كتب – راشد النعيمي
كشفت حادثة الرحلة المأساوية لفريق المسير الجبلي «الهايكنج» متعدد الجنسيات والمكون من 16 شخصًا في سلطنة عمان والتي انتهت بوفاة أربعة متسلقين وإصابة آخرين، أن من بين الضحايا مواطنان إماراتيان، هما خالد المنصوري وسالم الجراف، اللذان توفيا بعد أن حوصرا مع زملائهما في مجرى الوادي الضيق الذي امتلأ بمياه الأمطار التي هطلت فجأة خلال الرحلة.


وشيع في الإمارات الفقيدان المحبان لرياضة المغامرة وشاركا أكثر من مرة مع فرق في سلطنة عمان، حيث كان الفقيد خالد يوسف المنصوري لاعباً سابقاً في منتخب الإمارات لكرة اليد وبطلا في رياضة الرمح، بينما كان الفقيد سالم محمد الجراف محبا لرياضة المغامرات.
وأقيمت صلاة الجنازة في أبوظبي ورأس الخيمة بعد وصول الجثمانين من سلطنة عمان.


الأخاديد العميقة
يعد وادي قاشع الذي شهد الحادثة من المواقع التي تجتذب المغامرين نظرا لتميزه بالأخاديد العميقة والمسارات الضيقة، وهو جزء من وادي الهجري، لكنه يضم منحدرات صخرية تتطلب الحذر في تخطيها لأن الانزلاق منها يعني السقوط في مجرى الوادي الذي يشهد جرياناً قوياً بسبب ضيقه.
وكانت شرطة عمان السلطانية قد أشارت إلى انجراف خمسة أشخاص في وادي تنوف بولاية نزوى بعد تعرض ١٦ شخصاً من مجموعة مسير جبلي متعددة الجنسيات لهطول أمطار غزيرة نتج عنه وفاة مواطن عماني وثلاثة أشخاص من جنسيات عربية وإصابة آخر بإصابات بالغة، وتم نقلهم عن طريق طيران الشرطة إلى مستشفى نزوى المرجعي، فيما قالت هيئة الدفاع المدني والإسعاف أن فرق الإنقاذ بمحافظة الداخلية وبالتعاون مع المواطنين تعاملت مع البلاغ، حيث تم العثور على 4 أشخاص منهم مفارقين للحياة ونقل 4 آخرين إلى المستشفى تراوحت إصاباتهم ما بين المتوسطة والحرجة.

المغامر خليفة المزروعي


شاهد عيان
روى أحد شهود العيان، أن آخر لقاء جمعه بأعضاء الفريق كان خلال رجوعه للوادي لتنبيه الشباب الذين سبق له رؤيتهم يمارسون المسير الجبلي، حيث صادف قائد الفريق حسام العامري ومجموعته وقام بتنبيههم بخطورة الوضع وحالة الطقس التي ستؤدي لجريان الوادي.
وأضاف أن قائد الفريق أشر له أن هناك مجموعة من أربعة أشخاص لا يزالون في الأعلى ولا يعلمون أن الوادي القادم جارف، والمخرج منه ضيق ولا يتعدى عرضه المترين، وقال أنه واصل المشي والتقدم تجاه المجرى لتنبيه الأشخاص، لكن الوادي كان أسرع، حيث استمرت الأمطار من العصر حتى المغرب، مما زاد من منسوب المياه بالمجرى.
وقال إنه عند التاسعة مساء كان منسوب المياه مرتفع جدا وجارف لكنه جازف بعبور الوادي حيث لم يكن أمامه أي خيار آخر للنجاة بنفسه، فواصل المشي لمسافة 8 كيلومترات بحثا عن نقطة يتوفر فيها إرسال للهاتف، حيث قام بتقديم بلاغ للجهات المختصة التي تعاملت فورا مع البلاغ.

وادي قاشع موقع الحادثة


تلافي الحوادث
من جانب آخر، علق المغامر الإماراتي خليفة المزروعي على الحادثة، مشيراً إلى أن مجال المغامرات يحتاج إلى وعي وتجنب كثير من الأخطاء لتلافي الحوادث التي باتت تتكرر في الآونة الأخيرة واختيار الوقت المناسب الذي لا يحتمل سقوط أمطار ولو بنسبة بسيطة.
وأشار إلى أن موقع الحادث وهو وادي قاشع يحتاج لياقة عالية واستعداد مناسب والذي حدث في الرحلة هو هطول الأمطار بشكل قوي ومفاجئ، حيث كان الشباب في نهاية الوادي، وبعد هطول الأمطار تم تقسيمهم إلى 3 فرق بحسب السرعة لكيلا يتعرضوا جميعا للخطر وهو تصرف سليم من قائد الرحلة.
ويضيف أن الفريق الأول والثاني نجحا في الوصول بسلام لنهاية الوادي، بينما بقي الفريق الثالث وهو الأقل سرعة وكان في آخر كيلومتر وهو ممر ضيق حيث داهمتهم مياه الأمطار القوية وجرفتهم مما تسبب بالوفاة.
وأشار المزروعي، إلى أن الأخطاء في هذا المجال تتسبب في كوارث ويجب على الفرق المنظمة للمسير الجبلي أن تتابع تطورات الطقس أولا بأول وتراعي الدقة في إمكانية هطول الأمطار التي تشكل خطرا على المشاركين وكان الجميع يعلم أن هذه الفترة تشهد تكونات صيفية وأحيانا تكون الأجواء مناسبة لكن في لحظات تتبدل الأمور.
ودعا قادة الفرق لعدم تعريض أنفسهم والمشاركين وفرق الإنقاذ للخطر وعليهم إلغاء الرحلة في حال الشك ولو بنسبة بسيطة في تعرضهم لخطر كهطول الامطار أو جريان الأودية وإن إلغاء المغامرة ليس نهاية الطريق ويمكن تأجيلها لوقت آخر مناسب ولا يمثل خطورة على الأرواح.
وأشاد بحسام العامري قائد الفريق الذي كان من بين الضحايا مؤكدا أنه يتمتع بخبرة كبيرة وشجاعة وأنه كان مع الفرق التي وصلت مبكرا على بر الأمان لكنه عندما أحس بتأخر الفريق الأخير عاد إليه ساعيا إلى إنقاذ أعضائه وإيصالهم على بر الأمان لكنه لقي حتفه معهم بعد أن داهمتهم الأمطار.
التدابير الاحترازية
دعت هيئة الدفاع المدني والإسعاف هواة رياضة المشي الجبلي في سلطنة عمان، لاتخاذ التدابير الاحترازية في التعامل مع هذا النوع من الهوايات نظرا للمخاطر التي تحيط بهذه الهواية في المناطق الجبلية المرتفعة.
وأكدت الهيئة على ضرورة اصطحاب الأشخاص الذين يمتلكون الخبرة الكافية في تتبع طرق المسارات الجبلية، وعدم المجازفة بممارسة الهواية دون أن يكون هناك دليل أو مرشد يقود المجموعة لتجنب المخاطر المتوقعة، مع ضرورة ارتداء الأحذية المناسبة للتسلق الجبلي وصعود الممرات الوعرة في أعالي الجبال، واتخاذ كافة التدابير الملائمة بما يمنع من وقوع الحوادث التي ازداد عدد محبيها خلال السنوات القليلة الماضية.
وتنصح الهيئة، بحمل العدة اللازمة من الأدوات الطبية والإسعافية عند التوجه لخوض تجربة المسير الجبلي، مع الحرص في الوصول لأماكن لا تنقطع عنها بث الهواتف اللاسلكية لتحقيق سرعة في تسجيل البلاغات الطارئة عند وقوع أي حادثة.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات سلطنة عمان

إقرأ أيضاً:

قصة الوادي الصغير(29)

 

الكاتب حمد الناصري
 
التقى فلوع سرّاً مع مُحسن الشيخ قائد تحالف الوادي الصغير.. فقال فلوع بصوت هادي:
 
ـ  ما أريد أن أخبرك به يجب أن يكون سِراً ، فهو يهم الوادي الصغير ، كما يهم الرمال والبحر على السواء ..أنا فلوع من حيث عرفتني ، أعلم أنّ غيابي من أسوأ الغيابات في الوادي الصغير ومجتمع الحارات والساحل الطويل والرمال والكثبان ، لأيام طوال ودون أسباب واضحة ، وقد تفاقمت الأمور في المجتمع الذي سعيت أن يبقى في رفاهية ومَجد وعلى رُؤية واضحة ولكنّ الغربيين والشرقيين تنازعوا واختلفوا على أمري ، ولذلك سارعوا إلى إخفائي ، لأن الموت من أقسى الأمور، ومن الصعب تصديق خبر الوفاة ، شهوراً مضت وأياماً طويلة ، كأنّ اليوم عن ألف سنة ممّا اعتدنا احتسابها ، سنتين وأكثر على اختفائي ثم أظْهَر على العلن، ليس الأمر بالهيّن أبداً .. لذا سارع الغربيون والشرقيون معاً، كلٌ يبحث عن طريقة وأسباب تمويهية تشغل مجتمع الأعراب وتُقوّض نشاطهم وديمومتهم في الإصلاح، وكان الشرقيون هم أسباب كل تلك الإثارة، ليستفزّوا بها الغربيين الذين سعوا معنا للتبادل التجاري مع ذوي السحنة الرصاصية وذوي العيون الجاحظة وذوي العيون السوداء وفارعي الطول، تحقيقاً للاستقرار في رمال الأعراب وإنهاء التوتّر بين الجانبين ـ القوتين الشرقية والغربيةـ لكن الشرقيين أبَوا إلا وأنْ يُثيروا غضب الساكنين بطريقة اختفاء أحدنا، فالع أو فلوع. ثم أجمعوا أمرهم على أنْ أكون أنا في البداية ولكي يتحسّسوا ردود الفِعل الغاضبة من مُجتمع الأعراب وأهالي الساحل الطويل، ولا أدري بعد ذلك ما الذي جرى.؟ فقد رأيت نفسي مَعصوب العينين ومربوط اليدين، ومكتوف الذراعين، ثم فجأة رأيتني في مكان مُظلم كما يبدو أو مكان مهجور، أو مَغارة جُعلت للتعذيب أو كهف اتّخُذوه كسجن أبدي، إنه مكان مُخيف يخلو من البشر تماماً، وعلى إحدى جانبيه حفرة عميقة كأنها زنزانة انفرادية لا أرى فيها غيري.

وبعد أيام لا أعرف قدْرها، فالزمن يمرّ عليّ غير معدود، وإذا بجسد بشري يُلقى ويُسحب بقوة، يصطفّ إلى جانبي ولم أكن أعرفه ـ وذلك ما كنت أكره أن يُؤخذ أحدًا بظلم غيره، ولم أجد ما أقوله من الكلام، غير قول جميل أستأنس به، إذا ما أظلم عليّ أمر، أو خشيت شراً، فرددت بصمت " واتقوا يوماً، تصيبكم فيه مَظلمة فلا تظلموا أنفسكم ولا تظلموا غيركم ولا تكونوا ظالمين.." كانت هذه اللحظات كفيلة بتذكيري بكل شيء.. والذين ظلمتهم وألقيتُ عليهم مَظلمة أو فتنة، فالظلم أشرّ فِعل على النفس كظُلمة تلك المغارة التي مكثتُ فيها.

    يقشعرّ جسدي والخوف يُحيط بي، وتحسّستُ أكثر فأكثر، فإذا هو أخي "فالع" يُقذف به أمامي.. ولم أستطع أن أسألهم خشية أنْ يفعلوا بي أكثر ممّا أنا فيه من ظُلم وأتحسّر على ما فعلت.. أو يأخذوني إلى عذاب شديد ويكفي أني أتضوّر جوعاً وعطشاً..  يُقَتّرون عليَّ الطعام والشراب، يركلونني بأرجلهم ويضربونني على ظهري بعصاً نحيفة، خيزران أقبح من هراوة أو عود جذع سُمرة، ولا أحد يُبالي لتوسّلاتي، وكنت أخشى أن يزدادوا ظُلماً فيركلني أحدهم بقدميه أو بكعب بندقيته أو يضربني بعصاً بين أصابع قبضة يديه.

وبعد مدة من الزمن لا أعرف قدرها، فالليل والنهار يتساوى معي وبصصت أنّ رجلاً أزال خِرقة غليظة عُصِبت بها عينيه وأنا مكتوف اليدين، ودُفع به إلى مكاني في أقصى زاوية، وسمعت صوت يتبادل وحوار يرتفع ونقاش يحتدم مع شخص، ولم يكن الصوت بغريب عليّ، وتحسّستُ أكثر، وأصغيت سَمعي، رغم أنّ سَمعي مُتصدّع من العذاب والتنكيل والضرب اليومي وكأنه وجبة طعام ولم أستطع الاعتراض، وأقول ـ مثلاـ لماذا تفعلون بي هكذا.. هذا فعل مُشين.؟ فإن قلت شيئاً أو تحمحمت لا أجد حينها إلا والخيزرانة على ظهري، وكأنها دواء بديل عن الكلام والاعتراض. وسمعت كلمات مُتقطعة من أحدهم ولم اسمع ردّاً أو تعقيبًا.. وتساءلت في نفسي، ماذا فعل؟ ما هو ذنبه؟ ثم حواراً يتصاعد بقوة، أهذا جزاء من يخدمكم، سأفضحكم، تباً لحماقتكم.
 وعلى أثر ارتفاع صوته وتذكيرهم بالفضيحة، وإذا بهم يعصبون عينيه مجدّداً ويغلقوا فمه بشيء ثقيل، وقد وضعوا رأس أخي على هيئة سُجود، ثُمّ فُصِلت رأسه عن جسده.. أمام مرأى عيني.

وقد عُصبت عيني بعد الحادثة مباشرة وكأنها مقصودة، ثم أخذني الحارس الذي وُكِّل بحراستي إلى جهة لا أعرفها لكني أعرف أنّنا خرجنا من تلك المغارة إلى مغارة أو كهف قريب منها.. وبعد ساعات، أزالوا عن عيني ما عُصّبت به، وفُكّ ما قُيّدتُ به في يدي ورجلي ثم أخرجوني وقالوا كلمتين، اذهب إلى حيث تُريد.. ومصيرك محتوم.
 
قال مُحسن الشيخ وهو يُلقي نظرة قوية في عين فلوع وكأنه يختبرهُ بذكاء وفطنة:
 
ـ وماذا تتوقع من خطط الغربيين والشرقيين معاً لمستقبل الوادي والرمال وبحر الأعراب؟
 
 ـ أتوقع الكثير المُفيد وغير المفيد، فالمُفيد ربط البحر العميق بالبحر المفتوح مُروراً ببحر ذي السِحنة الرصاصية وبحر الأعراب الكبير وصُولاً إلى بحر المرجان وهو طريق قديم، وقديماً يُعرف بطريق البحر الناعم.

 وبحر المرجان له مداخل مائية كثيرة، وعلى بوابته نُدوب ضيّقة، تسير إلى مجرى ساحل صغير ذي مياهٍ زرقاء رقيقة ، وهو طريق بحري سلكه الأقدمون ومياه البَحر تتسع وتضيق إلى حدّ الاختناق ، ومساحة العَرْض لا تزيد عن حارة سيح المالح ومن أهم مُميزاته أنه يحتلّ موقعاً استراتيجياً لكونه يقع بين أهم طريق بحري ، غرباً وشرقاً وينفرد بِقيعان مُستوية ، مَبسوطة فوق لآلئ مَرجانية ، والأهم من ذلك أنّ بحر المرجان يربط بين الشرق والغرب ولكن خطوط دورانه تكون أبعد ، وربما بحر الأعراب الكبير أسهل منه، ويُقال ولا تسألني بعد ذلك أنّ بحر المرجان جُعل ليكون للقوة الحادية عشرة أو قوم هاد ورجال رملة ياكوف ، لكنهم يُريدون أن يقوم الأعراب بتطويره من خزائن البحر والرمال ، ثم لا يجدون شيئاً منه، انظر كيف وضعوا قوم لا صلة لهم بنا ، وقالوا عنهم قوم هادْ ، ونحن نعرفهم بقوم هادِنْ منذ قديم الزمن. والسؤال الذي لا أبوح به لأحد غيرك، لماذا جاؤوا بهذه الشرذمة القليلة من بقاع مُتفرقة لتكون أمة تتوسّط أمّتنا الشرقية والغربية؟ إن علمت بأمرهم دلّني على إجابة واضحة مُقنعة.

 وفي الأثر نقرأ بأنّ أمة الأعراب، أمة وسط، فلماذا قوم هادن يتوسّطون أمّتنا ونحن خير منهم، أمّة الوسط، ألا تعني وقوعها بين مُفترق طريق بحري تمُدّ الشرق والغرب، وها نحن نُعطي ونُفرّق كنوزنا على الشرقيين والغربيين دون الالتفات إلى قومنا الأعراب وأحوالهم، ولم يُراعوا الذين يجاورونهم، فأخذوا يستضعفونهم ليكونوا لقمة سائغة لقوم هادِن.. ونحن أعراب لم نتبيّن الحقيقة، أن بحر المرجان هو بوابة السماء الغربية، وكما ذكرتُ يوماً للسيد ثابت أنّ للسماء بوابات كعدد البحار الستة، منها بحر المرجان وبحر الأعراب الكبير، وغيرها من البحار التي لم أتوصّل إليها، لكنّني أذكر منها البحر الفضي ذو السحب الملونة والرعود الهادرة والبروق المُخيفة والبحر العميق، وبحر الظلمات والبحر الشرقي شديد العواصف أو كما يُعرف ببحر الموت.

وإني أخبرك بأنّ أخطر الأقوام وأشرّهم همًا؛ الشرقيون وقوم هادِن. قومان انحرفا عن جادّة الصواب، أما الغربيون فمعتدلون في توادّهم معنا وفي تراحمهم مع قومنا الأعراب ولا يَخلون من أخطاء، وكما أذكر أنّ لهم أساليب متعددة وطرق مختلفة منها اسْتبداد وتخوين وتشتيت واستعمار فوقي، ومن أخطائهم فلسفة لا تتوافق مع الأعراب وهي باطلة، لا صواب فيها، إمّا مَعنا أو مع غيرنا.؟ لا يقبلون بالمُنتصف.
 وأما الشرقيين لا يتفقون مع قول الغرب الساعين إلى الاستبداد والاستعمار ولا يُؤمنون بقاعدة "فرّق وقَرّب ".. ولديهم الفكرة نفسها تقريباً، تدور محاورها، الشُبهة بشبهة مثلها، فإذا أرادوا تفرقة، أثاروا شُبهة وإذا أرادوا القرب منك أثاروا شُبهة، فتكون في دائرة مستمرة وتحتاج إلى الخروج من الدائرة التي طوقوك بها، وبالتالي يتدخلون في عِصّك ولا عِصّ لهم في عِصّك أبدا.

ويبدوا لي أنها عنصرية فجّة لم يجد لها ذوي الألباب معنى ومغزى، لكنهم يصفونها بالشرّ المُطلق.. والشرقيون علاقتهم مُرتكزة على الأفكار القديمة التي زرعها كبار رجالهم الذين يؤمنون بهم " من اليابسة إلى البحر" وهي فكرة مأخوذة من قاعدة المشروع الأساس والذي عُرف قديماً بطريق البحر الناعم وهو أحد سلاسل المشروع الضخم "الشرق الكبير" وسُمي كذلك، نظراً لدخول ذوي الأنوف الفطحاء كشريك أساسي ولحقت بهم بلاد ذوي العيون السوداء وفارعي الطول وذوي العيون الجاحظة في المشروع الضخم، وذوي السحنة الرصاصية كانوا ولا يزالون بُنيان مكين بالنسبة لمشروع الشرق الكبير، نظراً لوقوعهم بين بحرين كبيرين.. وبحار الأعراب صغيرها وكبيرها، هي قِبْلة الاعتدال بين الشرق والغرب وكأنها الظّهر القوي الذي لا ينكسر أو كأنّ ذلك الظهر وُجد ليكون الخيار الأسهل لحاجة الناس.
 
 والسُؤال الذي أطرحه عليكم جميعاً، لماذا نستخرج مكنونات رمالنا ومُدخرات أرضنا وخيرات بحرنا لصالح الغربيين والشرقيين معاً وأصدقاء البحر وذوي السِحنة الرصاصية.؟ لماذا لا نستلهم من أمّة الاعتدال مبادئها ونكون سداً منيعاً حتى لا تغزوا أفكار الشرق والغرب أدمغة شبابنا بترّهات ثقافات لا تتجانس مع ما ثقافتنا وتكون جداراً حاجزًا لِقيَمنا وتقاليدنا وما تربّينا عليه من أخلاقيات...؟ ومهما اختلف الغرب عن الشرق وبدا أحدهما أقرب إلينا من الآخر، فكلاهما يَحملان غزوًا مُمنهجًا لبثّ عقائد لا نُؤمن بها، وكُل ذلك يستهدف إلى حدّ كبير مجتمعنا المُعتدل في سيرة نقية، وإني أخشى أن تستوي الطبخة، فتنشأ بعدها خطورة بالغة لكل ما هو جميل في أخلاقياتنا وكل ما هو صائب في علاقاتنا الاجتماعية التي يُخفونها عنّا، ويُسِرّون بها بعضهم، ويُعرضونها كمَنهجية تدعو إلى التغيير.

والحقيقة أنا أحمّلك المسؤولية الكاملة، وأقول لك انتبه ثم انتبه، فالغرباء جميعاً يُدخلون التشكيك والظنون التي تستهدف ملامح ثقتنا بأنفسنا وبما نعتقدهُ ونُؤمن به والآن بدت أحاديث طِوال وظهرت بقوة، يقولون بأنّ بشرة الأعراب اختلطت بألوان بشرة شرقية وغربية، ويُرسخون هذه الأفكار في الأجيال المُتعاقبة لا لشيء لأنّها تمسّ مُستقبل تُراثنا.. ثم يردونها علينا بالظنون كقولهم أنّ ذوي البشرة السوداء يعودون إلى أعالي البحار العميقة، ويرون أنّ أنماطاً فتّحت البشرة إلى داكنة ثم تطوّرت إلى سِحنة رصاصية إلى أنْ استقرّت في رمال الأعراب، فأصبحت بشرة فاتحة وداكنة ورصاصية في أطراف الرمال وشقراء في العُمق.. وهذا ما نطالعه في كثير من كتبهم وفلسفاتهم ، بل ويعتقدون أنّ أعراب الرمال عبارة عن مُكوّنات بشرية تطوّرت مع بشرة شرقية وأخرى غربية وملامح قديمة تجانست من خلال ما يُعرف بالجوار البحري أو قوم هادِنْ، وأنّ سِحنة الذين عُرفوا بالسِحنة الرصاصية ، انحدرت من تلاحق أخطاء اندماج بشرة بحرية عالية العُمق مع بشرة بحرية داكنة ، وتتابعت الاندماجات في تجانسها وأدّت تطوّراتها إلى بشرة فاتحة ، مِمّا ألزم التقارب إلى تطوّرات طبيعية ، فظهرت أنماط أخرى وانقسمتْ عِرقيتها إلى رُباعية وتقاربت أنماطها ، فأصبحت السِحنة الرصاصية لها أدوار عِرقية مع ذوي العيون الجاحظة وذوي العيون السوداء وفارعي الطول والذين يُعرفون بالجوار البحري ثم أنتج ذلك التجانس تطوّراً جديداً عُرف بمُكوّن الرمال ومُكوّن البحر ، وكلا المُكوّنين استوعبا أخلاطاً عِرقية.

وهم لا يدعون صغيرة ولا كبيرة إلا ويدخلون أنفسهم فيها فمثلا يقولون: إنّ تسمية ساحل المرجان جاءتْ من قيعانه المُتلألئة كالمرجان ، وساحلهُ رقيق الماء تعبرهُ السفن الصغيرة وحين ترتفع مياه البحر إلى داخل اليابسة تكون أطرافه منفوخة ويظهر عالياً مُنتفخ الأوداج ، لأيام وليالٍ فإنّه يُمكن في هذه الأيام القليلة أنْ تُبحر السفن جنوباً إلى بحر الشرق الكبير وما يُحيط به من قرى مُحصّنة بالبحر وأخرى توارت خلفها كالحجاب ، نظراً لظهور المياه فوق سطح البحر ولا تكشف العين المُجردة جهتها أو موقعها إلا بما تشعُر بها البصيرة المُعتادة بمعرفة القُرى المُتوارية ، وأكثر البحّارة الذين يجتازون بحر المرجان وساحله الرقيق يُجازفون في الإبحار إلى مسافة بحرية طويلة ويتجنّبون مخاطر الرياح العكسية التي قد تحملهم إلى مسار مفتوح ، تشتدّ فيها الرياح العاصفة فتنخفض الرؤية البصرية ويُواجهون ارتفاع نسبة الرطوبة العالية من هواء مُرتفع لا يقدرون على بقاء السفن في مسارها ولو حرصوا، فالإبحار المُفاجئ قد تكون عواقبهُ وخيمة. فالسماء قد تُداهمك بغيوم سَوداء في البحر الكبير والسماء تبرق بغلظة بعد ساحل المرجان، وتُنبئ بعواصف راعِدة حادّة يَخشى منها البحارة الماهرون، والنوخذة الفطن لا يُخاطر ويتجنّب المُفاجئات غير المحسوبة، فقد يَصعب معرفة الاتجاه الصحيح أو تصويب المسار الآمن.
 
 ـ اسكت يا رجل.. هذا السرد كله مأخوذ من كتاب المُؤتلف لأحد رجال ساحل الحارات "سيح المالح حالياً" وهو عبدالله المشهور وجزء كبير مأخوذة من كتاب البحار العظيم الشهابي" البحار السبعة العميقة " والذي هو من قرية الجبل من الساحل المُهادن والذي عُرف قديماً بارتباطه بجذوره الأصيلة أعراب الوادي الصغير.
 
ـ اصبر عليّ.. دعني أكمل لك.. وحكاياتهم التي أطّلعت عليها ووقفت عليها.
 
ـ كفى لا تكمل.. ولكني أطلعك على كل تلك الحقائق التي تعرفها والتي لا تعرفها ومن كتبهم التي قرأتها، واعلم أنّك لستَ وحدك من يقرأ ويُسطّر حكايات ... فنحن نعرف الصواب ، ونقرأ الوثائق الأمينة ، وخذ قليلاً منها  ، من كتب "البحار السبعة العميقة " للشهابي المعروف بـ أحمد الشهابي وهو من بيت الماجد من قرية الجبل الأعلى أو قرية الممرّ الضيّق ، فالنُوخذة كما يُعرف عند الأعراب جميعاً هو قائد السفينة العابرة مَتن البحر، أو الذي يركب البحر لأغراض تجارية أو من أجل صيد البحر، وسواء أكانت صغيرة أو كبيرة ، فالنوخذة تقع عليه مسؤولية الإبحار ومسؤولية التوجيه والتصويب ، وله مُواصفات تُميّزه عن غيره من البحارة ، كأن يكون كثير التجارب البحرية وذو خبرة عالية المستوى في شؤون الإبحار والسفن وطرق البحر ومساراته وأخطاره ، ومُحَفّز رئيسي لأنشطة البحارة وعاملٌ على أمانهم، وعارف بطرائق سُنة البحر ، وذو بصيرة وحِنكة ويتحمّل مسؤولية وقوع أيّ خلل أو عارض ولديه الاستعداد التامّ لإنقاذ السفينة والبحارة ويُقدّمهما على نفسه ، والنُوخذة يتمتّع بالفِطنة والسلوك الحَسِن وحِسّ الأمان البحري ويتّصف بالاعتدال في واجباته وفي مسؤولياته ، ويكون جسده خالٍ من أيّ عِلّة مرضية ظاهرة.

ثم التفت إلى مُستشاري التحالف الذين كانوا محوراً مهمّا في لقاء فلوع بـ محسن الشيخ وأردف :

ـ لا غرو أيها الرجال، فإنّ مشروع الشرق الكبير يهدف إلى تسهيل التبادلات التجارية وتأمين عبور السفن بأنواعها، وهذا المشروع الآن يتجدد، ويُعاد تَعميره كما أسلفنا سابقاً، ولكن بطريقة مُختلفة بطريقة هيَ أقرب إلى أفكار الساكنين عبر الطريق الشاقّ الذي أختير أنْ يخترق سُكنى الناس دون أنْ يتأثروا به، وخطّهُ مرسومٌ من أكثر من مائتي سنة، ومسارهُ واضح ـ البحر ـ اليابسة ـ البحر. وذلك يعني أنّ المشروع سيبدأ من البحر الشرقي، بحر ذوي الأنوف الفطحاء، مُروراً بيابسة ذوي العيون السوداء وفارعي الطول والبيض ذوي العيون المُلونة وجزء من بلاد العيون الجاحظة وساحل ذوي السحنة الرصاصية وصولاً إلى البحر الكبير وبحر الأعراب ويابسة رمال الأعراب وانتهاءً ببحر المرجان.
 ثم يُطوّر المشروع على أو وِفْق استنتاجات مُتجدّدة بنظام حازم، يربط ديار الغُرباء ذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة جميعها، صغيرة كانت أو كبيرة، ويقطع مسافة بحرية كبيرة لا تقل مسافة عن مياه بحر الأعراب الكبير وبحر الظُلمات والبحر العميق والبحر المفتوح وبحر الشرقيين ذوي الأنوف الفطحاء، والمشروع ضخم وكبير يسير وفق مسافة زمنية أعِدّت له، لكنّ الغربيين يُعارضون المشروع بمشروع مُماثل" البحر والرمال" مشروع مُوجّه إلى الشرق ضاربًا خِطط الشرقيين في العُمق، مهدّدا منافعهم في بلاد الأعراب بحراً ورمالاً.

 وسأعطيكم نبذة بسيطة عن المشروع الغربي " البحر والرمال" فالمشروع آنفاً، يبدأ من بلاد ذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة ويقطع البحر الغامض ويُعرف أيضاً بالبحر الواقف وهو الأكثر خُطورة في مياه البحار قاطبة ثم يجوب بُلدان صغيرة تتقاطع مصالحها مع ذوي الوجوه الحمراء وينفذ إلى عُمق البحر الدافئ لمسافة بعيدة ويُطوّق المشروع الغربي البحر الغامض وهو البحر الأكثر خُطورة، كما يقولون.. ولكن الشهابي قال عنه بأنه الأكثر عُمقاً ومسافته أبعد طولاً، ومن أخطارهُ بأنه يتعرّض لموجات عاصفة فُجائية ليلاً ونهاراً، ورياح عكسية تحمل أمطارًا غليظة شديدة البرودة وعواصف رعدية ويقطع سواحل عميقة عبر البحر الواقف، إلى مَجرى مائي مُكوّنه مُختلط، عُرف بالفالق. 
 
الغروب يَتشتّت بألوان ثلاثة، حمراء متوهّجة وزرقاء داكنة وبنفسجية غامقة، حرارة النهار تختفي، والشمس تجري إلى مُستقرّ سُجودها ثم تؤوب إلى سيرها طالعة وغاربة وقُرصها كأنّه يُزاور أمكنة تقبع خلف أقنعة الظلام، تُبهر الناظر إليها، وهيَ تختفي في سُكون.
يتبع 30

مقالات مشابهة

  • قصة الوادي الصغير(29)
  • ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على جنوب غزة إلى 35 / صور
  • ارتفاع ضحايا القصف الإسرائيلي على جنوب غزة إلى 30 قتيلاً
  • السلطة المحلية بالضالع تنعي العميد همدان الجبلي
  • السلطة المحلية في الضالع تنعي العميد همدان الجبلي
  • الزمالك يختار رئيس بعثة الفريق فى جنوب إفريقيا
  • 7 ضحايا في حادث مرور بالمسيلة
  • خبر سار لجماهير نادي الزمالك بشأن نجم الفريق
  • خطة إدارة الزمالك لمنع رحيل نجوم الفريق
  • الحكومة: كمية الأمطار التي عرفها المغرب تمثل زيادة بنسبة 88,1% مقارنة بالسنة الماضية