مفارقة التشفي في الغرب لصالح الصين
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
مفارقة التشفي في الغرب لصالح الصين
يجري التصفيق للصين في العالم العربي والإسلامي رغم مجازر الإيغور.
الخطاب السياسي الروسي والصيني في العلاقات الدولية يغيب عنه الشق الحقوقي مقابل وحدة الدول واستقرار الأنظمة.
لماذا يصفق الكثير من شعوب العالم لأنظمة غير ديمقراطية، روسيا والصين، بمواجهة الغرب وخاصة الولايات المتحدة؟
لماذا يتعاطف دعاة الديمقراطية في افريقيا والعالم العربي أكثر مع روسيا ويرحبون جدا بخسارة أوكرانيا ومعها الحلف الأطلسي؟
تخوض إدارة بايدن معركة شعارات الحرية إزاء القمع والديكتاتورية، غير أنها يجب أن تكون منسجمة مع نفسها، بتطبيق شعارات الحرية على أرض الواقع.
يعكس التشفي رفض الجيل الحالي لخطاب الغرب المزدوج والمتناقض في حقوق الإنسان، فلا يمكن للغرب الترويج لها ثم يتساهل مع خروقات الأنظمة العربية.
* * *
لماذا يصفق الكثير من شعوب العالم لأنظمة غير ديمقراطية مثل، روسيا والصين في مواجهة الغرب وبالخصوص الولايات المتحدة؟
سؤال يثير استفهاما كبيرا حول مشاعر الشعوب تجاه التطورات الجيوسياسية الجارية في الوقت الراهن، إلى مستوى يجعل الكثير من الناس تأمل في رؤية تحول الصين إلى الدولة الأقوى عالميا بدل الولايات المتحدة.
إلى جانب الاستفهام العريض، تحضر مسألة مدى طغيان العاطفة على المصلحة البراغماتية الحقيقية للشعوب. منذ عقود، ولاسيما إبان المد اليساري في العالم واشتداد الحرب الباردة، كان عدد من شعوب العالم تكن مشاعر غير ودية تجاه الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، لأن البعض له رؤية مختلفة لهذا الغرب، قائمة على ما هو أيديولوجي، بسبب المد اليساري وحركات التحرر في العالم وقتها.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتقال العالم لمرحلة بناء الديمقراطية واتساع رقعتها في مناطق مثل أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية ومناطق افريقية، ورغم وقوع بعض النكسات مثل حالة الربيع العربي، عاد وبقوة الرهان على ضعف الغرب، مقابل دعم محور روسيا – الصين.
ويوجد عدد من الأمثلة الدالة في هذا الشأن. في هذا الصدد، ورغم شن روسيا حربا ضد أوكرانيا في خرق للقانون الدولي، بحجة حماية أمنها القومي، غير أن دعاة الديمقراطية في افريقيا والعالم العربي يتعاطفون أكثر مع روسيا ويرحبون بخسارة أوكرانيا ومعها الحلف الأطلسي.
وكم هي مثيرة بعض المقالات التي تعتبر انتصارات روسيا وضمها أراضي أوكرانية بمثابة انتصار للعالم العربي والإسلامي، ويحدث في مناطق افريقية كثيرة وأمريكا اللاتينية.
في الوقت ذاته، تزخر الصحافة العربية والافريقية بالتصفيق والترحيب المسبق بالريادة المرتقبة للصين للعالم، بدل الولايات المتحدة، وتبرز مقالات نقاط قوة الصين وضعف الولايات المتحدة، وفي بعض الأحيان تنهج تأويلا وتضخيما للمعطيات والوقائع خدمة لهذه الأطروحة وتبريرها. يجري التصفيق للصين في العالم العربي رغم مجازر الإيغور.
يحدث كل هذا في وقت، يطمح الكثير من مواطني العالم العربي والإسلامي وافريقيا، وكذلك باقي مناطق العالم بالحلم بالهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة وليس إلى روسيا والصين.
وإن كانت الصين قد بدأت مؤخرا تثير انتباه الحالمين بعالم أفضل في مجال الأعمال، ويغامر الشباب العربي بحياته بحثا عن الحلم الغربي، سواء في قوارب الموت التي تخلف مآسي، أو من خلال التحايل في وثائق الهجرة، أو الرهان السنوي على برنامج القرعة الأمريكي الخاص بالهجرة المنظمة.
ويحدث هذا في وقت، تحلم الشعوب العربية والإسلامية بتحقيق ديمقراطية على الطريقة الغربية وتناضل ضد أنظمة عربية لا تختلف عن النظام الروسي والصيني، بل إن النظامين الروسي والصيني، أسوأ من بعض الأنظمة العربية.
يحدث هذا كذلك في وقت يتوجه فيه دعاة حقوق الإنسان، ومنهم اليساريون إلى مؤسسات غربية مثل «أمنستي أنترناشيونال» والبرلمان الأوروبي ووزارة الخارجية الأمريكية لتقديم تظلمات، ولا يتوجهون إلى مؤسسات بكين وموسكو، لأن الخطاب السياسي الروسي والصيني في العلاقات الدولية يغيب عنه الشق الحقوقي مقابل وحدة الدول واستقرار الأنظمة.
إنها علاقة حب وكره في آن واحد، تستحق مزيدا من الدراسات القائمة على علم الاجتماع والإرث التاريخي والرؤية السياسية. لقد تناول عدد من الدراسات العربية والغربية هذه الظاهرة، التي تنسبها في الكثير من الأحيان إلى الأسباب السياسية وعلى رأسها، ما عانته الشعوب المذكورة من ويلات الاستعمار الغربي، وبالأخص الفرنسي والبريطاني، ثم سياسة الولايات المتحدة بغزو دول عربية وإسلامية مثل، العراق وأفغانستان والاعتداء على ليبيا، ودعم إسرائيل على حساب فلسطين.
ولا يمكن الاعتماد على العامل السياسي لوحده لتفسير هذه الرؤية السلبية تجاه الغرب، لاسيما مع الجيل الحالي، إذ يوجد عامل آخر وهو التناقض الصارخ في خطاب الغرب، المدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمتورط في الوقت ذاته في خروقات حقوق الإنسان والجرائم المالية.
يمكن تفسير سياسة التشفي برفض الجيل الحالي للخطاب المزدوج والمتناقض للغرب، في ملفات حساسة مثل حقوق الإنسان، إذ لا يمكن للغرب الترويج لحقوق الإنسان في مناطق معينة من العالم مثل العالم العربي، ثم يتساهل مع الخروقات التي تنفذها الأنظمة العربية.
فلا يمكن للغرب تبني سياسة متشددة في محاربة التهرب المالي في أوطانه، والتي لا تتسامح مع قادتها بينما يستقبل الأموال المهربة من العالم العربي من طرف من هم في السلطة، وهو يدرك أنها على حساب تفقير الشعوب ونهب ممتلكاتها.. أحيانا لا تُفاجئنا ازدواجية الخطاب، ويكون الغرب نفسه مسرحا لها.
في هذا الصدد، بينما كانت الولايات المتحدة تروج لخطاب الحرية والديمقراطية في الغرب، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وتحمل صفة «زعيمة العالم الحر»، كان الأمريكيون من أصل افريقي يعانون الويلات من عنصرية وتهميش وقتل في بعض الأحيان، كما حصل في ولايات الجنوب.
العالم يعيش تحولات جيوسياسية عميقة بعد الجائحة وحرب أوكرانيا. وينتقد الخطاب الغربي، خاصة الأمريكي ما يصفه بتحالف الديكتاتوريات بزعامة الثنائي الصيني – الروسي. وتطرح الإدارة الأمريكية الحالية مع الرئيس الديمقراطي جو بايدن معركة قيم الحرية في مواجهة أساليب القمع والديكتاتورية، غير أنها يجب أن تكون منسجمة مع نفسها كل الانسجام، من خلال تطبيق شعارات الحرية على أرض الواقع، في علاقاتها الدولية، من دون استثناء بذريعة المصالح العليا للأمن القومي.
*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الغرب إسرائيل الصين روسيا حقوق الإنسان الاستعمار الغربي الولایات المتحدة العالم العربی حقوق الإنسان الکثیر من فی العالم لا یمکن
إقرأ أيضاً:
اندفاع العراق نحو العالم يجعله يستعيد نفوذه
مارس 10, 2025آخر تحديث: مارس 10, 2025
محمد حسن الساعدي
بعد سقوط نظام صدام عام 2003 تمكن العراق من إعادة ترسيخ وجوده السياسي ومحاولة فرض نفوذه على علاقاته بالمنطقة من خلال شبكة عنكبوتية من العلاقات السياسية والاقتصادية والتبادل التجاري بينه وبين الدول الإقليمية والعالم لذلك ازدادت وتيرة العلاقة والمصالح الاقتصادية بينه وبين الغرب ما يجعلنا نسلط الضوء على المشاركة الغربية المتزايدة في قطاع الطاقة المهم والحيوي في العراق الأمر الذي أدى إلى زيادة التأثير السياسي والاجتماعي والاقتصادي للعراق في عموم القضايا العربية وساعدت في إشعال شرارة التحول الديمقراطي وتأثيره على الوضع الإقليمي والدولي .
يمكن القول أن الغرب خسر في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والذي تركز هذه المرة حول غزة وخسر الإسرائيلي لأنه في الوقت الحاضر لم تستطيع اسرائيل من اقناع العالم وحلفائها الرئيسيون من إثبات قدرتها على تحقيق نقاط قوة أو على الاقل إعلان نصر أثناء الصراع مع الفلسطينيين أو اللبنانيين وفتح جبهتين في أن واحد، أو أن يكون لواشنطن لها تأثير في الصراع (الروسي-الأوكراني) ويبدو إن الغرب لم يتمكن من فعل شيء في هذه الصراع واللي بعضه يتركز في الشرق الأوسط أو كان خارج منطقة نفوذه والتي ركز فيها على تايوان.
لقد أثبتت الإطاحة السريعة والغير متوقعة بالنظام السوري إن الولايات المتحدة وحلفائها ما زالوا قادرين على تغيير الأنظمة وحشد ونشر مجموعة واسعة من الأصول السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستخبارية لإزالة زعيم حكم سوريا لفترة طويلة الأمد ليس من خلال الأدبيات الديمقراطية التي تنادي بها بل من خلال التآمر وحشد القوة الظلامية والخارجة عن القانون كما أنه أظهر أنه قادر على قلب توازن القوة الراسخ منذ فترة طويلة عند الضرورة وهذه دروس بسيطة وقويه يمكن أن تستفيد منها دول كالصين وروسيا وإيران وجميع اللاعبين الرئيسيين الآخرين في الشرق الاوسط.
العراق عقد مؤخرا العديد من الاتفاقيات مع الشركات البريطانية وتحديدا مع شركة شل لمناقشة فرص توسيع التعاون بين العراق وشركة الطاقة العملاقة بالإضافة إلى توقيع العراق مع بنك ستاندرد تشارترد البريطاني والمصرف العقاري للتجارة إلى جانبي اتفاقيات أخرى في مجال المياه والبنى التحتية بالإضافة إلى التعاون التعليمي وتبادل البعثات الأكاديمية اتفاقية أخرى مع شركة هاليبرتون لتطوير حقلي نهر ابن عمر وسندبان النفطيين.
يعد العراق أعظم جائزة إلى الغرب في الشرق الاوسط بسبب الاحتياطي النفط المهول التي يمتلكها والتي تعد الأرخص في المنطقة وأثبت العراق أنه كنز لا يمكن تفويته من الطاقة سواء الغربي أو الشرق على حد سواء وموقعه الجغرافي المهم الجاذب في قلب الشرق الأوسط.
حالة الانفتاح الذي يمارسها العراق على العالم تعزز فرص نفوذه الى المنطقة وتجعله محطة من محطات التفاهم والحوار بين مختلف الدول الاقليمية والدولية وهذا فعلاً ما تحقق خلال السنوات القليلة الماضية في حلحلة الكثير من الملفات العالقة بين دول المنطقة، وتجعله يأخذ مكانه الطبيعي في تهدئة المنطقة وإبعاد العراق عن ساحة الصراع ليكون نقطة الالتقاء لا ساحة صراع.