علي جمعة يوضح دستور الإيمان وحكمة الابتلاءات
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية السابق إن "الإيمان بالقدر خيره وشره" من أهم مظاهر الإيمان بالله، حيث يعني الرضا بالله ربا وحاكما.
ووضح جمعة أن دستور الإيمان يتمثل بالقدر في قوله تعالى : ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ ، وما قاله عبادة بن الصامت رضي الله عنه لابنه: «يا بنى إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله ﷺ يقول : « إن أول ما خلق الله القلم، فقال له : اكتب.
وتابع جمعة وقوله ﷺ لابن عباس رضي الله عنه : « واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف »، فينبغي على المسلم أن يعتقد اعتقادًا جازمًا بأن كل ما يجري في الكون، وكل ما جرى، وكل ما سيجري، هو فعل الله سبحانه وتعالى، وأن الله كتب هذا الفعل من الأزل.
وأشار جمعة إلى أنه توجد حكمة عالية في قضية القضاء والقدر، وهي حكمة الابتلاء بمسألة الرضا عن الله، فالإنسان لا يعلم ماذا كتب عليه غدًا؛ ولذلك من حقه أن يتمنى، وأن يسعى إلى تحقيق ما هو مباح ومشروع، فعندما لا تتحقق هذه الأماني والأحلام ويختلف ما رتبه المخلوق مع ما أراده الخالق يظهر الإيمان الحقيقي، فإذا كان ما كتبه الخالق أحب إليه مما رتبه لنفسه فذلك المؤمن الصالح، وإن أبى واعترض وسخط فذلك العاصي الجاهل، والذي قد يترتب على عدم رضاه وسخطه الخروج من الملة والعياذ بالله.
واستطرد جمعة أن الإيمان بالقضاء والقدر هو التعبير الفعلي للإيمان بالله، فإن كنت تؤمن بوجود الله وصفات كماله وجلاله وجماله، فيجب أن تؤمن بأثر هذه الصفات وهي أفعاله سبحانه وتعالى، فالإيمان بأفعال الله أن تؤمن بأنه لا فعل إلا لله، وأن ترضى بما يصدر في الكون عن الله حتى تكون عبدًا ربانيًا، ولا تنافي بين اعتقادك أن الفعل لله وحده، وبين كونك مختارًا مريدًا، فإن اختيار الإنسان وإرادته محسوس لا ينكره عاقل، ومن أنكره كذب بالمحسوس، وكذب بنصوص القرآن، التي أثبتت للإنسان قدرة ومشيئة واختيارًا، قال تعالى : ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾، وقال سبحانه : ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾.
وانتهى جمعة أن الصواب في تلك المسألة أن تثبت لنفسك فعلًا واختيارًا، وأن تعتقد أن الله هو الفعال وهو صاحب الأمر، ولا يخرج أمر من دائرة قهره سبحانه، فالقدر سر الله في خلقه، ولذا ترى بعض العارفين كأبي العباس الحريثي يقول : "من نظر إلى الخلق بعين الشريعة مقتهم ، ومن نظر لهم بعين الحقيقة عذرهم". فالعارف مستبصر بسر الله في خلقه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإيمان القضاء والقدر الإيمان بالقدر قال الدكتور على جمعة حكمة الابتلاء مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء سبحانه وتعالى ومفتى الجمهورية علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء
إقرأ أيضاً:
مرايا الوحي.. المحاضرة الرمضانية (3) للسيد القائد 1446هـ
يمانيون/ مراد شلي مرايا الوحي – حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد “المحاضرة الرمضانية الثالثة” ( تجسيد المحاضرات الرمضانية كـ”مرايا” تعكس أنوار المعرفة الإلهية بطريقة السرد الروائي ). ( المحاضرة الرمضانية الثالثة )
استدراك : ستظل شخصيات الدكتور احمد ونجليه صلاح ومنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ .
الدكتور أحمد.أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر
أما نجَلاه صلاح ومنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها.
” يجلس ثلاثتهم بانتظار المحاضرة فيما صلاح يحدث اباه واخاه عن اهمية محاضرات القصص القرآنية وتنوعها كونها تساعد طلاب العلم على ربط التخصصات المختلفة برؤية إيمانية .
اومأ الدكتوراحمد برأسه موافقاً كلام ابنه معقباً : طرح السيد عبدالملك لقصص القرآن هو دعوة للتفكر وتأكيد على ان القصص القرإني مدرسة متكاملة لصناعة الوعي والايمان .
نظر الاثنان لاباهما باعجاب وفي تلك اللحظة انطلقت المحاضرة الرمضانية الثالثة وتسمر الثلاثة لمتابعتها بكل شغف واهتمام .
في قصص القرآن عن أنبياء الله ورسله، يأتي الحديث عنهم في إطار مهامهم الرسالية، وسعيهم لهداية المجتمع البشري، وشده إلى الله سبحانه وتعالى، والعودة به إلى الصراط المستقيم، ويأتي الحديث عنهم أيضاً في مقام الاهتداء بهم، والتأسي، والاقتداء بما هم عليه من كمالٍ إيمانيٍ عظيم، وكذلك ما يتعلق بالهداية في الواقع العملي، سواءً بأسلوب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، أو في التصدي لمشاكل الحياة، والتعامل مع ظروفها وأوضاعها المختلفة، فلهم هذا المقام العظيم في الواقع البشري، هم القدوة، هم الأسوة، هم القادة، هم الهداة، هم الرموز الذين يجب أن يلتف حولهم المجتمع البشري.
– بالفعل يا ولديّ كما قال السيد القائد الحديث عن الانبياء يأتي من باب التأسي والاقتداء بهم وما هو بنعلق بالهداية الايمانية
قصة الهدايا الإلهية للمجتمع البشري هي متزامنةٌ منذ الوجود البشري على الأرض، الله سبحانه وتعالى جعل أول إنسانٍ يخلقه جعله نبياً، نبياً، أوحى اليه، هداه، علَّمه سبحانه وتعالى ما يحتاج إلى علمه في مسيرة حياته، قدَّم له الهداية؛ ليسير في مسيرة هذه الحياة على الصراط المستقيم، يتحرك في حياته وفق تعليمات الله سبحانه وتعالى، علَّمه الالتزامات الأساسية في هذه الحياة، في ما على الإنسان أن يعمله، وما عليه أن يحذره، في إطار الأوامر والنواهي الإلهية .
– يعقب منير بكل اعجاب قائلاً : هل سمعتم تأصيل قصة الهداية الإلهية للمجتمع البشري التي اوردها السيد عبدالملك .
في الواقع البشري نشأت حالة الانحراف، وحالة المعاصي، وحالة الخلل الكبير في مستوى الالتزام بتعليمات الله وهديه، وفي مستوى الاتِّباع للهداة الأنبياء، الذين جعلهم الله هداةً للناس، فتعاظمت حالة الانحراف في الواقع البشري، على المستوى العملي، على مستوى الأخلاق والقيم، على مستوى المحرمات، فيما هو حلال، وفيما هو حرام، ووصلت في نهاية المطاف إلى انحرافٍ خطير جداً في مستوى التوحيد لله سبحانه وتعالى، الإيمان بأنه هو وحده “جَلَّ شَأنُهُ”، الإله الذي نعبده، ونتَّجه إليه بالعبادة، والاعتراف بأننا عبيدٌ له، وأنه وحده المدبر لشؤون السماوات والأرض
– هل لاحظتم يا ولديّ كيف بدأت حالة الانحراف وكيف رسمها السيد عبدالملك وكيف وصلت في النهاية المستوى خطير جدا حد الانحراف في التوحيد للله سبحانه وتعالى
تنوعت هذه المعتقدات في مسألة الشرك بالله سبحانه وتعالى:
البعض من البشر في نظرتهم إلى بعض الظواهر الكونية، وتأثرهم بها، اعتقدوها آلهة، مثلما هو حال من عبدوا الشمس، من عبدوا القمر، من عبدوا النجوم… اختلفت أحوال البشر في ذلك.
البعض اتَّجهوا إلى جمادات، إلى الأصنام التي ينحتونها إمَّا من الصخر، أو يصنعونها من الخشب، أو من معادن أخرى، وجعلوا منها تماثيل، بأشكال معينة، ونصبوها في المعابد، واعتقدوها آلهة.
البعض من البشر ألَّهوا الملائكة، اعتقدوا الملائكة كذلك مشاركين في مسألة الألوهية.
والبعض منهم ألَّهوا البعض من البشر، البعض من الناس ألَّهوا أُناساً، إمَّا من الطغاة المجرمين الظالمين، الذين يصل بهم طغيانهم إلى ادِّعاء الربوبية والألوهية، مثل ما هو حال فرعون، الذي قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص:38]، فقال: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات:24]، ومثلما هو حال أيضاً بعض الملوك والطغاة الآخرين .
والبعض اتخذوا آلهة بغير رضاً منها، يعني: مثل من ألَّهوا عيسى عليه السلام، عيسى المسيح رسول الله، عبد الله ورسوله، ألَّهوه، هو لا يرضى بذلك، وحدث هذا من بعد زمان، من بعد سنوات طويلة من توفي الله له، لكن اتَّجهوا بانحرافهم هذا الاتِّجاه الخاطئ، الذي يتناقض تماماً مع رسالة الله، مع دعوة رسوله إلى عبادة الله، وهو الذي أنطقه الله، فكان أول ما نطق: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}[مريم:30]، الإقرار بعبوديته لله سبحانه وتعالى، وهو الذي كان العنوان الأبرز لدعوته في رسالته: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}[مريم:36].
– يتحدث الدكتور احمد معقباً لقد لخص السيد عبدالملك تنوع مظاهر الشرك بالله عبر التاريخ، فاتخذ البعض آلهة من الظواهر الكونية كالشمس والقمر، أو أصناماً منحوتة، بينما ألَّه آخرون الملائكة أو بشراً طغاة كفرعون. كما انحرف بعضهم بتأليه الأنبياء كعيسى عليه السلام رغم رفضه ذلك، متناقضين مع جوهر الرسالات السماوية الداعية لتوحيد الله.
ولذلك ما بين نبي الله نوح عليه السلام، والذي كانت البشرية، وكان الناس قد استأنفوا حياةً جديدةً معه بعد الطوفان العظيم، قائمةً على التوحيد الكامل لله سبحانه وتعالى
إلى عهد نبي الله إبراهيم عليه السلام، كانت المجتمعات البشرية قد انتشرت على نطاقٍ جغرافيٍ أوسع، وكانت أيضاً في واقعها السياسي، قد نشأت بحالة جديدة في الواقع السياسي في المجتمعات البشرية، وهي الممالك، يعني: من الوضع العشائري، الذي كانت عليه المجتمعات البشرية في عصر نبي الله نوح عليه السلام وما قبله، وكذلك إلى عهد نبي الله هود عليه السلام، إلى عهد نبي الله صالح، لكن مع الكثافة السكانية، وانتشار الناس في نطاقٍ جغرافيٍ أوسع، بدأت المجتمعات تتشكل بشكل ممالك (مملكة)، يعني: تشبه حالة دولة في هذا العصر، ممالك معينة؛ لأن الواقع البشري اتَّسع،
– يتحدث صلاح بان السيد عبدالملك يعدد لنا حياة الناس ما بين عهد نوح عليه السلام وعهد نبي الله ابراهيم .
ولد نبي الله إبراهيم عليه السلام في تلك المنطقة، فيما يحسب الآن من جنوب العراق، بالامتداد إلى أطراف تركيا، أو أجزاء من تركيا، وفي تلك المرحلة كان هناك مملكة كبيرة، عليها حاكمٌ ظالمٌ، متكبرٌ، ضالٌّ، وصل به الطغيان إلى أن يدَّعي الألوهية، أن يدَّعي نفسه إلهاً، وكذلك كانت حالة الشرك قد شملت وعمَّت وانتشرت إلى حدٍ كبير في ذلك المجتمع، وتوارثها لأجيال، توارث حالة الشرك لأجيال؛ فاستحكمت في أوساط الناس،
ففي ذلك المجتمع كان هناك تثبيت لدعائم ذلك الباطل، يعني: باطلٌ محميٌ رسمياً من خلال السلطة الحاكمة، وعلى رأسها طاغية وصل به الحال أن يدَّعي لنفسه الربوبية، وكذلك استحكام حالة الشرك التي يتشبث بها المجتمع كموروثٍ اعتاد عليه،وكان مجتمعًا شديداً، ومع أن الطاغية بنفسه، الذي يقال أنه: (النمرود)، وفي بعضها يقال: (النمروذ)، وفي بعضها… تختلف الأسماء باختلاف اللغات، هو بنفسه يدعم تلك الحالة من الشرك ويتبناها، وهي- في نفس الوقت- مرتبطةٌ به،
– لقد بدء السيد عبدالملك بتقديم الاوضاع التي كانت عند مولد نبي الله ابراهيم عليه السلام لنعرف اهمية وجود رسالته في ذلك المجتمع .
على كلٍّ نشأ نبي الله إبراهيم عليه السلام في جنوب العراق، وسط ذلك المجتمع الذي قد وصل به الانحراف إلى ذلك المستوى، فهو مجتمع متشبث بذلك الباطل، وباطلٌ وضلالٌ كبيرٌ قد أصبح مرتكزاً على حماية رسمية من السلطة، وحماية اجتماعية من نفوذ الأشخاص الذين ارتبطوا بمصالح في ذلك الوضع
نشأته كنشأة بقية الأنبياء والرسل، ينشؤون موحِّدين لله تعالى، هذه قضية أساسية، هذا مبدأٌ أساسيٌ، لم يكن هناك أبداً أي رسولٍ أو نبيٍ من أنبياء الله كان قبل رسالته قد اتَّجه في حالة شرك، أو انحرف هذا الانحراف لكن تلك الحالة حالة وصلت إلى محيطه الأسري، حالة الانحراف والشرك، وصلت إلى محيطه الأسري، يعني: حالة مسيطرة على المجتمع من حوله .
– لقد عرفنا السيد عبدالملك على المناخ المجتمعي الذي كان يحيط نشأة نبي الله ابراهيم عليه السلام .
هنالك مقامات لنبي الله إبراهيم، مقامات متعددة، وصلت في نهايتها إلى مستوى الاحتكاك الكبير بينه وبين قومه، إلى درجة أنهم عملوا على حرقه بالنار، وستأتي هذه القصة.
إن شاء الله ندخل في هذه المقامات مع قومه، وكيف هي الأساليب الحكيمة التي عمل بها نبي الله إبراهيم عليه السلام، ليعالج الحالة التي وصلوا اليها من التشبث الشديد بذلك الضلال والباطل
– انتهت المحاضرة وثلاثتهم يشعرون بسرعة انقضاء الوقت ليهمس صلاح قائلاً ليته لم ينتهي ويكمل ليجيبه والده الدكتور احمد لا عليك يا صلاح سنستمع غداً لهذه المقامات المتعلقة بسيدنا ابراهيم عليه السلام مع قومه بإذن الله .