ماذا يعني سقوط حسينة لمستقبل الهند في بنغلاديش؟
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
يمثل سقوط حكومة الشيخة حسينة في بنغلاديش في 5 آب/ أغسطس 2024 نقطة تحول مهمة في المشهد السياسي للبلاد ويفرض تحديات معقدة على الهند، وفي حين أن التحول في السلطة غالبا ما ينظر إليه من خلال عدسة المصالح الهندية، فمن الضروري تحليل الوضع من وجهات نظر متعددة، مع الأخذ في الاعتبار السياق التاريخي، والعوامل المحلية، والآثار الإقليمية.
السياق التاريخي
تميزت فترة ولاية الشيخة حسينة، التي امتدت لأكثر من 15 عاما، بعلاقة وثيقة مع الهند اعتبرها الكثيرون تحالفا استراتيجيا. كانت هذه الشراكة متجذرة في العلاقات التاريخية، التي يعود تاريخها إلى انفصال بنغلاديش عن باكستان في عام 1971، حيث لعبت الهند دورا محوريا. ومع ذلك، مع تقدم حكومة حسينة، واجهت انتقادات متزايدة بسبب الاستبداد، وانتهاكات حقوق الإنسان، والافتقار إلى الحريات الديمقراطية.
ومع هذه القضايا، فإن دعم الهند لنظام حسينة أثار ردود فعل عنيفة داخل بنغلاديش، ونظر العديد من المواطنين إلى دعم الهند على أنه تواطؤ في الإجراءات القمعية للحكومة، مما أدى إلى ارتفاع المشاعر المعادية للهند. وقد أصبحت هذه المشاعر واضحة بشكل خاص خلال الاحتجاجات التي بلغت ذروتها بالإطاحة بحسينة، حيث اتهم المتظاهرون الحكومة الهندية بدعم نظام لا يحظى بشعبية.
التداعيات على الهند
إن تداعيات سقوط الشيخة حسينة من السلطة في بنغلاديش عميقة ومتعددة الأوجه، وخاصة بالنسبة للهند. ولا يؤثر هذا التحول على العلاقات الثنائية فحسب، بل يتردد صداه أيضا من خلال الديناميات الإقليمية، مما يؤثر على المصالح الاستراتيجية للهند والسياسة الداخلية.
انتكاسة استراتيجية للهند
كانت حكومة الشيخة حسينة واحدة من أكثر حلفاء الهند موثوقية في جنوب آسيا، وعلى مدى فترة ولايتها التي استمرت 15 عاما، عملت على تنمية شراكة وثيقة مع الهند، مع التركيز على التعاون الاقتصادي والتعاون الأمني والروابط الثقافية. وسمح موقف رابطة عوامي المؤيد للهند بممارسة الأخيرة نفوذا كبيرا في بنغلاديش، التي تقع في موقع استراتيجي بجوار حدودها الشرقية. ومع الإطاحة بحسينة، تواجه الهند احتمال فقدان هذا الحليف المهم، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع كبير في نفوذها في دكا.
ويصف الخبراء إقالة حسينة بأنها "سيناريو كابوسي" للهند، لأن القيادة البديلة قد لا تتماشى مع المصالح الهندية. والواقع أن الصعود المحتمل للحزب الوطني البنغلاديشي، الذي كان تاريخيا أقل موالاة للهند، يثير المخاوف بشأن تحول في السياسة الخارجية قد يقوض أهداف الهند الاستراتيجية في المنطقة.
زيادة المشاعر المعادية للهند
كانت الاحتجاجات التي أدت إلى استقالة حسينة مشوبة بشدة بالمشاعر المعادية للهند، واتهم العديد من المتظاهرين حكومة حسينة بأنها تستوعب المصالح الهندية بشكل مفرط، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا الخلافية مثل اتفاقيات تقاسم المياه وأمن الحدود. وتشكل هذه المشاعر المعادية للهند المتزايدة تحديا لنيودلهي، التي يجب أن تتنقل في مشهد سياسي حيث قد ينقلب الرأي العام ضدها بشكل متزايد.
لقد أدى دعم الهند طويل الأمد لإدارة حسينة، على الرغم من اتجاهاتها الاستبدادية، إلى تنفير قطاعات من السكان في بنغلاديش. ويرى المحللون أن فشل الهند في التعامل مع أحزاب المعارضة وجماعات المجتمع المدني جعلها عرضة للتحولات في المشهد السياسي. وإذا تبنت الحكومة الجديدة موقفا أكثر قومية، فقد تجد الهند نفسها في مواجهة عداء متزايد وعلاقة متدهورة مع جارتها.
نظام الحصص والسخط العام
كان أحد العوامل المحفزة للاحتجاجات التي أدت إلى سقوط حسينة هو نظام الحصص للوظائف الحكومية المثير للجدل. وقد صُمم نظام الحصص في البداية لمنح الأفضلية لعمال رابطة عوامي، ولكنه أصبح مصدر إحباط للعديد من الشباب البنغلاديشيين الذين شعروا أنه يحد من فرصهم. وأشعلت إعادة نظام الحصص في حزيران/ يونيو 2024، بعد إلغائه في عام 2018، احتجاجات واسعة النطاق، لا سيما بين الطلاب الذين طالبوا بعملية توظيف على أساس الجدارة. ولم تكن الاحتجاجات تتعلق بنظام الحصص فحسب؛ بل كانت تشمل مظالم أوسع نطاقا ضد حكومة حسينة، بما في ذلك سوء الإدارة الاقتصادية والممارسات الاستبدادية. وأثارت حملة القمع العنيفة ضد المتظاهرين، التي أسفرت عن مقتل المئات، غضبا شعبيا وأدت في النهاية إلى استقالة حسينة.
دور الصين
إن الاضطرابات السياسية في بنغلاديش تمثل فرصة كبيرة للصين لتوسيع نفوذها في المنطقة. لقد كانت الصين تستثمر بشكل نشط في بنغلاديش من خلال مبادرة الحزام والطريق، ومن الممكن أن ترحب الحكومة الجديدة الأقل انحيازا للهند بزيادة الاستثمار والدعم الصيني. ويشكل هذا التحول تحديا استراتيجيا للهند، التي كانت حذرة من الوجود الصيني المتنامي في جنوب آسيا، فالوجود الصيني الأقوى في بنغلاديش يمكن أن يقوض نفوذ الهند ويعقد حساباتها الاستراتيجية في المنطقة.
الديناميات الإقليمية والمخاوف الأمنية
سقوط حكومة حسينة جزء من اتجاه أوسع نطاقا في جنوب آسيا، حيث تسعى الدول الأصغر بشكل متزايد لتأكيد استقلالها عن النفوذ الهندي. وقد أظهرت دول مثل نيبال وسريلانكا وجزر المالديف علامات على النأي بنفسها عن الهند، وغالبا ما تتماشى بشكل أوثق مع الصين أو باكستان. ويثير هذا الاتجاه مخاوف الهند، لأنها تخاطر بفقدان مجال نفوذها التقليدي في المنطقة.
علاوة على ذلك، فإن عدم الاستقرار السياسي في بنغلاديش قد تكون له آثار على الأمن الإقليمي. إن الحكومة الأقل انحيازا للهند قد تكون أقل تعاونا في قضايا مثل مكافحة الإرهاب وأمن الحدود، مما قد يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار في منطقة مليئة بالتحديات بالفعل.
التداعيات السياسية المحلية
من المرجح أن يكون للتطورات في بنغلاديش تداعيات على السياسة الداخلية الهندية أيضا. وقد تواجه حكومة مودي، التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بإدارة حسينة، تدقيقا بشأن تعاملها مع العلاقات مع بنغلاديش. وقد بدأت أحزاب المعارضة في الهند بالفعل في استغلال الوضع للتشكيك في فعالية السياسة الخارجية للحكومة. كما يمكن أن تصبح المخاوف بشأن سلامة الأقلية الهندوسية في بنغلاديش، خاصة في ضوء الاحتجاجات، نقطة محورية للخطاب السياسي في الهند.
وقد يستغل حزب المؤتمر الوطني الهندي وأحزاب المعارضة الأخرى الوضع لانتقاد نهج حكومة مودي في الدبلوماسية الإقليمية، بحجة أنها فشلت في توقع قوة المعارضة لحسينة، وقد يؤدي هذا إلى زيادة الضغوط على الحكومة لوضع استراتيجية واضحة للتعامل مع المشهد السياسي الجديد في بنغلاديش.
الشواغل الإنسانية
أثار العنف والاضطرابات في بنغلاديش شواغل إنسانية، لا سيما فيما يتعلق بمعاملة الأقليات، بما في ذلك الهندوس. وسوف تتعرض حكومة مودي، التي تتمتع بدعم الناخبين الهندوس، لضغوط شديدة لمعالجة أي أعمال عنف ضد هذه المجتمعات. وكان ينظر إلى حكومة رابطة عوامي السابقة على أنها أكثر تعاطفا مع حقوق الهندوس، وأي تدهور في الوضع يمكن أن يؤدي إلى زيادة التدقيق في استجابة الهند.
يمثل سقوط حكومة الشيخة حسينة في بنغلاديش نقطة تحول مهمة ذات آثار بعيدة المدى على الهند، ففقدان حليف رئيسي، وصعود المشاعر المعادية للهند، واحتمال زيادة النفوذ الصيني، كلها تشكل تحديات لنيودلهي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حسينة بنغلاديش الهند المصالح العلاقات الاحتجاجات احتجاجات الهند علاقات بنغلاديش مصالح مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشیخة حسینة فی بنغلادیش حکومة حسینة فی المنطقة نظام الحصص
إقرأ أيضاً:
ماذا نعرف عن قوات كوريا الشمالية التي تؤازر روسيا؟
أكد حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن قوات من كوريا الشمالية انتشرت في روسيا. وكانت تقارير أشارت إلى وجودهم هناك منذ عدة أشهر، والآن ثمة أدلة متزايدة على أن هناك ما يصل إلى 10 آلاف جندي يرافقهم عدد من القادة، بينهم 3 جنرالات، قد انتقلوا من كوريا الشمالية إلى مناطق سيطرة الجيش الروسي في مقاطعة كورسك جنوبي روسيا، وأنهم سيشاركون قريبا في عمليات قتالية.
وجمع الصحفي في موقع الجزيرة الإنجليزي أليكس غاتوبولوس معطيات رئيسية بشأن انتشار هذه القوات في منطقة النزاع والأسباب التي تدفع كوريا الشمالية للمشاركة في الحرب الروسية مع أوكرانيا:
قوات قليلة الخبرةلا إنكار لصلابة الجندي الكوري الشمالي، لكن قوات هذا البلد لم تخض تجربة القتال بالوسائل والأسلحة المتطورة للقرن الحادي والعشرين.
وهذا الميدان تجتمع فيه الطائرات المسيّرة وأجهزة الاستشعار والمراقبة الدائمة مع تكتيكات القتال القديمة عبر الخنادق والمدفعية بعيدة المدى. وهي خبرات تحتاج إليها كوريا الشمالية بشدة إذا أرادت أن تشن حربا على جارتها الجنوبية.
الزعيمان الكوري الشمالي (يمين) والروسي خلال لقاء جمعهما في بيونغ يانغ في يونيو/حزيران الماضي (رويترز) مكاسب كوريا الشماليةعانت الدولة الشيوعية المنعزلة من تراجع المحاصيل الزراعية في عدة مواسم متتالية وتواجه حاليا شحا في إمدادات الغذاء. كما أنها تواجه نقصا في الأموال التي تحتاجها في السوق السوداء، إذ إن الالتفاف على العقوبات الدولية باهظ التكلفة.
وتستطيع روسيا المساعدة في حل أزمات بيونغ يانغ، وذكرت تقارير أنها تدفع ما يصل إلى 2000 دولار للجندي الواحد. وهناك علاقات عسكرية وثيقة بين البلدين وقد وقعا في الآونة الأخيرة معاهدة دفاعية.
وتزود كوريا الشمالية روسيا بكميات كبيرة من ذخائر المدفعية عيار 122 مليمترا و152 مليمترا بالإضافة إلى قذائف الهاون والصواريخ التي تستخدمها الراجمات الروسية المتعددة.
واستُخدمت صواريخ كوريا الشمالية في القتال ضد أوكرانيا، لكن جودتها منخفضة. وتستطيع روسيا إرسال مستشارين تقنيين لتحسين جودة وإنتاجية تلك الصواريخ والذخائر.
مكاسب روسيااستخدمت موسكو موارد ضخمة لمواجهة التوغل الأوكراني في كورسك جنوبي روسيا، وشنّ حملتها الهجومية في دونيتسك شرقي أوكرانيا. وقد نجحت في احتواء الهجوم الأوكراني على أراضيها، وصارت تتقدم في دونيتسك حيث تشن هجمات متتالية يصعب صدها على مدينة بوكروفسك.
لكن هذا كلف روسيا أثمانا باهظة، إذ تشير التقديرات إلى أن 80 ألف جندي قتلوا أو جرحوا في هذه العمليات، أي بمعدل 1200 جندي يوميا، وهي خسارة كبيرة لا تتحملها حتى روسيا.
وربما يكون المدد الكوري الشمالي هو ما تحتاجه روسيا الآن، بعد أن صارت قواتها منهكة بشدة عقب أشهر من القتال.
ماذا سيفعل الكوريون؟من المحتمل أن تستخدم روسيا القوات الكورية الشمالية في الخطوط الأمامية، مثلما دفعت في السابق بموجات من الوحدات الروسية.
وهؤلاء الجنود الذين يفتقرون للخبرة القتالية هم أصلح للانتشار في المواقع الدفاعية، ما يعني تفريغ المزيد من القوات المدربة لشنّ عمليات هجومية لاستعادة الأراضي الروسية التي انتزعتها أوكرانيا.
وهذه الغاية هي التي تدفع روسيا حاليا لحشد المشاة والمدفعية والدبابات في كورسك، استعدادا لشن هجوم معاكس جديد.
مسار الحربستودي الاستعانة بالقوات الكورية إلى تداعيات قريبة وبعيدة على مسار الحرب.
وهناك سؤالان هنا: الأول، كيف ستؤثر العملية الروسية في كورسك على مسار الحرب إذا كللت بالنجاح؟ والثاني، ماذا سيكون تأثير العنصر الكوري فيها؟.
إذا تمكنت روسيا من طرد القوات الأوكرانية حتى الحدود، فستفقد كييف ورقة تفاوضية مهمة كان بالإمكان استغلالها في المفاوضات النهائية.
كما أن هذه النتيجة قد تمكن روسيا من تفريغ عشرات الآلاف من جنودها للقتال في دونيتسك، بؤرة الحرب بأكملها، وهو ما يعني تعزيز فرصها في بسط السيطرة على هذه المقاطعة.
مخاوف أوكرانياتخشى أوكرانيا ومعها حلف الناتو أن تكون القوات الكورية الشمالية في كورسك طليعة لمزيد من القوات التي ستأتي تباعا.
وإذا اتجهت روسيا للتصعيد بالدفع بأعداد كبيرة من القوات الأجنبية إلى هذا الصراع، فما الذي سيمنع دول الناتو من الدفع بوحدات متطوعة للقتال نيابة عن أوكرانيا؟.
وتوجد حاليا أعداد صغيرة من المتطوعين الأجانب يقاتلون على كلا الجانبين. لكن فتح الباب رسميا من قبل الناتو للدفع بقوات أجنبية في هذا الصراع سيكون أمرا مختلفا تماما وسيضع الناتو والقوات الروسية في مواجهة مباشرة.
ويعني هذا أن مخاطر الحسابات الخاطئة والتصعيد المنفلت باتت واقعية جدا، حتى بالنظر إلى التطورات السياسية في الولايات المتحدة التي انتخبت دونالد ترامب رئيسا جديدا، وهو الذي تعهد خلال حملته بوضع حد للحرب بين روسيا وأوكرانيا.