه الدولة بها غالبية من المسلمين أم لا، بغضِّ النظر عن المذهب أو طبيعة نظام الحكم أو التاريخ أو الجغرافيا لتلك الدولة.

في آخر المطاف تجد اتفاقا بين الدول الغربية في أسلوب التعامل مع أي منها يقوم على فكرة مركزية مفادها ضرورة إذعان هذه الدولة للنظام العالمي الغربي والقَبول بهيمنة القواعد المتحكِّمة فيه وعدم الخروج عنها بأيِّ صفة كانت، وإلا فإنها ستُحارَب بكافة الوسائل والطرق. لا يهم إن كانت هذه الدولة فقيرة مثل الصومال أو غنيّة مثل السعودية أو تركيا أو إيران. جميعهم في نظر السياسات الغربية واحد، فقط هي أساليب التعامل مع كل منهم التي تختلف. بعضهم يحتاج إلى القوة وآخر إلى الحصار وثالث إلى التّهديد ورابع إلى تحريك الصراعات الداخلية إلى حد الاقتتال وسادس إلى إثارة خلافات حدودية مع جيرانه… الخ، أي أنها ينبغي جميعا أن تبقى في حالة توتر وخوف وقلق من المستقبل.

تكفي نظرة شاملة إلى المساحة الجغرافية التي ينتشر بها المسلمون عبر العالمتكفي نظرة شاملة إلى المساحة الجغرافية التي ينتشر بها المسلمون عبر العالم للتأكد من ذلك، فحيث لا يوجد إخضاع تام من خلال القواعد العسكرية المباشرة والقَبول كرها بخدمة المصالح الغربية، يوجد إخضاع غير مباشر من خلال الحروب الأهلية أو اصطناع الجماعات الإرهابية أو إثارة النّعرات القبلية والعرقية أو تحريك مشكلات الحدود الجغرافية.. نادرا ما تُترك فرصة لِدولة من دولنا لتتحرّك بعيدا عن هذه الضغوط. السيناريوهات فقط هي التي تتبدّل أما الغاية فباستمرار واحدة: ينبغي ألا تستقلّ دول العالم الإسلامي بقرارها، ومن الممنوعات الإستراتيجية أن تُعيد التفكير في مشروع وحدة على طريق جمال الدين الأفغاني في القرن التاسع عشر مثلا!

وهنا تبرز فلسطين كحلقة مركزية في هذا العالم الإسلامي، ويتحدد إقليم غزة بالتحديد كمكان يتكثف فيه الصراع.

ما يحدث في غزة اليوم ليس المستهدَف منه سكان فلسطين وحدهم، إنما كل كتلة العالم الإسلامي المفترض وجودها كذلك. أيّ إبادة لسكان هذا القطاع إنما تحمل في معناها العميق تهديد أي دولة من دول العالم الإسلامي تُريد الخروج عن هيمنة النظام العالمي الغربي المفروض  بالقوة اليوم على جميع الشعوب غير الغربية، وبالدرجة الأولى على الشعوب الإسلامية.. وكذلك الأمر بالنسبة للحصار والتجويع والقهر بجميع أنواعه. إنها ممارساتٌ تحمل رسائل مُوجَّهة لكافة المسلمين ولكافة دول الجنوب الفقير وليس فقط للفلسطينيين في قطاع غزة بمفردهم. محتوى هذه الرسائل واحد: الغرب بمختلف اتجاهاته يستخدم اليد الضاربة للصهيونية في قلب أمة الإسلام، ليس فقط لإخضاع غزة إنما إخضاع كل هذه المساحة الجيوستراتيجية الشاسعة لسيطرته الكاملة ثم إخضاع بقية العالم.
يُخطِئ من يحاول إقناع نفسه بأنه بمنأى عن هذا الخطر! أو أن الغرب هو ضد حماس فقط
وعليه، فإن السلوك المُشتَّت اليوم للمسلمين، وبقاء نظرتهم المُجزّأة للصراع، كل يسعى لإنقاذ نفسه، إنما هو في الواقع إنقاذٌ مؤقت إلى حين تتحول البوصلة نحو بلد آخر يُحاصَر أو يُقَسَّم أو تُثار به أنواع أخرى من الفتن… ويُخطِئ من يحاول إقناع نفسه بأنه بمنأى عن هذا الخطر! أو أن الغرب هو ضد حماس فقط أو ضد حركة الجهاد في فلسطين، ذلك أن كل الاتجاهات الإسلامية هي في نظر الاستراتيجي الغربي واحدة، تختلف فقط من حيث الشكل أو من حيث الحدة والأسلوب. لذلك فجميعها موضوعة على القائمة للتصفية يوما من الأيام، بما في ذلك تلك التي تعلن أنها مسلمة لائكية حداثية أو عصرية!.. لا خلاف سوى مرحليًّا بينها، لا فرق عند الغربيين بين المُعمَّم بالعمامة السوداء أو البيضاء أو صاحب ربطة العنق أو الدشداش أو الكوفية أو الشاش، ولا فرق عندهم بين جميع أشكال الحجاب أو الخمار أو ألوانها في كل بقعة من العالم الإسلامي، جميعها تدل على الأمر ذاته.

وفي هذه المسألة بالذات هم متّحدون، وإن أبدوا بعض الليونة المؤقتة تجاه هذا أو ذاك إلى حين.
فهل تصل الشعوب والحكومات في البلدان الإسلامية إلى مثل هذه القناعة وتتحرّك ككتلة واحدة تجاه الآخرين كما يفعل الغرب الذي يتصرّف بشكل موحد تجاه المسلمين وإنْ تنافس على النيل منهم؟

ذلك هو السؤال الذي تحكم طبيعة الإجابة عنه مصير غزة وفلسطين.. ومادام الغرب يعرف الإجابة اليوم، فإنه سيستمرّ في سياسته إلى حين يقضي الله تعالى أمرا كان مفعولا وتتبدَّل الموازين.

(نقلا عن صحيفة الشروق الجزائرية)

مقالات مشابهة

  • السؤال الذي يعرف الغرب الإجابة عنه مسبقا
  • كيف زيِّفت أوروبا ذاتها الحضارية؟!
  • الصين : تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني تعطل بسبب انسحاب الولايات المتحدة منه
  • الأمين العام للأمم المتحدة: ارتفاع مقلق في التعصب ضد المسلمين
  • روبيو : الولايات المتحدة تعارض فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على روسيا
  • تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين منظمة إرهابية يكشف استراتيجية روسيا في اليمن
  • خلافات أمريكا وأوروبا.. هل هي بداية انقسام حضارة الغرب وماذا سيفعل عندها العرب؟
  • شرخ في جدار الغرب.. الطلاق بين الولايات المتحدة وأوروبا
  • خبير: الولايات المتحدة لا تزال تفرض هيمنتها على العالم
  • روسيا: مستعدون لمحادثات مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا